وهذا يعني ان هناك شكلين من اشكال الاستبعاد الاجتماعي في المجتمعات المعاصرة, الأول هو الاستبعاد اللا ارادي لأولئك القابعين في القاع والمعزولين عن التيار الرئيسي للفرص التي يتيحها المجتمع, اما الشكل الثاني فهو الاستبعاد الارادي, حيث تنسحب الجماعات الثرية من النظم العامة واحيانا من القسط الأكبر من ممارسات الحياة اليومية فيما يطلق عليه ثورة جماعات الصفوة, وتعيش هذه الجماعات داخل مجتمعات محاطة بالاسوار بمعزل عن بقية افراد المجتمع, وتنسحب من نظم الصحة العامة والتعليم العام والخدمات الأخري المتاحة في المجتمع الكبير. بنظرة إلي المجتمع المصري في الوقت الراهن نجد ان ما سبق الاشارة إليه يتمثل في المجتمع بوضوح بل انه يمكن القول إن المجتمع المصري يعد نموذجا للاستبعاد الاجتماعي باشكاله ويؤكد علي ذلك تقرير التنمية البشرية حيث يشير إلي ان19% من نسبة السكان يعيشون تحت خط الفقر وفقا للمعايير التي وضعها البنك الدولي مع وزارة التخطيط في مصر, اما نسبة الأطفال المحرومين من التعليم الابتدائي في مصر فانها تبلغ13% وهؤلاء هم فقراء المستقبل, وان نسبة لاتتعدي10% من السكان تسيطر علي رءوس الاموال والمناصب العليا, والواقع يشير إلي ان هذه الفئات تسعي لانشاء مدن عمرانية جديدة ومنتجعات مسورة ذات ابواب خاصة وتتمتع بخدمات امنية وحواجز تبعد عنهم نظائرهم من المواطنين, وفي هذه الحالة تكون الاقلية في وضع يمكنها من استبعاد الاكثرية, حيث تعيش هذه الجماعة بمعزل عن بقية المجتمع. بمزيد من التمحيص إلي نظام التعليم المصري نجد انه انعكاس واضحا للنظام الاجتماعي والاقتصادي, حيث ينقسم التعليم إلي: اولا: تعليم قومي, ويتمثل في تعليم ديني تمثله المدارس الأزهرية والمدارس الخاصة الإسلامية والمدارس المسيحية, وتعليم عربي وتمثله المدارس الحكومية والمدارس الخاصة عربي, وتعليم اللغات وتمثله المدارس التجريبية, ومدارس اللغات الخاصة, ويتميز كل نوع من المدارس السابقة بثقافة خاصة تميزه عن النظم الاخري, وعلي الرغم من ذلك فان هذه المؤسسات تشترك جميعها في عموميات الثقافة, فاللغة العربية هي لغة أولي في جميع المدارس السابقة بما في ذلك مدارس اللغات, كما ان مادة الدراسات الاجتماعية هي مادة اساسية وتدرس باللغة العربية وتلتزم جميع المدارس بمنهج موحد بما في ذلك مدارس اللغات, ولذلك تندرج جميع المدارس السابقة تحت مسمي التعليم القومي. ثانيا: تعليم اجنبي متعدد الروافد والمتمثل في المدارس الأمريكية والفرنسية والكندية والالمانية والانجليزية ويلتزم كل نظام تعليم من الانظمة السابقة بتدريس مناهج الدولة التابع لها, فالمدرسة الكندية تلتزم بتدريس المنهج الكندي, والمدرسة الانجليزية تلتزم بتدريس المنهج الانجليزي, والمدارس الأمريكية بتدريس المنهج الأمريكي, وفي هذه الانظمة تعتبر اللغة الانجليزية ـ الالمانية ـ الفرنسية هي اللغة الأولي بالنسبة للتلاميذ, ويخير التلاميذ بين اللغة العربية ولغة اجنبية اخري كلغة ثانية, وعادة ما يختار التلاميذ العرب اللغة العربية كلغة ثانية, ويتم تدريس المنهج الوزاري في اللغة العربية, ولكن ذلك يتم في اضيق الحدود, حيث يكتفي بتدريس اجزاء محدودة من كتاب الوزارة. وبما ان النظام التعليمي يعتبر نظاما فرعيا متفاعلا مع النظم القومية في المجتمع ومقارنة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع المصري يصبح التقسيم الفعلي للمجتمع علي هذا النحو: تعليم اجنبي للصفوة, ويخص الشرائح العليا من المجتمع والتي تمثل النخبة الاقتصادية والسياسية تعلم أبناءها في مدارس اجنبية علي اختلاف انواعها, وهي الفئة الأكثر تأثيرا في المستقبل, وتعليم قومي للعامة, ويخص الطبقة المتوسطة التي يتعلم ابناؤها بمدارس التعليم الخاص علي أختلاف مستوياته من مدارس اللغات التي تحولت إلي مدارس لفقراء الطبقة العليا الجديدة إلي المدارس التجريبية ومدارس منخفضة المصروفات( تعليم قومي) وتعليم حكومي مجاني للفقراء, أو لاتعليم علي الاطلاق لهؤلاء القابعين في القاع. هناك مجموعة من النتائج المترتبة علي هذا الواقع التعليمي وابرزها أنه يكرس هذا الواقع التعليمي الاستبعاد الاجتماعي ويمده إلي المستقبل, فعندما يعيش ابناء الطبقة الاجتماعية العليا في مجتمعات ومنتجعات خاصة منعزلين عن المجتمع يتعلمون في مدارس خاصة تعليما أجنبيا خالصا ويتحدثون لغة مختلفة يتبنون قيما مختلفة ويشعر هؤلاء الابناء بالسعادة بهذا الاستبعاد علي اعتبار انه نوع من التميز وتنسحب هذه الفئات إلي اعلي بعيدا عن الواقع المتردي, ونظرا لتميزهم التعليمي والطبقي يتولي هؤلاء الابناء المناصب العليا في المجتمع ويستأثرون بالمراكز القيادية ويرجع ذلك إلي تميزهم التعليمي أو إلي توارثهم للمناصب العليا لآبائهم, ونحن نتساءل كيف يكون اداء هذه الفئة عندما تتولي مناصب تتعلق بالفئات الأخري؟ أما الفئة الثانية المستبعدة لااراديا هم هؤلاء الابناء الذين تلقوا تعليما حكوميا أو لم يتلقوا تعليما علي الاطلاق, فلقد تم استبعادهم بشكل نهائي من اي فرص ترقي في المستقبل. ماذا يعني هذا؟ ان فئات المجتمع تتحول إلي جزر ثقافية منعزلة, وتتعدد ولاءات المجتمع المصري, ويعمل ذلك علي عدم وجود وحدة في الفكر والعمل بين فئات المجتمع, مما يسهم في قلة التفاعل الاجتماعي وضعف تماسك افراد المجتمع وارتباطهم, ويؤدي ذلك إلي تفكك النسيج الاجتماعي, في الوقت الذي تحتاج الدولة فيه إلي كل اشكال التعاون الاجتماعي والتماسك والوحدة الاجتماعية.
|
ساحة النقاش