الداء المقيم في جسم التعليم
بقلم: حامد عمار
تشهد الساحة التعليمية عادة إثر كل تغيير وزاري تحركات متعجلة تؤثر الإمساك بقضايا إجرائية جزئية في محيط المنظومة التعليمية‏,
 
 

 

‏ متناسية أو متجاهلة قضيتين لهما تأثير بالغ في مسيرة تطوير التعليم‏,‏ إما للصعوبات أو التعقد أو لأنهما خارج الإطار الفني للتعليم‏,‏ واعتبارهما هما مجتمعيا سياسيا‏.‏ ذلك العاملان هما‏.‏
اولا‏:‏ هم التمويل‏:‏ وقد اشرنا إليه في مقالين سابقين في الأهرام ـ والهم الثاني هو الدروس الخصوصية التي نذكر بمخاطرها في هذا المقال‏.‏ ومما يؤسف له أن معظم الأطراف المعنية بالعملية التعليمية قد اعتبرتها أمرا يمكن ان يصرف عنه النظر مؤقتا بحلول مرحلة التطوير الحالية‏.‏
لقد اعتبرها أولياء الأمور مع ما ينفقون فيها من مليارات لابد من قبوله تضحية في سبيل إتاحة التفوق لأبنائهم‏..‏ ووجد فيها الطلاب مجالا مختصرا قليل المعاناة في التعلم‏.‏ وأتاحت لمؤلفي الكتب الخارجية ومذكراتهم سوقا للتوزيع‏,‏ كما فتحت شهية قطاع من المعلمين إلي تكوين ثروات تضعهم في قائمة أصحاب الملايين‏.‏ لقد غدت الدروس الخصوصية وباء كالطاعون أو كالسرطان الخبيث في انتشاره ينهش في الجسم التعليمي‏.‏ وقد وجد انتشار الداء مبررات تنطلق من تدني الأوضاع الاقتصادية للمعلمين وأعضاء هيئات التدريس‏,‏ ومن التذرع بكثافة الفصول مما لا يتيح لهم التدريس الفعال‏,‏ نجم عن مثل تلك التبريرات أن اطمأنت ضمائر جماعة من المعلمين والأساتذة الي التهاون في أداء واجباتهم‏,‏ مما هيأ المناخ للطلب علي الدروس الخصوصية لدي كل من اولياء الأمور والطلاب‏.‏
إن الشكوي متواصلة مع ما بذلته الدولة من تحسين في الأجور في كادر المعلمين الجديد‏.‏ والحاصل أن شكواهم لا تقتصر عليهم حيث إن معظم العاملين في الدولة يتطلعون الي تحسين أوضاعهم مما فتح آفاقا واسعة للفساد والإفساد‏,‏ في كثير من قطاعات العمل الأخري‏,‏ مما يبرر تخلي الجميع عن أداء مسئولياتهم بأقصي ما يستطيعون من جهد‏,‏ وفاء لحق الوطن والمواطنين‏.‏ ونحن نؤكد هنا أن ظاهرة الفساد والإفساد في كثير من أنشطة الدولة في حاجة الي اقتلاع من جذورها‏,‏ وهي اخطر ما تكون في مهنة التعليم‏,‏ ففي تنشئة المواطن وتكوينه لا يمكن التبرير بأن الضرورات الاقتصادية والمالية تبيح المحظورات التربوية والوطنية‏,‏ سواء من قبل الدولة أو الأفراد العاملين‏,‏ وإذا قام منهج التعامل في أي مجتمع علي استغلال المنتج للمستهلك تهاوت مقومات العدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص‏,‏ وأهدر اقتران الحق بالواجب‏,‏ بل وتصدعت وشائج علاقات الانتماء بين المواطن ومؤسسات الدولة‏.‏ ونود أن نؤكد هنا أن الدورس الخصوصية إنما تؤدي الي تآكل كثير من الجهود المبذولة في تطوير التعليم‏,‏ ومن ثم فإنها تمثل استنزافا وخسائر فادحة منظورة وغير منظورة لسيرورة تطوير التعليم‏,‏ إن ما تحدثه من خسائر ينتقص باليسار ما تسعي الوزارة إلي إنجازه باليمين‏,‏ ممتدة آثار تلك الخسائر إلي جملة مكونات المنظومة التعليمية‏,‏ ومما تجدر ملاحظاته أنه ما من مشروع إصلاحي إلا يواجه عقبة الدورس الخصوصية‏.‏
ثم إنه نظرا للتنافس علي الالتحاق بما يعرف بــ كليات القمة‏,‏ فقد جري ارتفاع باهظ في تكلفة الدروس الخصوصية في مواد العلوم الطبيعية والرياضيات واللغات الاجنبية كما ابتعد عنها فريق من الطلاب لارتفاع تسعيرة دروسها الخصوصية وتدنت في نظر الطلاب‏,‏ بل والمجتمع بأسره قيمة العلوم الاجتماعية والإنسانية‏,‏ وفي هذه الطبقية تشويه مخل للقيمة المجتمعية لمختلف المعارف والعلوم‏,‏ ولكل ما تتطلبه ثورة المعلومات ومجتمع المعرفة من ترابط وتشابك بين مختلف صنوف المعارف‏.‏ والتفت طبقية المواد الدراسية بطبقية لدي المعلمين انفسهم بين الذين يدرسون المواد المؤهلة لكليات القمة والمواد الاخري‏.‏
أما خسائر الطلاب فهي فادحة ايضا‏,‏ حيث تتولد لدي الطالب نزعات الاغتراب عن المدرسة والقفز فوق اسوارها‏,‏ وعن عدم احترام المعلم‏,‏ وقيم البيئة التعليمية وتختزل لدي الطالب أي تأثير لها من حيث تنمية مختلف جوانب شخصيته خاصة فيما يتصل بمجالات الأنشطة والهوايات‏,‏ ولعل هذا الاغتراب عن المدرسة أو الكلية اعتمادا علي الدروس الخصوصية‏,‏ يتيح للطلاب وبالذات في مرحلة المراهقة والشباب مساحة واسعة للفراغ وممارسة المشاغبة ونزعات العدوانية لديهم‏,‏ وقد يلجأ بعضهم الي الزوغان ليلتحقوا بأقران السوء ومصادر الانحراف خارج أسوار المدرسة أو الكلية‏.‏
ومبلغ القول‏:‏ أن علي وزارتي التعليم التصدي لوباء الدروس الخصوصية بمواجهة مباشرة حاسمة‏,‏ اهتداء بمقولة أن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن‏,‏ وأن الاتجار بالتعليم أخطر من الاتجار بأقوات الشعب‏.‏ ومعهما في هذه المواجهة كل القوي المجتمعية التشريعية والتنفيذية والأمنية والإعلامية وهيئات المجتمع المدني من أجل وقاية الجسم التعليمي من وباء هذا الطاعون‏,‏ ومع وقاية المقاومة يأتي العلاج الصحيح من خلال توفير الموارد المالية اللازمة كأولوية أخري قاطعة ضمانا لسلامة وعافية الجسم التعليمي‏,‏ ومع الوقاية والعلاج يسلم هذا الجسم بمختلف اعضائه البدنية والعقلية والوطنية والأخلاقية‏.‏
أنشد معذرة القارئ لهذا المقال الي أنه قد ذكرني بمقولة ذلك الصوفي العظيم‏:(‏ معركتان في الحب لا يصح الوضوء لهما إلا بالدم‏)‏ وفي معالجة هذين الهمين‏:‏ الفجوة التمويلية‏,‏ وقطع دابر الدروس الخصوصية يتجسد أهم عاملين في تطوير التعليم‏,‏ وفي مواجهتهما فليتنافس المتنافسون‏.‏
 

 

المزيد من مقالات حامد عمار
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 173 مشاهدة
نشرت فى 28 إبريل 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,797,156