من أسرار القرآن بقلم: د. زغلول النجار ‏334‏ وقفينا بعيسي ابن مريم وآتيناه الإنجيل. فى هذا النص القرآني الكريم جاء في خواتيم سورة الحديد وهي سورة مدنية‏,‏ وآياتها تسع وعشرون‏(29)‏ بعد البسملة‏.‏ وقد سميت بهذا الاسم لحديثها عن إنزال الحديد إلي الأرض من السماء‏,‏ وهي حقيقة لم تتوصل إليها المعارف المكتسبة إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ كما تتحدث السورة الكريمة عما في الحديد من بأس شديد‏,‏ وماله من منافع للناس وهو مااثبتته المعارف المكتسبة كذلك مؤخرا‏.‏ وسورة الحديد هي السورة الوحيدة من بين سور القرآن الكريم التي تحمل اسم عنصر من العناصر المعروفة لنا‏,‏ والتي يبلغ عددها أكثر من مائة عنصر‏.‏ ويدور المحور الرئيسي لسورة الحديد حول قضية التشريع الإسلامي ـ شأنها في ذلك شأن كل السور المدنية ـ وإن لم تغفل قضية العقيدة الإسلامية‏.‏ هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة الحديد‏,‏ وماجاء فيها من تشريعات‏,‏ وركائز العقيدة الإسلامية‏,‏ وعدد من الإشارات العلمية‏,‏ ونركز هنا علي أوجه الإعجاز التاريخي والتربوي والعلمي في وصف القرآن الكريم لعدد من المواقف الرئيسية في سيرة عبدالله ونبيه المسيح عيسي ابن مريم ـ علي نبينا وعليه من الله السلام ـ وذلك في النص الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال وفي غيره من آيات القرآن المجيد‏.‏ من أوجه الاعجاز في استعراض القرآن الكريم لعدد من المحطات الرئيسية في سيرة المسيح عيسي ابن مريم ـ عليه السلام ـ‏:‏ جاء ذكر المسيح عيسي ابن مريم ـ عليه السلام ـ في كتاب الله خمسا وثلاثين مرة‏(35)‏ منها ماجاء باسم المسيح‏(3‏ مرات‏),‏ وماجاء باسم عيسي‏(9‏ مرات‏),‏ وماجاء باسم ابن مريم‏(‏ مرتان‏)‏ وباسم عيسي ابن مريم‏(13‏ مرة‏)‏ وباسم المسيح ابن مريم‏(5‏ مرات‏)‏ وباسم المسيح عيسي ابن مريم‏(3‏ مرات‏),‏ وهذه الآيات القرآنية الكريمة تشير إلي الحقيقة التاريخية والدينية لرسول من أولي العزم من الرسل هو المسيح عيسي ابن مريم‏(‏ عليه وعلي أمه السلام‏),‏ وتشير الآيات إلي أن السيدة مريم ابنة عمران رزق بها والدها علي الكبر إثر دعاء عريض‏,‏ فكانت ابنة لابوين صالحين‏,‏ وكان أبوها من بيت النبوة حيث ينتمي نسبه إلي سليمان بن داود ـ عليهما السلام ـ وبلغ بالأبوين الصالحين الكبر دون أن يرزقا بذرية فتوجهت زوجة عمران إلي الله ـ تعالي ـ بالدعاء أن يرزقها ولدا تهبه لخدمة المسجد الأقصي‏,‏ والقيام علي سدانته‏,‏ ومع إلحاحها في الدعاء‏,‏ وإخلاصها وخشوعها استجاب الله ـ سبحانه وتعالي ـ دعاءها فحملت‏,‏ وقبل أن تضع حملها فارق زوجها العبد الصالح عمران دنيا الناس وترك زوجته الحامل أرملة‏.‏ ولما جاء وقت الوضع‏,‏ فوجئت أرملة عمران بأن وليدها أنثي‏,‏ فسمتها مريم وعرفت باسم مريم ابنة عمران وفي ذلك يقول القرآن الكريم‏:‏ ‏[‏ إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين‏,‏ ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم‏*‏ إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك مافي بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم‏,‏ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثي والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثي وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏*](‏ آل عمران‏:33‏ ـ‏36).‏ وتنازع الصالحون المعاصرون فيما بينهم من يكفل مريم‏,‏ ولكن الله ـ تعالي ـ كفلها زوج خالتها‏,‏ الذي كان نبي ذلك الزمان في قومه‏,‏ وهو العبد الصالح والنبي الصالح زكريا الذي رعاها حتي كبرت‏,‏ وفي ذلك يقول القرآن الكريم‏:‏ ‏(‏ فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب‏](‏ آل عمران‏:37).‏ ‏[‏ وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين‏,‏ يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين‏,‏ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وماكنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وماكنت لديهم إذ يختصمون‏*‏ إذ قالت الملائكة يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسي ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين‏,‏ ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين‏](‏ آل عمران‏:42‏ ـ‏46).‏ اجتهدت مريم في العبادة والتنسك والزهد في الدنيا‏,‏ والتبتل في الطاعة حتي فوجئت في يوم من الأيام بالملائكة تبشرها بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ سوف يهب لها ولدا زكيا‏,‏ وأن هذا الولد سيكون نبيا كريما مؤيدا بالمعجزات‏,‏ فتعجبت من قضاء الله‏,‏ وفي ذلك يقول القرآن الكريم‏:‏ ‏(‏إذ قالت الملائكة يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسي ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين‏,‏ ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين‏,‏ قالت رب أني يكون لي ولد ولم يمسني بشر قال كذلك الله يخلق مايشاء إذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون‏](‏ آل عمران‏:45‏ ـ‏47).‏ ‏[‏ واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا‏,‏ فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا‏,‏ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا‏*‏ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا‏*‏ قالت أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا‏*‏ قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا‏*‏ فحملته فانتبذت به مكانا قصيا‏*‏ فأجاءها المخاض إلي جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا‏*‏ فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا‏*‏ وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا‏*‏ فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا‏*‏ فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا‏,‏ ياأخت هارون ماكان أبوك امرأ سوء وماكانت أمك بغيا‏*‏ فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا‏*‏ قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا‏*‏ وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا‏*‏ وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا‏*‏ والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا‏](‏ مريم‏:16‏ ـ‏33).‏ وعند بلوغ عيسي ابن مريم سن الثلاثين جاءه وحي السماء بالنبوة والرسالة‏,‏ وأنزل عليه الإنجيل وأمره الله ـ تعالي ـ بدعوة بني إسرائيل إلي دين الله الحق‏(‏ الاسلام‏)‏ بعد أن كانوا قد انحرفوا عنه‏,‏ وأشركوا بالله‏,‏ وعبدوا الأصنام والأوثان‏,‏ وطففوا المكيال والميزان‏,‏ وأقبلوا علي ماديات الحياة بشراهة منقطعة النظير‏,‏ وعبدوا المال والجاه والسلطان من دون الله‏,‏ وحرفوا التوراة‏,‏ وزوروا تعاليم الله‏,‏ وأفسدوا في الأرض إفسادا كبيرا‏,‏ وأشاعوا فيها مختلف صور النفاق‏,‏ والرياء‏,‏ والكذب‏,‏ والطمع‏,‏ والشره‏.‏ فتفشت بينهم المظالم والمفاسد والتجاوزات التي انحطت بهم إلي مادون مستوي الحيوانات‏.‏ مضي نبي الله ورسوله عيسي ابن مريم في دعوته لليهود من أجل أن يعودوا إلي دين الله‏(‏ الإسلام‏)‏ الذي علمهم إياه رسولهم موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ ولكن لم يؤمن معه إلا أقل القليل من الحواريين ومن فقراء اليهود وضعفائهم‏,‏ ولذلك بدأ كفار اليهود في شن حملاتهم عليه فاتهموا أمه بالزنا‏(‏ شرفها الله‏)‏ واتهموه هو بالسحر والهرطقة والكذب والاتصال بالشياطين‏,‏ وهو الرسول الموصول بالوحي والمؤيد بجبريل‏(‏ عليه السلام‏).‏ ثم أخذ اليهود في الكيد لنبي الله عيسي ابن مريم ـ عليهما السلام ـ عند الرومان الذين كانوا يحتلون أرض فلسطين آنذاك‏,‏ وأقنعوا الوالي الروماني أن نبي الله عيسي يكتل الناس حوله للقيام بعصيان مدني أو ثورة شعبية ضد الرومان المحتلين فحاولوا القبض عليه وصلبه حيا‏,‏ ولكن الله ـ تعالي ـ رفعه إليه ونجاه من كيدهم‏.‏ من هذا الاستعراض للاشارات القرآنية التي جاءت بشيء من ذكر عبدالله ورسوله المسيح عيسي ابن مريم ـ عليهما السلام ـ تتضح أوجه من الإعجاز التاريخي والتربوي والعلمي تشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتي يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الخلق أجمعين إلي يوم الدين‏.‏

المصدر: مؤسسة الأهرام
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 401 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,762,348