لمواجهة أمية المتعلمين: الخبراء يطالبون بعودة المناهج الثقافية إلي جانب الدراسية العربي يقرأ 10 دقائق ونصف صفحة في السنة.. مقابل 12 ألف دقيقة و11 كتاباً في الغرب دراسة حديثة:الأمريكيون لا يستطيعون الاستغناء عن الكتاب رغم التقشف والأزمات الاقتصادية |
أحمد عبدالفتاح |
الثقافة هي الميراث الاجتماعي لكافة إنجازات البشرية. وإذا كانت الثقافة هي كما يقول الناقد الفرنسي ¢سانت بيف¢ هي أسلوب الشعب في الحياة فإنها إذن هذا الشعب نفسه بكل خصائصه المميزة له أو التي يشترك فيها مع غيره من الشعوب. وبالتالي فإن الحفاظ علي الهوية الثقافية بات هو التحدي الجسيم الذي يواجه الأمم والشعوب في عالم اليوم حيث تروج العولمة لسيادة النموذج الأمريكي بكل ما يحمله من قيم ثقافية مغايرة. وهو ما حدا بالعديد من دول العالم إلي تبني استراتيجيات مضادة للحفاظ علي هويتها وقوميتها الوطنية. ولكن الطامة الكبري عندنا أننا نعاني ليس فقط من التهميش الثقافي علي المستوي الخارجي ولكننا نعاني أيضاً من أمية ثقافية متأصلة في ظل واقع مرير يتسم بتراجع الوعي الثقافي وتدهور النظام التعليمي وذيوع الجهل وتدني مستوي الخطاب الإعلامي وتراجع قيمة الثقافة في قائمة الأولويات سواء علي مستوي الفرد أو المجتمع. دراسة مثيرة الواقع أن ما دفعني لتناول هذه القضية الخطيرة أنني قرأت دراسة أمريكية مثيرة في الأسبوع الماضي. قالت أنه خلال الاوقات الاقتصادية الصعبة عندما يحاول المستهلكون الامريكيون تقليص نفقاتهم فإن اللذة التي لا يستطيعون علي مايبدو العيش بدونها هي الكتب. فقد قال 75% ممن شملتهم الدراسة انهم يمكنهم التضحية بقضاء العطلات وتناول الغداء بالخارج والذهاب الي دور العرض السينمائي بل حتي الحد من اقبالهم علي التسوق لكن لا يمكنهم مقاومة شراء الكتب. وحاولت الدراسة التي شملت 3000 شخص تحديد ما الذي يغري الناس علي انفاق اموالهم وماهو رد فعلهم علي الاغراء وما هو مدي استسلامهم له . شراء الكتب يمثل لذة لدي الأمريكيين والعديد من مواطني الدول المتحضرة الذين اصطفوا بالآلاف في طوابير طويلة ومناخ يتسم بالبردوة الشديدة أمام المكتبات من أجل شراء نسخة من السلسة السابعة لرواية "هاري بوتر" التي حققت مبيعات في الأسبوع الأول من طرحها في الأسواق فاقت المليون نسخة. أما نحن في مصر والدول العربية فمازال الكتاب أبعد ما يكون عن صلب اهتماماتنا وأولوياتنا رغم أن أول ما حث عليه ديننا الإسلامي كان القراءة والتعليم. وأصبحنا نعاني مأساة حقيقة وهي الأمية الثقافية. والأمية كما يقول الشاعر أحمد سويلم لها أكثر من وجه فهناك الأمية الخالصة أي عدم معرفة القراءة والكتابة وتمثل ما يقرب من 26%. وهناك أمية المتعلمين وهي التي تسود بين تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات الذين باتوا يحصرون جل تفكيرهم في المنهج الدراسي فقط الذي يضيع هو الآخر فور أداء الامتحانات. ومن ثم فمأساة التعليم أنه منع تماماً الاستعانة بالكتب الثقافية والتي تمنح الطالب ثقافة نوعية جيدة. وينوه سويلم إلي أنه قديما كان النظام التعليمي يخصص للطلاب حصصاً للقراءة بهدف الإطلاع علي أحدث الكتب الثقافية بالإضافة إلي حصص الخطابة والأنشطة الأخري التي افتقدناها الآن والتي كانت تشجع الطلاب علي القراءة والإطلاع. وهذا النظام هو ما ساهم في ظهور الرموز الفكرية والثقافية آمثال طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم. ويسير سويلم إلي أن التعليم في مصر القديمة كان يفرض علي الطلاب مناهج ثقافية إلي جانب المناهج الدراسية العادية ومنه تخرج المفكرون والمثقفون الذين ساهموا في بناء الحضارة الفرعونية التي لا تزال تبهر العالم. مشكلة مجتمعية ويؤكد سويلم أنه في ظل النظام التعليمي الحالي يتخرج الطلاب وهو يعاني ليس فقط من أمية ثقافية وإنما أيضاً عزوف تام عن القراءة والمشاركة في الأنشطة الثقافية. وينصب جل تفكيرهم في مشاهدة القنوات التلفزيونية ومباريات كرة القدم وغيرها من الاهتمامات الهامشية. وعلي الرغم من أن معرض القاهرة الدولي للكتاب يجري تنظيمه بصفة سنوية من أجل تشجيع القراءة إلا أن معظم الشباب يقبلون علي شراء الكتب الترفيهية والنكات دون ماعداها من كتب أخري. ويعترف بإننا شعب لا يقرأ حيث أنه بحسب إحصائيات وتقارير التنمية البشرية لا يتجاوز متوسط القراءة لكل فرد في المنطقة العربية 10 دقائق في السنة كلها ومعدل القراءة نصف صفحة مقابل 12 ألف دقيقة في السنة للفرد في الغرب بمعدل يصل إلي 11 كتاباً. إذن الأمية الثقافية مشكلة مجتمعية ساهمت فيها أيضاً وسائل الإعلام التي يغلب عليها المواد الترفيهية التافهة والتي تفرغ جمهور المشاهد من قضاياه بحيث اختزل حلم الشعب المصري كما لمسنا مؤخراً في مباراة كرة قدم. وذلك في ظل مناخ عام لا يولي اهتماماً بقيمة الفكر والثقافة سواء علي المستوي الحزبي أو السياسي. وتري الكاتبة الروائية سلوي بكر أن فلسفة التعليم في مصر غائبة رغم أن الأصل أن يكون للتعليم فلسفة تجعله قادراً علي خلق مواطن له رؤية وفكر محدد وقادر علي الانخراط والمشاركة بإيجابية في تنمية مجتمعه. وبالتالي فإن الوضع الراهن التي تسود فيه الأمية الثقافية هو انعكاس للخلل الذي يشوب العملية التعليمية. وتشير بكر إلي أن دور المثقف الحقيقي غائب تماماً في الوقت الراهن إما لأنه يتماهي مع الوضع السائد بسبب عامل المصلحة أو المنفعة الذاتية وإما يعزف عن المشاركة بإيجابية نظرا لقائمة الأوضاع السائدة في مجتمعه الذي لا يدرك قيمة الفكر والثقافة. والخطورة أن يتولي شئون الإنتاج الثقافي عناصر غير متمكنة من ثقافتنا وغير واعية بمسئوليتها وبالتالي يعاد إنتاج التخلف الثقافي من جديد ويذهب أي جهد للإصلاح والتطوير أدراج الرياح. أما الشاعر أحمد فضل شبلول فيري أن أعراض الأمية الثقافية تتجلي في العديد من المشاركات والشواهد. وخاصة المشاركات الشبابية في البرامج الحوارية وفي الأحاديث اليومية وفي ما يصل إلينا في الصحافة الثقافية من أخطاء في الكتابة والتعبير والأسلوب ناهيك عن قواعد النحو والصرف والإملاء. أيضا تتجلي هذه الأعراض لدي بعض من يدعون الثقافة ويقومون بتقديم جوانب منها في بعض وسائل الإعلام فيخطئون في المعلومات العامة. وحتي في نطق الحروف العربية. أسباب عديدة ويشير شبلول إلي أن أسباب الأمية الثقافية كثيرة ولكن البداية تكون دائما من التعليم. فالتعليم هو القاعدة الأساسية للثقافة. وبغير التعليم لا تكون هناك ثقافة حقيقية ومن ثم فإن العلاج يجب أن يبدأ أيضا من التعليم. فلو انصلح حال التعليم في بلادنا لانصلح معه حال الثقافة. وتغير وجه المجتمع. وهذا الكلام ينطبق علي الثقافة الإلكترونية أيضا التي بدأت تنتشر في مجتمعاتنا دون أرضية رصينة أو حقيقية للحاسب الآلي الذي أصبح وجوده في كثير من الأماكن وجودا مظهريا فقط. دون الاستفادة الثقافية الحقيقية منه ومن شبكة الإنترنت المتشعبة الأغراض. ويبقي أن نسأل هل سيكون لدينا قدرة علي المشاركة الفعالة في حوار ثقافي مع الشعوب الأخري خلال العام الجاري الذي حددته منظمة اليونسكو عاماً للحوار بين الحضارات؟ |
المصدر: الجمهورية
نشرت فى 20 فبراير 2010
بواسطة azazystudy
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,796,970
ساحة النقاش