جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الجناية علي الشعر واللغة العربية |
بقلم: محمد التهامى |
|
من الغريب الذي أصبح يثير الأعصاب جدا هذه الأيام أن الأفلام التي تملأ الساحة وتحمل راية الحركة الثقافية المعاصرة تكاد تجمع علي الصراخ والشكوي المريرة من اضطراب الحركة الثقافية وتراجع ثقافة الكلمة في مصر الرائدة. |
|
|
|
ولو أمعن هؤلاء الكتاب ـ وبعضهم من حملة الدكتوراة من أوروبا وأمريكا ـ النظر في أنفسهم لأدركوا أنهم يحملون جانبا كبيرا من المسئولية عن هذا الذي صرنا إليه, لأنهم يهملون حقيقة يعرفونها جيدا وهي أن العلم لاوطن له فهو في الشرق والغرب واحد علي حد سواء أما الفن والثقافة والإبداع فيهما فهي تتأثر بالبيئة وتختلف في الشرق عنها في الغرب ولذلك يخطئ من يحمل ماتلقاه في الغرب عن الثقافة والفهم ويطبقه بحذافيره في بلادنا, وقد كان من نتيجة ذلك أن تراجع الشعر في بلادنا علي أيديهم سامحهم الله, تلك الأيدي التي تشبثت بفنون الكلمة الأجنبية الغريبة عن الوجدان المصري العربي. ولو استمعوا الي كلمة الحق الواعية الصادقة الهادئة التي تحبهم والتي تشاركهم الهواء والماء والتاريخ في بيئتهم واستعملوا نبوغهم الفطري لأدركوا الفرق الكبير بين الشعر العربي و الشعر الأجنبي. فالشعر الأجنبي انطلق منذ عهد الاغريق انطلاقا في أول عهده بحياة الإنسان من أسهم الأساطير واعلامهم متمثلا في الإلياذة والأوديسة وغيرهما, وهي تروي وقائع تدور حول أفعال خارج يقوم بها آلهة كمارس إله الحرب وديانا الاهة الجمال وغيرهما, وهذه الأفعال لايستطيع القيام بها الانسان العادي القارئ أو السامع, وبالتالي لايفكر في تقليدها, ويقتصر دورة علي الاستمتاع بالقراءة أو السماع ويظل الشعر أداة للمسلاة أو الملهاه ولا أثر له في صياغة مسيرة الحياة, ولذلك سرعان ما تراجع تاركا قيادة الفن للدراما والرواية والمسرح وأصبح دوره ثانويا يثير الدهشة والمتعة إن أجاد. أما الشعر في المجال العربي فقد كان عمود الحياة البشرية العربية كلها فهو موهبة لونية بشكله ومحتواه اذ هو من الفنون التي لايقل فيها الشكل عن المحتوي, وهو صدي الحياة كلها عند الانسان العربي الذي كان وسيظل يحب ويعبر عن حبه غزلا بالشعر, ويكره ويعبر عن كراهيته هجاء بالشعر, وهو يمدح ويرفع الانسان والانسانية بالشعر وهو يحارب بشجاعة وتضحية ويعطي ويسخو في العطاء ويتغني في ذلك بالشعر. وهو بالجملة يعيش في الشعر اذا كان مبدعا له ـ علي قلة المبدعين ـ أو مستثمرا له علي كثرة المستثمرين, فقد كانت القبيلة وهي من الآلاف المؤلفة تقيم الافراح اذا نبغ فيها شاعر واحد. وأهم مايميز الشاعر سعة الخيال وهو كإنسان في حياته يطمع ويتمني ما هو أحسن ومن ركائز موهبته مقدرته علي تصوير خياله البديع وعرضه في تعبير لغوي موسيقي خلاب. والميزة الكبري التي يختلف فيها الشعر العربي عن الشعر الافرنجي أن مثله العليا التي يتغني بها ويغري بها المتلقين هي من البشر الذين يعايشون الناس فالمثل في الشجاعة عنترة بن شداد وفي الكرم حاتم الطائي وفي الحلم معن بن زائده, ولذلك فإن الانسان المتلقي يخيل إليه انه يستطيع تقليد المثل الأعلي أو حتي يتجاوزه لأنه انسان مثله, ومن هنا يكون الشعر اداة فاعلة في تقدم الحياة والوصول بها الي ماهو أفضل. ومن أجل هذا فإن العدوان علي العربي بكل ميزاته شكلا وموضوعا هو عدوان علي الحياة كلها ولعل هذا هو مادفع صاحب الرواية العربية نجيب محفوظ حامل جائزة نوبل الي أن يوصي المجلس الأعلي للثقافة مرارا بضرورة العناية بالشعر مثل الرواية تماما بل أكثر.
|
المصدر: مؤسسة الأهرام
مع أطيب الأمنيات بالتوفيق
الدكتورة/سلوى عزازي
ساحة النقاش