ندوة العدد

الصحبـة

د. محمد إبراهيم نصر

 

بعد نهاية المسلسل الدرامي لظاهرة عبادة الشيطان في وسائل الأعلام وإسدال الستار عن آخر فصولها بإعلان أعضاء الجماعة توبتهم .. وعودتهم إلى الطريق السليم والقويم ، لفت انتباهنا أن مرجع انتشار هذه الظاهرة الشاذة والغريبة عن مجتمعنا الشرقي المسلم هو الصحبة السيئة التي جمعت بين أفرادها ..

والتي تعد الإفراز الطبيعي لها .. بالإضافة إلى تضافر عوامل عديدة أهمها التسيب الجسيم في أسلوب التربية والرعاية المتبع من الأسرة تجاه الأبناء .

وفى هذا العدد تفرد مجلة " النفس المطمئنة " صفحاتها لموضوع الصحبـة ..

حيث تناقش مدى حاجة البشر إليها في ظل المتغيرات الحديثة وانشغال الإنسان بمتطلبات الحياة الصعبة حيث يحتاج إلى يد حانية تخفف عنه آلامه وأحزانه .. وتشاركه أيضا أفراحه .

ونحاول في هذا التحقيق معرفة الفروق بين الصحبة الإيجابية .. والصحبة السيئة ومدى تأثير الصحبة على النفس الإنسانية .. وعلى الجماعات الأخرى .. ودورها في التنشئة الاجتماعية للفرد .

الصحبة والتنشئة الاجتماعية

في البداية يقول الدكتور حامد زهر أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس أن جماعة الرفاق أو الصحبة لها دور هام وضروري في عملية التنشئة الاجتماعية حيث تقف جنبا إلى جنب مع الأسرة والمدرسة والإعلام ودور العبادة والثقافة التي يعيش في كنفها الفرد .. ومن خلال هذه المؤسسات جميعا يتشكل السلوك الإنساني للفرد ويكتسب معايير السلوك واتجاهاته .. وأيضا يكتسب الطابع الاجتماعي .. حيث يندمج في الحياة الاجتماعية .

ومن المعروف أن عملية التنشئة الاجتماعية تتضمن استدخال ثقافة المجتمع في بناء شخصية الفرد.

وإذا نظرنا إلى دور الصحبة بصفة خاصة فإنها تقوم بدور هام في تعليم الفرد الدور الاجتماعي السائد في الجماعة والسلوكيات السائدة فيها وهناك أصحاب يشتركون معا في مرحلة نمو واحدة لها مطالبها وحاجاتها .. ويشعرون جميعا بالمساواة .. ويشعرون بالولاء لبعضهم البعض .. ويكونون أكثر تماسكا وتفاعلا .. وتأثيرا وتأثرا .

#انحراف الشباب إفراز طبيعي للصحبة السيئة

ويقول الشاعر

عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الردى فتردى مع الردى

ويضيف الدكتور حامد زهر :

أن أهم خصائص جماعة الرفاق التي تؤثر في عملية التنشئة الاجتماعية تقارب الأدوار الاجتماعية ووضوح المعايير السلوكية .. ووجود اتجاهات وقيم مشتركة .. وتتميز جماعة الرفاق التي تأخذ شكل " شلة " بأنها جماعة قوية التماسك وثيقة العرى تتجمع . وتستبعد بعض العناصر الخارجة وهى تختلف عن جماعات اللعب التي تتكون بهدف اللعب واللهو أو جماعة النادي التي تنشأ في وسط رسمي يشرف عليه الكبار .

ويلخص الدكتور حامد زهر أثر جماعة الرفاق السوية في عملية التنشئة الاجتماعية في نواحي كثيرة منها :

نمو الشخصية بصفة عامة .. واكتساب النمط الجسمي عن طريق إتاحة فرصة ممارسة النشاط الرياضي والنمو العقلي عن طريق ممارسة الهوايات .. والنمو الاجتماعي وتكوين الصداقات والنمو الانفعالي عن طريق المساندة الانفعالية وتتيح جماعة الرفاق أيضا القيام بأدوار اجتماعية مثل القيادة ونمو الولاء للجماعة .. والمنافسة الشريفة مع جماعات أخرى .. والمساعدة على تحقيق الاستقلال والاعتماد على النفس وإتاحة الفرصة للتجريب والتدريب على السلوك الاجتماعي وإتاحة فرصة تقليد سلوك الكبار .. وإتاحة فرصة تحمل المسئولية الاجتماعية وتصحيح الانحراف في السلوك بين أعضاءها .. وإشباع حاجات الفرد إلى الانتماء وتحقيق المكانة الاجتماعية .ز وتتخذ الجماعة السوية أساليب نفسية واجتماعية تدعم السلوك الاجتماعي ، السوي لأعضائها مثل التقبل الاجتماعي عندما يتفق العضو مع سلوكه مع معايير الجماعة وقيمها وقد ترفضه اجتماعيا في حالة مخالفته لها والجماعة السوية تقدم نماذج سلوكية سوية يتوحد معها أعضاء الجماعة ولكن إذا خرجت الجماعة بمعايير سلوكها وقيمها عن معايير السلوك الاجتماعي التي يرتضيها المجتمع .. والتي قد تخالف التعاليم الدينية أو القيم الاجتماعية أو السلوك المألوف .. والشائع في المجتمع والذي قد يكون مستوردا من ثقافات أخرى أو من مجتمعات أخرى غير التي ينتمي إليها أفراد الجماعة وإذا ضمت الجماعة رفاق سوء يتسم سلوكهم بأنه سلوك اجتماعي جامح ومنحرف يرفضه المجتمع .

وفى النهاية يطالب الدكتور حامد زهر بتوجيه أولادنا لحسن اختيار الصحبة ونذكر القول المأثور " قولي من تصاحب أقول لك من أنت " .

والمثل الآخر " أن الطيور على أشكالها تقع " .

صداقة الإنسان الانطوائي أكثر عمقا عن الانبساطي

 

الدوافع الاجتماعية

د. عمر شاهين

أما الدكتور عمر شاهين أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة فيقول :

 

إن الصحبـة هي نتاج الدوافع الاجتماعية للإنسان التي تدفعه للبحث عن مكان له بين المجتمع الذي يعيش فيه وتدفعه أيضا لمحاولة الحصول على تقدير هذا المجتمع له .. ومشاركة المجتمع في نشاطه ومن هنا فأننا نجد أن الطفل حتى قبل سن التميز يحاول أن يجد له صديق أو أكثر من الأطفال الذين يقترب منهم .. وينشى معهم علاقة يستخدمها في معرفة دوره الاجتماعي كمسيطر أو كتابع .. والصحبـة نتيجة لدوافع اجتماعية تجعل الإنسان يبحث عن أصدقاء وينشى صداقات غير أن شخصية الإنسان تحدد نوع العلاقة . . وعدد الأصدقاء ، فالشخصية الانطوائية تكتفي بعدد محدود من الأصدقاء وإن كانت الصداقة معها صداقة عميقة تصل إلى درجة كبيرة من الألفة والتوحد والعمل الجمعي مع الصديق .

وفى حالة الشخصية الانبساطية نجد أن الأصدقاء كثيرون غير أن الصداقة لا تكون بنفس العمق .. وكثيرا ما تتعدد الصداقات بأشكال مختلفة مثل أصدقاء العمل وأصدقاء النادي .. والمنزل والهواية إلى آخره ..

ومن كل هؤلاء الأصدقاء نجد مدرج لعمق الصداقة فمن صداقة تصل إلى مجرد المعرفة إلى صداقة تصل إلى ما يقرب الأخوة .

وفى كل الأحوال فوجود الصديق يعد عامل مؤثر في حياة الشخصيات لأن الصديق يكون محلا لسر صديقه ومساعدا له في تفكيره ، فإذا كان الصديق صديقا خيرا فمن المؤكد أن تأثيره على صديقه يكون بالخير حيث يمده بالأفكار السليمة وتدفعه إلى تنفيذ الأعمال الخيرة ..ويبعده عن تنفيذ الشر والآثام .. والعكس صحيح غير أن أثر العلاقة ليس بهذه البساطة فنحن نعلم أن الإنسان مزيج من الخير والشر ومن هنا يكون تأثير الصديق متفاوت ما بين الخير والشر .

 

دراسة تؤكد : صديق السوء يمثل 89% من أسباب الإدمان

وهذا يتحتم على الإنسان أن يكون واعيا لسلوكه الشخصي ومقوما لنزعات صديقه وتأثيره ومختارا للسلوك السوي مهما كان نوع الصديق .

 

ويضيف الدكتور عمر شاهين :

إذا اجتمع صديقان في جماعة أكبر فمن المؤكد أنهما يتعاونان ليوجدا لهما مكان أفضل في الجماعة الأكبر .. وهذا الاتجاه في ذاته قد يجد تقبلا من الجماعة .. وقد يجد رفضا .. وفى حالة التقبل فإننا نرى هذين الصديقين على قائمة هذه الجماعة . وإذا كانت بالرفض فإن الجماعة تحاول تحجيم الصديقين والتقليل من شأنهما داخل الجماعة .. وقد يصل الأمر إلى بترهما من الجماعة .

 

التربية النفسية للنشء

د.جمال ماضي أبو العزائم

التربية النفسية تمر بمراحل مختلفة وللأسرة دور هام في هذه المرحلة هذا ما يؤكده

الدكتور جمال ماضي أبو العزائم فيبدأ الإنسان يحبو ثم يمشى إلا أن يلتقي بآخرين من الذين يحيطون به في محل سكنه . ونجد أن الحق عز وجل قد رتب للإنسان درجات ودرجات من النمو يصل به إلى مرحلة أن يهتم بالذي هو في سنه .. ويلعبان معا .. ويتم ذلك تحت رعاية الآباء .. وتجدان العطف والحنان والاهتمام بهذه الأخوة الجديدة تزداد يوما بعد يوم حتى تنضج الطاقات الجسمية والنفسية يوما بعد يوم .. وتصل إلى النضج الجسمي للإنسان ويتم ذلك في حدود السادسة عشر وفى هذه الفترة يزيد عدد الصحبة من ناحية العمق النفسي .. ويعمل على اكتساب النشء طاقات ومعلومات ومعارف ونجد أن هذه الحصيلة النفسية ذات أثر في شخصية المراهق . وكلما كانت هذه الطاقات متزنة والعلاقة بين الأصدقاء موجهة التوجيه النفسي السليم للأسرة كلما كان ذلك داعيا إلى زيادة الحصانة النفسية والأخلاقية إذا كانت هذه الصحبة موجهة التوجيه المعقول المناسب .

ويضيف الدكتور جمال ماضي أبو العزائم :

كل منا يذكر هذه الأيام في مقتبل حياته .. وتتحدث عن أصدقاء هذه الفترات الأولى من الحياة .. أن هذا السياج من الأمن النفسي هو من أولى المؤثرات على النفس الإنسانية وعلى الوالدين أن يتعلما كيف تنتقل هذه المؤثرات في تكوين شخصية طفلهم في مراحل الحياة المختلفة .

حيث وجد أن 30% من الأسباب التي تؤدى إلى الإدمان في عام 1968 لها علاقة بالصداقة والأصدقاء ، وقد تعقبنا هذه الإحصائيات سنة بعد سنة ، وفى سنـة 1995 وصلت هذه الإحصائيات إلى حوالي 89% .. وهذا له خطورة كبيرة لأنه إن دلت على شئ فإنها تدل على أن النشء في هذه الأيام يهتم كثيرا بما يقوم به صاحبه .. وهذه أمور زادت في مجتمعنا إلا أن أصبحت ذات خطر كبير والطب الوقائي يطالبنا بالوقاية الأولى في البيت .. وفى البيئة المحيطة به .. فهذا الموضوع له الأهمية القصوى لوقف ليس فقط مشاكل الإدمان لكن مشاكل العنف .. ومشاكل الغياب عن المدرسة والمتاعب النفسية التي تظهر مبكرا وتؤدى إلى القلق والاكتئاب ..

# الصحبة تعلم الفرد الدور الاجتماعي السائد في المجتمع

وتبين كذلك أن الصاحب الطيب يستطيع أن يغير .. ويقلل من القلق والاكتئاب عند زميله .. وبدأ المعالجون أخيرا في مجال الإدمان يستخدمون مبادئ العلاج النفسي الجمعي الذي يقوم بت المرضى مع زملاءهم في آن واحد .

وتبين كذلك انه كلما وجهنا الشباب المحصن بالأخلاقيات والقيم للعمل في مجال الوقاية كلما كان ذلك أجدى ومن أجل ذلك تقوم المدرسة بدور هام إذا أحسنت الاكتشاف المبكر للذين يدخنون .. ويلعبون بالمواد المخدرة وتوجيه الأصدقاء إلى هذه الصحبة التي تحتاج إلى مزيد من الصحة النفسية التي توجههم في اللعب .. وفى الجلسات الاجتماعية ومحاولة احتوائهم بعيدا عن الصحبة السيئة .

 

# الإنسان يختار صديقه .. ولكن لا يختار أخوته

الصاحب .. ثروة إنسانية

أما الدكتورة سامية الساعاتي أستاذ علم الاجتماع

بجامعة عين شمس فتقول عن الصحبـة :

إنها تؤثر على الإنسان بعد المدرسة والأسرة ..وقد يتجاوزها في فترة المراهقة من حيث قوة التأثير فالشخص الذي ينضم إلى الجماعة يريد أن يرضى عنه أفرادها .. وقد يتصرف سلوكيات معينة لمجرد إرضائهم فقط .

والصحبة الإيجابية هي التي تشجع الفرد إلى الأحسن حيث يقف الصديق الحق مع صديقه عند الشدائد ويقولون .. اختار الرفيق قبل الطريق والصحبة الإيجابية مطلوبة في رحلة الحياة ويعد الزواج أحد أنواع الصحبة الإيجابية حيث يواصل الزوجان رحلة الحياة معا .. وللصحة الإيجابية تأثير رائع على النفس الإنسانية فمثلا عندما يفقد الإنسان عزيز عليه يرى أصدقائه يلتفون حوله ويقفون بجانبه للتخفيف عنه بعكس الإنسان الذي لا توجد لديه صداقات .. بينما الصحبة السيئة هي التي تزين للإنسان التصرفات السيئة مثل الحاجات التي يعتبرها الناس أمور بسيطة مثل تدخين السجاير ..

والتي تتطور إلى تعاطى المخدرات حيث يزين الصاحب ذلك على إنها أحد علامات الرجولة .. ومجلية للسعادة .. ومنسية للهموم .

وتضيف الدكتورة سامية الساعاتي إن الإنسان يختار صاحبه بعكس أخوته الذين يجدهم في الدنيا لذا فإذا أحسن الإنسان اختيار الصديق فإنه يمتلك ثروة إنسانية ..

والصداقة الحقيقية .. ننفرد بها نحن الشرقيين عن العالم الغربي حيث تتسم بالمشاعر الجميلة بين الأصدقاء والخالية من المصالح .

والشفاء النفسي خطوة أولى لتفريغ الانفعال والشفاء حيث يحكى الإنسان ما يضايقه وهذا ما يوفره الصديق بدون الحاجة للطبيب النفسي لأن كل واحد فينا يعتبر وسادة للآخر سواء في الاستماع له في لحظات الحزن والفرح أو التخفيف عنه في الشدائد .

وكل إنسان منا يريد أن يكون مقبولا في الجماعة التي ينتمي إليها ..

فإذا كانت إيجابية فإن تصرفاته تكون جيدة أما إذا كانت العكس فإنه سوف يكون بالطبع مثلهم .

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 1856 مشاهدة
نشرت فى 13 فبراير 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,829,095