القرآن الكريم في مواجهــة حملات المشـــككين
كتب - عمرو جمال:


عناية الرحمن وحفظه لكلامه العزيز من التحريف‏,‏ وتضمن آياته كافة الأدلة والبراهين علي إعجازه وسماويته‏,‏ صدت حملات خصوم الإسلام ـــ قديما وحديثا ـــ للتشكيك فيه‏.

 

وإثارة الشبهات حوله‏ ‏فزعموا أن هذا الكتاب العظيم‏(‏ القرآن الكريم‏))‏من تأليف الرسولا صلي الله عليه وسلم وأنه استعان في كتابته بأصحاب الكتب السماوية الأخري‏,‏ وتارة يقولون انه مقتبس من أقوال الشعراء‏,‏ وأشاعوا أنه ملئ بالتناقضات والأخطاء اللغوية والتاريخية‏,‏ وأن أغلب آياته وقصصه معادة ومكررة‏,‏ وشككوا في حفاظه من الصحابة‏..‏ وغيرها الكثير من الشبهات التي تحققنا من عدم صحتها وردود العلماء عليها في مختلف العصور‏,‏ بل وتولي الحق سبحانه بذاته تفنيد بعض هذه الاتهامات في كتابه الكريم‏,‏ وإيمانا منا بهذا المبدأ القرآني في عدم تجاهل هذه الشبهات وضرورة الرد عليها نلقي الضوء علي بعض منها‏.‏
التناقض في خلق الإنسان
الشبهة‏:‏ يعطي القرآن معلومات متناقضة عن خلق الإنسان‏,‏ مرة من طين وأخري من ماء وتارة من نطفة‏.‏
الرد‏:‏ الدكتور محمد عمارة عضو مجمع البحوث الإسلامية يؤكد أنه ليس هناك أدني تناقض‏-‏ بل ولا حتي شبهة تناقض‏-‏ بين ما جاء في آيات القرآن الكريم من معلومات عن خلق الإنسان‏,‏ وحتي يتضح ذلك‏,‏ يلزم التمييز بين مرحلة خلق الله للإنسان الأول‏-‏ آدم عليه السلام‏-‏ و مرحلة الخلق لسلالة آدم‏,‏ التي توالت وتكاثرت بعد خلق حواء‏,‏ واقترانها بآدم‏,‏ وحدوث التناسل عن طريق هذا الاقتران والزواج‏.‏ فالله سبحانه وتعالي ذكر في كتابه الكريم أنه بدأ خلق الإنسان بخلق أبي البشر آدم الذي خلقه من‏(‏ التراب‏)‏ الذي أضيف إليه‏(‏ الماء‏)‏ فصار‏(‏ طينا‏)‏ ثم تحول هذا الطين إلي‏(‏ حمأ‏)‏ أي أسود منتن‏,‏ لأنه تغير‏-‏ و المتغير هو‏(‏ المسنون‏)-‏ فلما يبس هذا الطين‏-‏ من غير أن تمسه النار‏-‏ سمي‏(‏ صلصالا‏)-‏ لأن الصلصال هو الطين اليابس‏-‏ من غير أن تمسه نار‏-‏ و سمي صلصالا لأنه يصل‏,‏ أي يصوت‏,‏ من يبسه‏-‏ أي له صوت ورنين‏..‏ وبعدها نفخ الله سبحانه وتعالي‏,‏ في مادة الخلق هذه من روحه‏,‏ فغدا هذا المخلوق إنسانا هو آدم عليه السلام‏.‏
فكما تدرج خلق الإنسان الأول ـــ آدم ـــ كذلك تدرج خلق السلالة والذرية‏..‏ بدءا من‏(‏ النطفة‏)-‏ الماء الصافي‏-‏ و يعبر بها عن ماء الرجل‏-(‏ المني‏)..‏ إلي‏(‏ العلقة‏)‏ وهي الدم الجامد‏,‏ الذي يكون منه الولد‏,‏ لأنه يعلق و يتعلق بجدار الرحم‏..‏ إلي‏(‏ المضغة‏)-‏ وهي قطعة اللحم التي لم تنضح‏,‏ و المماثلة لما يمضغ بالفم‏-..‏ إلي‏(‏ العظام‏..)‏إلي‏(‏ اللحم‏)‏ الذي يكسو العظام‏..‏ إلي‏(‏ الخلق الاخر‏)‏ الذي اصبح‏-‏ بقدرة الله‏-‏ في أحسن تقويم‏,‏ وهكذا فقد عبرت الآيات القرآنية عن توالي وتكامل مراحل خلق الإنسان الأول وذريته وليس التعارض المتوهم و الموهوم‏.‏
من تأليف النبي
الشبهة‏:‏ إن محمدا صلي الله عليه وسلم جاء بهذا القرآن من عنده‏,‏ ولم يوح إليه به من الله سبحانه وتعالي‏.‏
الرد‏:‏ لو كان من تأليف محمد صلي الله عليه وسلم لما استقام عقلا ولا واقعا أن تكون فيه هذه الآية‏..‏ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليهأمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما اللهمبديه‏..)(‏ الأحزاب‏:‏ ـ‏73),‏ إذ ليس من عادة البشر ولا من طبيعتهم أن يذكروا من الأمور ما لا يحبون إطلاع الناس عليه‏..‏ والآيات في هذا المعني كثيرة منها قوله تعالي‏:(‏ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي أنما إلهكمإله واحد‏..)(‏الكهف‏011)‏
وقد سبق لأهل مكة أن أثاروا هذه الشبهة‏,‏ ونقل القرآن الكريم ذلك علي لسانهم‏:(‏ وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليهبكرة وأصيلا‏)(‏ الفرقان‏:5),‏ وقد علم أنه صلي الله عليه وسلم لم يكن يكتب شيئا في حياته‏,‏ لا في أول عمره ولا في آخره‏;‏ وقد نشأ صلي الله عليه وسلم منذ مولده إلي بعثته بين أظهرهم‏,‏ وهم يعرفون صدقه وأمانته ونزاهته عن سائر الأخلاق الذميمة‏,‏ حتي إنهم سموه الأمين‏,‏ لذلك وجدنا القرآن الكريم يدحض دعواهم تلك‏,‏ ويرد عليهم تلك الفرية‏,‏ فيقول‏:(‏ قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض‏(‏ الفرقان‏-(6)‏
الاستعانة بأهل الكتاب
الشبهة‏:‏ إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد استعان في كتابة القرآن الكريم ببعض الأحبار والرهبان‏.‏
الرد‏:‏ الثابت تاريخيا أن اتهامات المشركين‏-‏ بمن فيهم اليهود‏-‏ لم يكن فيها أنه استعان بعناصر من أهل الكتاب‏,‏ مع أن الفرصة أمام اليهود والنصاري كانت سانحة لهم ليوجهوا له مثل هذه الاتهام‏,‏ لإشاعة أنهم هم الذين علموه القرآن‏,‏ أو علي الأقل ساعدوه في تأليفه‏,‏ وهذا ما لم يحدث‏,‏ ولو حدث ذلك لتناقلته الأخبار‏,‏ وقد برأ الله نبيه صلي الله عليه وسلم من هذه الفرية‏,‏ فقال تعالي‏:(‏ أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجراميوأنا بريء مما تجرمون‏).‏
مقتبس من الشعر
الشبهة‏:‏ اعتمد القرآن في بلاغته علي من سبقه من فحول الشعراء‏,‏ وبخاصة شعر امرئ القيس الذي اقتبس من شعره عدة فقرات‏,‏ وضمنها في عدد من آياته وسوره‏,‏ من بينها‏:‏ اقتربت الساعة وانشق القمر‏..‏من غزال صاد قلبي ونفر‏.‏
الرد‏:‏ إن كفار قريش كانوا أعلم الناس بأشعار العرب‏,‏ وأحفظهم لها‏,‏ وكانوا أحرص الناس علي بيان كذب النبي صلي الله عليه وسلم‏,‏ ومع ذلك كله لم يقل له أحد منهم إن ما جاء به يشبه شعر امرئ القيس أو أحد غيره‏,‏ بل لقد شهد الوليد بن المغيرة علي نفسه وقومه بأن القرآن الكريم ليس من جنس شعر العرب‏,‏ فضلا عن أن يكون مقتبسا منه‏,‏ فقال‏:‏ والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني‏,‏ ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني‏,‏ ولا بأشعار الجن‏,‏ والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا‏,‏ وإذا كان كذلك علم أن الأبيات السابقة مكذوبة لا محالة‏.‏ وامرئ القيس وغيره من الشعراء قد نحلت‏(‏ كذبت‏)‏ عليهم العديد من القصائد‏,‏ وقضية نحل الشعر ونسبته لقدماء الشعراء أمر معروف لا يستطيع أحد إنكاره‏.‏
قصصه مكررة
الشبهة‏:‏ تكرار آيات وقصص في القرآن الكريم أكثر من مرة‏,‏ حتي إذا حذف المكرر لم يبق منه إلا القليل‏.‏
الرد‏:‏ التكرار في القرآن الكريم‏,‏ يباين التكرار الكائن في كلام البشر‏;‏ إذ إن هذا الأخير لا يسلم من القلق والاضطراب‏,‏ ويعد عيبا في الأسلوب‏,‏ يعاب عليه الكاتب‏.‏ أما التكرار في كلام الله سبحانه فليس التكرار المعهود والمذموم في كلام البشر‏,‏ إذ هو تكرار محكم‏,‏ ذو وظيفة يؤديها في النص القرآني‏;‏ فالتكرار في القرآن يؤدي وظيفتين‏,‏ الأولي‏:‏ دينية‏,‏ غايتها تقرير وتأكيد الحكم الشرعي‏,‏ الذي جاء به النص القرآني‏;‏أما الوظيفة الثانية‏,‏ فهي أدبية‏,‏ تتمثل في تأكيد المعاني وإبرازها وبيانها بالصورة الأوفق والأنسب والأقوم‏.‏ والحكمة من تكرار القصص القرآني هي بيان أهمية تلك القصة‏,‏ لأن تكرارها يدل علي العناية بها وتوكيدها‏;‏ لتثبت في قلوب الناس‏.‏
شك الرسول
الشبهة‏:‏ شك رسول الله في القرآن وجاء ذلك في مواضع متعددة منها قوله‏:(‏ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين‏).‏
الرد‏:‏ لم يشك النبي صلي الله عليه وسلم‏,‏ ولم يسأل‏,‏ ولكن الخطاب في الآية ورد علي سبيل الفرض والتمثيل‏,‏ لا علي سبيل الحقيقة والتقرير‏.‏ كما أن الأسلوب في الآية يوافق أسلوب كلام العرب‏,‏ ومعهودهم ومعتادهم‏;‏ كما جاء في قوله تعالي‏:(‏ وإذ قال الله يا عيسي ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين‏),‏ فالمولي سبحانه يعلم أن عيسي عليه السلام لم يقل ذلك‏.‏ والفائدة في إنزال هذه الآية علي الرسول وفق هذا الأسلوب هي تكثير الدلائل وتقويتها مما يزيد في قوة اليقين وطمأنينة النفس وسكون الصدر‏,‏ ولهذا السبب أكثر الله في كتابه من تقرير دلائل التوحيد والنبوة‏.‏
تبدل آياته
الشبهة‏:‏ تبديل آيات وأحكام ونسخها بأخري فيما يعرف بالناسخ والمنسوخ في القرآن‏,‏ مع أن الله يعلم بكل شيء قبل حدوثه ووقوعه‏,‏ فكيف يقال‏:‏ إن الله يغير كلامه ويبدله وينسخه‏!!‏ أو ليس في هذا ما ينافي الكمال الإلهي؟
الرد‏:‏ النسخ في القرآن الكريم خصوصا‏,‏ وفي الشريعة الإسلامية عموما‏,‏ كان إحدي السمات التربوية والتشريعية‏,‏ فترة نزول القرآن‏,‏ الذي ظل يربي الناس‏,‏ ويهذب سلوكهم مرحلة إثر أخري‏,‏ وفق إرادة الله الحكيم الخبير‏,‏ ويجب أن تفهم الآيات التي وقع النسخ فيها‏,‏ وفق ظروفها التي نزلت فيها‏;‏ مثل قوله تعالي‏:(‏ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتي يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا‏)(‏ النساء‏:51),‏ فحكم الزني في هذه الآية ـــ وهو الإمساك في البيوت في حق الزانيات ـــ اقتضته مرحلة التشريع الأولي‏,‏ من أجل تطهير المجتمع‏,‏ ثم جاء في الآية نفسها‏,‏ وتحديدا قوله تعالي‏:(‏ أو يجعل الله لهن سبيلا‏)‏ ما يشعر أن هذا الحكم ليس هو الحكم النهائي الدائم‏,‏ وبالفعل تغير الحكم إلي الجلد أو الرجم‏,‏ كما ورد في القرآن والسنة النبوية‏,‏ فحكم الرجم للزناة المحصنين‏,‏ لم يكن مناسبا في بداية التشريع‏,‏ إذ لم يكن الإيمان قد تمكن من قلوب الناس‏,‏ وليس معني هذا‏,‏ أن الله جلت حكمته حين أنزل عقوبة حبس الزانيات في البيوت‏,‏ لم يكن يعلم‏-‏ حاشاه ذلك‏-‏ أنه سينزل حكما آخر يحل محله‏!‏؟ فتطور الأحكام التشريعية‏,‏ ووقف العمل بحكم سابق‏,‏ وإحلال حكم آخر لاحق محله‏,‏ أمر معهود ومألوف في بداية التشريع الإسلامي‏,‏ مراعاة لأحوال المكلفين‏,‏ وتحقيقا لمصلحة المجتمع‏.‏
عدم التواتر عن الصحابة
الشبهة‏:‏ عدم نقل جمع كبير من الصحابة لرواية القرآن وهو مايعرف بالتواتر‏,‏ إذ إن الصحابة الذين نقلوا القرآن عن الرسول لم يبلغ عددهم خمسة أو ستة أنفار علي أكثر تقدير‏.‏ كما أخبر أنس بن مالك‏,‏ فقال‏:(‏ جمع القرآن علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم أربعة‏,‏ كلهم من الأنصار‏:‏ أبي بن كعب‏,‏ ومعاذ بن جبل‏,‏ وزيد بن ثابت‏,‏ وأبو زيد‏(‏ رواه البخاري ومسلم‏).‏
الرد‏:‏ روايات حصر حفظ القرآن وتلقيه بعدد محدد من الصحابة‏,‏ ليس المراد منها الحصر‏,‏ إذ من الثابت أن حفظه عدد كبير من الصحابة في مقدمتهم الخلفاء الأربعة‏,‏ وغيرهم من كبار الصحابة‏,‏ كـ زيد بن ثابت‏,‏ وحذيفة بن اليمان‏,‏ وعبد الله بن مسعود‏,‏ وأبي هريرة‏,‏ ومعاذ بن جبل‏,‏ وأزواج النبي ـ صلي الله عليه وسلم‏,‏ وابن عباس‏,‏ وعبد الله بن الزبير‏,‏ وابن عمر‏,‏ وعمرو بن العاص‏,‏ وابنه عبد الله‏,‏ وطلحة‏,‏ ومعاوية بن أبي سفيان‏,‏ وغيرهم كثير من المهاجرين والأنصار‏,‏ كل هؤلاء كانوا يحفظون القرآن‏,‏ أو علي الأقل يحفظون أكثره‏;‏ ولا شك أن بعضا من هؤلاء الصحابة كان أكثر قراءة وأعلي من بعض‏,‏ وعلي هذا يحمل ما جاء من الروايات التي ذكرت بعض الصحابة دون بعض‏;‏ إذ لا يفهم من تلك الروايات أن من لم يذكر من الصحابة لم يكن يحفظ القرآن أو شيئا منه‏.‏
فالمقصود ليس حصر عدد الصحابة في هذه الروايات‏,‏ بل يقصد بذلك الحصر أنه لم يجمع القرآن مكتوبا لنفسه إلا هؤلاء المذكورون‏.‏
كلام غريب
الشبهة‏:‏ إن في القرآن الكثير من الكلمات الغريبة علي لسان العرب‏,‏ منها‏:(‏ استبرق‏)(‏ مدهامتان‏)(‏ فاقرة‏)(‏ الناقور‏)(‏ سجيل‏)(‏ عسعس‏)!!‏
الرد‏:‏ لا يوجد في القرآن الكريم ما يسمي‏(‏ كلاما غريبا‏)‏ بل كل ما في القرآن من كلام لا يخرج عن أن يكون‏,‏ إما كلاما عربيا أصيلا‏,‏ وإما أن يكون كلاما معربا‏,‏ دخل علي اللغة العربية‏,‏ وتفاعل معها‏,‏ وأصبح جزءا منها‏;‏ فليس في كلام العرب سوي هذين النوعين من الكلام‏,‏ أما الكلام الغريب في عرف النقاد واللغويين‏,‏ هو كل ما يعد عيبا في الكلام‏,‏ ويخالف أساليب الفصاحة والبيان‏,‏ وكذلك كل ما لم يكن له وجود في معاجم اللغة‏;‏ أما ما لم يكن كذلك‏,‏ فلا يسمي كلاما غريبا‏.‏
مريم أخت هارون
الشبهة‏:‏ وقوع القرآن في خلط واضطراب‏,‏ عندما وصف مريم بأنها أخت هارون‏,‏ مع الفارق الزمني بين العصر الذي وجد فيه هارون النبي‏,‏ والعصر الذي وجدت فيه مريم أم عيسي‏;‏ فأهل التاريخ يتحدثون عن ألف ومئتي سنة بينهما‏,‏ وربما كان الفاصل الزمني بينهما أكثر من ذلك‏.‏
الرد‏:‏ الوصف الذي وصفت به مريم‏,‏ لم يكن تسمية قرآنية‏,‏ وإنما جاء وصفا حكاه القرآن علي لسان قوم مريم من اليهود‏,‏ وما خاطبوها ونادوها به عندما حملت بـ عيسي عليه السلام‏,‏ مستنكرين ذلك الحمل‏,‏ واتهموها في عرضها وشرفها وعفافها‏,‏ فالقرآن هنا ناقل لقول اليهود‏,‏ وهناك احتمالان لهذا النسب‏:‏ أحدهما‏:‏ أنها الأخت حقيقة‏;‏ وهذا علي معني أنه كان لها أخ اسمه هارون‏;‏ والثاني‏:‏ المشابهة‏;‏ وهذا علي معني أن ثمة قرابة بعيدة كانت تربطها بـ هارون أخي موسي عليهما السلام‏,‏ أو علي معني نسبتها لرجل صالح في زمنها كان يسمي هارون‏.‏
وجود المسجد الأقصي
الشبهة‏:‏افتتحت سورة الإسراء بالحديث عن المسجد الأقصي‏,‏ والتاريخ لم يثبت وجودا للمسجد الأقصي‏,‏ إبان حادثة الإسراء‏,‏ والمسجد الأقصي الذي نراه اليوم‏,‏ إنما بني في عهد عمر بن الخطاب‏,‏ فإلي أي مسجد كان الإسراء؟
الرد‏:‏ الزعم بأن المسجد الأقصي لم يكن له وجود إبان وقوع حادثة الإسراء‏,‏ قول ليس له سند تاريخي معتمد‏,‏ إذ من الثابت تاريخيا أن إبراهيم عليه السلام هو أول من بني المسجد الأقصي‏,‏ والروايات تفيد بأن أول من بناه سليمان عليه السلام‏,‏ وعلي كلتا الروايتين فوجود المسجد الأقصي قبل حادثة الإسراء أمر ثابت لا شك فيه من الناحية التاريخية‏,‏ وبغض النظر عن المراحل التي بني فيها المسجد‏,‏ وعن الأحوال التي توالت عليه‏,‏ من تدمير وهدم وتخريب‏,‏ وعوامل أخر نالت من بنائه وعمارته‏.‏ أما نسبة بناء المسجد الأقصي إلي عمر بن الخطاب فهو وهم‏,‏ إذ كل ما كان من عمل عمر هو كشف موضع المسجد وإعادة ترميم ذلك البناء‏.‏
وصف الله بالمكر
الشبهة‏:‏ نسبت بعض الآيات صفة المكر لله سبحانه مثل قوله‏(‏ ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين‏)(‏ الأنفال‏:03),‏ فكيف يمكن أن تكون هذه الصفة المذمومة صفة من صفات الله سبحانه؟
الرد‏:‏ القرآن الكريم نزل بلغة العرب‏,‏ ولا يفهم حق الفهم إلا بفهم هذه اللغة‏,‏ ومعرفة أساليبها في البيان والتبيان‏,‏ وبالرجوع إلي لغة العرب ولسانهم‏,‏ نجد أن أصل المكر يعني‏:‏ الاحتيال والخداع‏,‏ ويعني كذلك‏:‏ صرف الغير عما يقصده بحيلة‏.‏ ويذكر أهل العلم أن المكر نوعان‏:‏ نوع محمود‏,‏ وذلك أن يتحري بذلك فعل جميل‏,‏ وعلي ذلك تحمل الآيات التي وصف بها سبحانه بصفة المكر‏.‏
والنوع الثاني‏:‏ مكر مذموم‏,‏ وهو أن يتحري به فعل قبيح‏,‏ ومن هذا القبيل‏,‏ قوله تعالي‏:(‏ ولا يحيق المكر السييء إلا بأهله‏)(‏ فاطر ـ‏34,‏ فالمكر يكون في موضع مدحا‏,‏ ويكون في موضع آخر ذما‏,‏ فإن كان في مقابلة من يمكر‏,‏ فهو مدح‏;‏ لأنه يقتضي أنك أنت أقوي منه‏,‏ وإن كان في غير ذلك‏,‏ فهو ذم‏,‏ لذا لم يصف الله سبحانه نفسه بصفة المكر علي الإطلاق‏,‏ بل وصف نفسه بهذه الصفة في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها‏,‏ أي جاء بهذا مقيدا بحال معينة‏.‏ ومن المهم أن نشير إلي أن كل صفة‏,‏ سواء كانت مطلقة أم مقيدة‏,‏ إذا أضيفت إلي الله تعالي فإنها لا تماثل صفات المخلوقين‏,‏ بل هي علي ما يليق به جل جلاله‏.‏


azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 497 مشاهدة
نشرت فى 22 أكتوبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,794,277