والدة النبي صلي الله عليه وسلم وقبرها في الأبواء
د‏.‏ محمد عبده يماني
يحرص كثير من الناس عند سفرهم من المدينة الي مكة او من مكة الي المدينة علي المرور ببعض المواقع التاريخية المهمة ومنها قرية الأبواء التي عرف فيها بالتواتر قبر السيدة آمنة بنت وهب والدة المصطفي صلي الله عليه وسلم
قبر السيدة آمنة بنت وهب أم النبى محمد صلى الله عليه وسلم

 

 وهذه المدينة تقع في منتصف طريق مكة ـ المدينة القديم تقريبا الذي يمر بمنطقة بدر‏,‏ وتبعد عن وادي ودان بستة أميال أو ثمانية‏,‏ وهذا الوادي يفصل بينها وبين قرية مستورة التي تبعد عن الأبواء اليوم بنحو ثلاثين كيلو متر ويربط بينهما طريق معبد بالأسفلت‏,‏ وتقدر المسافة بين جدة والأبواء ومستورة وودان ب‏196‏ كلم‏.‏
وكذلك يحرص الزوار علي المرور بمدينة بدر الخالدة التي تضم رفاة بعض صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم الذين استشهدوا في تلك المعركة الخالدة معركة بدر الكبري‏.‏
وقد اخترت في هذه الحلقة ان اتحدث عن السيدة آمنة والدة النبي صلي الله عليه وسلم والمكان الذي دفنت فيه وهو الأبواء‏,‏ لنلقي نظرة علي الأهمية الأثرية والبعد التاريخي لهذه المدينة‏.‏
فهذه المدينة معروفة هي ومستورة وودان بأنها منطقة واحدة تدخل في نواحي الفرع لضمرة وغفار وكنانة‏,‏ ولكن الأبواء أهمها وأعظمها‏1,‏ ويطلقون اليوم علي الأبواء إسما آخر‏,‏ وهو الخريبة‏,‏ لأن سيلا عظيما أتي عليها قديما فخربها ثم عمرت من جديد‏,‏ وهي معروفة وموجودة حتي اليوم وقبر والدة الرسول صلي الله عليه وسلم معروف فيها ويقع علي ربوة عالية علي يمين الذاهب الي المدينة‏.‏
ومن يزور هذه القرية يلاحظ جمالها وروعتها وروعة ما حولها من المعالم والآثار‏..‏ ويسترجع ذلك التاريخ عند خروجه صلي الله عليه وسلم لإثنتي عشرة ليلة خلت من شهر صفر علي رأس اثني عشر شهرا من الهجرة‏..‏ وخرج بالمهاجرين فقط‏..‏ وكان يريد قريشا وبني ضمرة بن بكر ابن عبد مناة‏..‏ وحمل اللواء في هذه الغزوة سيدنا حمزة بن عبد المطلب‏..‏ ووصلوا الي سيف البحر يعترضون عيرا لقريش جاءت مع ابيجهل من الشام في ثلاثمائة راكب ثم اراد الله ان تتم المصالحة بينه صلي الله عليه وسلم وبين بني ضمرة وسيدهم مخشي بن عمرو وكتبوا في ذلك كتابا‏(‏ بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد صلي الله عليه وسلم النبي بأنهم آمنون علي أموالهم وأنفسهم وان لهم النصر علي من رامهم الا ان يحاربوا دين الله‏,,‏ واذا دعاهم النبي لنصراجابوه‏)‏ وذكر ذلك في بعض كتب السير‏,‏ وقرأناه لشيخنا الشيخ حسن مشاط في كتاب‏(‏ انارة الدجي‏).‏
ولاشك اننا عندما نقف في هذا المكان نتذكر موقف النبي صلي الله عليه وسلم وهو الذي لم ينس امه قط وشفقتها عليه وعنايتها به‏,‏ فظل يذكرها رغم الأحداث الكثيرة التي مرت عليه‏,‏ فبعد خمس وخمسين سنة تقريبا‏,‏ و بعد هجرته إلي المدينة المنورة زار صلي الله عليه وسلم قبرها في الأبواء بعد أن استأذن ربه في زيارتها‏,‏ وبكي صلي الله عليه وسلم عند قبرها وأبكي من كان معه‏.‏
ولما مر رسول الله صلي الله عليه وسلم في عمرة الحديبية في الأبواء قال‏:‏ إن الله قد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فأتاه رسول الله صلي الله عليه وسلم فأصلحه وبكي عنده‏,‏ وبكي المسلمون لبكائه‏,‏ فقيل له في ذلك فقال‏:((‏ أدركتني رحمة رحمتها فبكيت‏)).‏
وعندما نقف في هذا المكان الذي دفنت فيه السيدة آمنة نسترجع ذلك النور الذي استقر في رحمها‏,‏ وحفظ الله عز وجل ذلك النور الذي اعده سبحانه ليخرج به الناس من ظلمات الجاهلية الي انوار الاسلام‏,‏ وكانت هي أم ذلك النور الهادي الساطع علي مر الدهور‏,‏ واذا كان الثري الذي يضم جسد الرسول صلي الله عليه وسلم هو اطهر ثري علي وجه الأرض‏,‏ فكيف بالرحم الذي ضم هذا النور‏,‏ والقلب الذي احبه حب الأم لوحيدها اليتيم‏.‏
وقد أخبرنا صلي الله عليه وسلم عن طهارة آبائه وأمهاته حيث قال‏:‏ لم أزل أتنقل من الأصلاب الطاهرات إلي الأرحام الزاكيات حتي ولدت من آمنة وعبد الله‏3‏
وقال تعالي‏:(‏ وتقلبك في الساجدين‏)‏ فنوره صلي الله عليه وسلم ينتقل من صلب طاهر إلي رحم زكي‏,‏ حتي وصل إلي عبد الله وآمنة‏,‏ وفي هذا بيان لكل ذي بصيرة أن الله اختار لحبيبه صلي الله عليه وسلم أشرف الآباء‏,‏ وأطهر الأمهات‏,‏ فأشرف الآباء آباؤه‏,‏ وأشرف الأمهات أمهاته من لدن آدم وحواء‏,‏ إلي عبد الله وآمنة‏,‏ لم يدنسوا بشرك‏,‏ ولا زنا‏,‏ ولا سفاح‏.‏
هذه السيدة من أشرف الأمهات لأنه صلي الله عليه وسلم من لدن آدم وحواء الي آمنة لم يدنس بشرك ولا زنا ولا سفاح‏,‏ بل اختار له سبحانه وتعالي افضل القبائل‏,‏ واكرم العشائر‏,‏ واشهر الفصائل‏,‏ فأفضل العشائر عشيرته‏,‏ واكرم القبائل قبيلته‏,‏ واشهر الفصائل فصيلته وذلك شأن الأنبياء والمرسلين يبعثون في انساب قومهم‏.‏
وهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم يصرح بذلك‏:‏ إن الله اصطفي كنانة من ولد إسماعيل‏,‏ واصطفي قريشا من كنانة‏,‏ واصطفي من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم‏4,‏ فأنا خيار من خيار من خيار‏.‏
وقال صلي الله عليه وسلم‏:‏ خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح‏6‏ من لدن آدم الي أن ولدني أبي وأمي‏,‏ لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء‏,‏ وقال صلي الله عليه وسلم‏:‏ ان الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم‏,‏ من خير قرنهم‏,‏ ثم تخير القبائل فجعلني في خير قبيلة‏,‏ ثم تخير البيوت فجعلني في خير بيوتهم‏,‏ فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا‏7‏
وروي ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ ماولدتني بغي قط منذ خرجت من صلب آدم‏,‏ ولم تنازعني الأمم كابرا عن كابر حتي خرجت من أفضل حيين من العرب هاشم وزهرة
ويقف الانسان هنا امام قبر هذه السيدة الكريمة سليلة الأسرة القرشية التي ولدت بمكة المكرمة بجوار البيت العتيق‏,‏ ومن أب كريم وجد عظيم‏,‏ وهي من افاضل قريش نسبا ومكانة وسلالة طيبة‏,‏ ونسب يعتز به وأصل كريم‏.‏
ومن يتتبع سيرة هذه السيدة يجد أنها كانت زهرة يانعة‏,‏ وسيدة في بني زهرة وكما قال ابن اسحق‏,‏ كانت يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا‏,‏ ولم يخطبها عبد الله والد النبي صلي الله عليه وسلم‏,‏ وانما الذي تقدم لخطبتها هو أبوه عبد المطلب ابن هاشم‏,‏ وهو من هو في قريش شرفا وقيادة وريادة‏,‏ وأمه فاطمة بنت عمرو المخزومية‏,‏ وهي ايضا من صميم البيت القرشي‏,‏ وجدته لأبيه سلمي بنت عمرو النجارية الخزرجية‏,‏ وهذه السيدة كان لها شأن عظيم‏,‏ فقد كانت لاتنكح الرجال لشرفها في قومها حتي يشترطوا لها أن أمرها بيدها‏,‏ فاذا كرهت رجلا فارقته‏.‏ اما جدته لأمه فهي تخمر بنت عبد قصي القرشية‏,‏ وأمها سلمي بنت عامرة بنت وديع الفهري‏,‏ فهذا الفتي كما جاء ذو شأن عظيم‏,‏ وأصل كريم‏,‏ كما جاء في جمهرة أنساب العرب‏:‏ ذو نسب وأصل كذلك‏,‏ وخاصة في شأن مكة وضيوف مكة وبيت الله العتيق وزمزم‏.‏
هذه هي قرية الأبواء التي تضم الأرض التي مشي اليها النبي صلي الله عليه وسلم في أول غزوة غزاها بالمهاجرين دون الأنصار‏,‏ وسبحان الله الذي اراد ان يجعل فيها قبر والدة النبي صلي الله عليه وسلم‏,‏ وهي من المآثر التاريخية التي تستحق الوقوف عندها‏,‏ وفيها آثار اخري ما زالت تتكشف يوما بعد يوم‏.‏
وختاما فإن العناية بمثل هذه الآثار المهمة في مسيرة تاريخنا الاسلامي‏,‏ وبصورة خاصة تلك الآثار المرتبطة بجوانب مهمة في سيرة المصطفي عليه الصلاة والسلام تعتبر ذات اهمية خاصة في ربط اجيالنا بهذه الآثار وتعريفهم بتلك المواقع والمشاهد التاريخية المهمة‏,‏ هذا من ناحية ومن الناحية الأخري فإنه من واجبنا ان نقدم جوانب من هذه الآثار للأمم الأخري حتي نطلع شعوبها علي هذه الآثار والمواقع واهميتها في تاريخنا العريق
 

 


azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 1655 مشاهدة
نشرت فى 20 أغسطس 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,603,223