جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
<!--<!--<!--[if gte mso 10]>
<style>
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:"Table Normal";
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-parent:"";
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:"Times New Roman";
mso-ansi-language:#0400;
mso-fareast-language:#0400;
mso-bidi-language:#0400;}
</style>
<![endif]-->
الرِّق لغة: هو الشيء الرقيق ، نقيض الغليظ والثخين.
واصطلاحًا: هو المِلْك والعبودية ، أي نقيض العِتْق والحرية.
والرقيق بمعنى العبد يطلق على المفرد والجمع ، وعلى الذكر والأنثى أما العبد ، فهو: الرقيق الذكر ، ويقابله: الأَمَة للأنثى. ومن الألفاظ الدالة على الرقيق الذكر لفظي: الفتى أو الغلام.. وعلى الأنثى لفظي: الفتاة ، والجارية. أما القنّ فهو أخص من العبد ، إذ هو الزى مُلِك هو وأبواه.
ومالك الرقيق هو: السيد ، أو المولى.
والرق نظام قديم قدم المظالم والاستعباد والطبقية والاستغلال في تاريخ الإنسان ، وإليه أشار القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام:(وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بُشْرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون. وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين. وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً ) (1)
وكان الاسترقاق من عقوبات السرقة عند العبرانيين القدماء ، وعندما سئل إخوة يوسف عن جزاء السارق لصواع الملك(قالوا جزاؤه من وُجد في رحله فهو جزاؤه..) (2).
وفى الحضارات القديمة كان الرق عماد نظام الإنتاج والاستغلال ، وفى بعض تلك الحضارات كالفرعونية المصرية والكسروية الفارسية كان النظام الطبقي المغلق يحول دون تحرير الأرقاء ، مهما توفرت لأي منهم الرغبة أو الإمكانات.. وفى بعض تلك الحضارات كالحضارة الرومانية كان السادة هم الأقلية الرومانية ، وكانت الأغلبية فى الامبراطورية برابرة أرقاء ، أو في حكم الأرقاء.. وللأرقاء فى تلك الحضارات ثورات من أشهرها ثورة " اسبارتاكوس " [ 7371ق م ].
وعندما ظهر الإسلام كانت للمظالم الاجتماعية والتمييز العرقي والطبقي منابع وروافد عديدة تغذى " نهر الرق " في كل يوم بالمزيد من الأرقاء.. وذلك من مثل:
1- الحرب ، بصرف النظر عن حظها من الشرعية والمشروعية ، فالأسرى يتحولون إلى أرقاء ، والنساء يتحولن إلى سبايا وإماء..
2- والخطف ، يتحول به المخطوفون إلى رقيق..
3- وارتكاب الجرائم الخطيرة كالقتل والسرقة والزنا كان يحكم على مرتكبيها بالاسترقاق..
4- والعجز عن سداد الديون ، كان يحوِّل الفقراء المدينين إلى أرقاء لدى الأغنياء الدائنين..
5- وسلطان الوالد على أولاده ، كان يبيح له أن يبيع هؤلاء الأولاد ، فينتقلون من الحرية إلى العبودية.
6- وسلطان الإنسان على نفسه ، كان يبيح له بيع حريته ، فيتحول إلى رقيق..
7- وكذلك النسل المولود من كل هؤلاء الأرقاء يصبح رقيقا ، حتى ولو كان أباه حرا..
ومع كثرة واتساع هذه الروافد التي تمد نهر الرقيق في كل وقت بالمزيد والمزيد من الأرقاء ، كانت أبواب العتق والحرية إما موصدة تماما ، أو ضيقة عسيرة على الولوج منها..
وأمام هذا الواقع ، اتخذ الإسلام ، إبان ظهوره ، طريق الإصلاح الذي يسعى لتحرير الأرقاء ، وإلغاء نظام العبودية ، وطي صفحته من الوجود ، لكن في " واقعية ثورية " إذا جاز التعبير.. فهو لم يتجاهل الواقع ولم يقفز عليه.. وأيضا لم يعترف به على النحو الذي يبقيه ويكرسه..
لقد بدأ الإسلام فأغلق وألغى وحرّم أغلب الروافد التي كانت تمد نهر الرقيق بالمزيد من الأرقاء.. فلم يبق منها إلا أسرى الحرب المشروعة والشرعية ، والنسل إذا كان أبواه من الأرقاء.. وحتى أسرى الحرب المشروعة فتح الإسلام أمامهم باب العتق والحرية المنّ أو الفداء: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منًّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها.. ) (3) فعندما تضع الحرب أوزارها ، يتم تحرير الأسرى ، إما بالمن عليهم بالحرية وإما بمبادلتهم بالأسرى المسلمين لدى الأعداء
ومع إغلاق الروافد روافد الاسترقاق ومصادره التفت الإسلام إلى " كتلة " واقع الأرقاء ، فسعى إلى تصفيتها بالتحرير ، وذلك عندما عدد ووسع مصابّ نهر الرقيق..ولقد سلك الإسلام إلى ذلك المقصد سبيل منظومة القيم الإسلامية. وسبيل العدالة الاجتماعية الإسلامية. فحبب إلى المسلمين عتق الأرقاء تطوعا، إذ في عتق كل عضو من أعضاء الرقيق عتق لعضو من أعضاء سيده من النار ، فتحرير الرقيق سبيل لتحرير الإنسان من عذاب النار يوم القيامة..
كما جعل الإسلام عتق الأرقاء كفارة للكثير من الذنوب والخطايا.. وجعل للدولة والنظام العام مدخلاً في تحرير الأرقاء عندما جعل هذا التحرير مصرفا من المصارف الثمانية لفريضة الزكاة فهو جزء من أحد أركان الإسلام (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) (4). كما جعل الحرية هي الأصل الذي يولد عليه الناس ،
والرق هو الاستثناء الطارئ الذي يحتاج إلى إثبات ، فمجهولوا الحكم هم أحرار ، وعلى مدعى رقهم إقامة البينات ، وأولاد الأمة من الأب الحر هم أحرار و" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟ ! "..
كذلك ، ذهب الإسلام فساوى بين العبد والحر في كل الحقوق الدينية ، وفى أغلب الحقوق المدنية ، وكان التمييز فقط ، في أغلب حالاته بسبب التخفيف عن الأرقاء مراعاة للاستضعاف والقيود التي يفرضها الاسترقاق على الإرادة والتصرف.. فالمساواة تامة في التكاليف الدينية ، وفى الحساب والجزاء.. وشهادة الرقيق معتبرة فى بعض المذاهب الإسلامية عند الحنابلة وله حق الملكية في ماله الخاص ، وإعانته على شراء حريته بنظام المكاتبة والتدبير مرغوب فيها دينيًا (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) (6). والدماء متكافئة فى القصاص..
وبعد أن كان الرق من أكبر مصادر الاستغلال والثراء لملاك العبيد ، حوّله الإسلام بمنظومة القيم التي كادت أن تسوى بين العبد وسيده إلى ما يشبه العبء المالي على ملاك الرقيق.. فمطلوب من مالك الرقيق أن يطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا يكلفه من العمل مالا يطيق.. بل ومطلوب منه أيضاً إلغاء كلمة " العبد " و الأمة " واستبدالها بكلمة " الفتى " و " الفتاة ".
بل لقد مضى الإسلام في هذا السبيل إلى ما هو أبعد من تحرير الرقيق ، فلم يتركهم فى متاهة عالم الحرية الجديد دون عصبية وشوكة وانتماء ، وإنما سعى إلى إدماجهم فى القبائل والعشائر والعصبيات التي كانوا فيها أرقاء ، فأكسبهم عزتها وشرفها ومكانتها ومنعتها وما لها من إمكانات ، وبذلك أنجز إنجازاً عظيماً وراء وفوق التحرير عندما أقام نسيجاً اجتماعياً جديداً التحم فيه الأرقاء السابقون بالأحرار ، فأصبح لهم نسب قبائلهم عن طريق " الولاء " ، الذي قال عنه الرسول (: [ الولاء لُحْمَةٌ كلُحْمَة النسب ] رواه الدارمي. حتى لقد غدا أرقاء الأمس " سادة " فى أقوامهم ، بعد أن كانوا " عبيداً " فيهم.. وقال عمر بن الخطاب وهو من هو فى الحسب والنسب عن بلال الحبشى ، الذي اشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه: " سيدنا أعتق سيدنا " !.. كما تمنى عمر أن يكون سالم مولى أبى حذيفة حيًا فيختاره لمنصب الخلافة.. فالمولى ، الذي نشأ رقيقاً ، قد حرره الإسلام ، فكان إماماً في الصلاة وأهلاً بخلافة المسلمين.
ولقد ساعد على هذا الاندماج في النسيج العربي فضلاً عن الإسلامي ذلك المعيار الذي حدده الإسلام للعروبة وهو معيار اللغة وحدها ، فباستبعاد " العرق.. والدم " غدت الرابطة اللغوية والثقافية انتماءً واحداً للجميع ، بصرف النظر عن ماضي الاسترقاق وعن هذا المعيار للعروبة تحدث الرسول(في معرض النقد والرفض للذين أرادوا إخراج الموالى ، ذوى الأصول العرقية غير العربية ، من إطار العروبة ، فقال: [ أيها الناس ، إن الرب واحد ، والأب واحد.. وليست العربية بأحدكم من أب أو أم ، وإنما هى اللسان ، فمن تكلم العربية فهو عربي.. ]..
هكذا كان الإسلام إحياء وتحريراً للإنسان ، مطلق الإنسان ، يضع عن الناس إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، ويحرر الأرقاء ، لأن الرق في نظره " موت " ، والحرية " حياة وإحياء ".. ولقد أبصر هذه الحكمة الإسلامية الإمام النسفي [ 710هجرية /1310م ] وهو يعلل جعل الإسلام كفارة القتل الخطأ تحرير رقبة: (ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) (6).. فقال: إن القاتل " لما أخرج نفساً مؤمنة من جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفساً مثلها في جملة الأحرار ، لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها ، من قِبَل أن الرقيق ملحق بالأموات ، إذ الرق أثر من آثار الكفر ، والكفر موت حكماً.." (7)..
فالإسلام قد ورث نظام الرق عن المجتمعات الكافرة فهو من آثار الكفر ، ولأنه موت لروح وملكات الأرقاء ، وسعى الإسلام إلى إلغائه ، وتحرير أي إحياء موات هؤلاء الأرقاء ، كجزء من الإحياء الإسلامي العام (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (8).
ومع أن مقاصد الإسلام في تصفية نهر الرقيق بإغلاق روافده وتجفيف منابعه ، وتوسيع مصباته لم تبلغ كامل آفاقها ، إذ انتكس "الواقع التاريخي" للحضارة الإسلامية ، بعد عصر الفتوحات ، وسيطرة العسكر المماليك على الدولة الإسلامية.. إلا أن. حال الأرقاء في الحضارة الإسلامية قد ظلت أخف قيوداً وأكثر عدلاً بما لا يقارن من نظائرها خارج الحضارة الإسلامية ، بما في ذلك الحضارة الغربية ، التي تزعمت في العصر الحديث الدعوة إلى تحرير الأرقاء..
فلقد اقترن عصر النهضة الأوروبية بزحفها الاستعماري على العالمين القديم والجديد ، وبعد أن استعبد المستعمرون الأسبان والبرتغاليون والإنجليز والفرنسيون سكان أمريكا الأصليين ، وأهلكوهم في سخرة البحث عن الذهب وإنشاء المزارع ، مارسوا أكبر أعمال القرصنة والخطف في التاريخ ، تلك التي راح ضحيتها أكثر من أربعين مليوناً من زنوج إفريقيا ، سلسلوا بالحديد ، وشحنوا في سفن الحيوانات ، لتقوم على دمائهم وعظامهم المزارع والمصانع والمناجم التي صنعت رفاهية الرجل الأبيض فى أمريكا وأوروبا.. ولا يزال أحفادهم يعانون من التفرقة العنصرية في الغرب حتى الآن.
وعندما سعت أوروبا في القرن التاسع عشر إلى إلغاء نظام الرق ، وتحريم تجارته ، لم تكن دوافعها في أغلبها روحية ولا قيمية ولا إنسانية ، وإنما كانت في الأساس دوافع مادية ، لأن نظامها الرأسمالي قد رأى في تحرير الرقيق سبيلاً لجعلهم عمالاً أكثر مهارة ، وأكثر قدرة على النهوض باحتياجات العمل الفني في الصناعات التي أقامها النظام الرأسمالي.. فلقد غدا الرق بمعايير الجدوى الاقتصادية عبئاً على فائض رأس المال الذي هو معبود الحضارة الرأسمالية المادية وأصبحت حرية الطبقة العاملة أعون على تنمية مبادراتها ومهاراتها في عملية الإنتاج..
ولقد كان ذات القرن الذي دعت فيه أوروبا لتحرير الرقيق هو القرن الذي استعمرت فيه العالم ، فاسترقّت بهذا الاستعمار الأمم والشعوب استرقاقاً جديداً ، لا تزال الإنسانية تعانى منه حتى الآن..
المراجع
(1) يوسف: 1921.
(2) يوسف: 75.
(3) محمد: 4.
(4) التوبة: 60.
(5) النور: 33.
(6) النساء
(7) [ تفسير النسفى ] طبعة القاهرة ، الأولى
===================
مرحبا بك اخي الزائرنرجو ان ينال الموقع اعجابك
الكلمة الطيبة جواز مرور إلى كل القلوب
ساحة النقاش