إدارة الأزمات وثقافة التحول لشركة بريتش بوتروليوم BP
ترجمة
أحمد السيد كردي
2016م
الملخص
تشمل الاستدامة للشركات على العديد من ممارسات العمل الرسمية. فالتسرب النفطي في خليج المكسيك يوضح مثال نموذجي على استمرارية استدامة الشركة وضعفها يمكن أن يؤدي بها إدارة الأزمة ودراسة أسباب الفشل التنظيمي. وفي جوهر هذه القضية كانت الثقافة التنظيمية فاشلة. لذا تبحث هذه الورقة البحثية ما آلت إليه الأحداث والقيم التنظيمية بسبب حدوث الأزمة وما يمكن أن تتحول إليه الثقافة التنظيمية وما يلزمها لتجنب تكرار الحدث والبدء في بناء منظمة مستدامة.
الكلمات المفتاحية: الاستدامة, إدارة الأزمات, الثقافة التنظيمية, تسرب النفط.
1- المقدمة:
إن ممارسات الأعمال التجارية القياسية, والتي تشكل دعما للاقتصاد, وتنتمي إلى المشاركة أو العمومية الأفضل ليستفيد منها المجتمع ككل. ويمكن النظر إلى هذه الأعمال كمؤسسة أخلاقية, تخدم الصالح العام عندما تكون المنظمة ناجحة ومربحة, وتخلق فرص العمل, وتطوير البحوث والتكنولوجيا, وتبقي على صناديق المعاشات التقاعدية, وتوفر السلع للمستهلكين, وتدعم المجتمعات المحلية وتحمي البيئة, أو تتبرع لأسباب بيئية. كل ذلك, من بين مجموعة أخرى من ممارسات الأعمال القياسية, وكلها مقاصد للمؤسسات الأخلاقية, التي تعود بالنفع على أصحاب مصالح الأعمال. وهكذا, فالأعمال التي يشار إليها في هذا الأسلوب, تنطوي بالفعل على أخلاقيات العمل.
يمكن أن نطلق على هذه المقاصد الأخلاقية "الأكسجين" الموجود في المؤسسة. ومع ذلك عندما تتوقف شركة عن أداء هذه المهام, فإنها لا تبقي على نفسها, كما أن هناك العديد من المفاهيم الملموسة حول الاستدامة والتي من المهم أن تؤخذ في الحسبان في أداء الأعمال مثل الحفاظ على البيئة, والحفاظ على المجتمع أو المحافظة على الاستقرار الاقتصادي, والتسرب النفطي في خليج المكسيك جعل شركة BP تتحول بسرعة من منظمة يستفيد منها المجتمع لأخرى غير مستدامة.
شركة BP المعروفة في الأصل باسم شركة النفط الأنجلو فارسي وذلك في عام 1909م, وفي وقت لاحق, في عام 1954م عرفت باسم بريتش بوتروليوم. وقد تأثرت الشركة ماليا من التسرب, وكان هناك تراجع ملحوظ بشكل كبير في العديد من صناديق المعاشات التقاعدية في بريطانيا. والذين فقدوا حياتهم وفرص العمل, ودمرت الجاليات والنظم الأيكولوجية. وكان التركيز فقط على المحافظة على الأعمال نفسها, أي الإبقاء على الوضع.
ويجب أن يكون هذا الشعور أساسي بالتأكيد على الاستدامة. ومنذ وقت طويل, ركز هرم كارول حول الاستدامة الاقتصادية باعتبارها النظام الأول من مسؤوليات الشركات "إذا فشلت تجارتي فلا مسؤوليات أو أنشطة أخرى ممكنة". حتى أوباما نفسه أعترف حول تسرب النفط في خليج المكسيك على أهمية الحفاظ الجدي على شركة BP بما فيه الكفاية لدفع الضرر الذي تسبب. إن تحول عبء إزاحة الدين الناتج لشركة BP للحكومة ودافعي الضرائب قد خلق فقط المزيد من المشاكل.
وهذه الورقة تبحث الاستدامة بالتطبيق على شركة BP. وسوف نشير إلى ممارسات شركة BP السابقة والممارسات المستقبلية المحتملة بناء على الخوف من المسؤولية والإبقاء على المنظمة.
والسؤال الأساسي: ما هي درجة الاستدامة في شركة بريتش بوتروليوم BP ؟, وسوف تبحث الورقة في البداية قضايا الثقة ومعاملة أصحاب المصلحة. مع الإشارة إلى مدى انكسار شركة BP في ظل التسرب النفطي في خليج المكسيك وأيضا الحوادث السابقة في شركة BP.
وأخيرا, سيتم الإشارة إلى الجهود التي قامت بها شركة BP لإدارة الأزمات والتحول التنظيمي نحو تنظيم أكثر استدامة. فقيمة هذه الورقة تكمن في دراسة قضية تطبيق الاستدامة, حيث أنه لم تكن لشركة BPحادثة واحدة فقط ولكن كانت متعددة وبعد التنظيم السليم بقت الشركة وازدهرت, على هذا النحو يجب على الفرد أن يتساءل عن كيفية النظر إلى وتنفيذ الاستدامة.
2- الثقة ومعاملة أصحاب المصلحة:
فالشركة الأفضل هي التي تتبع المقاصد الأخلاقية, عندما تخدم جميع أصحاب المصلحة بشكل جيد وبمعاملة حسنة مثل الأبناء, ونحن نعتقد أن علاج ذلك أساسا من خلال مسألة الثقة. فأصحاب المصلحة يتعاملون مع الشركة من خلال الثقة المتبادلة, وإيمانا منهم أن الكل سيعامل إلى حد ما, بطريقة لائقة وبمصداقية- في جوهرها حسن معاملة جميع أصحاب المصلحة فهذا هو مفهوم أهمية الثقة الممنوحة بسهولة والمنعدمة بسهولة.
والعلاج الجيد لأصحاب المصلحة, ليس على سبيل الحصر يشمل على: الإدارة الأخلاقية, والعقود الأخلاقية, والتركيز على الحد الأدنى, والتوازن بين العمل والحياة داخل الشركة, وفاعلية إدارة المخاطر الاستباقية, والشفافية في جميع عمليات صنع القرار وتوجيه السياسات, والمخاطر والمنافع المشتركة, والقيادة الجديدة بما في ذلك مسؤوليات الوفاء الائتمانية واتخاذ القرارات المشتركة, وتجنب الخطر الأخلاقي, والحمادية المالية والمادية- لجميع أصحاب المصلحة الضعفاء والعاجزين. وأهمية تعرف المديرون التنفيذيون على مثل هذه الأنشطة في الشركات.
في عام 2005م ذكرت دراسة أجرتها وحدة الاستخبارات الاقتصادية أن 88% من المديرين التنفيذيين يؤمنون بأن النظر إلى المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR) هو أمر أساسي ومهم في قرارات الأعمال ومرتبط بنتائج مالية أفضل للمنظمة. فالمسؤولية الاجتماعية للشركات هي منهج الإدارة المبنية على الثقة والاحترام لأصحاب المصلحة.
كل هذه الصفات المرغوب فيها للتعامل اللائق تبدو أساسية للنجاح والاستدامة, ولكن في كثير من الأحيان من الصعب على الشركات تحقيقها. حيث أنه ليس هناك حل سحري, ولا عقد أخلاقي, ولا توجد استراتيجية الامتثال أو النزاهة, ولا يوجد إطار للمواطنة في الشركات يجبر ظهور أو الحفاظ على الاستدامة لهذه الصفات داخل المنظمة, ولا شيء يضمن أن المنظمة سوف تفعل الشيء الصحيح, لتحمي نفسها وأصحاب المصالح تجاه الاستدامة, أو البقاء في عالم المنافسة والعداء.
إن التسرب النفطي لشركة BP هو مثال واضح على صعوبة تحقيق الاستدامة للثقة والمحافظة عليها. فلشركة النفط, الثقة هي قيمة حرجة لأنه فقط من خلال الثقة لدى الحكومة وغيرها من أصحاب المصلحة يمكن أن تعطى شركة مثل BP فرص الحفر في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة.
3- المنظمات المتحطمة:
يكون العمل الناجح والجيد من الناحية الأخلاقية, من خلال صفات الاستدامة معا كأنها مباراة, في هذا الصدد كتب "لي كاري" أن الحد القانوني من المسؤوليات الأساسية ضروري لأي منظمة أن تظل مستدامة مع مرور الوقت. وهناك أعمال يمكن من خلالها المحافظة على تلك الصفات, أو سوى عدد محدود منها, وإذا تلاشت تصبح المنظمة متحطمة أو فاشلة, غير قادرة على التحول الثقافي. والثقة لدى أصحاب المصلحة, وإيمانهم بأن الشركة سوف تتبدد (أو تفشل لاحقا) إذا كانت المنظمة غير قادرة أو غير راغبة في إقامة وتطوير ممارسات مستدامة في الصميم لغالبية أصحاب المصلحة, حيث أضاف "لي كاري": أنه إذا لم يتم تطوير الممارسات المستدامة, فقد تفشل المنظمة في العقد المبرم بينها وبين شركائها.
وتشمل أعراض الفشل الداخلي الوشيك انخفاض معنويات العاملين, وانخفاض معدلات الاحتفاظ بالموظفين وسوء التصرف الإداري, والغرور وثقافة الاستعلاء, والبلطجة والتحرش الجنسي, ومطالب غير معقولة مقابل ولائهم وتحقيق الربح, وانعدام الشفافية, والتسلسل الهرمي الرأسي الحاد في صنع القرار, والتجاهل للخطر والأضرار, واللامبالاة لاحتياجات أصحاب المصلحة الأقل سلطة "فوق كل شيء" وتدهور القيم والمقاصد الأخلاقية التي تحدد المسؤولية العامة. والمنظمات التي تعاني من هذه الأعراض هي بالتالي عرضة للمزيد من الإخفاقات والأزمات التي على وشك الوقوع.
اللحظة الحاسمة, في مثل هذه الأزمات, قد تعجل بحدث كبير للغاية, وفقدان القيمة المالية, وتأثير الطبيعة أو الحادث, وسوء السلوك الجسيم أو سوء التصرف. وما يمكن أن يضيع هو الحياة أو الصحة, والمال أو النظم الأيكولوجية. مما يترتب عليه ضياع وفقدان السمعة والثقة بلا رجعة. وهو نموذج ومثال لما وقعت فيه شركة بريتش بوتروليوم BP في الآونة الأخيرة, والتي هي من أكبر ثلاث شركات للنفط المتعددة الجنسيات في بريطانيا والعالم.
4- التسرب النفطي في شركة بريتش بوتروليوم BP
في سبتمبر عام 2009م, اشتغلت شركة بريتش بوتروليوم BP في حقل التايبر وهو يقع على حوالي ستة أميال تحت قاع خليج المكسيك. شركة BP, بمساعدة ترانس أوشن, وهو مقاول الحفر, حيث غرق النفط في الأعماق, واندلعت النيران بالبئر أثناء استخراج النفط الجديد, والذي كان سيمثل إضافة لصورة شركة BP وقدرتها على الابتكار والريادة في الصناعة. وكانت تلك الخطوة في الوقت المناسب في الولايات المتحدة بمناقشة ما إذا كان هناك دعم لمزيد من الحفر تحت البحر, بعد ذلك بوقت قصير اشتغلت شركة BP في ماكوندو جيدا في موقع ديب ووتر وهو يبعد 40 ميلا قبالة ساحل لوزيانا. كان موقع ماكوندو أقل صعوبة من حقل التايبر, ولكن حدثت خطأ كبير جدا. ففي إبريل عام 2010م أثناء الحفر في موقع ديب ووتر إنفجر وأسفر عن مقتل أحد عشر عاملا وتسربت الألاف من براميل النفط في خليج المكسيك.
ووقع الحادث عندما كان طاقم الحفار يستعد لوضع القفل المؤقت على البئر والانتقال إلى موقع أخر. مما تسبب في خطر تسلل الغاز الطبيعي الناسف, ونظام النسخ الاحتياطية للأقفال تقوم بالإغلاق مع بداية نشوء المشاكل, حيث فشل هذا النظام, وترك حتى تسرب النفط بغزارة في خليج المكسيك. وهناك وجهات نظر مختلفة بشأن النفط المسرب, فوفقا لتقدير الحكومة كان لا يقل عن 60 ألف برميل في اليوم, وربما يصل إلى 100 ألف برميل.
5- تحديث شركة بريتش بوتروليوم BP.
في عام 2009م تم استبدال الرئيس التنفيذي لشركة BP توني هيوارد بالرئيس التنفيذي الأمريكي بوب دالي. حيث تم إقرار هذا التغيير من الأعلى لتهدئة الرأي العام من خلال عملية استبدال غير مكترثة بأنهم على ما يبدوا أخطأوا في القيادة المحلية, التي لها مصلحة في جعل الأمور في نصابها الصحيح والقائد الجديد لديه سجل نظيف بعدم ارتباطه مع أي حادث سابق في شركة BP فالشركة لم تطرد هيوارد, ولكن استبعدته من منصبه وأرسلته للعمل في سيبريا, ليرأس العمليات الروسية في شركة BP.
في عام 2010م أصدر الكونجرس قانون المخالفات, والذي بموجبه سوف تكون شركة BP مسؤولة عن الأضرار في الخليج. وفي عام 2012م تبين الإهمال الجنائي لشركة BP, مع وجيه اتهامات جنائية خطيرة ضد ثلاثة مسؤولين تنفيذيين. وحتى الآن, دفعت شركة BP أكثر من 14 مليار دولار في عمليات التطهير, و8 مليار دولار في غرامات الدعاوي التجارية, ونصف مليار في عقوبات ميدانية, وفي المحاكم في عام 2013م, من المتوقع أن تفرض عليها عقوبات واسعة النطاق ومزيد من الغرامات. وقدرت صحيفة فايننشال تايمز تكاليف الاستمرار في تسرب النفط في الخليج لشركة BP أنه قد يصل إلى 90 مليار دولار.
وقد تم دعم تكاليف شركة BP من خلال بيع حصتها البالغة 50% في شركة النفط العاملة في روسيا, هذا بجانب التحالف الروسي روسنفنت وهي أكبر شركة نفط في العالم. حيث دفعت لشركة BP 15 مليار دولار نقدا, وما يصل إلى 20% من أسهم روسنفنت. وفي الوقت نفسه, حشدت شركة BP أكثر من 7,2 مليار دولار في علاج فشلها في الهند. وتعاني شركة BP من نقص في السيولة النقدية, وكما ذكرت فوتسن سابقا في صحيفة صنداي تايمز, "تجتهد الشركة لتصحيح مسارها بعد سنوات تقريبا حوالي سنتين ونصف من تسرب النفط في خليج المكسيك".
6- إدارة الأزمات والتحول التنظيمي.
تدعو إدارة الأزمات إلى التحول التنظيمي. والثقافة التنظيمية هي تعني النظام أو القيم المشتركة داخل المؤسسة التي تؤثر على كيفية تصرف الموظفين. وعند مواجهة أي قرار أو مشكلة, فالثقافة التنظيمية تؤثر في كيفية تحديد الموظفين, وتقييم ومعالجة القضايا. وفي تحول الشركة, فإنه من الصعب جدا وغير مقنع في بعض الأحيان, الحديث عن التغيير الثقافي التنظيمي, أو تحديد ثقافة الشركات, أو حصول الشركات على فعل الشيء الصحيح, بسبب ضخامة المهمة. وتستند المطالبات المعتادة للكيفية التي يمكن بها تحقيق ذلك على نظرية "الرصاصة السحرية", مثل الإطاحة بالقادة الضعاف والموظفين الفاسدين, وإعادة كتابة لوائح الشركة, والاعتذار ودفع التعويضات, والتي ثبت أن لها تأثير محدود ولا يتفق مع الثقافة التنظيمية والتغيير في الثقافة. ما إن تعرضت للخطر, فالمنظمات الخاطئة مثل شركة بريتش بوتروليوم BP ليس لديها أي خيار سوى التحول من استضافة المخالفات إلى كيفية التعامل معها. والسؤال هو, كيف ؟
معظم الدراسات تشير إلى أن التغيير في قيادة الموظفين له تأثير متدهور, وليس أفضل حل. ففي عام 2007م, عندما التحق الرئيس التنفيذي هيوارد لشركة BP أعلنت الشركة أن قيادة هيوارد لها "قد غيرت جذريا" الثقافة في الشركة, عبارة في أعقاب التسرب النفطي. وتكثف الامتثال للقوانين القائمة, والقواعد الجديدة أو اللوائح أو المبادئ التوجيهية, لديها تأثير ضعيف على نحو مماثل.
واستراتيجيات السلامة والتي وضعها "باين" عام 1995م لتحويل المنظمة, لم تؤدي إلى نتائج جيدة. وهناك عدد قليل جدا, إن وجدت المنظمات, حيث يكون هناك تغيير كامل ومفيد للثقافة من تحطم إلى إصلاح, أو من فاسدة إلى جديرة بالثقة والأخلاقيات. باين 1995م, وتريفنتو ونيلسون 2007م, بينوا فيما بينهم أن هناك حوالي ستة منظمات أعلنوا تحولهم الثقافي, ومع ذلك, فإن المزيد من الدراسات التي أجريت مؤخرا على تلك الشركات, تروي قصص مختلفة. والدليل تم العثور على إدانة بعضها بالرشوة والفساد. فالمحزن أن أقول, لم يكن لهذه القوائم الأصلية ثقافة التنمية المستدامة.
ينبغي أن نكون حذرين من الأنظمة والتشريعات كوسيلة لتحويل سلوك الشركات. فالامتثال يكون ضعيف. والشركات التي تريد أن تفعل الشيء الصحيح واتباع القواعد, لا تضطر إلى هذا الوضع. كذلك, الشركات التي لا تريد أو تعتقد في الأنظمة أو القوانين, لن تتبع القواعد, وسوف تجد وسيلة لتظهر اتباع القواعد أو ستضغط لصالح المرونة في تطبيق القواعد. ويعمل الامتثال على القاسم المشترك الأدنى. إنها استراتيجية الحد الأدنى في أحسن الأحوال. وهي تقوم للشركات على ما هو أقل أن يقوموا به للبقاء في حدود القانون.
ومع ذلك, لا يمكننا رفض قيمة اللوائح في مجال الاستدامة. كل ما علينا القيام به لفهم والاستفادة من الأنظمة سوى زيارة البلدان التي يوجد بها الحد الأدنى للأنظمة البيئية, مثل الصين, للتعرف على تأثير الرقابة الحكومية المتضائل. ومع ذلك, في مجال الاستدامة, فالقيادة والسلوك الاستباقي هما المفتاح, والاعتماد على اللوائح الحكومية يمكن أن يكون قصير النظر. فاللوائح تنشئ الحد الأدنى لسلوك الشركات, ولكن مع اتفاقيات التجارة العالمية, فهناك تحدي للعديد من الأنظمة الحكومية. وفي مجال الاستدامة, تحتاج الشركات من توفير القيادة بدلا من أن تتكئ على الحكومة في اتجاهاتها.
وثمة سبب أخر لعدم وضع الثقة في الامتثال, بالتركيز على حقيقة أنه عندما تفشل المنظمة, أو تتحطم فالنظام في حد ذاته يهدف إلى ضبط المنظمة, للتأكد من أنها لا تنحرف, وقد فشل ذلك في حالة شركة بريتش بوتروليوم BP, وأجهزة الرقابة والهيئات التنظيمية في تهمة أيضا لإلقاء اللوم, كما يبدو أنها فشلت في الإشراف على الشركة والصناعة. والفيدرالية الأمريكية لخدمات الإدارة المعدنية (MMS) المسؤولة عن ضبط تشغيل سواحل إنتاج النفط والغاز كانت واثقة بشكل مفرط في سلامة الحفر في أعماق البحار. ونتيجة لهذا الاعتقاد, اعفت MMS شركة BP من تقديم بيان الأثر البيئي للحفر عندما حدث التسرب. كما شاركت شركة BP المخاطر. وقال القانونيون "أن شركة BP تجاهلت تحذيرات المقاولين والعاملين بها واختارت أسرع وأرخص خيارات الحفر التي زادت من خطر إصابة البئر. كما أعطت MMS شركة BP التحقيق بنفسها, وتقديم تقارير خاصة بها, وترك مسائل التقنية والسلامة الهامة لشركة BP للتعامل معها بمفردها. كما أقر الرئيس أوباما أيضا بأن الأنظمة كانت متساهلة جدا, وشرع في زيادة اللوائح على الحفر في أعماق البحار. حتى الرئيس التنفيذي لشركة BP, توني هيوارد, اعترف أنه كان من الممكن فعل المزيد لإدخال إجراءات تحسينات السلامة.
7- التحول.
قد يكون الطريق صعبا أمام شركة بريتش بوتروليوم BP, ولكن البلدان المستضيفة لها, تأثرت مجتمعاتها وموظفيها, والبيئة, ولها طريق أكثر صرامة, إذا فشلت شركة BP في تغيير الأعمال التجارية, وضربت بعرض الحائط كلا منها. فالمنظمات ليس لها سوى فرصة صغيرة بعد وقوع الكارثة لإحداث التغيير المستدام. وبعد مرور الفرصة, إذا لم يتم إدارة الكارثة بهدف التعلم الجديد, ستكون العودة إلى أنماط السلوك القديمة.
فمن أجل تجنب الانزلاق إلى الخلف, توصي دي ماريا (2010م) المنظمة بما يلي: 1- التركيز على الضحايا, 2- تقبل المسؤولية عن الأزمة, 3- إضفاء الطابع المؤسسي للتعلم (كما في المنظمة المتعلمة), 4- تتبنى الإدارة التركيز على انطباع الأسف, وتطهير وتحسين السلوك.
وقد فعلت شركة بريتش بوتروليوم BP كل ما سبق على مر السنين, ولكن لم يتغير شيء في ثقافتها أو عملياتها, واستمر الضرر. وقد راقب الجمهور, وانتظر التغيير ولكنه وجد إدارة المنظمة ليست راغبة أو قادرة على التغيير. والعاملون في الشركة, في الماضي والحاضر, يقولون أن الكارثة كانت متوقعة جدا. ويصفون شركة بريتش بوتروليوم BP بثقافة الغطرسة والمخاطرة, والتي امتدت منذ عقود. وجاءت الأرباح قبل التعرض الرهيب بالسلامة والإبلاغ عن المخالفات, لضغوط من الخارج, أو على الإطلاق.
و شركة بريتش بوتروليوم BP, أكبر من أي شركة أخرى في هذه الصناعة, وقد راهن مستقبلها على المشروعات المخاطرة, ووفقا لرئيس الاستكشاف والإنتاج بشركة BP في عام 2009م "نحن لا نفعل أشياء بسيطة.. ونحن مستعدون للعمل على الحدود وإدارة المخاطر".
بالإضافة إلى ذلك, شركة BP عزلت نفسها عن أصحاب المصلحة الذين شككوا في جدوى هذه المخاطر. وقد أدى تزايد التحرك والاتصالات في مجتمعنا للمسؤولين التنفيذيين وصناع القرار في الشركات أن يكونوا قادرين على أن يحيطوا بأنفسهم مع الأشخاص بمشاركة آرائهم. وتصبح الإجراءات والمعتقدات المتناقضة من الصعب تقبلها بكثرة, لأنه أقل وأقل احتمال أن المسؤولين التنفيذيين في شركة BP يتفاعلون مع الأشخاص الذين لديهم, أو سوف تعبر عن الرأي البديل في المخاطر المقبولة وغير المقبولة.
و شركة بريتش بوتروليوم BP قامت إدارتها بخطأ لا يغتفر خلال هذه الأزمة وعدم فاعلية رئيسها التنفيذي في إيصال وسائل كسب ثقة الجمهور. أيضا, بعد التسرب قامت بالوسائل التي تشير إلى الثقافة التنظيمية التي كانت قبل التسرب واستمرت بعد التسرب بدون مبرر لثقة أصحاب المصالح.
على سبيل المثال, استخدام كوريكست, وهو النفط المحظور في أوروبا منذ 10 أعوام, لدفع النفط تحت سطح الأرض, حيث يمكن أن يسبب في المزيد من الضرر. وهذه المشتقات شديدة السمية ولكن يختفي مشاهدتها في النفط. اقترحت وكالة حماية البيئة أن كوريكست لا يمكن استخدامه في الخليج, ولكن شركة BP تجاهلت طلبها.
وطعنت شركة BP على التقديرات المتحفظة لكمية النفط التي تسربت, وقد وجهت إليها تهمة الاحتيال بشأن هذه الأرقام بناء على رسائل البريد الإلكتروني للشركة. حيث تظهر رسائل البريد الإلكتروني من كورت ميكس مهندس شركة BP السابق, أن شركة BP تعرف معدل التدفق قبل فترة طويلة عندما طلبت منها السلطات الأمريكية ذلك. حيث ادعت شركة BP أنهم لا يعرفون أقصى حد للتسربات حتى بعد إبريل. ومع ذلك, وفقا لرسائل البريد الإلكتروني التي عرفت على الفور تقريبا. حيث أظهرت رسائل البريد الإلكتروني أنه بعد يومين فقط من الانفجار قدر ميكس معدل التدفق بين 62 و146 ألف برميل يوميا. والرئيس التنفيذي بوب دادلي, بعد ذلك قدر معدل التسرب بحوالي 5000 برميل يوميا, وذلك أقل بكثير من التقديرات الواردة لإدارة شركة BP.
بالإضافة إلى ذلك, شركة بريتش بوتروليوم BP لم تقبل المسؤولية عن الأزمة. وأصر هيوارد الرئيس التنفيذي لشركة BP, أن الحادث كان خطأ شركة الحفر, ترانس أوشن, وليس شركة BP.
ما لا يزال واضحا هو أن هناك أوجه قصور بالقيمة واضحة وكبيرة في التنظيم, والتي لم تكن ثابتة, كما لا يبدو أن هذه المسألة لاستمرار عملياتها في جميع أنحاء العالم. أوجه القصور في طريقة تعامل المنظمة مع السلامة والاستدامة, واستمرت المخاطر والأرباح واللوائح. وعلى مستوى فردي, فمن المرجح أن العديد من موظفي شركة BP يعرفون هذه المشكلة في القرارات والقيم التي تتبناها المنظمة.
والمشكلة هي متضمنة في التفاهم, "والفيلة في الغرفة" وفقا لهاموند ومايفيلد 2001م. مثل قضايا السلامة, لم تكن بها صراحة أبدا, وبالتالي لم تناقش بشكل كاف. ويوصي بتسمية الأفيال من خلال ثلاث خطوات: أولا, تحديد ما لا يتم مناقشته. وقد ساعدت وسائل الإعلام والحكومة في هذه العملية من خلال الإشارة إلى نقاط الضعف المؤسسية. الخطوة الثانية, تتطلب الافتراضات السطحية أن الأشخاص يعرفون الوضع الحالي. سيكون من الأفضل القيام بذلك من خلال مدخل تعدد أصحاب المصلحة. وأخيرا, فإن المنظمة إذا كانت تهتم بموظفيها, تحتاج إلى تعلم كيفية إقامة حوار بناء يشمل مستوى كبار ومتوسطي وأصغر الموظفين.
وكذلك بشكل مثالي فالأبحاث ستنظر إلى شركة BP من خلال مقابلة جميع الموظفين وأصحاب المصلحة ذوي الصلة والنظر في هذه القضايا بأكثر شمولية. إذا كان أفضل مؤشر للإجراءات المستقبلية هو سلوك الماضي, ثم نكون على يقين أن كلا من ذلك لن يحدث. وشركة BP لديها ما يكفي من المال والقدرة على البقاء في العمل, ولكن الشركة ستفشل في نهاية المطاف مع جميع أصحاب المصالح من جديد, ما لم يتم إعطاء أصحاب المصالح العديد من الأصوات ومن الواضح أن ذلك للإفلات من المسائلة.
8- الاستنتاجات.
إن المغزى من قصة شركة بريتش بوتروليوم BP هي أن نظرية أخلاقيات الأعمال التقليدية التي تتبناها شركة BP في نوع السلوك الذي سيدفع الشركة إلى التدمير, هو خطأ فادح. نورينا هيرتز, قارنت في كتابها الاستحواذ الصامت للشركات الأقوى للدول. واقتصاداتها هي أكبر من تلك التي في معظم دول العالم. وكبار المسؤولين التنفيذيين هم مثل الرؤساء. ويدعون السيادة على أفعالهم, ولا أحد يستطيع منعهم.
وشركة بريتش بوتروليوم BP غير مستدامة في الوضع الحالي فعملياتها تقوم على الغطرسة والعزلة. وللأسف, فإن بقية الدول قد لا تكون مستدامة بسبب شركات مثل بريتش بوتروليوم BP. فالمجتمعات والبلدان تحتاج إلى تطبيق الاستدامة بدلا من انتظار الشركات تتصرف على نحو مستدام.