التراتيب الإدارية في العهد النبوي

مما لاشك فيه أنه كانت للنبي محمد e العديد من التراتيب الإدارية التي كان e يقود بها مسيرة الأمة، ويؤسس من خلالها منهجها الفريد " فقد كان ( دستور المدينة ) عبارة عن إشارةٍ واضحة إلى انتهاء عصر الفوضوية السياسية والإدارية، وبداية عهد سياسي و إداري مُقنن يقوم على مبادئ، ونظم، وتشريعات مُحددة يخضع لها الجميع، و تُنظم حياة ذلك المجتمع من كافة النواحي الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والأمنية ..الخ " (البرعي, 1994م, ص: 106 – 107).

ولنا في حياة الرسول  eالأسوة الحسنة في كل نواحي الحياة على وجه الخصوص في قيادة الآخرين على الأسس السليمة التي رسخها الإسلام، وفي الرفق والتعاون حيث يقول الله -عز وجل- في كتابه الكريم: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

ولقد رسخ الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أسس ومبادئ الإدارة وفن قيادة الآخرين من خلال مواقفه مع أصحابه، فكل موقف كان يرسخ مبدأً جديداً في كيفية إنجاز الأعمال بنجاح وتميز دون إهدار حقوق الغير، ودون التقليل من المهام الموكولة للآخرين، بل يصبح تقسيم العمل والتعاون والاستماع للآخرين من الصفات التي ينبغي أن نتحلى بها في تعاملنا نحن في أعمالنا .

كما كان e يعمل بمبدأ الشورى في كثيرٍ من الأمور التي لم ينزل عليه في شأنها وحيٌ من الله تعالى امتثالاً لقوله تبارك و تعالى: } وشاورهم في الأمر { (سورة آل عمران, الآية: 51) . وقوله تعالى: } وأمرهم شورى بينهم { (سورة الشورى, الآية: 38).

وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة t أنه قال: " لم يكن أحدٌ أكثر مشورةً لأصحابه من رسول الله e " ( الترمذي، ج 4، الحديث رقم 1714، ص 213). حيث كان الرسول e يستشير بعض أصحابه الذين كانوا أهل رأيٍ سـديد ومنطقٍ رشيد، وبصيرةٍ نافذة، ويأخذ برأيهم في كثيـرٍ من الأمور " ولقد قـنَّنَ الرسول e الشورى فكون لها مجلساً من أربعة عشر نقيباً يختارهم من أهل الرأي والبصيرة، ممن يُشهد لهم بالعقل والفضل، وممن أبانوا قوة الإيمان والكفاية في بث الدعوة الإسلامية، وقد كان اختيار النقباء مناصفةً بين الأنصار والمهاجرين حتى يكون القرار شمولياً يقبله الأنصار والمهاجرين " (أبو سن, 1984م, ص: 70).

وكان e يحرص وهو القائد الإداري الأول للأمة أن يكون قدوةً حسنةً في كل شأنه، ولذلك فقد كان يأمر بالشيء ويُخطط له ثم يكون أول من يعمل به ويطبقه في واقع حياته، ولعل خير مثالٍ على ذلك مشاركته e لأصحابه في الغزوات والمعارك التي خاضوها مجاهدين في سبيل الله تعالى، ومشاركته العملية في بناء المسجد وحفر الخندق، وتفقده e للسلع والبيع والشراء في السوق .. إلى غير ذلك مما جاء في سيرته الشريفة e .

وليس هذا فحسب فقد كان من أبرز تدابيره الإدارية e بُعد نظره وحُسن اختياره لأصحابه عند توزيع المهام المختلفة عليهم ؛ فقد كان e يُراعي الفروق الفردية بينهم ، ويُراعي اختلاف طاقاتهم وقدراتهم ومواهبهم ليكون الرجل المناسب في المكان المناسب ز وما ذلك إلا ضماناً وحرصاً منه e أن يؤدي كل فردٍ ما عليه من مهام ووظائف كأحسن ما يكون الأداء . وخير مثالٍ لذلك اختياره e لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - وزيرين ، وحذيفة بن اليمان  t صاحباً للسر ، وزيد بن ثابت  t ترجماناً وكاتباً ، وخالد بن الوليد  t قائداً عسكرياً ، ومصعب بن عمير  t سفيراً ومعلماً لأهل يثرب قبل الهجرة ، وعثمان بن عفان  t مفاوضاً لقريش ، وعلي بن أبي طالب  t كاتباً للعهود وحاملاً للراية يوم خيبـر .

وهكذا " عمد e إلى الذخائر البشرية وهي أكداس من المواد الخام لا يعرف أحد غناها، ولا يعرف محلها ، وقد أضاعتها الجاهلية والكفر والإخلاد إلى الأرض فأوجد فيها - بإذن الله - الإيمان والعقيدة ، وبعث فيها الروح الجديدة ، وأشعل مواهبها ، ثم وضع كل واحدٍ في محله فكأنما خُلق له ، وكأنما كان المكان شاغراً لم يزل ينتظره ويتطلع إليه " (الندوي, 1989م, ص: 95).

وأخيراً فإن تخطيطه e للمعارك والغزوات والسرايا ، وإدارته المباشرة لبعضها يدل دلالةً واضحة على عبقريةٍ إداريةٍ فذةٍ ؛ فمرةً يقوم باستطلاع وتقصي الأخبار عن العدو ، ومرةً يقوم بمفاجأة العدو في عقر داره ، وتارةً بقطع طرق التجارة عليهم ، وأُخرى بتفتيت جبهة الأعداء ...إلخ . وفيما يلي رسماً توضيحياً للهيكل التنظيمي للنظام الإداري في الدولة الإسلامية في عهد النبي e .

ولقد اعتمدت القيادة في عهده صلى الله عليه وسلم على مبدأ تقسيم العمل ليسهل قيادة وإدارة أعمال الحكومة ، فكان علي بن أبي طالب كاتب العهود والمواثيق ، وكان حذيفة بن اليمان صاحب السِّر ، وكان زيد بن ثابت مترجماً للغات الأجنبية.

كما أخذت القيادة في عهده صلى الله عليه وسلم بمبدأ الأجر على قدر العمل لقول تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) (سورة الأحقاف: 19).

 

ونخلص مما سبق بأن حسن القيادة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حققت أعظم إنجاز وهو تأمين الدعوة وقيام الدولة الإسلامية ، وتوفير الأمن والاستقرار لكي تؤدي رسالتها السامية لخير البشرية. فالرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين وظيفتين : فكان نبياً مرسلاً ، وقائد دولة ، وكان همه الأكبر منصرفاً إلى العقيدة ونشر الإسلام ولم تكن قيادته للدولة إلا مكملة لرسالته الدينية .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 845 مشاهدة
نشرت فى 20 ديسمبر 2014 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,722,567

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters