أحمد حسين الشيمي موقع الالوكة

تعدُّ أسواق المال من أهمِّ الأسواق التي تسعى التكتُّلات الاقتِصاديَّة إلى تحقيق التَّكامُل فيها، لاسيَّما أنَّها تحقِّق العديد من الفوائد، على رأسها تشْجيع وتنشيط الاقتِصاديات على تجاوُز مراحل التباطؤ والركود، خاصَّة في ظلِّ الأزمة الماليَّة العالمية، التي تعصف بالعديد من الاقتِصاديات العالميَّة والعربيَّة على حدٍّ سواء، وجذب المزيد من الاستِثْمارات الأجنبيَّة، وتنْشيط الأسهُم الضعيفة في أيٍّ من أسواقها، إلى جانب تيْسير انتقال رؤوس الأموال فيما بينها.

تحقيق التكامل:

لجملة الأسباب السابقة؛ فقد حرصتِ الدُّول العربيَّة على تحقيق التكامُل بين أسْواق المال، حيثُ بدأت أولى خطواتِها العمليَّة في هذا الاتِّجاه عام 1982 بإنْشاء اتِّحاد للبورصات العربيَّة، وذلك في إطار جامعة الدُّول العربيَّة، وكان يضمُّ أربع بورصات فقط في بدايته، هي: لبنان، وعمان، وتونس، والمغرب، وأصبح يضمُّ حاليًّا معظم الدول العربية، ويركز هذا الاتحاد في عمله على توسيع قاعدة العضوية، وتشجيع إقامة بورصات جديدة، ونشْر الوعْي بعمل البورصة بين المواطنين، وتشْجيع تبادُل المعلومات والبيانات الخاصَّة بنشاط البورصات.

ويقول المحلِّل الاقتصادي مغاوري شلبي: إنَّ عمليَّة ربْط البورصات العربيَّة مرَّت بِمرحلتَين:
الأولى: امتدَّت من العام 1987 حتَّى 1992، وركَّزت فيها الدُّول العربيَّة على تبادُل تسجيل الأوراق الماليَّة للشَّركات بين البورصات الأعضاء في عمليَّة الرَّبْط؛ ولكنَّ هذه المرحلة كشفتْ عن بعض المعوقات، أبرزُها اختِلاف شروط القيْد للشَّركات، وتبايُن القوانين المنظِّمة لعمليَّات التداوُل.

الثانية: ركَّزت على تبنِّي آليَّة جديدة للرَّبط بين البورصات، من خلال إبْرام اتفاقيَّات ثُنائيَّة أو ثلاثية أو متعدِّدة الأطراف، منها على سبيل المثال: اتِّفاق التعاون بين سوق الكويت للأوراق الماليَّة والهيئة المصرية العامَّة لسوق المال في إبريل 1996، والتي انضمَّت إليه بورصة بيروت في مرحلة تالية؛ لتصبح اتفاقيَّة ثلاثيَّة تشرف على تنفيذها لجنة فنِّية ثلاثيَّة، وبمشاركة ممثِّل عن اتِّحاد البورصات، وتمَّ تدعيم هذا الاتِّفاق بتوقيع اتِّفاق للتعاون بين الوُسطاء في بورصات الدُّول الثلاث في يناير 1997، ولكنَّ الملاحظ أنَّ الدول الأخرى لم تنضمَّ إلى هذا الاتِّفاق الثلاثي كما كان متوقَّعًا، وفضَّلت الدُّخول في اتِّفاقيات ثنائية، فوقَّعت كلٌّ من البحرين والكويت، والبحرين وعمان، وعمان والكويت اتفاقياتٍ ثنائيةً للربط بيْنها.

تعثُّر الحلم:

ورغْم كلِّ الخطوات العربيَّة في هذا الشَّأن، وإعلان بعض المسؤولين أنه سيتم بدء العمل نهاية العام الماضي باستثمارات تبلغ 400 مليون دولار، وتأكيد العديد من خبراء المال على أنَّ إنشاء البورصة العربيَّة الموحَّدة يحقق الكثير من المزايا للشركات والمستثمرين في كل أنْحاء الوطن العربي، وفي مصلحة الاقتصاد العربي، ودعم وجذب الاستثمارات العربيَّة بالخارج، كما أنَّها ستؤدِّي إلي زيادة الطَّلَب على الأسهُم المطْروحة، واجتِذاب شريحة أكْبر من المستثْمِرين الإقليميِّين والدوليِّين، وتوْفير التَّمويل للشَّركات المقيَّدة، وتوْفير سيولة على الأوراق الماليَّة المشكلة، حيث سيتم متابعة تنفيذ الاتِّفاقية من خلال رؤساء عددٍ من هيئات أسواق المال العربيَّة واتحاد البورصات العربيَّة، إلا أنَّ المشروع برمَّته جمد منذ فترة، نتيجة تقدُّم رئيسها باستقالته، ووجود بعض العوائق الفنِّية، حسب تصريحات ماجد شوقي رئيس مجلس إدارة بورصتي القاهرة والإسكندرية.

من جهتِه يرى محمد عبدالسلام نائب رئيس البورصة العربيَّة الموحَّدة، والذي أطلق في عهده هذا المشروع:
أنَّ إقامة سوق أوراق ماليَّة عربيَّة موحَّدة كان ضرورة ملحَّة؛ لمواجهة التَّحديات والبورصات الإقليميَّة التي فرضت منافسةً كبرى على البورصات العربيَّة، ولتقوية مركز الاستِثْمار في المنطقة، حيث ستعمل هذه البورصة على جذْب الكثير من الاستِثْمارات، خاصَّةً الأموالَ العربيَّة المستثمرة في الخارج، مشيرًا إلى أنَّها ستُساعِد على سهولة انتقال رؤوس الأموال بين الدول العربية، ومضاعفة حجم الاستثمارات المتبادلة والمشتركة بين الدُّول العربية، وجذب رؤوس الأموال العربيَّة من داخل وخارج الوطن العربي بدلاً من الأموال العربية المستَثْمرة في خارج الوطن العربي.

وعن تأثير قيام البورصة العربيَّة على البورصات المحلِّيَّة في الدول العربيَّة، أوْضح عبدالسلام أنَّها ستساعد على نهوض ونشاط البورصات العربية؛ لأنَّها ستعمل على جذْب الاستِثْمارات العربيَّة والأجنبيَّة للمنطقة، وهذا يُفيد البورصات العربيَّة كما يَعني وجودُها زيادةَ رؤوس الأموال التي ستدخل البورصات العربيَّة، ووجود بورصة عربيَّة موحَّدة لا يَعني إلغاء دور البورصات العموميَّة المحليَّة؛ بل يساعِدُها بشكْلٍ أكْبر، وستعمل هذه البورصة على خدمة الاستثمار العربي والشركات العربية التي ستدرج فيها، ويزيد التعامل والنشاط.

ويؤكِّد العديد من المراقبين على أنَّ عمليَّة الرَّبط الإلكتروني للبورصة، وجعلها بورصة إلكترونيَّة يُمكن أن يقضي على الأخْطاء البشريَّة السَّائدة، وسيقلِّل من وقْتِ التَّسويات الموجودة، وهي التجربة التي طبَّقتْها البورصة المصريَّة مارس 2008، بعد ربْطها للبورصة وشرِكة مصر للمقاصَّة والتَّسوية والحِفْظ المركزي بالإضافة لمؤسَّسات سوق المال الأخرى.

معوقات:

ورغْم كلِّ المزايا المتوقَّعة من إنْشاء البورصة العربية الموحَّدة، إلاَّ أنَّ عددًا من المحلِّلين الاقتصاديين - على رأسِهم الدكتور أحمد العيثم - يرون أنَّه لا جدْوى من هذا المشْروع؛ لجملةٍ من الأسباب، على رأسها:
1 - ضيق نطاق السُّوق، من حيثُ النَّقصُ الشَّديد في العرْض الذي يعبَّر عنه بعدد الشركات المقيَّدة في البورصة، وكذلك نقْص حجم الشِّراء، حيث يبلغ متوسِّط عدد الشَّركات المدرجة في البورصات - باستثناء مصر -: 75 شركةً، مقابل 330 شركة في بورصات الأسواق الناشئة، و 750 شركة في البورصات المتقدِّمة.

2 - صِغَر حجْم رأس المال السوقي، وتضاؤُل حجم الدَّور الذي تلعبه مؤسَّسات الاستثمار العربيَّة في تنشيط السوق.

3 - تركُّز عمليات التَّداول في عدد مَحدودٍ من الأسْهُم، وتركيز المُتَعاملين على الاحتِفاظ بأسهُم الشَّركات الواعِدة، وعدم الاهتِمام بالأسهُم الضعيفة، وخاصَّةً أسهمَ شركات القطاع العام.

4 - ضعْف درجة السُّيولة، ويظهر ذلك في انْخِفاض عمليَّات التَّداوُل، سواء التَّعامُلات اليوميَّة أو السنويَّة.

5 - عدم الالتِزام الكافي بتطْبيق معايِير الشَّفافية، والإفصاح، والحوكمة في أسواق المال العربيَّة حتى الآن، وهو ما ظهر جليًّا خلال الفترة الماضية.

6 - اختِلاف حجْم السُّوق من دولةٍ لأُخْرى، بل واختِلاف حجْم السُّوق داخلَ نفس الدَّولة من عامٍ لآخَر.

7 - الفجْوة الواقِعة بين اقتِصاديَّات المنطقة، خاصَّة بعد الطَّفرة النِّفْطيَّة الكبيرة التي شهدَتْها الدُّول الخليجيَّة خلال العامين الماضيَين، وهو ما نتج عنه اختلافٌ وتبايُن في حجْم أسواق المال، وهو ما يَجعل أسواقَ المال الخليجيَّة هي الأقرب للتوحُّد والاندماج.

من ذلك نَجد أنَّه رغم المعوِّقات السابقة، إلاَّ أنَّ حلم إنشاء البورصة العربيَّة الموحَّدة أضحى قريب المنال، كما أنَّه يعدُّ ضرورةً اقتِصادية هامة للدُّول العربيَّة، خاصَّة في ظلِّ العولمة الاقتِصادية التي تعصفُ بِخصوصيَّات الدول، ويَجعل من أسواق الدول العربيَّة أسواقًا منيعة تستطيع التصدِّي لكافَّة التقلُّبات التي تشهدها أسواق المال العالمية بين الحين والآخر، وآخرها الأزْمة الماليَّة العالميَّة التي تضرب الأسْواق حاليًّا بقوَّة كبيرة.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/6228/#ixzz3JGCvV2hv

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 526 مشاهدة
نشرت فى 16 نوفمبر 2014 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,767,392

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters