الدوافع التي تدعو إلى حُسنِ التعامل.

(1) أن يكون من خير الناس:

فالمسلم يبحث عن رضا الله ومحبته, وأن تتحقق الخيرية في نفسه ويكون من خير الناس أو خيرهم, يقول عليه الصلاة والسلام:"خير الناس أحسنهم خُلُقاً".

 

فالمسلم لايُحسِّنُ خلقه ليكسب مصلحة, إنما لكسب رضا الله عز وجل, وهنا تستمر الأخلاق سواءاً رضي الناس أم لم يرضوا, تحسنت العلاقة أم لم تتحسن, كسب الود أم لم يكسب, فالأجر ثابتٌ على أيَّة حالٍ, وهذا هو ضمان الإستمرارية.

ويقول صلى الله عليه وسلم:" إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل وصائم النهار ", ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"المؤمن يألف ويؤلف ولاخير فيمن لا يألف ولا يؤلف, وخير الناس أنفعهم للناس ".

 

(2) الأخلاق الحسنة مأمورٌ بها:

إن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نلتزم الحكمة في التعامل مع الناس وهذا عينُ العقل. يقول الله عز وجل: "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ". والموعظة الحسنة هي محتوى الكلام الذي يدعو إلى شيء طيب.

 

وقد وصف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه ليِّن الجانب, وهو إن لم يكن كذلك لخسر الناس ولانفضوا من حوله وهم الصحابة رضي الله عنهم, يقول تعالى: " فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". فإن من وسائل المعاملة الحسنة: أن تعفو عنهم, وتستغفر لهم. أي: أن تتجاوز عن الأخطاء وتغض الطرف عنها وتستغفر لهم. فتلك وسيلةٌ من وسائل تشجيعهم وتنمية السلوك الطيب فيهم. وتشاورهم في الأمر أي: تحترم رأيهم وتقدرهم وتعطيهم شيئاً من القيمة عندما تتعامل معهم, فما أسهل الناس وأنت تشاورهم, وما أقربهم منك وأنت تقدرهم.

 

يقول ميمون بن مهران: "التودد إلى الناس نصف العقل " فالذي يتودد إلى الناس يعتبر مسلكه هذا نصف العقل ولكن بشرط أن يكون ودوداً وعاقلاً.

 

(3) قواعد ثابتة في التعامل:

هناك قواعد ثابتةٌ ومشتركةٌ بين كل شعوب العالم وهي تنطلق من الفطرة, يستوي التعامل فيها مع المسلم وغيره. لنتعلم هذه القواعد أو بعضها حتى نمارسها عملياً وقد تمتد تلك الممارسة إلى سنواتٍ حتى نتخلص من طبع سيءٍ يكرهه الناس, أو نكتسب طبعاً طيباً يحبه الناس فمن هذه القواعد المشتركة:

أن حديثنا وموضوعنا عن التعامل مع الأسوياء من الناس, أما الشواذ فتكون لهم معالجة فردية. فالسويُّ من إذا أكرمته عرف المعروف, والشاذ من يتمرد إذا أنت أكرمته.

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته     وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

 

تختلف طريقة التعامل تبعاً لاختلاف العلاقة: الوالد مع ولده, الزوج مع زوجته, الرئيس مع مرؤوسه, والعكس.

3ـ أن التعامل يتغير بإختلاف الأفهام والعقول: فالرجل الذكي الفاهم الواعي تختلف طريقة تعامله عن الشخص الآخر المحدود العقل المحدود الفهم المحدود العلم, فالحديث معه يكون مناسباً لطبيعته وقدرته على الفهم.

 

4ـ يختلف أسلوب التعامل أيضا باختلاف الشخصية: فطريقة التعامل من شخص شكَّاكٍ وحسَّاسٍ تختلف عنها مع شخصٍ سويٍّ, فالطريقة تختلف بإختلاف الشخصيات والصفات التي تكون بارزةً فيهم.

 

(5) الطُعم المناسب هو الذي يصطاد السمك:

يقول المؤلف دايل كارنيجي: من هواياتي أن أصطاد السمك, وبمقدوري أن أجعل الطُعم الذي أثبته في السنارة أفخر أنواع الأطعمة, لكني أفضل إستعمالي طعوم الديدان على الدوام, ذلك أنني لا أخضع في إنتقاء الطعوم إلى رغبتي الخاصة, فالسمك هو الذي سيلتهم الطُعم... وهو يفضل الديدان فإذا أردت إصطياده قدَّمت له مايرغب فيه.

والآن . لماذا لا نجرب الطُعُومَ مع الناس ؟

لقد سئل لويد جورج السياسي البريطاني الداهية, عما أبقاه في دفَّة الحكم مع أن معاصريه من رجال الدول الأوربية الأخرى لم يستطيعوا الصمود مثله, فقال: (إنني أُلائم بين ما أضعه في السنارة وبين نوع السمك).

والواقع أن "الطُعم" هذا مهمٌ للغاية... ذلك أن علاقتك مع الآخرين تُهمهم أيضا بقدر ما تهمك أنت, فحين تتحدث إليهم حاول أن تنظر بعيونهم, وتعبر عما في نفسك من زاويتهم وبمعنى آخر أبدِ لهم اهتمامك بهم, أكثر من إهتمامك بمصلحتك الشخصية, إجعلهم يتحمسون لما تريد منهم أن يفعلوه عن طريق إتخاذ الموقف من جانبهم.

 


أسـاليب التعامل مع الناس

في هذا العنصر أتطرق إلى بعض القضايا التي يحبها الناس وبعض القضايا التي يكرهونها, وتؤثر فيهم سلباً و إيجاباً وهذه الأساليب تجارب ناجحةٌ, لأن قدوتنا فيها هو نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام. وهذه الأساليب لها شواهد من السنة ومن الواقع المُجرَّب أذكر منها مايناسب, فمنها:

 

1ـ الناس يكرهون النصيحة في العلن:

لا يختلف إثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس, لأن كل الناس يكرهون أن تبرز عيوبهم أمام غيرهم, كل الناس مسلمهم وكافرهم. ولكن أخذ الفرد ونصحه على إنفراد أدعى للقبول وأدعى لفهم المسألة .

 

2ـ لا تلُم أحداً عساكَ ألاّ تُلام (لا تُكثر من لوم الناس):

الناس يكرهون من يؤنب ويوبّخ في غير محل التأنيب ومن غير تأنٍ ودون السؤال والإستفسار, بل من الخطأ أن يتمادى الإنسان في التأنيب بعد أن يعتذر صاحبه ومن يتحدث معه فالناس جميعاً ومنهم نحن عاطفيون أولاً, ثم أصحاب منطقٍ وعقولٍ في الدرجة الثانية.

إن لنا نفوساً ذات مشاعر وأهواء, وهي تريد من الآخرين أن يحترموها كما هي. فلماذا تحاول مناقضة نفوس الآخرين, بينما تعرف أن نفوسنا من نفس النوع؟, إن اللوم والتأنيب مُرُّ المذاق ثقيلٌ على النفس البشرية, فحاول تجنبه حتى تكسب حُبَّ غيرك.

 

3ـ من الحكمة أن تُسلم بخطئك حين تخطيء:

إن الإعتراف بالخطأ يزيل التحامل الذي يمكن أن يتولد في صدر الخصم أولاً, ومن ثم يخفف أثر الخطأ ثانياً...فحين ترى أنك على خطأٍ إعمد إلى التسليم به, وهو كفيلٌ بأن يجعل الخصم يقف منك موقف الرحيم السريع العفو, وعلى العكس من ذلك إذا أصررت على الدفاع عن خطئك. وقديماً قيل : المقر بذنبه كمن لا ذنب له".

 

4ـ إيَّاك والأنا:

الناس يكرهون دائماً من ينسب الفضل لنفسه, فإذا حدث إخفاقٌ ألقى بالتبعة على الآخرين, وإذا حدث نجاحٌ نسبه لنفسه. جاء في بحثٍ إحصائيٍ قامت به مصلحة التليفونات في نيويورك: أنَّ كلمة (أنا) هي أكثر كلمةٍ ترِّن بها أسلاك شبكتها التليفونية.

ومعنى ذلك أن إهتمام الناس كُلٌّ بنفسه, هو الصفة المسيطرة على البشر, فإذا كنت تهتم بنفسك أولاً, ولا تحاول إجتذاب الآخرين بالإهتمام بهم, فكيف تنتظر منهم أن يهتموا بك إذن؟.

 

5 ـ لا تُركِّز على السلبيات دون الحسنات:

خذ مثالاً: علاقة المرأة المسلمة بزوجها المسلم, والتي يمكن أن يُعممَ مغزاها في كل قضايا التعامل، يقول صلى الله عليه وسلم :"لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر". فما أحدٌ يسلم من العيوب فلا زوجة بلا عيوب, ولا صديق بلا عيوب, ولا رئيس ولا مرؤوس.

 

يقول سعيد بن المسيب: ليس من شريفٍ ولا عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلا فيه عيب, ولكن من الناس من لاينبغي أن تُذكر عيوبه, فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله, ولاتذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم.

وكم من الناس ننقدهم فإذا رأينا غيرهم حمدناهم.

بكيت من عمروٍ فلما تركته     وجربت أقواماً بكيت على عمرو

 

والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا المثل فيذكِّرُ بفضل الأنصار, لأن البشر بطبعهم ينسون الحسنات. فقد أخرج البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: "أوصيكم الأنصار فإنهم كرشي وعيبتي (يعني بطانتي وخاصتي ), فقد قضوا الذي عليهم (يقصد أنهم وفوا بما تعهدوا به في بيعة العقبة), وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ". إن هذا قمة الإنسانية والعدل .

 

6ـ الناس يكرهون من لا ينسى الزلات:

الناس يبغضون من لاينسى زلاتهم ولايزال يُذَكِّر بها, ويمُنّ على من عفا عنه, فالناس يكرهون ذلك الإنسان الذي يُذَكِّرُ الناس بأخطائهم ويعيدها عليهم مرةً بعد مرةٍ. والله عز وجل يقول: "والعافين عن الناس". ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ", فالذي يذكر ويعيد الخطأ يكره الناس الإجتماع به والإرتياح إليه.

 

7ـ إحذر من النقد المباشـر:

الإنتقاد لايحتاج إلى موهبةٍ خاصةٍ أو بذل نشاطٍ كبيرٍ, ففي وسع أي أحمقٍ أن يُشنِّع على رجلٍ ذي عبقرية وتميزٍ وأن يتهمه ويسخر منه. دعنا نحاول أن نفهم الأخرين ونتلمس لهم الأعذار حين تقصيرهم فهذا أمتع من النقد المباشر.

 

وكما قال عمر الفاروق رضي الله عنه: رحم الله إمريء أهدى إلي عيوبي.

فطبيعة البشر تأبى ذلك. نعم, قد ينفذ الشخص المنتقد المطلوب منه ولو كان الأسلوب مباشر وبنقدٍ حادٍ, ولكن لو كانت الطريقة ألطف كان ذلك أدعى للقبول. فاحذر من النقد المباشر الذي لاتكسب منه سوى إيغار الصدور.

 

8ـ إلفت النظر إلى الأخطاء تلميحاً وبكُلِّ لباقةٍ:

أنت وأنا والناس جميعا يكرهون أن ينتقدهم غيرهم, إلا أننا جميعاً كثيراً ما نفعل أفعالاً تستدعي الإنتقاد, فإذا وددت إنتقاد الغير وكان هناك موجبٌ حقيقيٌ لذلك ,فكيف نفعل ؟.

لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم قدوةً حسنةً, حينما قال لعبدالله بن عمر رضي الله عنه : "نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل ", فنجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم عالج الخطأ بكل لباقةٍ بل وقدم المدح والثناء قبل لفت النظر إلى الخطأ.

ومن ذلك ما ورد في قصة القوم الفقراء والذين جاؤوا وكانوا كلهم من مُضَر, وتأثر الرسول صلى الله عليه وسلم لما لهم من الفقر فقام وخطب الناس, ثم قال:"تصدق رجلٌ من ديناره, من درهمه, من ثوبه, من صاع تمره".

ولم يقل تصدقوا ولم يعاتبهم على عدم الصدقة, فانظر النتيجة: جاء رجلٌ من الأنصار بِصُرّة كادت تعجز يده عن حملها, بل عجزت, وقدمها للرسول صلى الله عليه وسلم فاستهل وجهه وقام الناس وتصدقوا فأصبح عنده كومة من الصدقات, وفرح الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:" من سَنَّ في الإسلام سُنةً حسنةً..."

 

إن المقصود بالإنتقاد والتوجيه هو إصلاح الغير مع ضمان عدم إثارة البغضاء في قلبه, ولهذا كان على المنتقد أن يلجأ إلى التلميح بما يراه ناقصاً, ولكن من طرفٍ خفيٍ.

 

9ـ تكلَّم عن أخطائك أولاً, وقدٍّم إقتراحات مهذبة:

إن افعل هذا، ولا تفعل ذاك لا تعطي نتيجةً طيبةً كقولك: (أليس من الأفضل أن تفعل هذا ؟) أو (أليس من الأفضل أن لا تفعل ذاك ؟) ذلك أن الأمر الجازم صعبٌ على النفس أن تتقبله, وحتى لو تقبله الرجل الذي توجه إليه الأمر فإن توجيهك ذلك له يُبقي في نفسه جرحاً غائراً يطول قبل أن يندمل, أما الإقتراح (المهذب) فهو مستساغٌ لا يشعر المرء تجاهه بغضاضةٍ فينفذه راضياً محتفضاً بعزته وتقدير نفسه.

قبل بضع سنوات, قرَّرَ مجلس إدارة شركة (جنرال إلكتريك) إقالة رئيس قسم الحسابات في الشركة وكان مهندساً كهربائياً عبقرياً طالما إنتفعت به الشركة, لكنه لم ينجح في إدارة قسم الحسابات أيَّ نجاحٍ, وكانت الشركة تقدر للرجل فضله لكن تود كفَّ يده عن قسمٍ حيويٍّ فيها, فكيف تبلغه ذلك؟.

لقد إخترعت له منصب " المهندس المستشار للشركة " وجعلته عليه ثم سلمت إدارة القسم لشخصٍ آخر... فحاول دائماً أن تحفظ ماء وجه الآخرين.

 

10ـ لا تعامل الناس بإستعلاء:

الناس يكرهون من يعاملهم بإحتقارٍ وإستعلاءٍ مهما كان هذا الإنسان.

روى هارون بن عبد الله الجمال, فقال: ( جاءني أحمد بن حنبل بالليل ـ انظروا كيف يكون التصرف يريد أن يصحح خطأً! ـ، فدقَّ علي الباب، فقلت: من هذا ؟ فقال: أنا أحمد، ـ لم يقل: الشيخ أحمد ـ فبادرت وخرجت إليه فمساني ومسِّيته. فقلت: حاجة أبي عبد الله ؟ ( أي: ما حاجتك ؟), قال: شغلت اليوم قلبي.

فقلت: بماذا يا أبا عبد الله ؟, قال: جُزتُ عليك اليوم وأنت قاعدٌ تُحدِّث الناس في الفيء (الظل) والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر. لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس). أنظر كيف كانت النصيحة والذي يرويها ليس الإمام وإنما ذلكم الشخص المتأثر بالنصيحة!.

 

11ـ إحترم آراء الآخرين، ولا تقُل لأحدٍ: أنت مخطئ:

حين تبدأ كلامك مع رجلٍ بأن تقول له: (أنت مخطئ) أو(إسمع يا هذا: سأثبت بطلان ما تقول)، أو باللهجة العامية: (ما عندك سالفة), أتدري أنك في تلك اللحظة تعني: أنك أيها الرجل تعوزك براعتي وينقصك ذكائي، قف أمامي ذليلاً لكي أدلك على الطريق الذي بلغه ذهني المتوقد وحكمتي الأصيلة؟ هذا هو المعنى بالضبط... فهل تقبل بأن يوجه إليك أحدٌ مثل هذا القول ؟ كلا طبعاً . إذن, فلماذا توجهه إلى الآخرين ؟.

قال اللورد شستر فيلد في رسالته إلى ولده: يابني... كُن أحكم الناس إذا استطعت، ولكن لا تحاول أن تقول لهم ذلك.

فلماذا يسارع الواحد منا بنشر التأكيد والجزم وحتى في أمورٍ غامضةٍ، لمجرد الادعاء بالعلم، أو مناكفة الغير، أفتظن أن قولك: (أنت مخطئ) سيوصلك إلى نتيجةٍ مع من تحدثه بنفس القدر الذي يوصلك إليه قولك: ( قد أكون أنا مخطئا)، فلنفتش عن الحقيقة.

إن إقرارك بإحتمال أن قولك غير مصيب لا يُضعف موقفك كما قد يُخيلُ إليك، فالسامعون يتأثرون بك وبنزاهتك وحبك للإنصاف، أما من قابلته مباشرة بتخطئته فيصعب عليك إقناعه بالخطأ بعد ذلك, فهذه طبيعة النفس البشرية فهي تتأثر إنعكاساً, فاحترم آراء الغير مهما كانت وصغرت, يحبك الناس ويتأثرون بشخصك.

 

12ـ الناس يحبون من يُصحح أخطائهم دون جرح مشاعرهم:

ويُضربُ مثلٌ في ذلك في أحد الكتب: أن شخصاً ألقى محاضرةً في عددٍ كبيرٍ، ولكنها كانت طويلةٌ وفيها تفصيلٌ، فملّ الناس, ولما عاد المحاضر إلى منزله سأل زوجته, فقال: ما رأيكِ في المحاضرة ؟ قالت: هذا الموضوع يصلح مقالةً رصيفةً في مجلةٍ علميةٍ متخصصةٍ. وقد فهم المحاضر من كلام زوجته أن الموضوع لا يصلح للمحاضرة.

فإياك وقول: أنت لا تصلح لكذا، أو أنت تصلح لغير ذلك.

 

13ـ إكسب الجدال بأن تتجنبه:

جاء في الحديث الصحيح: (أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً).

إن حُبَّ الظهور في معظم الأحيان هو الدافع الأول إلى المجادلة, فأنت تود أن تعرض سعة اطلاعك وحُسن تنقيبك في الموضوع المطروح للجدال, ومثل هذا يُحسِّسُ الرجل الآخر الذي تجادله، فإذا قهرته بمنطقك السليم وفزت عليه، فإنه لن يعتبر ذلك إلا إهانةً منك، وجرحاً لكرامته، وهو قلّما يغفر لك ذلك. بهذا تكون قد إشتريت خصومته دون نفعٍ يصيبك من الشراء.

 

14ـ إبدِ للناس إهتمامك بهم أكثر من إهتمامك بنفسك:

الناس يحبون ذلك الإنسان الذي يهتم بهم، وبما يفكرون، وما الذي يشغل بالهم وحينما يتحدثون ينصت إلى حديثهم وينظر إليهم ويلخص ما يقولون ويناقشهم فيه.

 

15ـ كُن في حاجة الناس:

يقول الشيخ إبن باز: إن الناس يُقدِّرون من يسعى في حاجتهم ويشفع لهم, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( أحب الناس إلى الله عز وجل أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ تدخله على مسلمٍ، تكشف عنه كرباً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولو أن تمشي مع أخيك في حاجته أحبُّ إليَّ من أن تعتكف شهراً).

ولو أدرك العامل والموظف عظم هذا الحديث لأنهى المعاملات في وقتها.

 

16ـ قدِّم خدماتٍ للآخرين قبل أن يأمروك:

إن الناس يشيرون بالبنان لمن يعمل ويخدم ويقدم للآخرين لأنه يأسر قلوبهم بفعله, ويكفينا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وأنا عليَّ جمع الحطب).

 

17ـ نادِ الناس بأحب أسمائهم, وتعرَّف على أنسابهم:

كان صلى الله عليه وسلم ينادي الناس بأحب أسمائهم, حتى الأطفال الصغار كان يكنيهم أحياناً (يا أبا عمير ما فعل النغير ؟) وأبو عمير طفلٌ صغير.

"جيم فارلي" ما إن بلغ الأربعين من عمره حتى منحته أربع جامعاتٍ درجاتها الفخرية, وتم تعينه مدير البريد العام في الولايات المتحدة... فما سر نجاحه ؟؟ كان يتملك مقدرةً فائقةً على تذكُّر أسماء الناس. كان يلقى الرجل فيتعرف على اسمه الكامل, وأسماء أولاده وأهله المقربين, ويستفسر عن عمله, وميوله السياسية، ونزعاته الفكرية، ثم يختزن كل ذلك في ذاكرته حتى إذا التقى به ثانية سار الحديث بينهما وكأنه لم ينقطع عنه. فيسأله "جيم" عن أولاده وزوجته وأزهار حديقته, وفي لغة يشعر معها المسئول بقرابته الفعلية من قلب "جيم" وعواطفه. وهكذا إذا أردت أن يحبك الناس فاذكر أسماءهم لأن إسم الرجل هو من أقرب الطرق لكسبه.

 

18ـ أخلق في الآخر رغبةً جامحةً في أن يفعل ما تريد منه:

وهي أن تشعر الإنسان بمحبة الأمر حين تعطيه إياه وكان ذلك هو دأب الرسول صلى الله عليه وسلم فكان يشوق الناس لما يأمرهم به, فلما أراد أن يُسيّر جيشاً قال: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ), فسار كلُّ فردٍ يتمنى ذلك.

إذا أراد إنسانٌ أن يصرف شخصاً عن طبع سيئ مثلاً فمن الخطأ أن يقف موقف المرشد الناصح في الوعظ، فتِّش عن رغبةٍ يود هذا الشخص بلوغها ثم اربط تلك الغاية بالإقلاع عن هذا الطبع السيئ, وستجده ينصرف عنه فعلاً؛ طمعاً في الوصول إلى الغاية لا تأثراً بصواب رأيك ابتداءاً. (ولا يُفهم من هذا التقليل من شأن الوعظ).

 

19ـ البراعة في الحديث:

إن الناس لا يريدون منك أن تتحدث عن تجاربك وخبراتك, فلهم خبرات أيضاً, وخير مُحدِّثٍ هو من يستمع بشغفٍ إلى الآخرين، إسأل مقابلك سؤالاً ودعه يتحدث في تخصصه، بذلك يشعر بالإمتنان لك وتظفر بصداقته سريعاً، إذا أتحتَ له فرصة التحدث عن تجاربه وظللت مصغياً له بإهتمامٍ، إن الإستماع المشغف هو أعلى ضروب الثناء الذي يمكن أن تضفيه على محدثك فالناس يحبون من يفتح لهم المجال لتحقيق ذواتهم.

 

20ـ قدّر غيرك تفـز بتقديره لك:

إن التقدير من الغير غذاءٌ للنفس كما هو الطعام للجسد، بل إن النفس أرهف حساسيةً وأحلُّ شأناً؛ قد يصوم المرء وينقطع عن الطعام والشراب، أما عن حاجته إلى تقدير الغير له فلن يستطيع.

إذاً... لماذا لا ندع الآخرين يختزنون في ذاكرتهم أنغاماً حلوةً وكلماتٍ محببةٍ عن تقديرنا لهم وشعورنا بأهميتهم ؟.

 

21ـ تكلم فيما تظن أنه يسر محدثك:

إذا أردت إدخال السرور إلى قلوب الناس حدِّثهم فيما تظنهم يودون الإستماع إليه أولاً، وبذلك تستدرجهم إلى التحدث, والحديث الشيِّق اللذيذ فتصغي إليهم بشغف، ويعتبرونك محدثاً بارعاً تستطيع جلب مسرتهم.

 

22ـ إمتدح الناس فيما يجيدونه:

إختر شيئاً جميلاً فيهم وحدثهم عنه ولن تُعدمَ ذلك الشيء الجميل. فالناس يختلفون ويتفاوتون، ولكنه لا يمكن إلا أن تجد شيئاً جميلاً في كل فردٍ منهم, فالناس يحبون أن تمدح الناحية الجميلة فيهم.

 

23ـ الناس يحبون الشكر والتشجيع:

وإن كان الأصل في المسلم أنه يعمل العمل إبتغاء رضا الله ولا ينتظر شكر الناس، ولكن ذلك طبعٌ في البشر وذلك لا بأس منه شرعاً.

روى أحمد والترمذي: (من لم يشكر الناس لا يشكره الله). وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فأكرم الأنصار والمهاجرة). وكذلك حديث: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه..).

 

24ـ إبتسم للناس, يبتسمون لك:

إن قسمات الوجه خيرُ معبِّرٍ عن مشاعر صاحبه, فالوجه الصبوح ذو الإبتسامة الطبيعية الصادقة خير وسيلةٍ لكسب الصداقة والتعاون مع الآخرين، قال صلى الله عليه وسلم في الحث على البشر والتلاطف: (تبسمك في وجه أخيك لك صدقة).

 

25ـ تهادوا تحابوا:

الهدية قد تكون بسيطةً جداً في قيمتها ولكنها تُدخل سروراً وتُظهر مدى الإهتمامِ بالمهدى إليه, قال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا).

 

26ـ دع الغير يظنُ أن الفكرة هي فكرته:

إذا أردت أن تكسب روح التعاون عند الآخرين, فاجعل الشخص الآخر يحس أن الفكرة هي فكرته؛ فالرجل العاقل إذا أراد أن بتصدر الناس جعل نَفْسَه خلفهم.

 

27ـ تفهَّم عواطف الآخرين، واستثر عواطفهم النبيلة:

كما أن لك عاطفة تسوقك في كثيرٍ من الأحيان إلى إتخاذ موقفٍ معينٍ، أو تبني رأيٍ خاصٍ, فإن للآخرين عواطف أيضاً، وكما يسرك بأن يراعي الآخرين عاطفتك، فإنهم يسرهم أن تراعي عواطفهم بنفس المقدار.

مهما بدا الناس عتاةً قساةَ القلوب أو لامنطقيين، فإن طبيعتهم الإنسانية هي التي تسود آخر الأمر، إنهم ضعفاء، إنهم يطلبون التعاطف معهم بل والعطف عليهم فإذا قلت لمحدثك: إني لا أوجه إليك اللومَ، إذ إنني سأفعل مثل ما فعلت، لو كنتُ مكانك.

فإن هذا كفيلٌ بضمان إنجذابه إلى جانبك، وإستلالِ كل حقدٍ أو تصورٍ كان من الممكن أن ينشأ بينكما، إذا كنتما مختلفين على أمرٍ من الأمور.

إن إستثارة العواطف النبيلة في قلوب الآخرين طريقةٌ ناجحةٌ تماماً في كسب الناس إلى وجهة نظرك، كما أنها لن تؤدي إلى مضرَّةٍ لو قُدِّر لها الفشل.

 

ولكن لمّا كان إكتساب العادة صعباً، نظل في حاجةٍ إلى يقظةٍ ذاتيةٍ ومحاسبةٍ دائمةٍ فاجعل من نفسك رقيباً على نفسك، وجاهد نفسك ألا تميل مع التخاذل, وطبِّق ذلك مع أبيك, وأمك، وإخوانك، وأقربائك, وأصدقائك؛ لأنهم ألصقُ الناس بك ومن ثم تتحول هذه الحقائق والأساليب إلى مهاراتٍ إجتماعيةٍ عملية.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 503 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2014 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,718,714

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters