أولاً : تقسيم العمل :

ويقصد به تخصص الأفراد والعاملين فى المنشأة ويدخل فى إطار الترتيب الطبيعى وذلك بتخصيص كل فئة من فئات العمال بنوع واحد من العمل وهو أساس النجاح . وبقياس ذلك على المجتمع باعتبار كل فرد بمثابة عامل فى منظمة ما , فإن توزيع العمل على الأفراد , وتخصيص كل فرد من فئات المنشأة أو المجتمع بنوع واحد من العمل يتخصص فيه يدرسه نظريًا ثم يمارسه عمليًا له.

والشاهد وجوب التخصص فى بعض الشؤون وعدم انخراط المسلمين فى عمل واحد حتى ولو كان جهادًا أو قتالاً وهو من خير الأعمال إلى الله ( إلا إذا كان فرض عين ) . أيضًا تبين أنه لا ينبغى للمسلمين أن ينفروا جميعًا . ونبى الله قاعد ولكن إذا قعد نبى الله فسرت السرايا وقعد معه معظم الناس .

أى نحن بحكمتنا ودرايتنا جعلنا هذا غنيًا وهذا فقيرًا وفاوتنا بينهم فى الأموال والأرزاق فى هذه الحياة الدنيا . كما فاضلنا بين الخلق فى الرزق والعيش وجعلناهم مراتب : هذا غنى , وهذا فقير , وهذا متوسط الحال .

وختامًا , فإن تقسيم العمل بين العاملين فى المنشأة يعتبر من أهم وسائل الإنجاز والإستفادة من طاقات العاملين , وتفجير هذه الطاقات نحو الأفضل , والعناية بها ورعايتها بواسطة القائد الإدارى أو المدير الفعلى . ولنا فى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أسوة حسنة عندما قام هو شخصيًا بتطبيق هذا المبدأ حيث قال فى خطبة له بالجابية - من قرى الشام - من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبى بن كعب , ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل , ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتنى فإن الله قد جعلنى خازنًا وقاسمًا ( ابن الجوزى ) .

ثانيًا : السلطة والمسؤولية :

( والمسؤولية مترتبة على السلطة ) . وهذا مبدأ يوضح صلاحية السلطة والمسؤولية فمن بيده حق إعطاء الأوامر عليه تبعة المسؤولية 

وفى الحديث المشهور الصحيح (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) خير دليل على أن السلطة والمسؤولية فى الإدارة الإسلامية واضحة جدًا فى الإطار النظر والإطار العملى الواقعى من ممارسة الرسول والخلفاء الراشدين والسلف الصالح . والحديث كاملاً كما يلى : (( كلكم راع راع وكلكم مسؤولعن رعيته , فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته , والمرأة راعية فى بيت زوجها , وهى مسؤولة عن رعيتها , والخادم راع فى مال سيده , وهو مسؤول عن رعيته , والرجل راع فى مال أبيه , وهو مسؤول عن رعيته , فكلكم راع , وكلكم مسؤول عن رعيته )) . ( صحيح الجامع الصغير : 4445 ) .

هذا إلى جانب كثير من الآيات التى تدل على السلطة والمسؤولية وإن كل إنسان ألزمه الله طائره فى عنقه , وأن لا تزر وازرة وزر أخرى . وبهذا عرف الإنسان رسالته فى هذه الحياة الدنيا , وفتح عينيه على حقوقه ووجباته , وأصبح مسؤولاً مباشرًا عن عمله , ثواب استقامته له لا لغيره , وعقوبة انحرافه عليه لا يؤخذ بها أحد سواه.

والمسؤولية فى حياة المسلم تبدأ من تزكية نفسه وتطهيرها بالإيمان والعمل الصالح

إلا أننا يجب أن نختم هذه النقطة بحديث الإحسان الذى تتجلى فيه المسؤولية فى أعلى صورها (( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) ( رواه البخارى وأحمد وابن ماجه والترمذى ) . وأيضًا يجب أن يعلم المسلم أن الله رقيب على كافة أعماله , وأن الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء وهو وحده الذى يقضى بالحق وقد وكل بكل إنسان ملائكة كرامًا كاتبين يسجلون عليه سلوكه من حسنات وسيئات , فإذا جاء يوم القيامة ونشرت الصحف ووقف الإنسان أمام أعماله لا يستطيع أن ينكرها : ( الإنفطار: 10 - 12 ) .... ( الإسراء : 13 - 14 ) . ( النحل : 111 ).

ثالثًا : الطاعة والإحترام والتأديب :

ويقصد بهذا الإصطلاح الطاعة والإحترام للرؤساء وولاة الأمر حتى تستطيع المنشأة السير دون عوائق نحو تحقيق أهدافها , كما يدل على وجوب تأديب من شذ واتبع هواه وعصى الأوامر . وقضية الطاعة فى الإسلام لله وللرسول ولأولى الأمر من المسلمين تحظى بأهمية كبرى خاصة  وهناك آيات كثيرة جدا فى هذا السياق , وإن دل هذا على شئ فإنما يدل على وجوب الطاعة لله فيما أمر ونهى , ووجوب الطاعة لرسوله فيما أمر ونهى ووجوب الطاعة لأولى الأمر فيما ليس فيه معصية .

وبالإضافة إلأى الحشد الكبير من آيات التنزيل الكريم التى تحث على الطاعة , هناك الكثير من الهدى النبوى الشريف والأحاديث الكريمة التى تأمر المؤمنين بالسمع والطاعة منها ما يلى :

 (( من أطاعنى فقد أطاع الله ومن عصانى فقد عصى الله . ومن يطع الأمير فقد أطاعنى . ومن يعص الأمير فقد عصانى . وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به , فإن أمر بالتقوى وعدل فإن له بذلك أجرًا , وإن قال بغيره فإن عليه منه )) . ( أخرجه أحمد ) . وقال (ص) فى مناسبة أخرى : (( إذا كان أمراؤكم خياركم , وأغنياؤكم سمحاءكم , وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها . وإذا كان امراؤكم شراركم , وأغنياؤكم بخلاءكم وأمركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها )) . ( أخرجه الترمذى ) . وفى حديث آخر : (( لا طاعة لمن لا يطيع الله )) . ( أبو يعلى ) وقال رسول الله (ص) : (( على المرء السمع والطاعة فيما أحب أو كره , إلا أن يؤمر بمعصية , فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )) . ( أخرجه مسلم ) . وحديث (( اسمعوا وأطيعوا وإن أستعمل عليكم عبد حبشى كأن رأسه زبيبة )) . ( رواه الترمذى ومسلم ) .

رابعًا : وحدة إصدار الأوامر :

وذلك لأن العمال أو الموظفين لا يستطيعون احتمال أمرمزدوج المصدر , أى أنه لا يجوز أن يتلقى الفرد العامل أوامر من أكثر من رئيس أو مشرف واحد.

وقد اعتنى الإسلام بهذا المبدأ عناية كاملة متمثلا فى الآية القرآنية التالية : ( الزمر : 29 ) ومعنى الآية حسب تفسير مختصر ابن كثير : أى يتنازعون فى ذلك العبد المشترك بينهم , ( ورجلا سلمًا ) أى سالمًا ( لرجل ) أى خالصًا لا يملكه أحد غيره ( هل يستويان مثلاً ) ؟ أى لا يستوى هذا وهذا , كذلك لا يستوى المشرك الذى يعبد آلهة مع الله , والمؤمن المخلص الذى لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له ! فأين هذا من هذا ؟ قال ابن عباس ومجاهد : هذه الآية ضربت مثلاً للمشرك والمخلص , ولما كان المثل ظاهرًا بينا واضحًا جليًا قال : ( الحمد لله ) أى على إقامة الحجة عليهم ( بل أكثرهم لا يعلمون ) أى فلهذا يشركون بالله .

والدرس المستقى من هذه الآية هو الخاص بوحدة إصدار الأوامر ففى المثل الذى ضربه الله فى كتابه العزيز لهذا الرجل الذى يملكه أكثر من واحد كما هو واضح فى كلمة شركاء خير دليل على ذلك . ومتشاكسون هنا بمعنى متنازعون ومتناخرون كل واحد يعطى أمرًا مختلفًا عن الآخر , ولذا فإن انعدام وجود وحدة إصدار الأوامر والتوجيهات أثرت على هذا الرجل وجعلته فى حيرة من أمره أيهم يعصى وأيهم يطيع ! وهذا المثل يوضح حال المؤمن الخالص إيمانه لله عز وجل , والمشرك الذى يعبد آلهة شتى مع الله , فلا يدرى أيهم يعصى مع إمكان تطبيقه فى الإدارة الحديثة .

خامسًا : وحدة التوجيه :

 مبدأ وحدة التوجيه يدعو إلى توحيد جهود الجميع باتجاه هدف واحد مشترك . روى ابن مردوية عن عبد الله رضى الله عنه قال : قال رسول الله (ص) (( إن هذا القرآن هو حبل الله المتين , وهو النور المبين , وهو الشفاء النافع , عصمة لمن تمسك به , ونجاة لمن اتبعه )) . وقوله تعالى : ( لا تفرقوا ) أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة , وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهى عن التفرق , والأمر بالإجتماع والإئتلاف , كما فى صحيح مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله (ص) قال : (( إن الله يرضى لكم ثلاثًا , ويسخط لكم ثلاثًا , يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً , وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا , وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم , ويسخط لكم ثلاثًا : قيل وقال , وكثرة السؤال , وإضاعة المال )) .

وقوله تعالى : ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا ) إلى آخر الآية , وهذا السياق فى شأن الأوس والخزرج , فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة فى الجاهلية , وعداوة شديدة وضغائن وإحن طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم , فلما جاء الله بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم صاروا إخوانًا متحابين بجلال الله , متواصلين فى ذات الله , متعاونين على البر والتقوى . وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم فأنقذهم الله منها أن هداهم للإيمان . وقد امتن عليهم بذلك رسول الله (ص) يوم قسم غنائم حنين , فعتب من عتب منهم بما فضل عليهم فى القسمة بما أراده الله , فخطبهم فقال : (( يا معشر الأنصار ! ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بى !! وكتم متفرقين فألفكم الله بى !! وعالة فأغناكم الله بى ! ؟ فكلما قال شيئًا قالوا : الله ورسوله أمن )) .

سادسًا : خضوع المصلحة الشخصية للمصلحة العامة :

عالج الإسلام قضية المصلحة العامة أو مصلحة الرعية ووضعها فوق المصلحة الخاصة أو مصلحة الفرد المسلم . فمبدأ الأمر بالمعروف والنهى ن المنكر يشمل المصلحة العامة ويضعها فوقكل اعتبار . وكان تدخل أفراد الأمة فى عمل الحكام وعلى رأسهم الخليفة أو رئيس الدولة نفسه وفى سيرتهم وتصرفاتهم كان أمرًا معروفًا شائعًا ومألوفًا لدى الجميع حكامًا ومحكومين . فكانت المراقبة للسلطة والنقد وإبداء الرأى والمشورة والمحاسبة للحكام ماليًا وسياسيًا مبادئ دستورية معترفا بها منصوصًا عليها فى الكتاب والسنة وعرفًا من الأعراف السياسية السارية يومئذ .

أما من جانب العلماء فلم يكد يهمل ولكنه كان يقابل حينًا بالإهمال وعدم الإكتراث وحينًا آخر بالإضطهاد والتنكيل كما حدث لعدد كبير من العلماء ابتداء من سعيد بن جبير والإمام أحمد والإمام مالك )) ( المبارك : 40 ) . ومبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو من صلب المصلحة العامة وخضوع كافة المصالح الشخصية لهذه المصلحة العامة . ولنا فى هذا الحديث النبوى الشريف أجمل مثل على ذلك :

(( مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فى البحر , فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها , فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم , فقال الذين فى أعلاها : لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا , فقالوا : لو أنا خرقنا فى نصيبنت خرقًا ولم نؤذ م فوقنا , فإن تركوهم وما أرادوا , هلكوا جميعًا , وإن أخذوا على أيديهم , نجوا ونجوا جميعا )) . حديث صحيح عن النعمان بن بشير ( الأحاديث الصحيحة : 69 , وصحيح الجامع الصغير وزيادته : 8 , 57 ) والحديث واضح كالشمس فى كبد النهار , فلو ترك من أسفل السفينة يعمل ما يريد باسم الحرية الشخصية أو المصلحة الفردية لغرق الجميع , ولكن المصلحة العامة هنا تقتضى الأخذ بيد من حديد على هؤلاء وتقدم المصلحة العامة كواجب أساسى على المصلحة الشخصية .

ونظرية الإسلام بالنسبة لمصلحة الفرد والمصلحة العامة للمجتمع هو عمل توفيق وموازنة بينهما فلا يبغى أحدهما على الآخر فلا يضحى بالفرد فى سبيل المصلحة العامة للمجتمع كما فى النظام الشيوعى والإشتراكى ولا تقدس مصلحة الفرد على حساب المجتمع كما فى النظام الرأسمالى . ففى النظام الإسلامى قمة التنسيق بينهما فلا يكون أحدهما على حساب الآخر , وقاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) فى الفقه والشريعة الإسلايمة من القواعد المهمة فى هذا الشأن .

والقرآن الكيم ملئ بالآيات الكريمة التى تدعوا إلى تفصيل وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية والفردية الأنانية , فمعظم آيا ت الحدود : من زنا ويغاء وسرقة , وأكل أموال الناس بالباطل , وآيات الربا , والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر , والقذف , والجزية والجنايات , والحجاب والدين والعقود والنكاح وتعدد الزوجات والوصية وغيرها - كلها تدور فى فلك تقديم المصلحة الكلية العامة للمجتمع على المصلحة الشخصية الفردية .

سابعًا : المكافأة والتعويض :

يجب أن تكون هذه المكافأة وهذا التعويض مقابل الحهد والعرق الذى يبذله الموظف فى المنشأة . فالجزاء لكل عامل من أفراد المنشأة يجب أن يكون على قدر عمله .

والحكم عن أنس رضى الله عنهم أن رسول الله (ص) قال : (( أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه )) وهذا رمز على الإسراع وعدم التباطؤ والتأخير من غير سبب فى إعطاء الناس أجورهم على الأعمال التى قاموا بها , وتوخى العدل والإنصاف فى تقدير الأجور والمكافآت فلا إسراف ولا تقتير ولكن العدل فى إعطاء كل ذى حق حقه ومكافأة العامل الجاد مكافأة مجزية دون ضرر أو ضرار بحيث لا يصيب أي من المنشأة أو العامل أى ضرر .

والجزاء والمكافأة مقابل العمل معروف على أيام النبى (ص) حين كون دولة الإسلام فى المدينة المنورة .

قال رسول الله (ص) فى حديث أخرجه أبو داود والحاكم فى مستدركه عن بريدة : (( من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا , فما أخذ بعد ذلك فهو غلول )) ( الأبانى : 5899 ) . وفى حديث آخر : (( من استعاذكم بالله فأعيذوه ومن سألكم بالله فأعطوه , ومن دعاكم فأجيبوه , ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه , فإن لم تجدوا ما تكافئونه , فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه " ( الألبانى : 5898 ) والحديث صحيح ويبين أن المكافأة تكون مادية حسية أو ( معنوية ) ولا تقتصر فقط على المال والمادة .

وكثير من الآيات القرآنية تتكلم عن الأجر فى الدنيا والآخرة . فمن أسلم وجهه وآمن بالإسلام وأحسن المعاملة فله أجره عند ربه ولا خوف عليه ولا ينتابه الحزن فى هذه الدنيا والآخرة .

ثامنًا : المركزية :

ومن جهة النظر الإسلامية , فإن هناك حديثًا شريفًا يقول بالنص : (( أنتم أعلم بأمور دنياكم )) حديث صحيح رواه مسلم عن أبى هريرة ( الألبانى : 1500 ) وفيه إشارة إلى اتباع كل منِشأة ما يصلحها فى أداء مهمتها وتحقيق أهدافها وتنفيذ سياساتها بالطريقة والأسلوب الذى يروق للمسؤولين فيها من مركزية أو لا مركزية . فالخبراء فى التنظيم والإدارة هم أعلم هنا بشؤون دنياهم .

هذا فى شؤون الدنيا , أما فى شؤون الدين فهناك مركزية شديدة وهو أن الله سبحانه وتعالى الآمر الناهى فأوامره مطاعة ونواهيه مبتعد عنها . والرسول (ص) أيضًا متلقى الوحى يبين الحلال ويفصل الحرام , فطاعته واجبة ومعصيته حرام . وبإيجاز شديد , فإن الإسلام يترك أمور التنظيم واختيار الأدوات والوسائل والمفاهيم الإدارية من مركزية ولا مركزية وغيرها , يترك كل ذلك إلى اجتهاد المسلمين حتى يختاروا الشئ المناسب لمنشآتتهم وبيئاتهم دون تحديد أو إلزام طالما أن هذه الأدوات لا تتعارض مع مبادئ الدين الإسلامى الحنيف . ولنا فى توجيه الرسول (ص) الأسوة الحسنة حينما قال : (( الحكمة ضالة المؤمن , أنى وجدها فهو أحق الناس بها )) . ( رواه الترمذى وابن ماجه ) .

تاسعًا : تدرج السلطة :

وتأتى فكرة تدرج السلطة أو التسلسل الهرمي لتوضيح وتبين أي التباس في تحمل المسؤولية التي ألقيت علي عاتق الإداري . فعندما تحدد مصادر إعطاء الأوامر بطريقة التدريج الهرمي ، فإن ذلك يساعد علي تحقيق هذه الأوامر من قبل المختصين ، فتظهر النتائج المحددة , ويعرف من قام بعمل كذا وكذا , ولمن ترسل التقارير لإقرارها واعتماداها أو تعديلها أو رفضها .

ووحدة الأوامر فى الدين الإسلامى واضحة وجلية كما بينتها الآية التى سبق ذكرها ونورد نصها هنا لما لها من تأثير مباشر فى تحديد وحدة الأوامر وخط المسؤولية :

فالله يمثل قمة السلطة فى حياة المؤمن , ثم يأتى الرسول (ص) , ثم يأتى أولو الأمر فى المجتمع الإسلامى . إلا أن هناك حديثًا شريفًا نقله عبد الله بن عمر بن الخطاب عن النبى (ص) قال : (( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره , مالم يؤمر بمعصية , فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )) . ( رواه أبو داود ) . وعن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله (ص) على السمع والطاعة , فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا , وأثره علينا . وأن لا ننازع الأمر أهله , قال : (( إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان )) ( رواه البخارى ومسلم ) . وفى الحديث الآخر عن أنس أن رسول الله (ص) قال : (( اسمعوا وأطيعوا , وإن أمر عليكم عبد حبشى كأن رأسه زبيبة )) ( رواه البخارى ) . وروى ابن جرير عن أبى هريرة أن النبى (ص) قال : (( سيليكم ولاة بعدى فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره , فاسمعوا لهم وأطيعوا فى كل وافق الحق , وصلوا وراءهم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم )) .

عاشرًا : النظام والتنظيم :

تعتبر هذه العملية من أهم الوظائف الإدارية الرئيسية بعد التخطيط , ويليها التوجيه والرقابة . والمقصود بالتنظيم والنظام كوظيفة إدارية هى العملية التى تساعد فى تحقيق التنسيق بين القوى العاملة والموارد المتاحة بما يكفل تنفيذ الخطة بكفاءة وفاعلية . ولكى يتم ذلك , فإنه يجب تحديد أوجه النشاطات المختلفة للمنشأة وتوزع على العناصر الإنسانية فيها بشكل يحدد الإختصاصات والمسؤوليات والعلاقات والإتصالات بين الوحدات التنظيمية المختلفة وبين الأفراد العاملين .

وتتفق معظم التعارف علي أن التنظيم هو الإطار الذي يتم بموجبه ترتيب وتنسيق جهود جماعة من الفراد في سبيل تحقيق أهداف محددة .

لقد اعتنى الإسلام عناية فائقة بالنظام ابتداء من تحديد أو قات معينة للصلاة والصوم والإفطار , إلى تنظيم الصفوف فى الصلاة والقتال. فهذا إخبار من الله تعالى بمحبيته عباده المؤمنين , إذا صفوا مواجهين لأعداء الله فى حومة الوغى , يقاتلون فى سبيل الله من كفر بالله , لتكون كلمة الله هى العليا , ودينه هو الظاهر العالى على سائر الأديان . عن سعيد الخدرى رضى الله عنه قال , قال رسول الله (ص) : (( ثلاثة يضحك الله إليهم : الرجل يقوم من الليل , والقوم إذا صفوا للصلاة , والقوم إذا صفوا للقتال )) ( أخرجه ابن ماجه والإمام أحمد ) . وقال سعيد بن جبير فى تفسير الآية : كان رسول الله (ص) لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم وهذا تعليم من الله للمؤمنين . وقوله : { كأنهم بنيان مرصوص } أى ملتصق بعضه فى بعض , من الصف فى القتال . وقال ابن عباس : مثبت لا يزول ملصق بعضه ببعض .

وهناك سورة في القرآن الكريم تحمل اسم الصافات وتبدأ بالآية الكريمة { والصافات صفا } قال ابن مسعود رضى الله عنه : هى الملائكة , وقد وافقه على تفسير كل من ابن عباس ومسروق وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والسدى وقتادة وغيرهم . وقال قتادة : الملائكة صفوف فى السماء , روى مسلم عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله (ص) : (( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم ؟ قلنا : وكيف تصف الملائكة عند ربهم ؟ قال : يتمون الصفوف المتقدمة , ويتراصون فى الصف . ))

 قال ابن جريج : كانوا لا يصفون فى الصلاة حتى نزلت هذه الآية , فصفوا . وقال أبو نضرة : كان عمر رضى الله عنه إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه , ثم قال : (( أقيموا صفوفكم , استمووا قيامًا يريد الله بكم هدى الملائكة , ثم يقول : ( وإنا لنحن الصافون ) , تأخر يا فلان , تقدم يا فلان , ثم يتقدم فيكبر )) . ( رواه ابن أبى حاتم وابن جرير ) . وفى صحيح مسلم عن حذيفة رضى الله عنه قال , قال رسول الله (ص) (( فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة , وجعلت لنا الأرض مسجدًا وتربتها طهورًا , وجعلت قرة عينى فى الصلاة )) .

أما وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب فهناك آيات كثيرة وأحاديث نبوية شريفة تدل على ذلك منها قول النبى (ص) لصاحبه أبا ذر عندما سأله أن يوليه : (( يا أبا ذر : إنك ضعيف , وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها )) وهو حديث صحيح فى صحيح مسلم ( صحيح مسلم : جزء 12 : 209 - 210 ) وفى رواية أخرى (( يا أبا ذر إنى أراك ضعيفًا وإنى أحب لك ما أحب لنفسى لا تأمرن على اثنين ولا تولن مال يتيم )) . وشرح النووى هذا الحديث قائلاً : إن هذا الحديث أصل عظيم فى اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية . وأما الخزى والندامة فهو فى حق من لم يكن أهلاً لها فى المقام الأول , ولم يعدل فيها فيخزنة الله تعالي يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط . وأما من كان أهلاً للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث سبعة يظلهم الله والحديث مذكور هنا (( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون فى حكمهم وأهليهم ما ولوا )) . وإجماع المسلمين منعقد عليه ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذر الرسول أبا ذر منها , وكذا حذر العلماء وامتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا وكانوا دائمًا يرددون هذا البيت من الشعر :

  تولاها وليس له عدو            وفارقها وليس له صديق

وهناك الكثير من الأحاديث النبوية تنذر الولاة والأمراء والإداريين ومن فى حكمهم من تولية غير الكفء مع وجود الكفء . ومثل هذا يتناقض مع مبدأ وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب . إضافة إلى ذلك , فإن تولية غير الكفء وغير المؤهل يعتبر خيانة وفحشا . لذا فيجب على ولى الأمر ومن فى مقامه من رئيس أو مدير أو مشرف أن يولى على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل , قال النبى (ص) (( من ولى من أمر المسلمين شيئًا , فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله )) . وفى رواية (( من قلد رجلا عملا على عصابة , وهو يجد فى تلك العصابة أرضى منه , فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين )) ( رواه الحاكم فى صحيحه ) . وروى بعضهم أنه من قول عمر لابن عمر روى ذلك عنه . وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : (( من ولى من أمر المسلمين شيئًا فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما , فقد خان الله ورسوله والمسلمين )) . وقال (ص) : (( ما من عبد يسترعيه الله رعية , يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )) ( رواه أحمد ) . وفى هذا دلالة واضحة على مبدأ الترتيب .

وهى التى تنتج عن مزج الطيبة والعدالة , مما يجعل الموظف يخلص العمل ويعطى المنشأة ولاءه الكامل والشامل . والمساواة والعدالة والقسط يشار إليها فى القرآن الكريم فى أكثر من 30 موضعًا .

ومن الأقوال المأثورة فى التراث العربى الإسلامى ( العدل أساس الملك ) فما لم يكن هناك عدل ومساواة , فليس هناك حكم إذ أنه يقام بل دعائم أو أساس متين يضرب جذوره فى التربة الصالحة .

ومبدأ العدالة والمساواة بل والإقتصاص للخصم هو مما طبقه الرسول (ص) والخلفاء الراشدون من بعده . كتب السيرة وسير الخلفاء الراشدين مليئة بنماذج مشرقة من العدل والمساواة بين الناس بل والإقتصاص لهم من أنفسهم أو ولاتهم وأمرائهم على الأمصار .

ويكون العدل بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التى تضمنت العدل والمساواة فى إعطاء الحقوق لأصحابها وتنظيم العلاقات بين الناس تنظيمًا عادلاً . ويكون العدل عمليًا بالتسوية بين الناس فى المعاملة ومكافأة جهودهم يحسبها وإسناد الأعمال والوظائف لمن يستحقونها بمؤهلات وعدم المفاضلة والتمييز بينهم تبعًا للهوى والمصلحة الشخصية أو الأسباب خارجية لا تستوجب المفاضلة .

ثانى عشر : استقرار المستخدمين فى العمل :

وقضية استقرار الموظفين فى المنشآت الإسلامية تتبع من كون الفرد الموظف قادرا على الإستمرار فى العطاء والتقدم فى الوظيفة وزيادة معلوماته , والإلتزام بأخلاقيات وسياسات المنشآت مالم تتعارض مع أى نص فى الشريعة الإسلامية . لذا فإن الإستقرار ليس مضمونًا على طول الخط , بل يعتمد على الأداء , والأمانة , والقوة { القصص : 26 } وحديث ابن اللتبية هو خير دليل على هذا المبدأ وفحواه أن هذا الرجل الذى استخدمه الرسول على الصدقات رجع إليه قائلاً :

" هذا لكم وهذا أهدى إلى " فقال النبى : (( ما بال الرجل نستعمله على العمل بما ولانا الله فيقول (( هذا لكم وهذا أمدى إلى " أفلا قعد فى بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أو لا ؟ )) وقال (( من استعملناه على عمل ورزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول )) ( أى خيانة ) . أيضًا الحوار الذى سجله القرآن بين نبى الله موسى عليه السلام وشعيب عقد العمل كمهر مقابل زواج موسى بابنة شعيب . وهنا حددت المدة ووافق عليها الطرفان . وقد ذكر ابن عباس أن موسى قضى أتم الأجلين وأكملهما وأوفاهما وهو عشر سنين .

وأفضل طريقة لضمان استقرار المستخدمين فى العمل من وجهة نظر إسلامية هى العقود المبرمة بين المنشأة والموظف المسلم , كذلك ذكركلمة العهد فى القرآن فى أكثر من 24 موضعًا بكافة اشتقاقت الكلمة . وجاء عن الرسول (ص) أحاديث كثيرة فى هذا المجال نذكر منها : (( المسلمون على شروطهم )) ( الألبانى " 6590 ) , (( المسلمون عند شروطهم فيما أحل )) ( 6591 ) , و (( المسلمون عند شروطهم , ما وافق الحق من ذلك )) ( 5692 ) . وكل هذه الأحاديث الثلاثة صحيحة .

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 837 مشاهدة
نشرت فى 29 سبتمبر 2014 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,831,253

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters