محمد السيد عبد الرازق - مفكرة الإسلام
1. قصة مثابر:
هكذا يمكننا وصف قصة طالب ياباني، (قرر في عام 1938م أن يستثمر كل ما يملك في ورشة صغيرة، ليصنع محرك سيارة ويبيعه لشركة تويوتا، وبعد عمل مضنٍ متواصل، ترفض تويوتا شراء محركة؛ لأنه لا يتوافق مع مقاييس الشركة، عاد إلى دراسته ليتحمل سخرية مدرسيه وزملائه لفشله في صنع المحرك.
وفي عام 1940م ينجح في تصنيع المحرك، وتوقع معه شركة تويوتا عقدًا طالما حلم بتوقيعه، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وتعلن الحكومة اليابانية دخول الحرب العالمية الثانية، ولذا رُفض طلبه للحصول على الأسمنت اللازم لبناء مصنعه، فماذا يصنع؟ قام هو وفريقه باختراع طريقة مبتكرة لإنتاج الأسمنت اللازم لهم، ومن ثم بنوا مصنعهم.
ثم تأتي سنوات الحرب، ويتم قصف مصنعه مرتين؛ مما أدى إلى تدمير أجزاء رئيسة من هذا المرفق الصناعي، فكيف كانت استجابته؟ لقد جند فريقه على الفور وأخذوا يجمعون علب البنزين الفارغة التي كانت المقاتلات الأمريكية تتخلص منها، والتي وفرت له المواد الأولية التي يحتاجها، وهي مواد لم تكن متوفرة في اليابان حينذاك، ويبدأ المصنع في العمل، ولكن زلزال يضرب المصنع، فيضطر إلى بيع ما تبقى منه لشركة تويوتا.
بعد الحرب، تعاني اليابان من ندرة مريعة في مئونات البنزين، فيقرر بطل قصتنا أن يركِّب محركًا صغيرًا لدراجته، وسرعان ما أخذ جيرانه يطلبون منه أن يصنع لهم دراجات، ولذا قرر أن يبني مصنعًا لصنع المحركات لاختراعه الجديد.
غير أنه لم يكن يملك رأس المال اللازم، فأخذ يناشد أصحاب محلات الدراجات في اليابان وعددهم "18000" أن يهبوا لمساعدته، وأخذ يكتب خطابات لهم ليبلغهم بأنه يسعى للعب دور في إعادة إحياء اليابان من خلال قوة الحركة التي يمكن لاختراعه أن يوفرها، واستطاع إقناع "5000" من هؤلاء البائعين بأن يقدموا له رأس المال اللازم.
غير أن دراجته النارية لم تُبع إلا للأشخاص المغرمين جدًّا بالدراجات؛ ولذا أجرى تعديلًا جديدًا لصنع دراجات أخف كثيرًا وأصغر من دراجته، وسرعان ما حققت الدراجة نجاحًا باهرًا.
بعد ذلك بوقت قصير يفوز بجائزة إمبراطور اليابان، ومن ثم يبدأ بتصدير دراجاته النارية إلى أوروبا والولايات المتحدة، إلى أن صنع أول سياراته في السبعينيات من القرن العشرين، وحظيت هذه السيارات برواج واسع النطاق) [كيف أصبحوا عظماء؟ د.سعد سعود الكريباني، ص(165-169)، بتصرف واختصار].
ولكن هل تعلم من هو هذا الطالب الياباني؟ أنه المهندس "هوندا"، صاحب ومؤسس شركة هوندا اليابانية التي استطاعت منتجاتها أن تغزو العالم أجمع.
فوائد المثابرة:
1. ثروة الناجحين:
المثابرة هي دراهم الناجحين، والإصرار هو دنانيرهم، وذلك لأنه كما يقول "مالتبي بابكوك": (إن أحد أكثر الأخطاء شيوعًا وأفدحها على الإطلاق هو الظن بأن النجاح يتحقق نظرًا لعبقرية ما، أو سحر ما، أو شيء آخر لا نملكه، إن النجاح يتحقق بالثبات، والفشل يتحقق بالاستسلام) [لليوم أهميته، جون سي ماكسويل، ص(158)، بتصرف يسير].
2. وداعًا للمعوقات:
فالمثابرة هي السفينة التي تخترق بحار المعوقات، وتمخر عبابها، وتسير وسط أمواجها، فكما يقول جون مكسويل في كتابه "لليوم أهميته": (في أي وقت تقطع على نفسك عهدًا، فإن العهد سيواجه تحديات كثيرة.
3. طريق النجاح:
وهنا دعني أسوق لك بعض الكلمات الرائعة لـ"راي كروك"، الرئيس السابق لسلسلة مطاعم "ماكدونالدز" العالمية حين يقول: (استمر دائمًا، فلا يوجد في العالم شيء يمكنه أن يحل محل الإصرار، فالموهبة وحدها لا تكفي، والذكاء وحده لا يكفي، والتعليم وحده لا يكفي، ولكن الإصرار والتصميم قادران على عمل كل شيء) [المفاتيح العشرة للنجاح، د.إبراهيم الفقي، ص(115)].
إذًا طريق النجاح المضمون يحتاج إلى إنسان متسلح بعزيمته، معتمدًا ـ بعد الله ـ على مثابرته وإصراره.
كيف السبيل إلى المثابرة؟
1. الهدف الواضح:
وهو السر الأول الكفيل بأن يعيد روح المثابرة، ولذلك يقول "سيسل ديميل": (أغلبنا يسعى لتحقيق أهدافه بشكل يفتقر إلى المثابرة والمواظبة، إن الشخص الذي يحقق النجاح في الحياة، هو الذي يضع هدفه نصب عينيه بصفة مستمرة، ويتجه إليه بلا انحراف) [أفضل ما قيل في قوة الأهداف، كاثرين كارفيلاس، ص(23)].
2. صحبة الخير:
فأنت تحتاج في طريق نجاحك إلى صحبة خير تأخذ بيدك نحو النجاح، وتساعدك على السير فيه، فكما يقول "دونالد كليفتون" و"بولا نيسلون": (إن العلاقات تساعدنا على تحديد هويتنا وإمكاناتنا المستقبلية، وأغلبنا يستطيع أن يقتفي أثر إنجازاته ليجدها مرتبطة بعلاقات محورية في حياته) [لليوم أهميته، جون سي ماكسويل، ص(220)].
الإيجابية والدافعية الذاتية:
فتلك الإيجابية تجعل الواحد منا (لا تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت، ولا تصرفه وفق هواها، إنه هو الذي يستفيد منها، ويحتفظ بخصائصه أمامها ... إنه بقواه الكامنة وملكاته المدفونة فيه، والفرص المحدودة والتافهة المتاحة له يستطيع أن يبني حياته من جديد) [جدد حياتك، الغزالي، ص(15)].
ولكن ثمة سؤال محير وهو إن كانت الإيجابية تفجر الطاقات، وتوظف الإمكانات، فلماذا لا يسعى الكثيرون للاتصاف بها؟!
مخلوقات الكون تعلمنا الإيجابية:
فها هي نماذج يسردها لنا القرآن في سورة النمل، وفيها قصة ذلك الهدهد الإيجابي المبادر، والذي بدأت قصته حينما تفقد سليمان عليه السلام الطير كعادته، فلم يجده بين الطير.
وشك سيدنا سليمان عليه السلام وتوعد الهدهد بأشد العقاب إن كان سبب غيابه واهيًا أو غير مقنع، {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: ٢١].
ولكن الهدهد لم يكن يلعب أو يلهو، إنما كان في مهمة غير رسمية فرضتها عليه إيجابيته وغيرته الشديدة على دين الله يقول تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: ٢٢].
ولكن حين تنظر إلى إيجابيته وغيرته على دين الله تعالى؛ يزول عجبك، وتجد إجابة على سؤالك، وتعرض الآيات لذلك الموقف من الإيجابية بقوله تعالى:
{إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: ٢٣-٢٦].
إذًا فالجواب والخلاصة من تلك القصة يمكن التعبير عنها في كلمة واحدة: إنها الإيجابية.
كيف السبيل؟
1. توضيح الهدف:
فالأهداف في حد ذاتها قوة دافعة للإنسان نحو النجاح والتميز، ومجاوزة العقبات وتخطي الصعاب، وهي في نفس الوقت نبراسًا يضيء طريقنا، فهي تمثل النور الذي يضيء درب النجاح، يصفه "فولتون" فيقول: (حينما نمشي في اتجاه النور، سيكون الظل خلفنا دائمًا، ولكن عندما نبتعد عنه فسيصبح الظل أمامنا دائمًا) [النجاح للمبتدئين، زيج زيجلار، ص(164)].
2. غرس الثقة بالنفس:
ولذلك تأثير كبير في نفوس الناس، فكما يقول "زيج زيجلار": إن العديد من الأفراد قد وصلوا في حياتهم لأبعد مما كانوا يحلمون به؛ لأن شخصًا آخر كان يعتقد أنه يمكنهم الوصول إلى أبعد الغايات.
قصة عنوانها "الإيجابية":
وهذه قصة يحكيها "زيج زيجلار" في كتابه عن شخص إيجابي، قرر أن يفكر في أمر مختلف، وفكرة جديدة، (في عمر السابعة عـشر، رسب "بوبي" في الصف التاسع، وقيل له آنذاك إنه لن ينجح أبدًا في اجتياز الاختبارات، ولكنه بدلًا من ذلك أقنع والده بشراء محطة لخدمة السيارات وبتعيينه مديرًا لهذه المحطة، ولكنها لم تكن مشروعًا ناجحًا.
وفي عام 1950م ربح "بوبي" رحلة لاشتراكه في إحدى المسابقات بولاية "فلوريدا"، وبينما كان يتجول مع زوجته، شاهد سيارة مكشوفة معروضة للبيع في المزاد العلني، وعندما شرع "بوبي" في تجربة السيارة، أوقفه البائع لأن حذاءه كان مغطى بالرمال، ثم وضع البائع لوحًا من الكرتون المقوى في أرضية السيارة لحمايتها.
وفي هذه اللحظة خطرت لبوبي فكرة مجنونة، لمَ لا نبيع لموزعي السيارات ألواحًا من الكرتون المقوى لحماية أرضيات السيارات؟ لقد كان الجميع يعتقدون أن هذه فكرة مرحة، وأصبح "بوبي" مثارًا للسخرية وهدفًا للنكات.
وعرض اختراعه على شركات موزعي السيارات، ولكن دون جدوى، فكر أن يبيعها للبنوك، وهي تقوم بتوزيعها وبيعها لعملائه، فلم يوافق أي بنك سوى بنك واحد، على شرط أن يضمن "بوبي" للبنك جودة تلك المكونات، فقام بصناعة 500 لوحًا كرتونيًّا وقام بطلائها بيده باللون الأحمر.
ومرت الشهور دون رد، والأمل يتسرب من كل من حوله، ولكنه ظل صامدًا مثابرًا على فكرته الجديدة تلك، حتى جاءه شيكًا من مدير البنك بثمن الألواح التي أرسلها، كما أرسل له يطلب المزيد من هذه الألواح، وهكذا بدأ "بوبي" يسير على طريق النجاح، وأصدرت له الحكومة فيما بعد حق براءة الاختراع الذي كان قد طلبه لهذه الألواح) [النجاح للمبتدئين، زيج زيجلار، ص(167-169)].
المصادر:
• النجاح للمبتدئين، زيج زيجلار.
• جدد حياتك، الغزالي.
• كيف أصبحوا عظماء؟ د.سعد سعود الكريباني.
• أفضل ما قيل في قوة الأهداف، كاثرين كارفيلاس.
• المفاتيح العشرة للنجاح، د.إبراهيم الفقي.