والوقتُ أنفسُ ما عُنِيتَ بحفظهِ *** وأراهُ أسهلَ ما عليكَ يضيعُ!
بهذا أستهل وأوجز ما أودّ أن أتطرق إليه عن الوقت ومدى فائدتهِ علينا، وكيف أننا أهملناهُ كلياً..!
في مجتمعاتنا "الشرق أوسطية"، وفي معمعة الحياة المليئة بعامل البطالة، التي زادت عن مستواها الذي يجب أن تكون عليه في جميع البلدان العربية، في ظل سيطرة الحكومات على اقتصاد البلاد واحتكارها له، والتعامل معها كأملاك خاصة، وكأننا نرجع بذلك إلى حقبة الرأسمالية و(البرجوازية) التي أهلكت الطبقة الفقيرة أو العاملة.
وبرغم ذلك كله نلاحظ الكثير من عدم المبالاة والإهمال التام للوقت في مجمعاتنا، فباستطاعة أيّ شخصٍ منا أن يشغل نفسه بأي شيءٍ ليس له قيمة، في حين إنه يُهمل الفرصَ الثمينة للوقت ويقضي معظمه في النوم أو اللهو.
لا قيمة للوقت لدينا.. ! ولا أهمية منطقية نعبّر بها عن حاجتنا إليه، بل للساعات الطوال التي نقضيها في ميلنا إلى الكسل والنوم ومشاهدة الأفلام والمسلسلات..
أمّا الشباب، فلم يبقَ لديهم همٌّ سوى الاستمتاع والرفاهية في الحياة والراحة التي اكتسبوها من الإهمال والكسل.. فلا دراسة، ولا تحصيل علمي، ولا متابعة ولا عمل، متناسين أن الوقت ثمينٌ جداً، ويجب الحرص عليه وعدم ترك دقيقة واحدة دون انتهازها والعمل فيها، فأصبح حالهم كحال من عناهم الشاعر بقولهِ:
إذا كانَ يؤذيكَ حرُّ المصيفِ *** ويبسُ الخريفِ، وبرد الشِّتا
ويلهيكَ حُسن زمانِ الربيعِ *** فأخذُكَ للعلمِ، قل لي: متى؟!
نقف هنا كي نتساءل: لماذا هذا الإهمال... ؟
ولماذا نحنُ لسنا كبقية الشعوب؛ فليس للوقت قيمة مادية أو معنوية لدينا؟
ولماذا ليس لدينا تنظيم إداري للوقت؛ في حين إن في البلدان الغربية منظمات مختصة بإدارة الوقت وتنظيمه واستثماره؟!
هل وَضْعُنا الاجتماعي المتفكك أو البرود التعليمي في هذهِ المجالات هو السبب؟ أو هو إهمالٌ منا نحنُ لعدم وجود دافع أو تشجيع لنا كباراً وصغاراً؟ أو هو التسلط المسبق على أفكارنا وعقولنا؟
أصبحنا متأخرين عن باقي الشعوب، وتميزنا بأننا من الدول المتخلفة، ومن العالم الثالث الذي يعد عالماً مهمشاً كلياً!
وهذا كله لعدم وجود عقولٍ وأفكار مشجعة ونشيطة توجّهنا أو توعّينا بأن الوقت كنزٌ نادر لا يمكن الحصول عليه إذا أضعناه.
الوقت ثروة إن استطعنا جمعها فسوف نزيد على عمرنا عمراً آخر، فلو ادّخرنا كل ساعة ضائعة في الدراسة أو في التعلم والتثقف وطلب المعرفة أو حتى في التفكير في مشروعٍ صغير أو ما شابه، فسنحطم جدار الكسل ونضع حاجزاً بيننا وبين الإهمال واللهوِ وضياع الوقت.
فمثلاً: لو جمعنا الدقائق التي نضيعها في غير فائدة؛ فقد نحصل كل يوم على عدةِ ساعات لم تكن في برنامجنا اليومي، ونجمع تلك الساعات فتصبح أياماً، والأيام تصبحُ شهوراً.. !
وبهذا نكون قد حصلنا على عمرٍ نزيدهُ على عمرنا، ونكون ناجحين مكتسبين للكثير من الخبرة والمعرفة والثقافة.. والثقة بالنفس أيضاً.
ولكن مجتمعاتنا -للأسف- لا تهتم بالتوعية والتوجيه عن الوقت ومدى قيمته العملية والفكرية في الحياة، وهذا إهمالٌ آخر من الجهات والمراكز المختصة بالاعتناء بالشباب والمجتمع، مما يؤدي إلى اجتياح الإهمال والعشوائية وعدم المبالاة فينا، وذلك بتسلط أنفسنا الميالةِ للراحة والمرح، فيقضي على التفكير بانتهاز الفرص التي قد تأتينا من ذاك الفراغ الذي هو أثمن شيء في حياتنا إن استطعنا تحريكهُ أو استثمارهُ فيما يفيدنا.
وكذلك ينقصنا التفكير ومهاراته في انتهاز الوقت وفرصه...
يقول الأستاذ الدكتور "أحمد البراء الأميري" في كتابه (اللياقات الست؛ دروس في فن الحياة) بأن مهارات التفكير هي:
1- التفكير الناقد.
2- التفكير الإبداعي.
3- التفكير المنتج والتفكير بالنتائج.
ونحن ينقصنا بعض هذهِ المهارات التي إن امتلكناها استطعنا أن نتحكم في أنفسنا وتصرفاتنا ووقتنا، وعرفنا من خلال تفكيرنا أن الوقت كالذهب.. لا بل كالسيف يجب أن نسارع بقطعه في المفيد قبل أن يقطعنا هو!
كما أنّ لضياع الوقت وعدم التصرف بهِ نتائجَ سلبية كثيرة علينا أيضاً.
أولها: الكسل الذي يقتل فينا روح النشاط والتفكير ويُجمد حياتنا بروتين مملّ، وأيضاً: عدم المبالاة التي هي أشبهُ بالموت البطيء للروح والعقل، فعدم المبالاة تُشعرنا بقصر الحياة وعدم التلذذ بها.
لذلك يجب أن نحرص على تنظيم أنفسنا وبرمجتها على اقتناص الفرص، وانتهاز وقتنا الضائع خارج دوامنا أو دراستنا أو عملنا...، وهذا كلهُ لا يمنع من أن نمنح أنفسنا بعض الراحة والترويح عن النفس والاستجمام؛ لأن هذهِ الراحة أيضاً لها آثار وفوائد كبيرة علينا، لأننا نعطي بذلك نشاطاً لذاكرتنا وقلبنا وروحنا وجسدنا، وقد قال أبو الدرداء - رضي الله عنه - في الترويح عن النفس: "إني لأستجم لقلبي بالشيء من اللهوِ ليكون أقوى لي على الحق".
ولكن؛ من غير أن نفرط في ذلك.. فمشكلتنا هي أننا تعودنا في مجتمعاتنا أن نرتاح ساعة بدلاً من نصف ساعة! يعني أخذنا على أن نضاعف وقت راحتنا!.. وأغلب هذهِ الراحة نقضيها فيما لا ينفع - إلاّ من رحم الله-.
لذلك، يلزمنا تنظيم إداري مدروس للوقت، أو منظماتٌ إدارية مختصة به، كي نستطيع أن نعطي نتاجاً فيه الفائدة للفرد والمجتمع في آنٍ واحد.