التعليم المستمر
التعليم المستمر بمفاهيمه وخصائصه ومحدداته التشريعية فأنه يعود بجذوره إلى المفكـر (كومنيوس) 1592-1670م الذي طالب بتربية مستمرة متكاملة لكل الناس
.وقد حدد في كتابه Didacticamagne سنة 1621م والذي يعني (فن التعليم الأكبر) خلاصة فلسفته التي تنادي (بتربية جماهيرية عامة لكل الفئات المهنية والطبقات الاجتماعية بحيث لا يفرق فيها بين رجل وامرأة، وغني وفقير، لأن التربية تحرر الناس من سلبياتهم ونقائصهم، وتزيد إنسانيتهم التي تنمو بالعقل والفكر والعمل)
وقد نادى هذا العالم (كومنيوس) بشعار عظيم لا زال التربويون يرددونه وهو"تعليم الكل للكل بشكل كلي" فالتعليم المستمر بهذا الاتجاه يختلط مع مفهوم تعليم الكبار الذي تمتد جذوره في التاريخ،
والذي لم يتأصل في تشريعات وممارسات إلا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر لدواعي النهضة الصناعية واتساع الحركة العلمية والفنية وانتشار المبادئ الديمقراطية. ومع ظهور التحولات الاجتماعية في دول أوروبا الغربية، مع العلم
أن مفهوم التعليم المستمر في الوقت الحاضر يشمل تعليم الكبار أيضا والاهتمام بتعليم الكبار يزداد نمواً في القرن التاسع عشر حيث ترعى الدول الكبار فيها وتعلمهم وتدرب العاملين منهم ليعملوا على تحسين حياتهم في العيش والحياة.
فإذا تكلمنا عن تعليم الكبار كجزء أساسي من مكونات التعليم المستمر، فأن هذه النظرة تجعلنا نقول إن بعض الدول الغربية شهدت مولد الجامعات الشعبية وفتح صفوف لمحو الأمية والمدارس الصيفية ومدارس الأحد، وقاعات الدروس المسائية ومراكز الثقافة العمالية إلى آخر هذه الصيغ التعليمية الموجهة للكبار منذ سنة1860م
فعلى سبيل المثال لا الحصر كان يوجد في فرنسا عام 1869م أربعة وثلاثون ألف برنامج دراسي يستفيد منها ثمانمائة عامل.وفي إنكلترا وسعت جامعة (اكسفورد) من وظائفها تحت اسم (الجامعة المتحدة) University Extension أنشئ فيها قسم تعليم الكبار سنة 1845م.
ولعل أول فيلسوف يقترب من فكرة (التربية المستمرة) بشكل مباشر في العصر الحديث هو (باشــــلارد) Bachelard 1884-1962م حيث يعبر عن الثقافة التي تتوقف عند مدرسة الطفولة والشباب بأنها جامدة ،ويرى أن الفكر العلمي ينمو تربوياً بصفة مستمرة، وبالتالي ينبغي متابعته.
وفي عام 1968م حدد المؤتمر العام لليونسكو اثني عشر هدفاً لعام التربية الدولي الذي أقرته( المنظمة) أن يكون عام1970م كان من بينها هدف ( التربية المستمرة)
أما الدول الاشتراكية فأن سياستها التعليمية تؤكد على ضرورة تجاوب النظم التعليمية فيها مع التطورات والمتغيرات الحاصلة في حجم ونوع مستوى المعارف والمهارات وفي وسائل الإنتاج وما يؤدي ذلك في تطوير المهن ،
وعلى ذلك فأنها تدعوا إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستيعاب مثل هذه التطورات والتغيرات في المجالات المختلفة، ومن تلك الإجراءات تطوير أنظمة التعليم عن بعد وغيرها من المؤسسات التي تهتم بالتعليم غير النظامي، ولذلك نجد أن القوانين التربوية التعليمية في هذه الدول تنص على ضرورة تنظيم مؤسسات التعليم النظامية بشكل يخدم غرض (التعليم المستمر)
و إنشاء مؤسسات أخرى تخدم أغراض التعليم "عن بعد"مثل التعليم بالمراسلة والتعليم الجزئي في المستوى الثانوي أو الجامعي أو بعد التعليم الجامعي والتعليم بعد الجامعي يعطي أهمية كبيرة فمثلا يؤكد نظام التعليم الموحد الاشتراكي في ألمانيا الديمقراطية 1965م في (الفصل السابع) الجزء السادس على ضرورة إيجاد وسائل جديدة لاستمرار خريجي التعليم العالي في التعليم.
في رومانيا:
وقانون التعليم فيها لسنة 1968م فأنه يؤكد في مادته 5 (194) على ضرورة استحداث دراسات تعليمية بعد إنهاء التعليم العالي، في سبيل تطوير الإمكانات المهنية للخريجين ولتعريفهم بالجديد من العلم والتكنولوجيا في مجال التخصص أو المجالات الغريبة منها.
في بولونيا:
عام 1973م يؤكد نظامهم على ضرورة التنسيق بين مؤسسات التعليم المدرسي واللامدرسي في تطوير معارف وإمكانات الأفراد العاملين في المهن المختلفة في سبيل إعادة تدريبهم وتجديد وتوسيع مهاراتهم وخبراتهم.
من كل ما تقدم نستخلص أن التعليم المستمر في الوقت الحاضر نضجت فكرته و تبلورت مفاهيمه وآل إلى مبدأ تربوي هام،ينظم كل أنواع ومستويات التربية في المجتمع، فالدول المتقدمة إذا كانت قد قطعت في تنفيذه أشواطا طيبة وخاصةً في مجال تجديد المعلومات فأن الدول النامية بدأت في تعديل قوانينها بحيث تسمح بدخول الأشكال البديلة في التعليم تدريجياً. وهذا سيكون نهاية ما يسره الله لنا ونطلب من الله العلي القدير التوفيق والخير ورعايته في هدايتنا وزيادتنا من علمه حول هذا الموضوع والله ولي التوفيق.
مصدر المقال :
http://lolodo.jeeran.com/archive/2010/4/1043444.html