لقد تم استثمار الكثير من الموارد في بناء الواجهات الإلكترونية للحكومة وقد آن الأوان من أجل التأكد من أن تلك الاستثمارات لن تذهب سدىً وسوف تضمن إستمرارية الخدمات الالكترونية. الآن هو الوقت المناسب للتفكير بحوكمة الحكومة الالكترونية قبل أن تنتشر خدماتها بطريقة غير سليمة على الانترنت ولا نعود قادرين على إدارتها وصيانتها وحمايتها من العبث الالكتروني.
دخل مفهوم الحوكمة في مجال الأعمال على نطاق واسع خاصة بعد الفضائح التي طالت كبريات الشركات العالمية والتي أدت إلى خسائر مالية جسيمة (شركة إنرون)، وظهرت الحاجة إلى تشكيل أطر إجرائية لتمكين المدراء من إتخاذ القرارات بطريقة صائبة بحيث تصب نتائج قراراتهم مباشرة في خدمة مهمة المؤسسة واستراتيجيتها. وغالياً ما يشمل إطار الحوكمة مجموعة العلاقات التنظيمية في المؤسسة وقوانين التدقيق والمحاسبة بالاضافة إلى ضرورة توفير منظومة متكاملة من معايير قياس الاداء. وتسعى المؤسسات من خلال حوكمة عملياتها الداخلية والخارجية إلى توفير التجانس بين مختلف وحداتها الادارية بحيث تكون أعمال تلك الوحدات مكملة لبعضها البعض، وعلى سبيل المثال تعتني حوكمة تكنولوجيا المعلومات بتشكيل استراتيجية معلوماتية للمؤسسة تتطابق أهدافها مع الاستراتيجية العامة لتلك المؤسسة وتوفير الاجراءات الخاصة والقوانين والسياسات الكفيلة بأن لا تخرج فرق العمل التقنية عن تلك الاستراتيجية، كما تعتني حوكمة المعلوماتية بتهيئة وتنظيم العلاقات بين منتج الخدمات التكنولوجية ومستهلكيها الداخليين والخارجيين. وبينما تركز إدارة المعلوماتية على الاعمال والاجراءات الداخلية للمؤسسة من قبيل تجهيز الانظمة وتركيبها وتشغيلها، تعنى حوكمة المعلوماتية أكثر بتحقيق التجانس بين الانظمة المعلوماتية المطلوبة وأهداف المؤسسة التجارية (Business IT alignment).
أهمية الحوكمة للحكومة الالكترونية
عندما نتحدث عن أهمية الحوكمة بالنسبة للمؤسسات فلا بد من الحديث عن المؤسسة الأكبر في المجتمع ألا وهي الحكومة وخاصة بعد أن بدأت معظم الحكومات بالانتقال إلى الفضاء الالكتروني من أجل تقديم خدماتها على الانترنت وبمختلف وسائل التنكولوجيا الحديثة. وتعتبر الحكومة الالكترونية أرضاً خصبة لزراعة مبادئ الحوكمة الالكترونية نظراً لتعدد الخدمات الالكترونية التي تقدمها الحكومة من جهة ولتنوع وتشتت الدوائر الحكومية التي تقدم تلك الخدمات من جهة أخرى.
وقد عانت العديد من تجارب الحكومات الالكترونية من التجارب الفاشلة والتي كانت في معظم الاحيان باهظة الكلفة ولم يكن هناك من يحاسب لأنه بالاساس لم توجد أية مقاييس لقياس النجاح والفشل وحتى إن وجدت فقد غاب عن معظم تلك الحكومات أهمية وجود رؤية واحدة متكاملة للجسم الالكتروني الحكومي بحيث تلتزم بمعاييره كافة الوزارات والادارات العامة. أضف إلى ذلك أن التقلة الى الحكومة الالكترونية على المستوى التقني لم يوازيها نقلة متناسبة على المستوى الاداري والتنظيمي. من هنا تبرز أهمية الحوكمة في الحكومة الالكترونية والتي تعالج مواضيع جديدة لم تتطرق إليها التكنولوجيا من قبيل:
• وجود إطار وقوانين تحكم تصميم وإطلاق الخدمات الالكترونية
• إلتزام الادارات والوزارات بالمخطط التوجيهي العام الصادر عن السلطة المنوطة بإدارة الحكومة الالكترونية
• المعايير والمقاييس التي يجب أن تعتمدها الدوائر الحكومية في حال قررت بناء أنظمة إلكترو-حكومية
• جودة الخدمة وكيفية قياس مدى استخداميتها من قبل الجمهور المستهدف
• الادوار التنظيمية والمسؤوليات في إطار إطلاق مشاريع الحكومة الالكترونية
وهكذا فقد يؤدي إنتشار الخدمات الالكترونية الحكومية بطريقة عشوائية إلى المزيد من الارهاق الاداري في جسم الحكومة بدلاً من أن يضفي عليها رونق الفعالية والشفافية. ومن أجل الرد على هذا التحدي تأتي حوكمة الحكومة الالكترونية كأداة فعالة من أجل التأكد من أن الخدمات الحكومية الالكترونية المستهدفة سوف تدور في فلك التكامل والتجانس وترفع بأداء الحكومة إلى مستويات أفضل من المستوى الحالي.
لعل الجزء الأهم والاصعب في عملية حوكمة مكونات الحكومة الالكترونية هو ذلك الجزء المتعلق بالخدمات الإلكترونية نظراً لكثرة التقنيات ووسائل التطوير من جهة ولتشعب ووفرة تلك الخدمات الالكترونية من جهة أخرى. ويهتم هذا المستوى من الحوكمة بإجراءات ومسؤوليات تصميم وتطوير وإطلاق الخدمات الالكترونية والتأكد من مطابقتها للمعايير الحكومية المحددة سابقاً.
ومن الاسئلة التي تتبادر إلى ذهن مطوري الخدمات الحكومية الالكترونية والتي تحتاج إلى إجابات من سلطة الحوكمة:
• كيف يتم تصنيف الخدمات الالكترونية على المستويات التقنية والوظيفية؟
• ما هي مستويات كثافة الخدمة التقنية المسموح بها (Service Granularity) ؟
• ما هي التكنولوجيا المسموح بها من أجل تطوير خدمات الحكومة الالكترونية؟ (Web services, xml/http, direct socket calls,…)
• هل يوجد متطلبات معينة لحماية الخدمة وتشفير معلوماتها؟ (WS-security, SAML, XML signature,…)
• أين أجد خدمات تقنية مساعدة وكيف أستفيد منها؟ (Helper Services)
• هل يوجد دليل إلكتروني بالخدمات الحكومية؟ (Government Service Registry)
• ما هي إجراءات نشر خدمتي على الانترنت؟ هل يجب على إدارتي أخذ موافقة سلطة حكومية معينة؟
ومن المهم قبل الشروع بحوكمة الخدمات الحكومية الالكترونية أن تقوم الادارة المخولة بدراسة مراحل إنتاج تلك الخدمات إبتداءً من البحث عن الخدمة المراد تطويرها إلكترونياً ووصولاً إلى إطلاقها الفعلي على الانترنت. ونستطيع تلخيص تلك المراحل بالتالية:
إستكشاف الخدمة
تعمد إدارة الحكومة الالكترونية في بداية برنامجها التطويري على إستكشاف الخدمات الحكومية عبر الإطلاع على وظائف وخدمات الأقسام في مختلف الوزارات والادارات العامة. وتقوم لجنة الخدمات الحكومية والإجراءات بتعبئة إستمارات الخدمات الحكومية حسب وضعها الحالي وكيفية تقديمها للمواطنين. ثم تقوم تلك اللجنة بإنشاء قاعدة بيانات للخدمات الحكومية تحتوي على التفاصيل الواردة في الاستمارات المذكورة سابقاً.
تعتني الحوكمة في هذه المرحلة بتنظيم علاقات فريق إستكشاف الخدمات الحكومية مع سائر الوزارات والادارات العامة كما ترسم حدود التدخل الاداري بين أفراد ذلك الفريق ووحدات المعلوماتية في تلك الوزارات.
تصنيف الخدمة
يقوم فريق من خبراء الحكومة الالكترونية بتصنيف وتركيب الخدمات الحكومية حسب حاجات المواطنين والمؤسسات بحيث تعكس أحداثاً حياتية معينة أو معاملات تجارية. وعلى سبيل المثال توضع خدمات تسجيل الولادة والزواج وغيرها تحت خانة خدمات المواطنين. وفي هذه المرحلة يتم تحديد أولوية الخدمة ومدى حراجتها بالنسبة للحكومة.
بالنسبة للحوكمة فإنها تتدخل في هذه المرحلة من أجل فرض تصنيفات محددة للخدمات الحكومية وتوزيع تلك التصنيفات على وحدات المعلوماتية وفرق الخبراء.
تصميم الخدمة الإلكترونية
في هذه المرحلة يقوم فريق الخدمات الالكترونية في الحكومة بتصميم الخدمة الالكترونية ورسم مسارات عملها وكيفية تواصلها مع الأنظمة الموجودة في المؤسسات من أجل الحصول على بيانات ومعلومات لصالح المستفيد من تلك الخدمة. وتشمل مرحلة التصميم تحديد الحاضن التقني للخدمة (Service Host) وتحديد الواجهة التقنية المتاحة أمام مستخدمي تلك الخدمة.
تهتم الحوكمة في هذا المستوى بتأطير الخدمات ضمن التصميم العام والمعمارية الاساسية للحكومة الالكترونية.
مكننة وتطوير الخدمة
بعد الحصول على التصميم النهائي للخدمة يأتي مطورو البرامج من أجل كتابة الكود البرمجي الخاص بها مع الالتزام بالمعايير التقنية الموضوعة سابقاً. ومن الممكن أن يتم تطوير الخدمات الإلكترونية محلياً على مستوى الوزارة الواحدة مع الالتزام بالمرجع الاساسي للخدمات الحكومية الالكترونية أو في مركز مشترك للحكومة يتم تأسيسه من أجل هذا الهدف.
وهنا تتدخل الحوكمة التطويرية من أجل فرض تقنيات معينة لبرمجة الخدمات الالكترونية بالاضافة إلى فرض قالب رسائل إلكترونية محدد ومعتمد من قبل الحكومة من أجل تبادل البيانات بين الوزارات عبر الخدمات الالكترونية.
فحص الخدمة
بعد إنتهاء عملية التطوير البرمجية يبداً فريق العمل بالشروع في عملية فحص الخدمة وتشمل عملية الفحص الجوانب الوظيفية (هل تؤدي الخدمة المطلوب منها من حيث الوظيفة الحكومية؟) والجوانب التقنية (هل يوجد عيوب تقنية في الخدمة تؤدي إلى توقفها تحت ظروف معينة؟).
وتعتني الحوكمة في هذه المرحلة بتحضير إجراءات نقل الخدمة إلى مرحلة الفحص بالاضافة إلى تحضير إجراءات قبول الخدمة على أنها خالية من العيوب الوظيفية والتقنية.
أمن وموثوقية الخدمة
هل يمكن الوثوق بالخدمة من الناحية السرية والأمنية؟ تحاول هذه المرحلة الإجابة عن هذا السؤال عبر إجراء تجارب السرية والأمان على تلك الخدمة من أجل التأكد من عدم إمكانية إشخاص غير مؤهلين من التلاعب بالمعلومات أو الإطلاع على معلومات مواطنين آخرين خلال عمليات التبادل الإلكتروني.
يقوم فريق الحوكمة بنشر معايير أمن الخدمات وما هي التكنولوجيا الواجب إعتمادها من أجل ضمان التوافقية والتجانس على مستوى سرية البيانات (SAML, WS-Security…)
منافذ الوصول للخدمة
يتم تحديد كيفية الوصول للخدمة من قبل البشر ومن قبل الآلة، ومن الممكن تحديد الوب والهاتف الجوال والهاتف العادي كمنافذ بشرية للوصول للخدمات وعلى الجانب الآخر من الممكن إعتماد دليل الخدمات الالكتروني وتقنيات خدمات الوب (Service Registry, Web-Services) من أجل الوصول الآلي إلى الخدمة.
في هذه المرحلة تحدد الحوكمة معايير إعتماد المنافذ الالية والبشرية للوصول إلى الخدمة وكيفية إعتماد تلك المنافذ في الخدمات الالكترونية.
إطلاق وتشغيل الخدمة
بعد التأكد من نجاح الخدمة في مختبر الحكومة الالكترونية وبعدما يكون قد تم إخضاعها لفحوص الجهد المعلوماتي (Stress Testing) يأتي وقت إطلاقها على الإنترنت والإعلان عنها. وبالتأكيد لا يمكن للوزارات والادارات العامة إطلاق خدمات إلكترونية على البوابة الحكومية للدولة من غير العودة إلى إدارة الحكومة الإلكترونية وأخذ موافقتها على ذلك.
تغطي حوكمة الحكومة الالكترونية في هذه المرحلة إجراءات إطلاق الخدمة بالمستوى التشغيلي الفعلي ومن تلك الإجراءات أخذ الموافقة بالظهور على البوابة الالكترونية.
دليل استخدام الخدمة
تتأكد الحوكمة في هذا المجال من أن الخدمة المتوفرة إلكترونياً قد شرحها بإسهاب للمواطن وأصحاب العمل من أجل تمكينهم من الاستفادة منها، وكذلك الأمر قد تم شرحها تقنياً من أجل تمكين مطوري الخدمات الالكترونية من إستخدامها ضمن برمجياتهم. ومن الممكن تحضير دليل مختصر خاص بالمواطنين ودليل تقني خاص بالمبرجين.
قياس فعالية الخدمة
قد تكون الخدمة ناجحة تقنياً ولكنها غير فعالة على المستوى الوظيفي وبتعبير آخر قد لا يرغب المواطنون بالاستفادة منها بالطريقة الالكترونية أو قد يوجد بعض العيوب الوظيفية التي تجعل ذلك المواطن ينأى بنفسه عن عناء الدخول الى الانترنت وتنفيذ تلك الخدمة الالكترونية. وهنا تهتم الحوكمة بوضع معايير قياس نجاح الخدمة ومستوى مقبوليتها بالاضافة إلى شرح كيفية إجراء ذلك النوع من القياس.
الأدوار والمسؤوليات
يتولى مجلس إدارة الحكومة الالكترونية مهمة تخطيط الخدمات الالكترونية الحكومية ويكلف فرق عمل مختلفة لوضع المعايير والمقاييس التقنية الواجب إعتمادها عند تطوير خدمات على مستوى الوزارات والادارات العامة. وتشمل عملية التخطيط للخدمات الالكترونية مراحل إستكشاف الخدمة وتصنيفها ووضع ضمن خانة الاولويات الحكومية المناسبة، وفي الإطار نفسه يستعين مجلس إدارة الحكومة الالكترونية بفريق عمل يحتوي على الخبرات ويشمل المسؤوليات التالية:
• مهندس الإجراءات الحكومية (Government Process Engineer)
• خبير برمجة الخدمات الالكترونية (Webservices Consultant)
• خبير الوسيط الالكتروني (Service Bus Consultant)
• خبير سرية وأمن خدمات الوب (WS security/ SAML consultant)
• خبير الأنظمة الاساسية (الموارد البشرية، المالية، ...)
التركيبة التنظيمية الواردة أعلاه تساعد مجلس إدارة الحكومة الالكترونية على أداء المهام الموكلة إليه على مستوى التخطيط للخدمات الإلكترونية ووصولاً إلى تنفيذها و نشرها و قياس نسبة نحاحها.