رحمة الغامدي

إن الشريعة الإسلامية ضد المذهب الفردي الذي يقدس الفرد وحريته على حساب الجماعة ومصلحتها، وهي أيضاً ضد مفهوم المذهب الاجتماعي الذي ينفي حقوق الفرد كاملة؛ لأن الإسلام يراعي مصالح الصالح العام، ويوفق بينها وبين حقوق الفرد.. فهو يهدف إلى تحقيق العدل والمساواة ورفع الظلم والضرر.
ولا يصح أن يقدس القانون حرية الفرد إلى حد أن يضحي من أجلها بمصلحة الجماعة، ولا أن يجعل للطفل الصغير الذي لم يكتمل نموه سلطة توازي سلطة أبيه الذي خرج من صلبه وكفله ويتولاه بكل رعاية، بل الصحيح أن يوفق القانون بين الأفراد الذين تتخالف مصالحهم ويسرع القوي فيهم إلى هضم حق الضعيف ونيله بالأذى والضرر..
ومن قيمنا الأصيلة التي أرستها الشريعة الإسلامية عناية الآباء بالأبناء ورعايتهم رعاية فائقة، حتى إن كثيراً من الآباء يضحي براحته ووقته وجهده وماله ليوفر لأبنائه المستقبل الزاهر السعيد؛ فالأب يكد ويسعى جاهداً ليوفر لأبنائه أسباب الثقافة والتعليم؛ مما لم يتوافر له هو نفسه، ويجد في ذلك تعبيراً عن معاني الأبوة الصادقة، وواجباً دينياً نحو أبنائه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..الرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".. متفق عليه.
ومن سمات الأسرة المسلمة احترام الصغير للكبير وتوقير الأبناء لآبائهم وأمهاتهم لقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [سورة لقمان: 14]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا"، ويمكن لمس أثر ذلك فيما يبديه الأبناء نحو آبائهم وأجدادهم من احترام وتقدير بالغ، ويبرز هذا الاحترام والتوقير حين تقعد الشيخوخة الآباء عن العمل، وحين يتعاون الأبناء عن رضا وطيب خاطر لإعالة الآباء والأجداد وفاءً لجميلهم واعترافاً بفضلهم، وذلك علاقة فطريه وليست تعاقدية.
ليس كل شيء في المجتمع يُحكم بالقاعدة القانونية، وإنما هناك أيضاً القواعد الأخلاقية والدينية والعادات والمجاملات، ولكل منها مجالها، ومن يخرج على هذه القواعد يقابله المجتمع بالإنكار، وقد يتعرض للعذاب الأخروي، أما من يخالف القاعدة القانونية فإن السلطة العامة توقع عليه الجزاء المادي والحسي المنصوص عليه، والعرف أحياناً أقوى من القانون، لذلك فان الشريعة الإسلامية تعتمد في مصادر أحكامها على القرآن والسنة وتجعل المعروف عرفاً شائعاً.

علاقة الأبوة والأمومة:

هي علاقة فطريه طبيعية يؤكدها الشرع والعرف، وليست علاقة تعاقديه ينفذها سلطان القانون؛ فالله سبحانه وتعالى فرض على الأبناء الإحسان إلى الآباء كما في قوله تعالى: "وبالوالدين إحساناً"...النساء .. كما فرض على الآباء الإحسان إلى الأبناء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ له ستراً من النار". ومن الخير أن تظل العلاقة بين الآباء والأبناء قائمة على الخير والمحبة والقيم الإسلامية الرفيعة، وليست تعاقدية قانونية؛ لأن في هذا تأكيداً للفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ فالعلاقة التعاقدية القانونية تفرض حقوقاً تقابلها واجبات، أما القاعدة الخلقية الشرعية فهي تفرض واجبات دون أن تقابلها حقوق – بالضرورة - فالأب يعطي ابنه حقوقاً متتالية كالنفقة والتأديب والرعاية دون أن ينتظر من الابن الواجبات، اللهم إلاّ واجب الطاعة والشرع هو الذي فرض على الابن طاعة أبيه، وأن يكون طوع يمينه، وأن يكون ماله أيضاً ملكاً لأبيه، وذلك لعظم حق الأب عليه.

حب الأمومة:

إن حب الأمومة قائم على التضحية وإنكار الذات، وهو بذلك أنقى أنواع الحب؛ لأنه عطاء لا ينتظر المقابل، فكذلك حب الأبوة يرتفع عن الأغراض في القيام بواجب يعتقد الأب أنه مسؤول عنه أمام ربه حين يتجشم المشاق لتوفير الغذاء والكساء والرعاية والتربية الصحيحة لأبنائه. ولمّا كان الطفل ينشأ عاجزاً عن رعاية نفسه فقد جعل الشرع للأبوين عليه ولاية تربية وتأديب، فيجب له عليهما النفقة والتعليم والتهذيب، ولا يحتاج الأمر إلى إكراه الأبوين لأداء هذا الحق؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل في قلب الأم ينبوع حنان ورحمة لا ينضب لأطفالها، ووضع في قلب الأب عاطفة قوية لأبنائه تدفعه لأن يوفر لهم الراحة والهناء، و العوامل التي تدفع للرحمة بالأبناء كثيرة: أولها الدين، وثانيها الغريزة، وثالثها العرف، ورابعها الرحمة والحب.

تأديب الأبناء واجب على الآباء:

هذا التأديب لا يعني إباحة الظلم والقسوة في حق الأبناء .. وبدلاً من الضرب والعقاب، نبين للطفل منافع الطاعة والصدق والأمانة وكل القيم الخلقية السامية التي جاء بها الإسلام، وما فيها من فائدة له وللآخرين في الدنيا والآخرة، مستعينين في ذلك بنصوص من الكتاب والسنة، ونعلمه أن اتباعهما سبب لرضا الرب وثقة الناس، مما يبعث في نفس الطفل الفضائل، ويدفعه إلى الحق والخير دون خوف من عقاب بدني..

 

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 34/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 1627 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,877,065

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters