شيماء مأمون
يتصرف النشء بتلقائية وعفويّة وبراءة متناهية، ولا يستطيعون التحكم فيما لديهم من معلومات أو أحداث أو أخبار طالما لم يصلوا لمرحلة من النُّضج, وعلى الرغم من كونها صفه لذيذة تَلزمهم إلا إنها تسبِّب في بعض الأوقات مشاكل؛ فعفوية الطفل يمكن أن تجعله ينقل أحداث المنزل للخارج وبالطبع دون أن يدرك أنها أمور تخص المنزل فقط، وأنه يجب عدم إطْلاع الآخرين عليها، ولذا يسبب الأطفال حرجًا للآباء والأمهات، وقد تؤدي عفوية الأطفال لمشاكل كبيرة داخل الإطار الأسري، فكيف نوعّي أبناءنا؟ وما هي أسباب إفشاء الأبناء للأسرار؟..
قيمة الخصوصية
تؤكد حنان زين (الاستشاري التربوي) أنه "يجب تجنيب الأبناء لكلام مَن هم أكبر منهم داخل الأسرة، خاصةً ما يدور بين الأب والأم، ويجب عدم التحدث عبر الهاتف أمامهم، لأن تلك المواقف الأسرية يجب أن لا يعرفها الغير، حيث يصعب على الطفل التمييز بين ما يقال وما لا يقال". وتشير حنان إلى أنه "يجب أن تكون هناك أساليب تربوية لغرس قيمة احترام خصوصية المنزل, خاصة في سن المدرسة، ولتكن بطريقة مبسطة بضرب الأمثال له مثل: هذا المنزل يسترنا, فهل يمكن أن نجلس فيه بدون جدران؟ هل ممكن أن نجلس لتناول طعامنا أمام الناس؟, أي نبث له فكرة الخصوصية في جزء منها ليحافظ على نفسه ونشعره بالانتماء، وبعد طرح تلك الأسئلة عليه نخبره بأننا يجب علينا حفظ خصوصية منزلنا, كذلك طرح القصص التي تبثّ فيه هذه القيمة، وتعليمه أن هناك فرقًا بين خصوصية المنزل وخصوصيته هو شخصيًّا, ويجب علينا نحن الآباء أن نعي ذلك". وتقول زين: إنه "يجب تشجيع الأبناء على خصوصية ما يقال داخل المنزل، وأن نثني عليه عندما يقوم بذلك الأمر, ونستمر في تقديم العوامل التربوية حتى نصل به إلى وعي تام بمعنى الخصوصية. وتبدأ الخصوصية من الاستئذان، وهذا ما تعلمناه من كتاب الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)"(سورة النور)، فهنا يأمر الله سبحانه المربين أن يرشدوا أطفالهم الذين لم يبلغوا سن البلوغ إلى أن يستأذنوا على أهليهم في ثلاثة أحوال؛ الأول, من قبل صلاة الفجر لأن الناس إذ ذاك يكونون نياماً في فرُشهم؛ الثاني, وقت الظهيرة "أي القيلولة" لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله؛ الثالث, من بعد صلاة العشاء لأنه وقت نوم وراحة. وأضافت المستشارة: "شُرع الاستئذان في هذه الأوقات الثلاثة لما يُخشى من أن يكون الرجل والمرأة في حالة لا يناسب أن يطلع عليها أحد من الصغار. أما إذا بلغ الأطفال سن البلوغ والرشد فعليهم أن يستأذنوا في هذه الأوقات الثلاثة وفي غيرها امتثالاً لشرع الله تعالى في كتابه".
التمييز بين الحقيقة والخيال
وقد أرجعت نجوى صالح (اختصاصية تربوية) سبب لجوء الطفل إلى إفشاء أسرار المنزل من غير قصد لأسباب مختلفة، لعلّ أبرزها "شعوره بالنقص أو رغبته في أن يكون محط الانتباه والإعجاب أو ليحصل على أكبر قدر من العطف والرعاية. وعادةً، يتخلّص الطفل من هذه العادة عندما يصل عقله إلى مستوى يميّز فيه بين الحقيقة والخيال". وتشير نجوى إلى أنه "في المقابل يأبى بعض الأطفال التفوّه بأي كلمة عن تفاصيل حياتهم في المنزل أمام الغرباء حتى عندما يسألونهم عنها، وهذه إشارة إلى ضرورة عدم الاستهانة بذكاء الطفل، إذ إن ما ينقصه في هذه الحالة هو حسن التوجيه". وتنصح الاختصاصية باتّباع بعض الخطوات ليتخلّص الطفل من هذه العادة، ومنها: تعليم الطفل أن إفشاء أسرار المنزل من الأمور غير المستحبة، وأن هناك أحاديث أخرى يمكن أن يجذب من خلالها الآخرين. والتنبيه على مدى خصوصية ما يدور في المنزل، وأن هذه أمور خاصّة يجب أن لا يطلع عليها حتى الأقرباء والأصدقاء، ومع مرور الوقت، سيدرك معنى ومفهوم خصوصية المنزل, وإذا كان يفعل الطفل ذلك للحصول على الثناء والانتباه، فلنعطه المزيد من الثناء والتقدير لذاته ولما يقوم به، وإذا كان السبب هو حماية النفس، فلنكن أقل قسوة معه، ونكافئه إن التزم بعدم إفشاء الأسرار الخاصة بالمنزل. كذلك يجب أن يلتزم الوالدان بعدم إفشاء أسرار الغير أمامه لأنه قد يعمد إلى ذلك من باب التقليد, وتغيير طريقة الاحتجاج على تصرفه، والقيام -على سبيل المثال- بعدم الكلام معه لمدّة ساعة، مع إعلامه بذلك, وعدم المبالغة في العقاب حتى لا يفقد العقاب قيمته، ويعتاد عليه الطفل. ومنها إشعار الطفل بأهميته في الأسرة وبأنه عنصر له قيمته واحترامه وأنه فرد مطلع على تفاصيل العائلة وما يدور بداخلها، فهذه التصرفات ستشعره بأهميته وتعزّز لديه ثقته بنفسه وتعلّمه تحمّل المسؤولية. ومنها زرع الآداب الدينية والأخلاق الحميدة في نفس الطفل، كالأمانة وحب الآخرين وعدم الكذب وعدم إفشاء الأسرار.
القصص وسيلة تربوية
ويشير رشاد لاشين (الاستشاري التربوي) إلى أن "الأطفال بطبيعتهم يتصرفون بتلقائية وعفوية ولا يتحكمون فيما لديهم من معلومات طالما لم يحصلوا على التعليم والتدريب اللازم، لذا قد يوقعون الأمهات والآباء في حرج شديد بذكر أحداث معينة أو حتى نقل مشاعر الأم السلبية تجاه صديقاتها من خلال تعليقاتها عليهم فيجلب ذلك المشكلات الكثيرة". ويؤكد رشاد أنه "يجب أن نهتم بتعليم أبنائنا وتدريبهم على كتمان أسرار المنزل؛ من خلال القصص والدراما والتوجيه الهادئ والتعليم بالتجربة والخطأ وتقديم النموذج العملي". ويطرح عددًا من الأسئلة؛ أولاً: "لماذا يفشي الطفل أسرار المنزل؟", ويجيب: "ربما لم يتعلم حفظ أسرار المنزل، لغياب القدوة وغياب التعليم والتدريب, أو أن يكون الطفل في حاجة إلى العطف والثناء والتقدير، فيحكي الأسرار كمحاولة للفت الانتباه, أو أن تكون هناك محاولة للابتزاز من الآخرين كأن يتلطف إليه أحد ويستدرجه ويستخرج منه المعلومات". ثم يطرح تساؤلاً ثانيًا: "كيف نربي أبناءنا على كتمان أسرار المنزل؟", ويجيب على ذلك بأن "يتم تقديم القدوة من الوالدين بعدم إفشائهما لأسرار الغير أمام الطفل، وأن يتعلم احترام خصوصيات الآخرين من خلال سلوكياتنا العملية, وتعليم وتدريب الطفل بطريقة عملية؛ ففي مرحلة الطفولة المبكرة يجب الاحتراز من ذكر الأسرار أمام الطفل لصعوبة تحكمه في المعلومات, وفي مرحلة الطفولة المتوسطة بدءًا من عمر 7 سنوات (مرحلة التمييز) يجب تدريب الطفل على التحكم في المعلومات. ويوضح لاشين أن القصة التعليمية عن حفظ أسرار المنزل تساعد الأبناء على ذلك". ويستنكر رشاد معاقبة الطفل بعنف بسبب إفشائه أسرار المنزل، بل التفاهم معه بهدوء ولطف وإشعاره بأهميته كعضو من أعضاء الأسرة هو الحل، لأن العنف قد يفاقم المشكلة ويزيدها. ويقول لاشين: "التحرز من الطفل غير المميز، وخصوصاً في مرحلة ما قبل المدرسة، وذلك إذا كان الطفل يعيش في أسرة كبيرة وهناك اختلاط في تعاملات كثيرة, فيجب التحرز من ذكر الأمور الحيوية أو الخاصة أو المرتبطة بالآخرين أمامه، حتى لا يجر ذلك الكثير من المشكلات من خلال عفوية الطفل وعدم تقديره لخطورة ذكر المعلومات أو الأحداث أو المشاعر أو التعليقات التي ربما يوصلها بسذاجة فيقول: (ماما أمبارح كانت زعلانة منك وبتقول عليكي وحشة)". ويتوجه رشاد بنصح الأسرة بأنه "يجب توعية الطفل والتحرز من الأشخاص المبتزين الذين يحاولون استخراج أسرار البيت من الطفل، وأن يستعينوا على قضاء حوائجهم بالكتمان، والتزام الحب والود والاحترام والتقدير والرفق واللين والتفاهم والانسجام مع الطفل يجعله يحترم الخصوصيات، وبالعكس فالقسوة والغلظة وغياب العطف والتقدير والاحترام قد يُلجئ الطفل لإفشاء الأسرار من باب الفضفضة وجذب الانتباه أو بوازع الانتقام والعقاب".