سهير الجبرتي
الإدارة بالحوار مفهوم يجب أن نعمّمه ونسعى إلى تطبيقه، في عصر سيكتمل فيه إيمان مؤسساته التنظيمية والتطوعية أن المديرين المستبدين إلى انقراض!! ومن لم يؤمن بعد بهذه الحقيقة فسيبحث كثيراً عن الإبداع الغائب، ويشكو من فتور مرؤوسيه!!
وستؤمن حتماً هذه المنظمات بأهمية الإدارة بالحوار والتفاهم والتعرف على الاحتياجات قبل معالجتها؛ فللحوار أهميته في الاستفادة من جهود الآخرين، لا سيما وأننا مختلفون بحكم تكويننا وطبيعتنا في كل شيء؛ في إدراكنا للأشياء، وفي الأهداف التي نسعى إليها، وفي الوسائل التي توصلنا إلى هذه الأهداف، في كل شيء!! فالعقول مختلفة والمشارب مختلفة .. ومن ثم كان الحوار بيننا ضرورياً ولازماً.
يقول خبير الإدارة والتنمية البشرية محمد أحمد عبد الجواد..الحوار بمعناه الصحيح هو الحوار الذي نتجرد فيه من ذاتنا، الحوار الذي تحوطه الموضوعية والإنصاف، فلا يستأثر به أحد الأطراف دون الآخر، ومن ثم يبتعد عن الخصومة والتعصب.
ولهذه العملية الحوارية عناصر ينبغي أن ينجح فيها كل طرف؛ بدءاً من المتحدث الذي يعرض موضوعه بشكل فعّال، والمستمع الذي يشاركه الموضوع الذي يُطرح، ومدى فهمه من كلا الطرفين، كما أنه يلزم وجود بيئة مناسبة، بعيداً عن الانتقاص من قدر أحد الأطراف.
وللحوار الفعّال مقومات أساسية، بداية من توافر الموضوعية والإنصاف وقدرة المستمع على الإنصات الفعّال، والإيمان بأن هذا الإنصاف الواعي ليس عملية سلبية، وإنما هو عملية تفاعلية ناضجة، وقدرة المتحدث، ومهارته على الحوار، وعرض موضوعاته بطريقة منهجية مرتبة تغري الآخرين بالاستماع والإنصات إلى حديثه، فالحوار ليس إلقاء بيان أو خطبة، أو كلمات يقولها صاحبها وينصرف، ولكنه تفاعل بين رسالتين، وامتزاج بين وجهتي نظر للوصول إلى أرشد الآراء وأفعلها.
والحوار الفعّال لا يكون حواراً تصادمياً يحكمه منطق الخطأ والصواب؛ بل يدخل فيه كل طرف، ولديه استعداد كافٍ للتنازل عن وجهة نظره إذا وجد أن الرشد والحكمة في غيرها.
وبديلاً عن الحوار التصادمي، نحاول الوصول إلى الحوار المتوازي، الذي يجيد فيه كل طرف التعبير عن ذاته بالصورة التي يحبها، ويترك للآخرين الحرية أيضاً في طريقة التعبير.
ولابد ونحن نتحدث عن أهمية الحوار في الإدارة أن نتعرف على معوقات الحوار مع الآخرين وألوان من الحوار السلبي؛ كالحوار العدمي التعجيزي، وحوار المناورة (الكرّ والفرّ)، والحوار المزدوج، والحوار السلطوي وشعاره(اسمعْ واستجبْ)، والحوار السطحي وشعاره(لا تقتربْ من الأعماق فتغرق)، وحوار الطريق المسدود(لا داعي للحوار فلن نتفق)، والحوار الإلغائي أو التسفيهي (كل ما عدايَ خطأ)، وحوار البرج العاجي، والحوار المرافق(معك على طول الخط)، والحوار المعاكس (عكسك دائماً)، وحوار العدوان السلبي(صمت العناد والتجاهل).
وفي مجال الحوار مع الآخرين ينبغي أن نتنبه على أنهم ليسوا نمطاً واحداً، ومع ذلك قد لا يُتاح لكل منا أن يختار محاوره؛ فقد تدفعك الظروف إلى أن تحاور إنساناً مغروراً، أو متمسكاً برأيه، أو صديقاً، أو ثرثاراً، أو صامتاً، أو خشن المعاملة، أو متشككاً، أو إيجابياً، أو متردداً.
ومن أنماط الناس أيضاً "المحلل" الذي يتعامل مع الحقائق والمعلومات والمنطق والتفاصيل، ومنهم "العاطفي"، والذي تمثل الصداقات والناس أهم شيء لديه،"والقيادي" وهو القوي الحاسم الذي يركز على النتائج، ومنهم "التعبيري" الذي يرغب في قضاء أوقات سعيدة، وهو متحمس ومبدع بشكل واضح.
كما يجب ونحن نتحاور أن نتعرف على كل نفسية من نفسيات المحاورين؛ مثل: النفسية اليائسة، وهي نفسية من تعرّضوا لإحباطات مستمرة، وأسلمتهم هذه الإحباطات إلى يأس مطلق من أي عمل.
والنفسية المصنّفة، وهي النفسية التي تميل دائماً إلى تصنيف الآخر وتأطيره بجهالة ودون تروٍ. والنفسية المتصيدة، وهي التي يقوم صاحبها بتصيد الحروف والألفاظ دون الاهتمام بمقصدها أو إحسان الظن بقائلها. والنفسية الهروبية، وهي التي يسيطر على أصحابها فكرة أنهم لا يملكون فعل أي شيء في مواجهة المتآمرين عليهم.
كما يجب أن نعمل على كيفية توظيف الحوار الفعّال في إدارة الآخرين اليومية، بدءاً من تحديد أهداف ومستهدفات العمل وحل مشكلات المرؤوسين؛إذ إنه بالحوار الهادئ يبسط المرؤوسون كل ما في صدورهم، ومن ثم يتحدثون عن عوائقهم وطموحاتهم.
ويحتاج المديرون إلى الحوار والنقاش وتوظيفه في تقييم الأداء،ليكمل نقاشه الذي بدأه بتحديد مستوى هذا الأداء، ويحتاجونه أيضاً في تعليم مرؤوسيهم وإكسابهم الخبرات من خلال الحوار اليومي على رأس العمل، كما يحتاجونه في إقناع مرؤوسيهم بوجهة نظر الإدارة العليا دون أن يكون هذا فرضاً إجبارياً.
كما يحتاج المدير إلى الحوار الفعّال لتوظيفه في تحفيز مرؤوسيه واستثارة هممهم، فعن طريق الحوار يتعرف على احتياجاتهم، ومن ثم يستطيع إشباع هذه الاحتياجات. وهذا يحتم علينا معرفة الدور المطلوب من مدير الحوار؛ لكي يحسن إدارة مقابلة الرأي بالرأي الآخر، وصولاً إلى أنضج الآراء وأفعلها.
وكيف يبدأ مدير الحوار هذا الحوار، وكيف يجعل المناقشة هادئة، وكيف يقوم بإحماء النقاش، ويعالج خروج المحاورين عن موضوعات الحوار، وكيف ينهي الحوار، وكيف يضع أسئلته ويستخدمها في إثراء حواره؟
منطلقين في كل ذلك من إيمان ويقين أن الإدارة الحديثة لا يصلح معها فرض الرأي أو الانفراد بالقرار، وأنه لا بد للمرؤوسين أن يكون لهم مكان في الصورة حتى تزداد صورتهم تألقاً.