محمد بن عبد العزيز العلي
منذ ظهور الفكر الرأسمالي على يد (آدم سميث) وهو يركز على تجميع الثروة والبحث عن الوسائل والطرق الموصلة إلى ذلك، ومضت الرأسمالية في هذا الطريق، وحققت تطورًا كبيرًا في فتح الأسواق وترويج السلع وتكوين الشركات الاقتصادية الكبرى والبنوك ..إلخ، وفي نفس الوقت أصيبت بأزمات كبرى، من أبرزها أزمة 1933، حينما انهارت البورصات وخسرت الشركات الكبرى.
وفي هذه الأيام تلُوح بوادر أزمة خطيرة تهدد النظام الرأسمالي، من صورها أزمة التضخم العالمي الذي تعود أسبابه إلى السياسات الرأسمالية.
كتب (جورج سوروس) نجم المال والأعمال الأشهر، مقالة مهمة في صحيفة "فاينانشال تايمز" ـ 22 يناير 2008 ـ معلقًا على الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية التي اعتبرها أخطر أزمة تعرض لها النظام المالي العالمي خلال ستين سنة الأخيرة. صحيح أن هذا النظام اعتاد على بعض الأزمات المحدودة بمعدل كل 4 أو 10 سنوات، إلا أن الأزمة الحالية تتميز بكونها جوهرية وعميقة.
وكذلك وزير التجارة الأسبق (روبرت رايش) حاول أن يشرح مدى خطورة الأزمة، وأوضح أن حجم المديونية الأمريكية زاد بنسبة سبعين في المائة في سبع سنين، وارتفعت كذلك الديون على المستهلكين الذين يستخدمون بطاقاتهم الائتمانية بغير حساب ويعجزون عن التسديد، مما أدى إلى ازدياد عدد الفقراء بسبب ارتفاع الأسعار وزيادة نسبة البطالة.
إنها أزمة كونية. ليست مجرد أزمة غذاء، بل أزمة سياسية، اجتماعية وأخلاقية، وصلت من خلال العولمة إلى كل بيت في المعمورة. ومن هنا، لا بد من مواجهتها بأسلوب مماثل، من خلال طرح برنامج أممي يعتمد على الطبقة العاملة، ويطرح اقتصادًا بديلاً للرأسمالية، معتمدًا على الحاجات الإنسانية، وليس على الربح كمحرك أساسي للمجتمع.
إن الملايين من الناس في أمريكا وأوروبا وكذلك في بقية العالم سيكونون غير قادرين على التمتع بالوفرة الوهمية للنظام الرأسمالي لأسباب تتعلق بواقع أنشطة الإنتاج في حد ذاتها التي دهورت مقدراتهم الشرائية.
وتشير الإحصائيات العالمية إلى زيادة النفقات على المواد الغذائية، ففي حين كان الفرد ينفق 50% من دخله على الوجبة اليومية، يضطر اليوم لإنفاق 80% من دخله، مما يعجزه عن تمويل أجر للمأوى وللأدوية والكتب المدرسية والملابس ..إلخ.
إن عجز النظام الرأسمالي عن علاج الكثير والكثير من الأزمات الدولية ومن أهمها صعود أسعار النفط بشكل لا تبرره قوانين العرض والطلب، وكذلك استمرار انخفاض الدولار الأمريكي كعملة رائدة إلى أدنى مستوى، وتشـرخ نظام الائتمان الدولي، وصعود أزمة الغذاء العالمي التي حذر منها أمين عام الأمم المتحدة ويخشى أن تنقلب إلى مجاعة تجتاح الدول الفقيرة.. كل هذه الإخفاقات تؤكد أن النظام الرأسمالي - بصيغه التقليدية - عاجز عن حماية النظام الاقتصادي والسياسي الدوليين.
هذه السلسلة من الأزمات والإخفاقات التي يمكن اعتبارها إيذانًا بقرب سقوط هذا النظام وأفوله. وإذا كنا قد اعتبرنا سقوط النظام الاشتراكي -مع بداية تسعينيات القرن الماضي- هو الجناح الأول من الحضارة الغربية، فإن سقوط النظام الرأسمالي الذي بدأ يتداعى بشكل يهدد استقرار النظام الدولي واستمراره.. يعتبر اقترابًا من سقوط عموديْ الحضارة الغربية.
وإذا سلمنا بعجز النظام الرأسمالي في حل الأزمات التي يواجهها، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل النظام الاقتصادي الإسلامي يمكن أن يكون بديلاً للنظام الرأسمالي ولديه إمكانات مواجهة أزمات هكذا؟
لقد استبشر كثير من الشيوعيين بما أصاب النظام الرأسمالي من الإخفاقات، آملين بذلك عودة الشيوعية، وأن الشعوب التي تعاني من وحشية الرأسمالية ستعود إلى المطالبة بالشيوعية والثورة على الرأسمالية المتوحشة، ويستدلون على ذلك بما حصل في أمريكا الجنوبية، حيث وصل الاشتراكيون إلى سدة الحكم من خلال صناديق الاقتراع.
وفي مدن مختلفة من أمريكا، في شوارع هاييتي وفي أزقة المحلة الكبرى تقوم الطبقة العاملة بشكل عفوي من الرماد لتمنح الاشتراكية معانيها الأممية المتجددة، لأن النظام الرأسمالي الذي يمنع من الناس حتى غذاءهم الأساسي، يفقد تلقائيًّا مبرر وجوده.
وأظنّ أن الشيوعية المتجددة أو اليساريين الجدد سيأخذون في اعتبارهم الأخطاء التي وقعت فيها الشيوعية في تجربتها الأولى، وسيسعون إلى إعطاء الفرد بعض الحريات الاقتصادية مع تحقيق نوع من العدل الاجتماعي.