ملخص:

   هدفت هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على خدمة الانترنت وسُبل توظيفها والاستفادة من تطبيقاتها في البحث العلمي لدى أعضاء هيئة التدريس بالجامعة ، من خلال استطلاع آراء عينة من أساتذة جامعة تبسة ، لمعرفة واقع استخدامهم للانترنت وسبل استثمارها في خدمة البحث العلمي .

   وقد اتُبع منهج التحليل الوصفي الذي يُعد مناسبا لطبيعة هذه الدراسة التي تهتم بتقصي الآراء حول استخدامات الانترنت . وتوصلت الدراسة الميدانية إلى النتائج التالية :

    60% من أفراد العينة يستخدمون الانترنت بصورة مستمرة  في الاطلاع على جديد المعلومات ومواكبة التطورات العلمية في مجال تخصصاتهم ، نسبة57.69%  من المبحوثين ترى أن الانترنت قناة تواصل بحثي وعلمي لا غنى عنها بالنسبة للأستاذ الجامعي ، متوسط استخدام الإنترنت 3 سا يوميا بالنسبة للمبحوثين ، تمثل مشكلات بطء سرعة الشبكة والانقطاعات المتكررة في الاتصال ، من المعوقات التي تثير مشكلات في وجه نشاط الأساتذة البحثي عبر الانترنت ، كما بينت الدراسة أن50 % من المبحوثين يرون أن ثقافة الاستخدام الرشيد للانترنت كفيلة برفع مستوى العائد المعلوماتي والمعرفي لدى الباحث.

مقدمة

    يتميز العالم المعاصر بقدرته الفائقة على إنتاج، واستخدام ،وتخزين المعلومات ومد خيوط التواصل والتفاعل المعرفي بين البشر محليا وعالميا،مما جعل المعرفة ومن ورائها العقل البشري أحد أهم القطاعات الحساسة التي تستأثر باهتمام الدول في الاستثمار،باعتبارها عوامل قوة وتفوق في العصر الراهن وعُدة الحضور الفاعل في المستقبل .

   وقد جاء ت الانترنت لتُشكل أحد أهم اختراعات القرن العشرين التي حولت العالم إلى مكتبة بلا جدران وقرية بلا أسوار وأمدت سكان هذه القرية بثقافة دون حواجز! وينمو الاستخدام العالمي للشبكة العنكبوتية بشكل لافت ، ويزحف النشر الإلكتروني ليستولي يوما بعد يوم على مساحات جديدة كان بالأمس القريب يسيطر عليها عالم المكتوب إلى الحد الذي جعل الورق يتقادم بشكل متسارع ويدفع الكثير من الباحثين إلى التنبؤ بأن أطفالنا سيشهدون عالما خال من الورق.

   ومع كل هذه القفزات الحاصلة في التحول من عصر إلى آخر، ما يزال الاستغلال العربي لهذه الطفرة والاستفادة من خدماتها المعلوماتية الهائلة بطيئا وربما مقتصرا على بعض الجوانب الترفيهية ، دون استغلال هذا الفضاء المعلوماتي في تنمية الرصيد المعرفي والثقافي للمتعاملين مع الشبكة العنكبوتية ، خاصة إذا تعلق الأمر بمجال البحث العلمي الذي يعد عصب التطور وأس الرقي في كل المجتمعات ، لاسيما في عصر المعلومات .

   وتواجه مسألة الولوج في المعلوماتية من المنظور العربي ، مجموعة من التحديات أمام النظم المعلوماتية العربية التي تمثل نطاقا إقليميا فرعيا يتفاعل  مع الأنظمة المعلوماتية الإقليمية ويتعرض لتأثيرات عديدة من خلال ثورة المعلوماتية ، بدءا من التكنولوجيا المستخدمة مرورا بالمضمون ، وانتهاء بالأهداف التي تسعى البلدان العربية إلى تحقيقها من خلال المعلوماتية .

   ومادام العلم والبحث العلمي هما الرهان الذي تُرابط مختلف الدول قصد الإمساك به و التحكم فيه ، لأنه مصدر القوة والتفوق في معترك الحياة الراهنة ، فالانترنت ومنذ ظهورها بدأ الحديث عن صيغة جديدة للتعليم تتجاوز مقاعد الدراسة ، وتجعل الباحث والطالب على اتصال دائم ومستمر بالباحثين وبنوك المعطيات ومصادر المعلومات ، مما يجعله أكثر قدرة من ذي قبل على التوسع في عمليات البحث والإنجاز والتواصل العلمي على الصعيد الكوني .

1- مشكلة الدراسة :

    يعتبر تطوير التعليم من القضايا الملحة نظرا للتحديات التي يفرضها هذا العصر، عصر المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات ، مما يستدعي تقديم قراءة جديدة لرسالة الجامعة لتتمكن من التخاطب بكفاءة مع تحديات عصر المعلومات بتنمية الكفاءة المهنية للأستاذ ، وجعله قادرا على توظيف التكنولوجيات الحديثة المتطورة في الارتقاء بعمله التعليمي والبحثي ، وتحسين مخرجات الجامعة في عصر العولمة والتحولات المتسارعة . والارتقاء بمهارات وقدرا ت الأسرة الجامعية في استيعاب المعلومات وإنتاج المعرفة كرهان حضاري لابد من استنفار كل القوى الحية في المجتمع لتحقيقه .

    وقد نبعت فكرة الدراسة الحالية من خلال تردد الباحث ومعايشته ليوميات الأستاذ الجامعي بجامعة تبسة وتعامله مع الانترنت ، حيث لاحظ من خلال الزيارات المستمرة لفضاءات الانترنت بالجامعة ولع الأساتذة الجامعيين بتصفح مختلف مواقع الشبكة وإقبالهم عليها إلى درجة أصبحت عادة يومية وجزءا من نشاطاتهم الحياتية .

   وعند محاولة الباحث طرق الموضوع مع بعض الأساتذة ، لمس ضبابية وعدم وضوح في الرؤية حول المسألة ، فضلا عن الإشارات المتكررة إلى بعض المشكلات التي تواجههم عند استخدامهم للانترنت وهو ما أثار هاجس التساؤل لدى الباحث عن استخدامات الأساتذة الجامعيين لما تتيحه الإنترنت من مزايا ، مما يوحي بأن هناك مشكلة تستدعي المعالجة في إطار المنهج العلمي . من هذا المنطلق جاءت هذه المشكلة البحثية لتنظر في واقع استخدام شبكة الإنترنت في التعليم والبحث العلمي لدى الأستاذ الجامعي بجامعة تبسة .

  وتتفرع عن المشكلة الرئيسة مجموعة من الأسئلة الفرعية أهمها :

1- كيف يمكن توظيف الإنترنت في التعليم والبحث العلمي ؟

2- ما هي الاستخدامات الإعلامية والعلمية للانترنت لدى الأساتذة الجامعيين ؟

3- ما مدى استفادة الأستاذ الجامعي من معلومات الشبكة واستثمارها في عمله البحثي والإبداعي ؟

4- ما هي ايجابيات وسلبيات استخدام الانترنت من وجهة نظر المبحوثين ؟

5- ما أهم المقترحات لمواجهة الآثار السلبية وتثمين الآثار الايجابية لاستخدام الإنترنت .

2- حدود الدراسة :

   تعد الإنترنت من المستحدثات التكنولوجية التي دخلت مختلف الفضاءات العلمية والإعلامية والتربوية والترفيهية،وستركز هذه الدراسة حول تطبيقاتها في البحث العلمي وحدود استثمارها معرفيا للارتقاء بمستوى الأداء الأكاديمي والمساهمة في تطور المردود العلمي بجامعة تبسة .

3- منهج الدراسة:

   بالنظر إلى طبيعة هذه الدراسة والهدف المتوخى من إجرائها والتي تحاول قراءة مفردات الواقع الجامعي ، وسبل استخداماته للانترنت ؛ فإن منهج التحليل الوصفي يعد منهجا مناسبا لهذا النوع من الدراسات ، مع الاستعانة ببعض المناهج الأخرى مثل المنهج التاريخي إذا ما تعلق الأمر بالتطرق للخلفية التاريخية للانترنت وسُبل التعاطي معها وفق التطور الكرونولوجي.

4- مجتمع وعينة الدراسة :

   يمثل المجتمع الأصلي لهذه الدراسة أعضاء هيئة التدريس بجامعة تبسة  والبالغ عددهم    300 أستاذا ،207 ذكور،  93  موزعين على خمس كليات ؛ حيث سُحبت عينة عشوائية عددها  30 أستاذا ، أي ما نسبته 10% ، أما توزيع العينة فقد جاء على النحو الوارد في الجدول رقم1.مع العلم أنه تم أخذ موافقة إدارة جامعة تبسة لتوزيع أداة الدراسة على المبحوثين من الجنسين ،ومن مختلف التخصصات العلمية ، مع إعطائهم الوقت الكافي لتعبئة الاستبانة وتسليمها للباحث.

5- المعالجة الإحصائية :

  تم استخدام بعض الأدوات الإحصائية كالتكرار، النسب المئوية ، المتوسط الحسابي ، كاي تربيع لقياس دلالة الفروق.

6- مصطلحات الدراسة :

الانترنت : Intrnet

  مجموعة من الحاسبات مرتبطة في هيئة شبكة أو شبكات ، تلك الشبكات لها القدرة على الاتصال بشبكات أكبر، بحيث يكون هذا الاتصال يسري وفق بروتوكول ضبط التراسل الذي يُتيح استخدام خدمات الشبكة على نطاق عالمي .

استخدام :

توظيف الإنترنت بما تتوفر عليه من معلومات علمية في البحث العلمي الذي يقوم به الأستاذ الجامعي بجامعة تبسة

البحث العلمي :

  تواصل أفضل يمكن من زيادة الاطلاع وتنمية المعرفة ورفع الكفاءة الذي يعين  عضو هيئة التدريس بجامعة تبسة على تنمية قدراته العلمية بما يُمكن من تطور مهاراته ورقي ممارسته لوظيفته ، من خلال إتقان مهارات البحث العلمي ، القدرة عل التحكم في المعلومات وتسخيرها في خدمة الواقع العلمي والبحثي بالجامعة .

الأستاذ الجامعي :

  يُقصد به الأساتذة المنتمين لجامعة تبسة ذكورا وإناثا ، من كل التخصصات العلمية التي تُدرس بالجامعة ينتمون إلى فئات اجتماعية مختلفة ، تم اختيارهم من الوسط الجامعي .

الجامعة :

  مؤسسة تعليمية تضم عددا من الكليات(أو المعاهد) والأقسام ، تقدم لطلابها تعليما عاليا نظريا وعمليا ، تتولى إعدادهم للتعامل مع الحياة العملية بكل متطلباتها وتحدياتها من خلال تطوير قدراتهم وتنمية معارفهم وصقل مواهبهم وتمنحهم درجات وشهادات في مختلف التخصصات العلمية .

7- الإطار النظري للدراسة :

الانترنت لغة:لفظ يترجم كلمةInternet الإنجليزية التي تعتبر إدغاما لكلمتيInterconected Networksأي الشبكات المترابطة.

   أما من الناحية الاصطلاحية فيمكن توصيف الانترنت بشكل مبسط على أنها مجموعة من الحاسبات مرتبطة في هيئة شبكة أو شبكات ، تلك الشبكات لها القدرة على الاتصال بشبكات أكبر، بحيث يكون هذا الاتصال يسري وفق بروتوكول ضبط التراسل الذي يُتيح استخدام خدمات الشبكة على نطاق عالمي. ([1])

   ومنذ عقدين أو أكثر من الزمن ، كان تخيل الإنترنت يعد ضربا من الخيال ، لكنها اليوم تمثل عماد المجتمع المعلوماتي الجديد ومعجزته التي يُبشر بها حيث فتحت هذه الأداة الجديدة العالم على أبوابه ودكت كل التحصينات والأسوار فخيمت بانتشارها السريع على العالم الأثيري لينصاع العالم لها ويستسلم لجموحها. ([2])

فسيولة المعلومات وجموحها على كل أساليب الرقابة وتأبيها على مختلف الحواجز، جعل من الصعب التكهن بمآلات الكرة الأرضية في الآفاق المنظورة ، مما دفع الباحث سيتلر  (Saettler)إلى القول : أنه ليس من السهل التنبؤ بمستقبل استخدام التقنية في مجالات الحياة ولكن التنبؤ السهل الذي ينبغي أن يُبنى عليه المستقبل هو أن الأشياء التي تحصل عادة تكون أكبر مما تم توقعه .

ففي أواخر الستينيات من القرن الماضي فكر الأمريكيون في إنشاء شبكة تُؤمن التواصل في حالة نشوب حرب نووية وقد أطلق على هذه الشبكة في البداية تسمية(ARPAnet) ، لتُستبدل في مطلع الثمانينات بأخرى تفوقها سرعة تدعىNSFNET ويقصد بهاnationale science foundation ومع مرور الزمن وتنامي عدد مستعملي الانترنت من قبل الأوساط المدنية تم فصل القسم العسكري منها ومنذ ذلك التاريخ وزوار الشبكة في تزايد مستمر إلى يوم الناس هذا.

   وفي دراسة حول المواقع العربية على الشبكة من حيث المحتوى والتأثير ، أشار التقرير الذي أعده خبراء المجلس القومي للثقافة والإعلام إلى أن نسبة المحتوى العربي على الانترنت مازالت لا تتجاوز 0.01 % ‏ ‏من إجمالي محتوى الشبكة كاشفا عن أن عدد المواقع العربية على شبكة الانترنت وصل ‏ ‏إلى 14 ألف موقع مقابل 35 ألف موقع لإسرائيل . فمعدلات الانخراط العربي ما تزال بعيدة عن المؤشرات العالمية ، حيث نجد 1.6%‏ من المستخدمين العرب للانترنت مقابل 79%‏ في الولايات المتحدة.([3]) ذلك أن الشبكة الالكترونية العربية تتنوع بين مواقع إسلامية وأخرى ثقافية ، في ‏ ‏الوقت الذي تخلو فيه من موقع سياسي عربي يمكن أن يعبر عن قضية سياسية موحدة في ‏ ‏العالم العربي باستثناء مواقع الصحف العربية.   

    وتفيد معطيات الواقع المحلي أنه في الوقت الذي كان فيه المجتمع الغربي مع مطلع الثمانينات يستعمل الإنترنت في كل حاجياته اليومية ، فإن الجزائر سجلت أولى محاولات استعمال الشبكة في مطلع التسعينات  1991 ، عن طريق الجمعية الجزائرية لمستعملي نظام التشغيل ومع إشراقة عام 1993 تولى مركز البحث في الإعلام العلمي والتقني) (CERIST مهمة توفير خدمات الانترنت في الجزائر وقد تمكن نفس المركز عن طريق خط هاتفي متخصص من ربط الجزائر بالانترنت بالتعاون مع المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة ، من خلال مشروع طموح تكون الجزائر محوره لربط شمال أفريقيا بالشبكة العنكبوتية .

   وفي محاولة جريئة للانخراط بقوة في المجتمع المعلوماتي سطرت وزارة البريد وتكنولوجيا الإعلام والاتصال برنامجا يقضي بتوفير حاسوب لكل عائلة جزائرية في آفاق سنة  2010 . ويبدو أن انفتاح الجزائر وإقبالها نحو العالم التكنولوجي المتطور سيتحقق من خلال إنجاز مشروع المدينة الجديدة ، الذي سوف يتجسد في إنجاز الحظيرة المعلوماتية التي تضم 10مشاريع ، مُقرر إنهاء الأشغال  به مع نهاية سنة2006 . هذه الجهود وغيرها تأتي لتساهم في تجسير الهوة المعلوماتية التي تفصل الجزائر عن العالم ، بل عن جيرانها مثل المغرب وتونس . إذ تفيد دراسة مقارنة حول التكنولوجيا الحديثة وتأثيرها على الاقتصاد أن وضع الجزائر في ترتيب السلم المعلوماتي غير مريح ، حيث احتلت المرتبة العاشرة في أفريقيا من حيث انتشار الإعلام والاتصال.

   أما على الصعيد العالمي فإن استعمال الحكومة الجزائرية للانترنت ضعيف للغاية ، فقد أظهرت دراسة  قام بها مركز'توبمان' للسياسات العامة التابع لمعهد 'براون' بالولايات المتحدة الأمريكية أن الجزائر تحتل المركز 128 ضمن ما أسمته الدراسة أحسن الحكومات الإلكترونية . تجدر الإشارة أن هذه الدراسة غطت مواقع حكومية ل198  دولة ،معتمدة على عدة مؤشرات من أهمها الإصدارات المتوفرة و قاعدة البيانات،عدد الخدمات الإلكترونية التي تقدم على المواقع الحكومية . ([4])

   وفي سياق متصل يؤكد رئيس الجمعية الوطنية للممونين بخدمات الانترنت أن أكثر من60% من مواقع "الواب" لا تتوفر على نسخة بالعربية وأن 80% منها رديئة بالأساس وتحمل معلومات قديمة وهي مواقع ليست في المستوى حتى من حيث شكلها وتصميمها-ويضيف قائلا:المواقع التي يفترض أن تكون النموذج الذي يُحتذى به في هذا المجال كموقع الوزارة الوصية الذي لم يتم تجديده منذ سنتين وغير ذلك من المواقع التي يعود تاريخ وضعها أكثر من سنة ، هي دوما متأخرة عن مواكبة المعلومة.([5]) فمن بين حوالي 40 موقعا حكوميا 30 منها لا تواكب التطور المعلوماتي  ولا تساير الأحداث الجديدة باستمرار،معلوماتها مستهلكة ولا تحمل أي فائدة تذكر للمتصفح.

  أما من حيث انتشار الانترنت على مستوى الاستعمال الجماهيري فإنه من بين 260 مليون من المتابعين لشبكة الانترنت عبر العالم ، فإن الجزائر لا تتوفر إلا على نسبة2.4% من السكان المتصلين بهذه الشبكة في وقت لا يتجاوز الذين يستعملون هذه التقنية800 ألف من السكان بمعدل 500 ألف مستعمل بصفة منتظمة ، في حين نسبة كبيرة من هؤلاء المستعملين يستخدمون هذه التقنية في أماكن عملهم أو في نوادي الانترنت التي يصل عددها إلى 5000 نادي منتشرة عبر الوطن الأمر الذي يُؤكد أن نسبة الربط في المنازل مازالت ضعيفة جدا مقارنة بالدول الأفريقية.هذا التأخر يرجع إلى نقص أو غياب شبه تام لثقافة التكنولوجيا وكذا النقص الواضح في الخطوط الهاتفية ، حيث أن الجزائر لا توفر إلا 6 خطوط لكل 100 نسمة في الوقت الذي يصل فيه الرقم إلي 90 خط لكل100 مواطن في الدول المتقدمة تكنولوجيا.([6])

   وتشير بعض المعطيات إلى أن ما يزيد على 2 مليون بيت جزائري يتواصلون عبر الإنترنت ، إضافة إلى 30 مزود بمحتوى شبكة الإنترنت وما يعادل 5000الى 7000 مقهى انترنت ومع أن الكثير من المواطنين يستفيدون من خدمات الشبكة المعلوماتية ، إلا أن معرفتهم بهذه الوسائل التكنولوجية وخصائصها تظل محدودة ، مما يستدعي بذل مزيد من الجهود ، لإرساء ثقافة التعاطي الاجتماعي الواعي مع هذه التكنولوجيات ، لاسيما في المراكز الحساسة مثل الجامعات والمؤسسات التعليمية عموما ، من أجل ردم الهوة الرقمية* وتحقيق قفزة نوعية في مجال الاستثمار الرشيد لتكنوجيا المعلومات والاتصالات .

  ورغم التفاوت في البنية المعلوماتية بين دولة وأخرى ، فان الانخراط العربي في عصر المعلومات ما يزال محتشما ، حيث من بين ما يزيد عن مليار مستخدم للشبكة لا يوجد من بينهم سوى 550 ألف مشترك عربي ، ليقدر في نهاية سنة 2000 ب3.1 مليون شخص.([7])

بيد أن العديد من المعوقات تبطئ انتشار الإنترنت،من أهمها :بطء نمو البنية التحتية وارتفاع كلفة استخدامها- الإنترنت- في بعض البلدان العربية التي تتعدى القدرات المالية لغالبية السكان والمستخدمين فيها . مما يدلل على أننا بحاجة إلى مزيد من الجهد لإحداث ثورة معلوماتية تنهض بواقعنا ، لتجعلنا نتفاعل بكفاءة مع تحديات الراهن .

   ونجد أن اللغة العربية تحتل هامشا ضئيلا ضمن ركام هائل من الصفحات على الشبكة ، حيث أن مما مجموعه 8 مليارات صفحة تقريبا تحتل اللغة الإنجليزية ما نسبتة82 % ، في حين تحتل باقي اللغات نسبة18% ، مما يعكس واقع اللاتكافؤ والاختلال المعلوماتي الذي سيؤثر حتما على الثقافات المستضعفة إلكترونيا ويُعرّض أهلها إلى موجات عاتية من متاهات اللاانتماء وصراع الهوية. إذ تشير الأرقام إلى أن حصة الإنتاج الفكري باللغة العربية المتاح عبر الانترنت لايتجاوز0.3% من المعلومات المنشورة على الواب.[8]  يحدث هذا التراخي العربي عن الانخراط في العالم الرقمي في زمن بات فيه عالم الإنترنت يشكل عالم المعرفة في العصر الراهن ، حيث لم يعد فقط مصدرا ومخزنا للمعلومات أو إدارتها وتنظيمها واسترجاعها وقت الحاجة ، بل أصبح في معظم الأحيان هو المولد والمنتج للمعرفة والموزع لها والمعلم والإعلامي والمربي ، بل التاجر والمروج والمقرر والمبلور للرأي والمؤسس لبعض القيم قي كثير من جوانبه.([9])

   والمتتبع لسيرورة التطور الحاصل في حقل الاتصال يلمس أنه ما إن تظهر تقنية اتصالية أو معلوماتية جديدة ، حتى تتهافت الكتابات حولها بين مشيد بها ومحذر منها ، مرغب فيها ومنفر منها ولم يسلم عصر الانترنت على غرار العصور التي سبقته من تعدد الخطابات وتباينها ويتزعم الخطاب المتوجس من آثار عصر الانترنت الباحث بول فيرليو*Paul Virilio الذي يركز على انعكاساتها السلبية على القيم الإنسانية والعلاقات الاجتماعية مفندا الطرح الذي يقول بعلاقة تلازمية بين التطور التقني والرقي الإنساني والاجتماعي. كما يعد الباحث "دومينيك فولتون** Dominic Wolton من المصنفين ضمن التيار الناقد ، لكن بنبرة معتدلة وغير حادة ، كما هو الشأن بالنسبة لسابقه.

وفي مقابل هذا التيار الناقد لتغلغل المد التكنولوجي في النسيج الاجتماعي ، يبرز تيار آخر مبشر بمحاسن الانترنت ، بالنظر للآثار الايجابية التي سوف تنعكس على الحياة الاجتماعية  وتتعدد ألوان هذا الطيف من اقتصاديين وسياسيين وباحثين ، منهم بيل جيتسBill Gates ، وأل قورAl gore ونيكولا نقربونتيNicholas Negroponte ، حيث يراهن هذا الفريق على الانترنت كعلامة من علامات هذا العصر وآلية تحرر الإنسان من قوالب التفكير القديمة ، حيث تلج به في العصر الافتراضي.

   وتنطلق هذه الدراسة في تحليل الآثار الاجتماعية لاستخدام الانترنت من خلال المنظور الوظيفي ، للوقوف على الانعكاسات الايجابية والسلبية للانترنت ، على اعتبار أن النظرية الوظيفية تتكئ على فكرة الأدوار ووظائف الأنساق الفرعية في الحفاظ على تكامل وتوازن النسق الكلي(المجتمع) ضمن رؤية شمولية لكافة عناصر الظاهرة المدروسة.

8- الدراسات السابقة:

   أجريت دراسات عدة حول استخدامات الانترنت في المجالات المختلفة من ذلك ، تلك التي قام بها الباحثان جالو وهورتونGallo and Horton سنة 1994 حول تأثير الدخول المباشر وغير المقيد للانترنت على مجموعة من المعلمين ، توصل الباحثان من خلال ذلك إلى أن الدخول غير المقيد على المواقع البحثية له آثار ايجابية في البحث العلمي وانه أحد العوامل المؤثرة في استخدام المعلمين للانترنت  بفعالية.([10])

كما قام بروسBruce سنة 1995 بفحص دور الإنترنت في شبكة البحث الأكاديمية الأسترالية من خلال دراسة طولية ، أظهرت نتائجها أن استخدام شبكة الإنترنت قد أدى إلى زيادة التعاون بين الأكاديميين في استراليا ، كما أدى إلى تسهيل عملية الإشراف على أبحاث الطلبة من خارج استراليا . كذلك فقد كان لهذه الشبكة المعلوماتية دور مهم في مساندة التعلم عن بعد.([11]).

    وقد أشارت نتائج دراسة أجرتها مجموعة من الباحثين الأمريكان عام 1995 إلى أن: ([12])

•1-  يرتبط ملايين البشر المشتركين على صعيد الكرة الأرضية بالانترنت بهدف الاتصال الشخصي والجماعي.

•2-  يحتل الأكاديميون المرتبة الأولى في استخدام الإنترنت ولها تواجد واسع في الجامعات الأمريكية.

•3-  يعد البريد الالكتروني من أبرز استخداماتها وتشمل خدماته الميادين والنشاطات المختلفة ، حيث يستخدم البريد الالكتروني في الإرسال والاستقبال مع مختلف مناطق العالم وبأي عدد من الرسائل وبأسرع ما يمكن .

•4-  يمكن تقديم الخدمات الإعلامية المختلفة من خلال قراءة الصحف والمجلات الكترونيا ومتابعة برامج محطات الإذاعة وقنوات التلفزيون.

•5-  عرض السلع والمنتجات والتسويق والدعاية والإعلان لكل من الشركات والأفراد عبر العالم .

  أما في العالم العربي فقد أجرى الباحث العمري دراسة ميدانية سنة 2002 ، بغرض استقصاء واقع استخدام الانترنت لدى أعضاء هيئة التدريس والطلبة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية ، حيث أظهرت نتائجها أن: ([13] )

- 50% من المبحوثين يستخدمون الإنترنت يوميا مرة واحدة ، لمدة تتراوح بين ساعتين وأربع ساعات .

- 66.13   % من أعضاء هيئة التدريس يعتبرون شبكة الإنترنت مهمة جدا لبحوثهم العلمية المختلفة.

- 25% من المبحوثين بحاجة إلى دورات تدريبية مكثفة في مجال التدرب على مهارات استخدام الانترنت.

   ومن جهتها أجرت شعبة الحاسب الآلي والإدارة العامة بالرياض ، سنة 2002 دراسة حول مقاهي الانترنت وأثرها على الطلبة وقد أظهرت نتائج الدراسة ترتيب المواقع على شبكة الانترنت حسب كثرة زيارتها من جانب الطلبة كمايلي:([14])

- المواقع الترفيهية هي أكثر المواقع زيارة لدى العينة ، تلتها مواقع الدردشة والمحادثة ، ثم المواقع الرياضية ، ثم المواقع الإسلامية ، ثم الإعلامية ، ثم العلمية ، ثم مواقع المجموعات المنحرفة فمواقع المناقشة ، ثم مواقع خدمات البحث ، لتأتي في النهاية مواقع التقنية.

   أما هذه الدراسة فإنها ستحاول أن تقرأ واقع استخدام الأستاذ الجامعي لتطبيقات شبكة الإنترنت في مجال حيوي متمثلا في البحث العلمي وذلك باعتماد نظرية الاستخدامات والاشباعات  التي تهدف إلى التعرف على استخدامات الجمهور لوسائل الاتصال ضمن وسائل أخرى متواجد ة في المحيط تلبي احتياجاته وتحقق أهدافه . مع العلم أن هذه النظرية صنفت دوافع التعرض لوسائل الإعلام في فئتين وهما :" دوافع منفعية :وتستهدف التعرف على الذات،واكتساب المعرفة والمعلومات ، الخبرات و جميع أشكال التعلم بوجه عام والتي تعكسها نشرات الأخبار والبرامج التعليمية والثقافية .دوافع طقوسية:وتستهدف تمضية الوقت،الاسترخاء ، الصداقة والألفة مع الوسيلة والهروب من المشكلات.([15])

9- مزايا الانترنت ودوافع استخدامها:

   تؤدي الانترنت عدة مهمات بأسلوب تفاعلي و تجمع أكثر من وسيلة في وقت واحد فهي في اعتمادها على النصوص المكتوبة تشبه الوسائل المطبوعة ،كما أنها تسمح بالاتصال ذي الاتجاهين مثل التليفون كما أنها وسيلة سمعية بصرية -مثل التلفزيون- فالانترنت وسيلة اتصال تعتمد على الوسائط المتعددة كما أنها تتمتع بميزة التفاعلية أكثر من أي وسيلة أخرى.([16])

   في حين أن اعتماد الكتاب الجامعي كمصدر وحيد للتعليم ، من شانه أن يقلل من فرص التفاعل الفكري بين الأستاذ والطلاب ، لأن الكتاب الجامعي من شأنه أن يمنع الأستاذ الجامعي من التميز في الأداء ويخفض إنتاجيته إلى عطاء روتيني ، لا يكشف عن مواهب الدارسين ولا يحفزهم إلى الدروس ولا يعطيهم المثل الأعلى.([17]) إذ أن  اعتماد المعلومات المتوفرة في الشبكة العنكبوتية يمكن أن يكون عامل معين ورافد يحفز الأستاذ والطالب كليهما على المقارنة والتحليل والنقد مما يجعلهم شركاء في صناعة المعرفة لا مستهلكين لها فحسب.

   أما الباحث سولا بولSola Pool  فقد حدد خمس خصائص تميز الانترنت عن غيرها من وسائل الاتصال وهي : إلغاء المسافات كمعوق للاتصال ، اندماج الصوت والصورة والكلمة في صيغة رقمية واندماج الحوسبة والاتصال وتماهي نشاطات العمل والترفيه والعمل على عكس ثورة الاتصال الجماهيري.([18])

   وعلى العموم ، تتعدد عوامل الإقبال على الشبكة العنكبوتية وتتداخل إلى الحد الذي يصعب معه الفصل بينها ومع ذلك يمكن لغرض إجرائي ، حصر أهم هذه الدوافع فيما يلي :

1- الترفيه :

    تشير أغلب الدراسات واستطلاعات الرأي التي تُجرى دوريا حول استخدامات الانترنت،أن عددا كبيرا من المبحرين عبر الشبكة يرتادون مواقعها بغرض الترفيه عن النفس وتمضية وقت الفراغ ، لاسيما في ظل نقص المرافق الثقافية والاجتماعية في محيط الفرد التي تمتص وقت الفراغ ، مما يجعل الإنترنت قبلته شبه الوحيدة لطرد الروتين وتجديد النفس.

   و تعد مواقع الدردشة والمحادثة ، الرياضة ، الموسيقى ، إلي جانب المواقع الإباحية هي الفضاءات الأكثر إقبالا من طرف زوار الإنترنت.فمن بين حوالي3 مليار موقع إلكتروني يسيطر الترفيه على الأغلبية المطلقة ، ففي دراسة حول المواقع المفضلة من قبل مستخدمي الانترنت ، جاء الترتيب كمايلي:المواقع الترفيهية ، الدردشة والمحادثة ، الرياضة ، المواقع الإسلامية ، المواقع الإعلامية ، المواقع العلمية ، المواقع المنحرفة .

   وتفيد الكثير من الأبحاث أن الإنسان اليوم يعاني من تخمة معلوماتية نظرا للضخ المتواصل والمفرط لجرعات كبيرة من المعلومات تزيد كثيرا عن سقف احتياجات الإنسان إضافة إلى عدم دقة كل ما يُنشر في الشبكة،وتضارب الأرقام والإحصاءات وتعدد الفتاوى إلى حد التصادم أحيانا مما يصيب التفكير البشري بالتذبذب والاضطراب،ويقلل من موثوقية معلومات الشبكة.وعليه تذهب بعض دوائر الرصد والمتابعة إلى حد القول بأن 90 % مما يُنشر على صفحات الانترنت عبارة عن معلومات تافهة ،وال10% المتبقية تحتاج إلى قدرات معرفية فائقة لاستخلاصها من الوحل المعلوماتي الذي تعج به الشبكة العنكبوتية.

   وقد أفادت نتائج دراسة أجريت على عينة من المقاهي الإلكترونية أن الشباب الجزائري يبحث في هذه الفضاءات السبرانية على الزواج ، الجنس،أخبار بن لادن ، البحث عن التأشيرة  والمشاركة في المسابقات وقد احتل محرك "قوقل" google المرتبة الأولى باعتباره الموقع الأكثر ارتيادا من قبل الجزائريين وفي ذلك إشارة إلى تعدد دوافع الإبحار لدى زوار الانترنت، لاسيما في تلك البيئات التي تعاني فراغا قاتلا من أنشطة تزجية أوقات الفراغ ، مما يجعل الانترنت تمثل المتنفس والملجأ شبه الوحيد بالنسبة لهؤلاء.

2- وسيلة إخبارية:

   تعد الإنترنت من أيسر وسائل الإعلام في الوصول إلى  الأخبار وإيصالها إلى الآخرين،فكثيرا من الأفراد والهيئات والحكومات والجرائد تنشئ لها مواقع لبث الأخبار،ولذا بات من الميسور على متصفح الانترنت ان يطلع على الأخبار المحلية والعالمية دون الحاجة إلى البحث عن الجرائد واقتنائها،فهي-الانترنت- توفر له خدمة إخبارية سريعة ومريحة.سواء منها أخبار الصحافة أو الإذاعة والتلفزيون.

   وتمثل المواقع الإخبارية الأكثر شعبية ، أجهزة توصيل الكترونية لمحتويات الصحف والمجلات التقليدية أو النسخ الرقمية للمطبوعات المماثلة المعدة للبث ، ذلك أن  المواقع الإخبارية الأكثر نجاحا تميل إلى تقديم مواد إعلامية تفاعلية من مثل استطلاعات الرأي والبحث في الأرشيفات الإخبارية لإيجاد التقارير الإخبارية ذات الصلة وبما يعرض سياقا وتحليلات تاريخية لقصة إخبارية بعينها.([19])

   ولاشك أننا نشهد اليوم تنامي قدرات البشر في الحصول على الأخبار والمعلومات وجمعها دون كلفة باهظة ، بفعل توافر الوسيلة الخاصة بكل منهم والمتمثلة في شبكة الانترنت ، غير أن مسألة التحقق من صدق هذه الأخبار باتت إحدى أكبر المهمات ، فالمواقع الوهمية تتنامى بصورة ملفتة على الشبكة ومصداقية الإنترنت تستدعي ضرورة البحث عن آليات جديدة للتحقق من مصداقية الأخبار المستقاة من خلال شبكة الانترنت . 

3-التنفيس عن المكبوتات :

    حينما يتعرض نظام القيم إلى خلخلة عنيفة تُفقده توازنه بفعل إعصار الحداثة والعولمة ، تطفو على السطح منظومة جديدة من القيم والمعايير تُعلي من شأن "النفعية ، الأنانية والفردية  والاتجاه الغرائزي المجرد من أي محتوى إنساني ، نعم ستغدق ثقافة العولمة على الجسد ما سيفيض عن حاجته من الإشباع تماما مثل جدتها العولمة الاقتصادية ، غير أنها ستقتل الروح وتذهب بالمحتوى الأخلاقي والإنساني لسلوك الناس.([20])

    ومن جهة أخرى , يتواجد في أمريكا كما تشير دراسة أجراها المعهد الأمريكي للاتصال حوالي 87 مليون مراهق تتراوح أعمارهم بين 12 و 17 سنة و 73% منهم يستخدمون الشبكة الالكترونية يوميا , فيما يستخدمها البالغون بنسبة 66% , في حين يري 88% من هؤلاء المراهقين أن وسيلة الاتصال الوحيدة التي يعتمدون عليها في أيامهم هذه هي الانترنت وحتى الهواتف النقالة لم تعد تهمهم في شيء إذا كان الانترنت موجودا.([21])


    وتتنوع المشاكل بتنوع المعلومات ؛ فثمة مشاكل أخلاقية لعل أبرزها "الإباحية" ، التي تمثل إشكالية معقدة لما لها من تداخلات مع الثقافي والديني والاجتماعي والقيمي ومشاكل اجتماعية ، كفقدان بعض العاملين أعمالهم نتيجة ظهور نظم (الإنسان الآلي ، تلقائية المكتب ، النقود الإلكترونية ، المعلومات المنزلية ، الذكاء الصناعي) ، أضف إلى ذلك ما أحدثته الإنترنت من آثار سلبية على العمل والصحة والمسؤوليات الاجتماعية ، بل إنها أثرت في تصورات الناس عن الذات البشرية فنشأ " الحب الإلكتروني " و " الجنس الإلكتروني " و " الزواج الإلكتروني " و " أرامل الإنترنت. ([22])

     ومن المعلوم أن المواقع الإباحية التي تسوق الجنس باتت تحتل مساحات هائلة من الشبكة العنكبوتية ، حيث تتفنن في عمليات الإغراء الرخيص للتلاعب بكثير من فئات المراهقين وحتى الكبار والزج بهم في متاهات أخلاقية لا أول لها ولا آخر ، ففي دراسة مسحية على الانترنت في كاليفورنيا ، كشفت أن أعداد الشابات المترددات على المواقع الجنسية فاق كل التوقعات ! وأشارت النتائج إلى أن الناس يتصفحون مواقع جنس الانترنت للاستجمام أو الترفيه وليس للإرضاء الجنسي وقال بعض مستعملي الانترنت ، أنهم يبدون أحرارا أكثر في استكشاف جنسهم على الانترنت.([23]) وينتاب الشك عدد غير قليل من الداخلين عبر بوابات المحادثة الالكترونية من مدى متانة العلاقات الاجتماعية الناجمة عن غرف الدردشة والحوارات وما ينجر عنها من تعارف وحب وزواج ، مع العلم أن آخر دراسة صدرت في أمريكا ذكرت أن السبب الأول للطلاق هو الانترنت.

    وتشير بعض الدراسات أن صور الجنس والخلاعة تمثل حوالي80% من محتوى الشبكة العنكبوتية ، إذ ويؤكد الأخصائيون أن حوالي 70% من الشباب المدمنين على الانترنت يتوجهون إلى مواقع العنف ، العدوانية ، الجنس ، بالإضافة إلى مواقع الدردشة والمُحادثات والتي غالبا ما تنتهي إلى ممارسة الجنس عبر هذه المواقع أو ما يسمى بالجنس الافتراضي.([24]) مما جعل هؤلاء الباحثين يحذرون من مغبة المخاطر الاجتماعية التي قد تنجر عن استمرار الإبحار في مثل هذه المواقع ، في ظل غياب ميثاق أخلاقي ينظم ويضبط استخدام الشبكة العنكبوتية.  

    وتُفيد نتائج دراسة ميدانية أجريت في إحدى الجامعات العربية على عينة شملت 400 طالب وطالبة. أن حوالي 74% من الشباب يعتقدون أن هناك مخاطر أخلاقية للإنترنت ، لأن استخدام الشباب لهذه التقنية سلبي إلى حد كبير ، الإباحية والمحادثة وتحميل الأغاني والنغمات والانضمام لجماعات عالمية مشبوهة وقد جاء  الترفيه على رأس الموضوعات التي يتصفح الشباب مواقعه على الإنترنت ، ثم الثقافة ، فالرياضة.([25])

4- التواصل والبحث عن المعلومات :

    تزخر الانترنت بكم هائل من المعلومات حول مختلف جوانب الحياة ، لذلك يجد المُبحر في مواقع الشبكة نفسه في حيرة إذا لم تكن وجهته واضحة مسبقا ، فالإنترنت تتيح مختلف المعلومات دون موانع متجاوزة الحدود الجغرافية والسياسية والاجتماعية ، كما يتيح البريد الإلكتروني لمستعمليه فرصة التواصل مع أي شخص مهما كان موقعه والانفتاح على الآخر وتبادل الأخبار والمعلومات ، فضلا عن إرسال الخطابات والرسائل ونقل الملفات بين الأفراد في كل أنحاء العالم حول القضايا ذات الاهتمام المشترك ، كما تؤمن الشبكة الإطلاع على بعض الرسائل ا لعلمية النادرة والكتب والمعلومات الخاصة التي لا تتيسر خارج إطار الانترنت ، كما تسمح الإنترنت بإثراء المعلومات حول شتى المسائل الدينية والاجتماعية والعلمية ، مما يجعلها إحدى أهم أنجع الآليات المعاصرة للتعلم عن بعد .

  وعلى الرغم من ذلك فإن الاستخدام العربي للشبكة لغرض البحث العلمي مازال لم يرتق بعد إلى المستوى المأمول ، فعلى تواضع نسبة مستخدمي الشبكة العرب ، فإن ما يزيد على 30% منهم يستغلون إبحارهم في الدردشة ، بينما لا يتجاوز نصيب البحث العلمي في أحسن الأحوال نسبة 3% من هؤلاء المستخدمين ، حسب دراسة أجرتها إحدى المجلات العربية أخيرا. كما كشفت دراسة أجريت على عينة من الطلبة الجامعيين في القاهرة ، أن الطلاب أكثر من الطالبات استخداماً للإنترنت طلباً للثقافة العامة والتسلية . في حين أن الطالبات أكثر استخداماً له بهدف التعلم الدراسي ، مقارنة بالطلاب ويتضح أيضاً أن هناك فرقاً دالاً بين الجنسين في مجالات استخدام الإنترنت ، فبالنسبة للطلاب يُلاحظ أن 71% منهم يستخدمون الإنترنت للترفيه والذي يمثل أعلى نسبة ، يليها بعد ذلك التعليم والثقافة العامة على التوالي. في حين نجد لدى الإناث ارتفاعاً ملحوظاً في استخدام الإنترنت بهدف التعلم 91%. لذا فإن التعلم الأكاديمي أكثر مجالات الاستخدام شيوعاً لدى الطالبات ثم التسلية ، في حين تقل نسبة استخدامه بدرجة دالة عنها لدى الطلاب ، إذ لا توجد فروق بين الجنسين في المجالات الأخرى من الاستخدام.([26])

    وقد بينت دراسة حول تفاعل الشباب الإماراتي مع الانترنت أن دافع البحث عن المعلومات يمثل60.3 % يليه استخدام البريد الالكتروني ب58.1 % ، التسلية52.1 %، المساعدة في المنهج الد راسي 51.2 % ، البحث العلمي44% الدردشة36.6 % . حيث تعد هذه النتائج مؤشر مهم على تصاعد الوعي لدى الشباب بأهمية استثمار محتويات الانترنت في الأغراض العلمية والبحثية والدراسية.

    وفيما يتعلق بحصيلة الشبكة في مجال التعليم والبحث،أوضحت "منى الشيخ" أن شبكة المعلومات (الانترنيت) تقدم العديد من خدمات المعلومات للطلبة وأنها تعزز دور المكتبة في المساهمة في العملية التعليمية والتربوية في المدرسة ، كما أشارت الباحثة أن الكثير من الطلاب يفضلون استخدام (الانترنيت) نظرا لحداثة المعلومات التي توفرها للمستفيدين.
ومن جانب آخر، تعد الانترنيت أكبر مكتبة في العالم ، حيث يدخل إليها نصوص كاملة من الكتب الجديدة والبالغ عددها أكثر من 45 ألف كتاب سنوياً ، إضافة إلى نشاطات النشر في سائر أنحاء العالم والذي يشمل أكثر من ألف كتاب جديد يصدر سنوياً في اليابان وحدها ، وتحتوي الانترنيت على موضوعات حديثة وغزيرة وغنية ما لم تتوفر في المكتبات من مصادر المعلومات الأخرى . تجدر الإشارة إلى أنه لا  يوجد صراع بين المكتبة الورقية والمكتبة الالكترونية فمجالات التلاقي بينهما أكثر من أن تحصى ، مما يجعل الأدوار تتكامل ولا تتصارع.

    إن عصر المعلومات اليوم يتميز بنقلة نوعية من حيث حجم الوثائق المتوفرة على الشبكة وتنوع محتوياتها،هذا الحجم الهائل والمتطور يومياً غير مفهوم البحث والاسترجاع والوصول إلى المعلومة ، ليضع المستفيد في حالة انتقاء واختيار للمعلومة الأكثر جدوى ونفعاً لأخذ القرار أو البدء في إنجاز العمل .
ويمكن للباحث وخاصة في المراحل العليا الاشتراك فيما يسمى بجماعات النقاش ، كذلك يمكن للباحث من خلال First Search أن يصل إلى مقتنيات آلاف المكتبات الأكاديمية والبحثية
و الإبحار في هذه الشبكة متخطياً الحواجز المكانية مخترقاً الحدود بين الدول والأقاليم في لحظات مختصرا كثيرا من الوقت ، حيث تتيح له الشبكات إمكانية التواصل مع وحدات المعلومات عن بعد ، في مسكنه أو مكتبه.

      وقد أوضحت الريحاني وعون الكرمي عدة عوامل دعت لاستخدام الانترنيت وهي: ([27])

- التخفيف من الوقت والتقليل من الجهود المطلوبة لإنجاز مهمات البحث عن المعلومات.
- تسهيل خدمات عدة مثل البريد الإلكتروني وإمكانية تحويل الملفات.
- يتيح إمكانية الوصول لنشر الإلكترونيات والنشر الفوري للمعلومات وإلى تغطية           الأخبار بصورة فورية.
- تقديم الحلول المتكاملة في القطاع الحاسوبي.
- الاشتراك إلكترونياً في المجلات الإلكترونية بصورة مباشرة عبر البريد الإلكتروني.
- الاطلاع على الندوات والمؤتمرات والنشاطات العلمية والصناعية والمعارض.

   ومن العوامل الهامة كذلك ، أن مستخدم المكتبة اليوم يختلف عنه سابقاً ، فقد أثر تغير نمط الحياة على تغير الرغبة في المنتجات والخدمات، فأصبح أكثر وعياً ومعرفة واطلاعاً لخدمات ومنتجات المعلومات التي تقدم إليه بأشكالها الحديثة يومياً بل كل ساعة لترضي رغبته المتغيرة ، مما دعا مزودي الخدمات والمنتجات إلى التنافس باستمرار في تقديم أشكال وأنواع من الخدمات والمنتجات المتعددة.
والباحث يهمه ما يلبي حاجاته وتطلعاته في الوقت المناسب مما يدعوه إلى استخدام الانترنيت التي تتيح له مجموعات متنوعة لمكتبات عدة غير محصورة ، كما تمكنه من الاستفادة من مصادر المعلومات غير المحددة في الوقت المطلوب ، إضافة إلى كون الانترنيت شبكة عالمية ، وكأن المكتبات تصل للباحثين بدلاً من تنقلهم إليها ، فضلا عن إمكانية استخدامها  من قبل الجميع وفي نفس الوقت.

   ويجمع الكثير من الباحثين على أن الثورة التكنولوجية والاتصالية قوة إيجابية لتنظيم المعلومات وإدارتها وتسهيل مهمات الباحثين وتلبية احتياجاتهم ، فقللت من الفترة الزمنية في عمليات المعالجة والاسترجاع ومكنت من الوصول إلى المعلومات بأيسر الطرق وأقل التكاليف.مع ذلك فمن الضروري أن يكون الباحث ملماً بعدد من تلك الأدوات وخصائص كل واحدة عن الأخرى وكيفية الاستفادة من هذه الخصائص للحصول على نتائج بحث ناجحة ، كما يلزمه أن يكون محيطاً بأساليب البحث ، ويتحرى الدقة في اختيار المصطلحات البحثية المناسبة لموضوعه.

       ولاشك أن الباحث الذي يود أن يبقى على اطلاع كامل على ما يجري في حقل ما، سيجد أنه من الأجدى أن يستخدم محركات البحث Search Engine في قواعد البيانات الإلكترونية على أن ينتظر نشر البحث من خلال مصادر تقليدية.
   ويعد تدريب المستفيدين على مهارات استخدام الانترنيت وسيلة من وسائل التعلم والتعليم تكسبهم معرفة وتطويراً للعمليات التعليمية ومع كثرة البحث والاسترجاع يصبح الأمر أكثر سهولة مما يحقق تطويراً للإنتاجية الفردية.

   وتتيح الانترنيت لطلبة العلم الإحاطة بتكنولوجيا الاتصالات المتقدمة والاتصال بكبريات المكتبات حول العالم والاطلاع على آلاف الموضوعات ، فضلا عن الترجمات اللغوية. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الإبحار في شبكة المعلومات بحثا عن معلومات معينة يمكن أن يكون مهارة مفيدة في الأبحاث ، لكن بعض الطلبة استعملوا مواقع الشبكة لجني المعلومات دون أن يفهموها في الواقع أو يدمجوها مع معلومات أخرى ، لذلك فإن العملية تحمل خطر أن تصبح طريقة جديدة من التعلم المنفعل أو حتى طريقة لاكتساب مهارات انتحال معلومات الآخرين.([28])  

وتكشف عملية الاقتراب من راهن المدرسة والجامعة في الجزائر عن واقع مشوب بالعزوف عن هذه التقنية المهمة ، بسبب عدم القدرة على استخدام الحاسب والغياب شبه التام لثقافة التعاطي مع المعلومة الإلكترونية ، على الرغم من توافر الفضاءات المعلوماتية ولو بشكل محتشم أحيانا ؛ ناهيك عن تفشي ظاهرة السطو على مختلف المواقع واختلاس المعلومات منها دون توفر القدر المطلوب من الأمانة العلمية في النقل والاقتباس لدى زوار هذه المواقع ، مما يستدعي ضرورة تأهيل مستعملي الشبكة الطالب والأستاذ للتعامل بوعي وكفاءة وأمانة مع عصر المعلومات واستيعاب ثورة المعرفة ، للاستفادة من فيضها في تطوير واقعنا الجامعي الراكد.

   فالجامعات في معظم الدول العربية ما تزال مؤسسات حديثة ورغم ما حققته من قفزات في المجال التعليمي ، إلا أنها لم تصل إلى إحداث الأثر المطلوب في أهداف التعليم العالي الأخرى وبخاصة في مجال البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية. لقد حققت الجامعات العربية الكم المطلوب للمجتمع العربي من الأخصائيين والمختصين ، لكنها لم تستطيع أن تحقق النوع ، وإن برز على الساحة أحيانا

المصدر: د. بلغيث سلطان دراسة ميدانية بجامعة تبسة < http://www.alnoor.se/article.asp?id=79804
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 420/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
140 تصويتات / 4617 مشاهدة
نشرت فى 15 أغسطس 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,836,838

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters