البحث عملية إنتاج وإبداع وخلق وابتكار , تحتاج إلى موهبة, وليس بمقدور كل إنسان القيام بها, وينبغي أن يعلم أن التفوق الدراسي لا يعني التأهيل لهذا العمل. بل قد يكون عكس ذلك. وإذا وجدت الموهبة عند طالب ما يجب استغلالها ولا تنميتها والوصول بها إلى المستوى المطلوب والاستفادة منها .
أما مظاهر وجود هذه الموهبة عند الطلاب فهي ما يأتي :
1 – القدرة على اختيار موضوع جديد للبحث .
2 – القدرة على وضع خطة مبدئية للموضوع .
3 – القدرة على نقد الأفكار والبرهنة على فكرته .
4 – القدرة على المناقشة والفهم وتوجيه الأنظار إلى أفكار جديدة من خلال المناقشات.
هذا وهناك صفات ينبغي أن يتحلى بها كل باحث نوجزها فيما يلي :
1 – حب الاستطلاع والرغبة المستمرة في البحث والتقصي :
فهو مفتاح هذا العمل الذي لا يتصور الدخول فيه بدونه, ولذا يجب على الباحث أن يصرف من وقته قدراً كافياً للقراءت والاطلاع والفهم والتعمق في موضوعه, وأن يلم بكل مل كتب في هذا الموضوع ويهضمه, حتى يتمكن من إصدار وإعلان تنائجه سليمة من التناقض والتعارض .
وتروي كتب التاريخ الإسلامي العجب العجائب من قصص سعة علم علماء المسلمين وجهودهم المباركة في إثراء المكتبة الإسلامية بثقافاتهم الواسعة ومعارفهم الغزيرة.
وفي القرآن الكريم والسنة النبوية نصوص كثيرة تحث على العلم والبحث والنظر, والباحث عند قراءة وبحثه يكون عابداً لربه إلى جانب ما يتحقق لديه من منافع مادية ومعنوية, فبذلك هو يحقق هدفين في آن واحد.
2 – الصبر والتأني :
فلا ينبغي للباحث أن يسأم ويمل من الرجوع إلى مراجعة مصادره مرة بعد أخرى إلى أن يتضح له الأمر , ويصل إلى الغاية المقصودة, ويجب ألا يكون همة هو الحصول على الشهادة العلمية بأسرع وقت ممكن, بل عليه أن يتطلع دائماً إلى الكمال في بحثه والإخراج به بصورته اللائقة به ملتزماً بالصبر. متحلياً بالتأني والدقة, موقناً بأن الله مطلع على عمله ومحاسبه عليه.
3 – الأمانة :
وتتمثل في دقة نقل النص عن الغير, أو صراحة التعبير عن مضمونه دون لبس أو تحريف أو زيادة أو نقصان يخل بمقصود النقص, والتخلي عن هذه الأمانة صفة مذمومة اتصف بها اليهود كما ذكره الله في آيات متعددة .
4 – التواضع والبعد عن الغرور :
يجب على الباحث أن يتجنب من الكبر والاختيال, ويتذكر أن الله هو الكبير المتعال, وهو الذي أقدره بهذه القدرة على إنجاز مثل هذا العمل .
5 – الفطنة وحضور البديهة :
فلا شك أن حاضر البديهة ومتوقد الذهن هو الذي يستطيع أن يربط الأفكار ويوازن فيما بينها بموازين ثابتة ويستخلص النتائج السليمة .
6 – الموضوعية :
ويعني أن يدخل الباحث في بحثه متجرداً عن آرائه الخاصة وأهوائه الشخصية:
وينظر إلى الموضوع نظرة غير منحازة . إلا إذا كان الأمر يمس عقيدته. فلا يتجرد الباحث عن عقيدته عند صياغة القوانين واستنتاج النتائج, وليس هذا كلاماً عاطفياً, وإنما هو تقرير منطقي , وذلك أن البحث لا يقوم على هوى, وإنما يقوم على الاستنباط والعقل والبرهان , والعقيدة الاسلامية قامت على أساس من العقل والعمل والدليل والبرهان خلافاً للعقيدة النصرانية التي هي مجرد مشاعر وأحاسيس وتسليم قلبي دون اقتناع عقلي .
وإذا كانت العقيدة الإسلامية بهذه المثابة من الثبوت والقطعية فلا مبرر للتنازل عنها أو تصورها مصادمة للعمل والمنطق السليم .
ومن أمثلة عدم الالتزام بالموضوعية في البحوث ما تفعله الدول الشيوعية من التدخل الصريح والحيلولة دون ظهور نتائج علمية لا تتفق مع مبادئها وثقافتها, والحكم على أصحاب مثل هذه النظريات والأبحاث بالإعدام أو الاعتقال أو النظر …الخ .
7 – الشك والتجرد من الآراء التي لم يقم عليها دليل :
وعلى الباحث ألا ينخدع بكثرة القائلين بفكرة ما أو بشهرتهم , لأن الحق مستقل عن القلة والكثرة, والشهر لا تعني العصمة من الخطأ, ومن هنا فالباحث عليه أن يفحص كل ما يقرأ, ولا يسلم بكل ما قرره غيره , بل عليه أن يفكر ويدرس ويوازن بين الآراء حتى تبرز شخصيته .
8 – الإيمان بالله والخوف منه والتقوى :
فهو زاد المسلم وقوت حياته وسبب تأييده من الله عز وجل فقد قال سبحانه : ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) وأما ما نرى من تقدم الكفرة الفجرة في مجالات العلم والمعرفة فإنما هو إمهال من الله وابتلاء منه .
9 – الالتزام بمبادئ الأخلاق :
بحيث يقصد الباحث من بحثه خدمة البشرية وتقديم ما فيه صلاح للإنسانية, لا أن يتجه بعلمه وتحقيقه إلى نشر الشر والفساد أو أن يستخدم خبراته وتجاربه العلمية في إختراع أساليب الفتك والدماء للبشرية, كما يفعله مفكرو العالم المتقدم المتحضر اليوم.