مقدمة
إن إكتشاف إرتخاء الصمام الميترالي وتشخيصه قد تم في منتصف عام 1960م . في عام 1966م ، وصف " بارلو " " وبوسمان " أول حالة طبية لمريضة تبلغ من العمر 23 ربيعاً كانت مصابة بأرتخاء في الصمام الميترالي .
وتشخيص أرتخاء الصمام الميترالي في تلك الحقبة من الزمان كان يعتمد أساساً على الظواهر الكلينيكية التي تتمثل في وجود " لغط " بالصمام الميترالي عند فحص المريض بواسطة أخصائي القلب ، هذا اللغط المسموع لدى الطبيب ناتج من أرتخاء الصمام وتسريبه عند أنقباض البطين الأيسر . وهو أيضاً مصحوب بصوت آخر نشاذ " تكه " يسمعه الطبيب وهذا ناتج من أرتخاء الصمام عند أنغلاقه . أما وسيلة الفحص التي كانت تستخدم في ذلك الوقت فهى قسطرة القلب التي تبين تدلي وبروز الصمام الميترالي الى داخل الأذين الأيسر وذلك عند أنقباض البطين الأيسر . وقد توضح القسطرة القلبية أيضاً وجود تسريب بالصمام الميترالي بدرجات مختلفة .
ومنذ أكتشاف هذا الأرتخاء بالصمام الميترالي وإلى يومنا هذا ، أصبح المختصون في مجال القلب وأمراضه المختلفة مهتمين بهذا الأكتشاف ويحاولون جاهدين وضع أسس سليمة وقواعد راسخة لتشخيص هذا المرض وتفسير مايصاحبه من أعراض وأسباب تلك الأعراض . والأهم من ذلك هو تحديد مواصفات للأشخاص الذين هم أكثر قابلية لحدوث مختلف المضاعفات وسبل الوقاية الفعالة والعلاج الناجع لمثل هذه المضاعفات وذلك حسب نوعيتها . هذا بالإضافة أيضاً إلى تطوير وسائل الفحص وأستخدام التقنيات الحديثة الغير إجتياحية كالموجات فوق الصوتية للقلب وماصاحبها من تطور ، وذلك من أجل التشخيص الدقيق دون اللجوء إلى القيام بالقسطرة القلبية
ولكن وللأسف وعلى الرغم من ثراء المعلومات والحقائق الموجودة في الكتب ومجلات القلب الطبية المرموقة فأن بعض هذه المعلومات ، وإن لم يكن معظمها ، مازال ناقصاً من حيث الأدلة والإثبات العلمي أو به بعض التضارب أو التناقض .
- نسبة وجود أرتخاء الصمام الميترالي في المجتمعات المختلفة .
هنالك أحصائيات كثيرة موجودة في دراسات متعددة أجريت في مختلف المجتمعات ، تشير بأن أرتخاء الصمام الميترالي من أكثر أمراض الصمامات شيوعاً حيث يوجد بنسبة تتراوح مابين 5 - 15% . حسب الأختلاف من مجتمع إلى آخر ولكن الأعتقاد السائد أن هذه النسبة قد تكون مرتفعة وأن النسبة الحقيقية قد تتراوح مابين 2.5% - 5% ،وأن التطورات التقنية التي حدثت مؤخراً في مجال الفحص مثل الموجات فوق الصوتية " والدوبلر " وماصاحبها من تسرع وعدم الألتزام بشروط المواصفات الدقيقة والكلاسيكية لتشخيص هذه الحالات أدى إلى أرتفاع نسبة وجود أرتخاء الصمام الميترالي في بعض الدراسات إلى 15% . فهنالك دراسة من الفريمنجهام الأمريكية والتي تحتوي على أعداد كبيرة من الأشخاص الذين أنضموا للدراسة (4967 شخصاً ) قد أثبتت أن نسبة أرتخاء الصمام الميترالي هى 5% وذلك عندما أستعملت الموجات فوق الصوتية كأداة الفحص وبمواصفات وشروط دقيقة . ومما يدعم ويثبت هذه النسبة المنخفضة من وجود أرتخاء الصمام الميترالي هو تلك الدراسات التي أستندت على تشريح القلب عند وقوع الحوادث الجنائية وفحص عينات من الصمامات التي أخذت من بعض الأشخاص عند تبديل هذه الصمامات بأخرى صناعية بواسطة عمليات القلب المفتوح . هذه الأنواع من الدراسات قد أثبتت نسب منخفضة من تواجد أرتخاء الصمام الميترالي ، تتراوح مابين 1% - 8% ، وأن الدرجات القصوى والأكثر حدة من أرتخاء الصمام تتراوح نسبة وجودها مابين 1% - 2% .
فخلاصة القول أن الباحث في هذه الدراسات المختلفة التي تدور في محور أثبات نسبة وجود أرتخاء الصمام الميترالي يجد أن هنالك تفاوت في هذه النسب بين مختلف الدراسات والعامل الرئيسي المسبب لهذا الأختلاف هو أختلاف الوسائل التي أستعملت في تشخيص أرتخاء الصمام الميترالي ، أمثال الطريقة الكلينيكية ، والطريقة الأجتياحية المتمثلة في أجراء قسطرة للقلب وأستخدام الموجات فوق الصوتية " والدوبلر " للقلب أو أخذ عينات من الصمام الميترالي أثناء جراحة القلب المفتوح أو التشريح الجنائي للقلب بعد وفاة المريض .
- مسببات أرتخاء الصمام الميترالي :
في الغالبية العظمى من الأشخاص المصابين بأرتخاء الصمام الميترالي ، يكون هذا الأرتخاء موجوداً منذ الولادة حيث تلعب الجينات الوراثية دوراً رئيسياً في مسرح حدوثه ولذا يكون أكثر وجوداً في بعض العائلات واكثر شيوعاً بين النساء . وعلى الرغم من وجود الأرتخاء عند الولادة ، فأن أعراضه ومضايقاته للمريض لاتظهر إلا بعد البلوغ .
هنالك أيضاً بعض الأمراض التي تصيب صمامات القلب ببعض التلف وتؤدي في قليل من الأحيان الى أرتخاء في الصمام الميترالي . هذا النوع من الأرتخاء يعتبر مكتسباً لأنه لايكون موجوداً عند الولادة ولاتلعب الوراثة أي دور فيه . والأمثلة لهذه الأمراض التي تسبب أرتخاء الصمام الميترالي المكتسب كثيرة ومتعددة وأكتفى بذكر القليل منها مثل مرض الحمى الروماتزمية التي تصيب القلب ومرض الشريان التاجي وخلافه . هذا النوع المكتسب من أرتخاء الصمام الميترالي ليس هو محور هذه المقاله .
- أعراض أرتخاء الصمام الميترالي :
أهم أعراض أرتخاء الصمام الميترالي تعرف " بالثلاثية " لأن هذه الأعراض الثلاثة هى الأكثر شيوعاً ، وتتمثل في آلام بالصدر مبهمة الوصف ولا علاقة لها بأي مجهود أو زمان ، وتفتقر إلى تلك المواصفات والخواص الدقيقة الخاصة بآلام ضيق الشريان التاجي والتي لها علاقة وثيقة بالحركة والجهد . ثانــي هـذه الأعــراض هــى الخفقــان ( عدم أنتظام ضربات القلب ) التي تسبب أنزعاجاً كبيراً لبعض الرضى وقد تؤثر في نفسيات القليل منهم مما يضطر البعض للتردد الكثير على مختلف المستشفيات والأطباء وفي بعض الأحيان قد يضطرون إلى أستعمال العقاقير المهدئة أو زيارة طبيب الأمراض النفسية ، خاصة إذا كان الخفقان مصحوباً " بدوخة " أو فقدان التوازن الجسدي لمدة ثواني قليلة ، ونادراً مايفقد المريض وعيه .
العرض الثالث والأخير هو فتور وخمول عام بالجسم مصحوب بضيق في التنفس عند بذل أي مجهود أو ربما لايكون هذا الضيق في التنفس لكن له علاقة بالحركة أو الجهد
والجدير بالذكر أنه على الرغم من أن بعض الأشخاص المصابين بأرتخاء في الصمام الميترالي يشكون من أحد أو جميع هذه الأعراض الثلاثة ، فإن الدراسات التي أجريت في هذا المجال قد بينت أن معظم المصابين لايشكون إطلاقاً من أي عرض ، بل إن تشخيص هذه الحالات يكون قد تم بمحض الصدفة ، وذلك عن طريق الكشف الكلينيكي من أجل الحصول على وظيفة أو التجنيد العسكري ، أو لأجراء أي نوع من العمليات الجراحية .
ولكن هذه البراءه الموجودة في غالبية حالات من أرتخاء الصمام الميترالي لا تنطبق على كل المصابين وفي كل الحالات والأوقات . فالتاريخ الطبي به بعض الدراسات التي أثبتت أن هنالك نسبة من المصابين بأرتخاء الصمام الميترالي ( وإن كانت هذه النسبة قليلة ) ، ومع مرور الزمن الذي قد يطول ، قد يصابوا بأزدياد في حدة تسريب الصمام الميترالي مما يستدعى أجراء عملية جراحية للقلب لتصليح أو تبديل الصمام الميترالي . هذه النسبة القليلة من المصابين الذين يحتاجون لمثل هذه العمليات لاتتعدى 10% ، وذلك من جميع العمليات التي تجرى للصمام الميترالي نتيجة أمراض عديدة تصيب هذا الصمام وليس فقط لأرتخاء الصمام الميترالي
- أرتجاع الصمام الميترالي :
وإتساع الصمام الميترالي ناتج عن أتساع حلقة الصمام والأنسجة الداعمة حول الصمام إضافة إلى إلتهاب وريقات الصمام الأماميه والخلفية أو إنقطاع أحد الأوتار الداعمة للصمام في حالة إلتهاب الصمام إلتهاباً شديداً .
- الأعراض :
وهى إنعكاس لشدة عصب الصمام في الحالات البسيطة والمتوسطة لايشعر المصاب بأية أعراض أما في حالة الأصابة الشديدة فيبدأ ظهور الأعراض والناتجة عن أحتقان الرئتين . ومنها ضيق النفس والإعياء وقد يحدث خفقان في القلب نتيجة إتساع الأذين الأيسر لعدم التحكم في إتجاه الدم مما يجهد القلب وينعكس ذلك على عدم كفاءة القلب بتغطية أحتياج الجسم من الدم .
- العلامات السريرية :
في الحالات البسيطة لأرتجاع الصمام تكون العلامات قليلة ومقصورة على الفحص الدقيق من قبل طبيب القلب أما في الحالات الشديدة فيكون صوت إرتجاع الدم من الصمام واضحاً وجلياً للأطباء مع تضخم في القلب بشكل عام وضعف في نبضات الدم في الأطراف مع برودة وتعرق وإجهاد واضح على المصاب .
- الفحوصات :
1- تخطيط القلب : ويتضح فيه تضخم الأذين الأيسر والبطين الأيسر .
2- أشعة الصدر ويتضح فيها زيادة حجم الأذين والبطين الأيسر وحجم القلب بصفة عامة مع أحتقان في الرئتين .
3- الموجات فوق الصوتية : وهى الوسيلة المفضلة للتشخيص في الوقت الراهن وبواسطتها يمكن رؤية الصمام والأذين والبطين الأيسر مع أجراء المقاسات اللازمة وقوة إندفاع الدم بواسطة الدوبلر .
4- القسطرة القلبية : وعادة مايلجأ إليها في حالات خاصة لأخذ قياسات لازمة وديناميكية الدم .
- المضاعفات :
من المضاعفات الرئيسية إرتجاف القلب وألتهاب شغاف القلب بالبكتريا وهبوط القلب .
- طبيعة المرض :
المصابون بأرتجاع بسيط يعيشون بصورة طبيعية وعمر طبيعي بأذن الله إذا لم يحدث نشاط للحمى الروماتيزمية أو ألتهاب جديد روماتيزمي أو ألتهاب شغاف القلب . أما المرضى الذين يعانون من الإرتجاع المتوسط الشدة أو الأكثر شدة فإنهم يعيشون لفترات مختلفة دون ماكل أو تدهور حالتهم الصحية إلى أن تصل إلى مرحلة الهبوط بوظيفة عضلة القلب . والذي يوجب تدخل جراحي .
- العلاج :
1- طبي : وعادة يكون بالأدوية المساعدة لمنع هبوط القلب ومنها الديجوكسين ومدرات البول . مع المحافظة على أخذ العلاج الواقي لعودة إصابة الصمام بالحمى الروماتيزمية بعقار البنسلين عن طريق إبرة بالعضل مرة كل ثلاث أسابيع كما يجب أخذ الحيطة والوقاية من حدوث ألتهاب بكتيري لشغاف القلب وصمامات القلب نتيجة التدخلات الجراحية بالأسنان أو المسالك البولية وذلك بتناول مضاد حيوي وعادة مايكون الأمبسلين بجرعة كبيرة قبل أي إجراء جراحي .
2- الجراحي : وعادة مايلجأ اليه الطبيب المعالج عند فشل العلاج الطبي في الحد من هبوط القلب أو تردي الحالة الصحية واليومية للمريض المصاب ويتم ذلك إما عن إصلاح الصمام الميترالي المعطوب أو إستبداله بصمام إصطناعي وهى عديدة الأنواع وذلك يتطلب إبقاء المريض على أدوية مسيلة للدم ومانعة للتخثر على الصمام الأصطناعي .
وفي الختام يجدر بنا التنويه إلى أخذ الحيطة في عدم تأخير العلاج الجراحي لحين تردي حالة المريض الصحية وأتخاذ القرار من قبل جراحي القلب في الوقت المناسب .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة لحديث عن الصمام الأبهر وأصابته