عند الحديث عن حجم الاهتمام الذي توليه إدارة المصارف الإسلامية لتطوير المنتجات المالية نجد أنه على الرغم من أهمية قضية تطوير المنتجات المالية والعقود الاقتصادية النابع من وظيفتها الأساسية في توجيه دفة الاقتصاد إلى الوجهة الإسلامية، إلا أن مقدار الاهتمام بها وبدراستها والعناية بتطويرها وتحقيق أهدافها لا يتناسب مطلقاً مع تلك الأهمية، وهذا يعني عملياً أنه لا توجد لدى إدارة المصارف الإسلامية أهمية استراتيجية لتطوير العقود أو المنتجات، وبدلاً من أن يكون التمويل الإسلامي هو الحل للمشكلات الاقتصادية التي يعاني منها العالم اليوم، يصبح مجرد صدى وانعكاس لهذه المشكلات. وهذا بحد ذاته لا يتماشى البتة مع رؤية تلك المصارف بضرورة تنمية قدراتها لمواجهة التحديات المعاصرة بوعي شرعي مدروس لكون النمو والنجاح في السوق المالية يعتمد اعتماداً متزايداً على إيجاد منتجات جديدة قابلة للتسويق والتطبيق العملي الشرعي، مما يساعد في تعزيز البنية الأساسية للإدارة العامة للمصارف - وبقية المؤسسات المالية - الإسلامية لترتقي بوظائفها وأنشطتها للمعايير والرؤية الاستراتيجية التي تحكم مسيرة المؤسسات المالية الإسلامية.

ولقد أدى غياب اهتمام المصارف الإسلامية بالإنفاق بفعالية في مجال البحوث والتطوير لاستحداث منتجات مالية وأدوات جديدة لمواجهة التحديات المعاصرة إلى تزعزع ثقة المتعاملين معها وأصبح ينتابهم الشك بسبب التشابه الكبير بين المنتجات الإسلامية وتلك التقليدية بسبب اللجوء إلى منهجية المحاكاة شبه الكاملة لأدوات وأساليب التمويل والعمل الاقتصادي الغربي وتبنيها بعد القيام بمحاولات عدة لإضفاء صفة الشرعية عليها، الأمر الذي جعل المؤسسات المالية الإسلامية تواجه تحديات تهدد مصداقيتها الشرعية وفعاليتها التنموية.

وتكمن الحقيقة في أن اللجوء إلى منهجية المحاكاة للمنتجات غير الإسلامية تعني أن يتم سلفاً تحديد النتيجة المطلوبة من المنتج الإسلامي، وهي النتيجة نفسها التي يحققها المنتج الربوي، ثم يتم توسيط سلع (معادن أو أسهم أو غيرها) غير مقصودة لا للمصرف ولا للعميل فقط لمجرد الحصول في النهاية على النتيجة المطلوبة وهي هنا النقد الحاضر مقابل أكثر منه سواءً كان المدين هو العميل أو المصرف. وهذا الأمر يؤدي بالضوابط الشرعية إلى أن تصبح قيوداً شكلية لا حقيقة تحتها ولا قيمة اقتصادية من ورائها. بل وفي ظل المحاكاة تصبح هذه الضوابط الشرعية عبئاً وعائقاً أمام المؤسسات المالية الإسلامية لأنها تكون مجرد تكلفة إضافية.

وغني عن القول بأن هناك فرقاً بين قيام الصناعة الإسلامية باقتباس ما يتلاءم مع فلسفة التمويل الإسلامي ومبادئه من الصناعة التقليدية، وبين محاكاة الأساس الذي تقوم عليه المنظومة الربوية ويجسد فلسفتها المناقضة للاقتصاد الإسلامي. لذلك فإن الاستراتيجية المثلى لتطوير المنتجات الإسلامية هي اكتشاف وتحليل الاحتياجات الحقيقية للعملاء ثم العمل على تصميم المنتجات المناسبة لهم. وهذا المنهج يتطلب دراسة مستمرة لاحتياجات العملاء والعمل على تطوير الأساليب التقنية والفنية اللازمة لها. وفي ضوء هذه المقررات فإن من الواضح أن المعاملات المصرفية ـ المعاصرة على الرغم من سرعة تلونها وتغير طبيعة التزاماتها ومستلزماتها يوماً بعد آخر ـ ليس فيها ما يعوق أو يحول دون تقلبها في إطار الفقه الإسلامي من ناحية كونها عقوداً أو معاملات جديدة. وكل ما يجب مراعاته من هذه الناحية هو التأكد من كون هذا العمل الجديد لا ينطوي على مخالفة أو تعارض مع مقاصد الشريعة وأهدافها أو الأدلة المبينة لتلك المقاصد والأهداف. ومن هنا فإن الانتقال بالأعمال المصرفية من واقعها القائم حالياً بما فيه من أوجه تعارض مع الشريعة الإسلامية إنما يعتمد على البحث عن الوسائل البديلة لتحقيق الغايات المقصودة بما يتلاءم وشريعة العدل الإلهي العظيم.

إن منظومة النظام الاقتصادي الإسلامي بمبادئها ومعاييرها وضوابطها بريئة من تخلف المسلمين الاجتماعي أو ضعفهم المادي أو من بساطة تقدم التنمية الشاملة عندهم لأن سبب ذلك يعود ـ وبشكل رئيس ـ إلى ضعف تقديم أو عدم إعطاء البنوك المركزية في الدول المسلمة للمصارف الإسلامية العناية المهنية اللازمة لتطوير أو تجديد صيغ وأدوات ووسائل صناعة التنمية الشاملة من المنظور الإسلامي في المجتمعات الناشطة بها بما يواكب ويتماشى مع التطور الملموس في المعاملات الاقتصادية المعاصرة المتجددة يوماً بعد يوم. ويعود سبب تبرئة هذه المنظومة من هذا كله إلى الطبيعة التكوينية لمبادئ ومعايير وضوابط النظام الاقتصادي الإسلامي، حيث حددت وبينت الخطوط العريضة والمحاور الأفقية والرأسية الرئيسية والعامة التي يرتضيها الله للمسلمين في تعاملاتهم المالية وعقودهم الاقتصادية من غير تفصيل لطرق التطبيق، مبقية المجال حراً مفتوحاً للتطبيقات والتفصيلات المختلفة والمتغيرة وفقاً لاختلاف الأزمنة والأمكنة.

إن التنمية الحقة للمجتمع المسلم لن يكتب لها النجاح إلا في ظل النظام الاقتصادي الإسلامي لأن كل مجتمع له معتقداته وفلسفاته ولا بد أن تكون خطة التنمية التي يراد لها النجاح منبثقة عن قيم المجتمع ومعتقداته حتى لا تكون هناك فجوة بين الفكر والعقيدة من ناحية وبين الواقع والتطبيق من ناحية أخرى. ولذا فنحن نرى أن تأدية المصارف لأعمالها وأنشطتها الاستثمارية في ظل النظام الاقتصادي الإسلامي هو من مسؤولياتها التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، والقيام بهذه المسؤولية يجسد عملياً قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ}، وهذا الأداء في ظل ذلك النظام يكفل لها - بإذن الله­ - تمهيد الطريق للمساهمة في حل المشكلات الاقتصادية للمجتمعات الإسلامية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لها، ويعد تطوير منتجاتها المالية أحد المفاتيح الأساسية للوصول إلى ذلك .

المصدر: محمد صالح عياش
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 81/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
27 تصويتات / 953 مشاهدة
نشرت فى 24 أكتوبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,813,799

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters