قد يخفى على البعض أن التهاب البلعوم أو اللوزتين ـ إذا لم يعالج معالجة فعالة ـ يمكن أن يؤدي إلى إصابة القلب بكثير من المتاعب، فالحمى الروماتيزمية ما هي إلا ارتكاس مناعي يمكن أن يتلو التهاب البلعوم أو اللوزتين، بجرثوم يدعى المكورات السبحية streptococci وتصيب أيضا المفاصل بالالتهاب، كما قد تصيب عضلة القلب، فتظهر أعراض فشل القلب، وإذا لم تعالج معالجة فعالة، فقد يؤدي ذلك ـ بعد سنين إلى ـ إصابة صمامات القلب بالتليف والتسمك، وما يعقبه من تضيق في صمامات القلب أو تسرب فيها، وتصيب الأطفال عادة ما بين 5 - 15 سنة، في الوقت الذي كادت تختفي فيه من أمريكا وأوروبا فإنها لا تزال تمثل مشكلة طبية كبيرة في بلادنا العربية من المحيط إلى الخليج، وخاصة في المجتمعات الفقيرة ذات التغذية السيئة، والتي تعيش في أماكن سكنية مكتظة وغير صحية.
ما هي الحمى الروماتيزمية؟
تبدأ علامات الحمى الروماتيزمية عادة بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من التهاب البلعوم أو اللوزتين، وقد تحدث بعد أسبوع واحد. وتسبب ارتفاعا في الحرارة وآلاما والتهابا وانتفاخا في عدد من المفاصل، وتبدو المفاصل المصابة حمراء، منتفخة، ساخنة ومؤلمة عند الحركة. ويبدو المريض متعرقا وشاحبا، وعادة ما تختفي علامات الالتهاب في المفاصل بعد 42 - 48 ساعة، ولكن إذا لم تعالج الحالة تصاب مفاصل أخرى بالالتهاب.
وأكثر المفاصل إصابة هي مفاصل الرسغين والمرفقين والركبتين والكاحلين. ونادرا ما تصاب مفاصل أصابع اليدين أو القدمين. وإذا كانت هجمة الحمى الروماتيزمية خفيفة فقد لا تبدو أية أعراض خاصة تشير إلى إصابة عضلة القلب، ولهذا فقد تمر الحالة دون تشخيص.
أما إذا كانت هجمة الحمى الروماتيزمية شديدة فتكون الأعراض أكثر وضوحا، وقد يشكو المريض حينئذ من ضيق النفس عند القيام بالجهد، أو حينما يكون مستلقيا على السرير. كما قد تظهر وذمة (انتفاخ) في الساقين.
وإذا لم تعالج نوبات الحمى الروماتيزمية أو تكرر حدوثها، ازداد خطر حدوث إصابة في صمامات القلب، حيث يحدث تليف وتسمك في صمامات القلب مما يؤدي إلى حدوث تضيق أو تسرب فيها. وفي الغرب تحدث إصابة الصمامات بعد سنوات عديدة من نوبة الحمى الروماتيزمية، أما في العالم الثالث، فتحدث الإصابة القلبية بصورة مبكرة جدا.
ماذا عن إصابة الأطفال بأمراض القلب الروماتيزمية؟
هي أكثر أنواع القلب المكتسبة عند الأطفال واليافعين شيوعا في عالمنا العربي، وتعتبر سببا رئيسيا من أسباب الوفيات والاختلاطات القلبية عند الأطفال في العالم العربي، فمثلا تشير الاحصائيات إلى أن ثلاثة أطفال من كل ألف طفل في المملكة العربية السعودية يصاب بالحمى الروماتيزمية، في حين تصيب خمسة أطفال من كل مئة ألف طفل في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، وهذا ما يثير فينا الدوافع لمحاربة هذا المرض والقضاء عليه.
كيف تعالج الحمى الروماتيزمية؟
تعالج هجمة الحمى الروماتيزمية بالراحة التامة في الفراش إلى أن تختفي الحمى تماما، ويعود عدد ضربات القلب وتخطيط القلب وسرعة التثفل ESR إلى وضعها الطبيعي، ويعطى المريض حبوب الأسبرين، وقد يحتاج الأمر إلى إعطاء حبوب الكورتيزون.
هل يمكن منع حدوث الحمى الروماتيزمية؟
والجواب نعم. إذا ما عولج التهاب اللوزتين أو البلعوم الناجم عن المكورات السبحية معالجة صحيحة، وهذا ما يسمى بالوقاية الأولية Primary Prevention. كما يمكن وقف تطور الإصابة القلبية باستعمال البنسلين المديد عضليا وبشكل متواصل لمنع حدوث أية هجمات من الحمى الروماتيزمية، وهذا ما يسمى «الوقاية الثانوية» Secondary Prevention.
ما هي طرق الوقاية الأولية من الحمى الروماتيزمية؟
من المعروف أن معظم حالات ألم البلعوم Sore throat يسببها أحد الفيروسات. إلا أن 10 - 20% من الحالات يسببها نوع من الجراثيم تسمى المكورات السبحية streptococci. والحقيقة أنه يصعب التفريق بين التهاب البلعوم الفيروسي وبين النوع الجرثومي، ولكن هناك بعض الأعراض التي ربما توحي بوجود سبب جرثومي لالتهاب البلعوم أو اللوزتين. وتشمل هذه الأعراض: حدوث الألم فجأة في البلعوم، والصداع وارتفاع الحرارة وقد يترافق ذلك بألم في البطن وغثيان وقيء، وإن وجود عقد بلغمية أمامية في الرقبة، وصديد على اللوزتين والبلعوم، يثير الاشتباه بالسبب الجرثومي لالتهاب البلعوم.
يمكن التعرف على وجود سبب جرثومي لالتهاب البلعوم بأخذ مسحة من الحلق وزرعها في المختبر (مزرعة الجراثيم). كما أن هناك فحص دم خاص يمكن من خلاله التعرف على حدوث إصابة بالمكورات السبحية. وإذا كان هذا الاختبار إيجابيا، أو كان الزرع الجرثومي إيجابيا، فينبغي الاستمرار بالمضاد الحيوي لمدة عشرة أيام.
كيف يعالج التهاب البلعوم الجرثومي؟
تعتبر معالجة التهاب البلعوم الجرثومي أهم خطوة في الوقاية الأولية لمحاربة حدوث الحمى الروماتيزمية. ومازال البنسلين هو الدواء الأمثل في هذه الحالات. ويفضل إعطاء جرعة واحدة من البنسلين المديد Benzathin Penicillin بالعضل للأطفال الذين يشكون من التهاب البلعوم عندما يكون الزرع الجرثومي لمسحة الحلق إيجابيا.
ويمكن استخدام البنسلين عن طريق الفم، أو الايرثرومايسين عند الذين لديهم حساسية من البنسلين لمدة 10 أيام. وينبغي التأكيد على ضرورة الالتزام بهذه المدة (10 أيام) حتى ولو اختفت الأعراض التي يشكو منها المريض خلال الأيام الأولى من تناول العلاج. وليس للـ Ampicillin أو الـ Amoxil أية مزايا تفوق تأثير البنلسين في هذه الحالات.
كيف يمكن منع تكرر حدوث الحمى الروماتيزمية ومنع تطور الإصابة القلبية عند من أصيب أحد صمامات قلبه؟
لا شك أن الطريقة المثلى لذلك هي بإعطاء البنسلين المديد Benzathin Penicillin في العضل مرة كل 3 - 4 أسابيع باستمرار. ويمكن استعمال البنسلين عن طريق الفم أو sulfadiazine أو الايرثرومايسين عند من لديه حساسية للبنسلين.
ولكن استعمال الحبوب عن طريق الفم لسنوات يعتبر أقل فعالية في الوقاية من هجمات التهاب البلعوم الجرثومي. وإذا تمكنا من منع تكرر هجمات الحمى الروماتيزمية فإن 70% من نفخات القصور التاجي (التسرب في الصمام التاجي)، و 72% من نفخات القصور الأورطي تختفي تماما خلال 10 سنين، ولا يحدث تضيق في الصمامات عندهم.
إلى متى يستمر إعطاء البنسلين المديد بالعضل؟
ليس هناك اتفاق بين العلماء على المدة التي ينبغي الاستمرار فيها إعطاء حقن البنسلين عضليا. والحقيقة أن ذلك يعتمد أساسا على ما إذا كانت هناك إصابة قلبية بالحمى الروماتيزمية أم لا. ففي حال وجود إصابة قلبية فينبغي استخدام البنسلين المديد بالعضل حقنة كل 3 أسابيع وربما مدى الحياة ولكن غالبا إلى أن يصل المريض إلى سن الثلاثين أو الخامسة والثلاثين.
أما إذا لم تكن هناك إصابة قلبية فينبغي إعطاء البنسلين في العضل كل 3 أسابيع لمدة 5 سنوات بعد هجمة الحمى الروماتيزمية أو ربما لأوائل العشرينات من العمر. ومن الحكمة أن يقرر الطبيب المعالج تلك المدة الزمنية تبعا لحالة المريض وظروفه المعاشية واستجابته للمتابعة الطبية. ولا يزال الأمل يحدونا في الحصول على لقاح vaccine لمنع حدوث الحمى الروماتيزمية في المستقبل القريب.
ماذا عن الحساسية من البنسلين؟
تساور بعض المرضى مخاوف من حقنة البنسلين، خشية حدوث تحسس للبنسلين عند المريض، حتى أن تلك المخاوف حالت دون حصول المريض على معالجة فعالة لالتهاب البلعوم، كما حالت دون إعطاء المريض وقاية كافية ضد الحمى الروماتيزمية، ورغم أن الارتكاسات التحسسية للبنسلين قد تحدث عند بعض المرضى، إلا أن ذلك أمر نادر الحدوث عند الذين يعطون البنسلين المديد عضليا كل 3 - 4 أسابيع. والارتكاس التحسسي (كالطفح الجلدي مثلا) يحدث عند حوالي 3% من الناس. أما الصدمة التحسسية فتحدث عند 2 بالألف من الحالات فقط.
ومعظم هذه الحالات حدثت عند أطفال يزيد عمرهم عن 12 سنة. ولهذا فإن فوائد الوقاية من الحمى الروماتيزمية وأمراض القلب الروماتيزمية تفوق بكثير مخاطر الارتكاس التحسسي للبنسلين. فقد أكدت الدراسات أن 90% من الهجمات الأولى من الحمى الروماتيزمية يمكن منعها إذا ما استعمل البنسلين المديد في العضل بصورة منتظمة .