عندما تعيش أي أمة حالة من الغيبوبة التاريخية والحضارية يجد أعداؤها فرصتهم لتمرير سياساتهم على النحو الذي يخدم مصالحهم ويحقق أهدافهم، ولا يُستغرب منهم ذلك طالما أنهم يتفانَوْن في نصرة قضيتهم (على باطلها) في حين أن صاحب الحق نائم! وعليه فليس مستغرباً أن يُمعِن المحتل في الاستخفاف بصاحب الأرض فيفرض عليه أن يعترف ليس فقط باحتلاله للأرض في بُعده السياسي والعسكري، وإنما في بُعده العقائدي أيضاً، ويجرِّمه إن لم يفعل...
وبالتالي فإنّ طرح الكنيست الصهيوني لمشروع قرار يقضي بالسجن عاماً كاملاً لكل من يرفض الاعتراف بأن إسرائيل "دولة يهودية ديمقراطية" لم يُثِر استغرابنا، وإنما دعانا لعقد مقارنة بيننا وبينهم: ففي الوقت الذي يفخر فيه الصهاينة بـ "يهودية الدولة"، تجرِّم الأنظمة العربية مَن تخطر على باله فكرة "إسلامية الدولة"، وهم المنتسبون - في الأوراق الرسمية - إلى الإسلام، وبعض هذه الدول تنص ضمن دساتيرها على أنّ "دين الدولة: الإسلام"! ومَن يَهُن يسهل عليه الهوان؛ لذلك لن نُصدم إذا أُقر المشروع الآخر الذي تقدم به حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف يطالب بموجبه المواطنين (ومن بينهم فلسطينيّي الـ48) بأنْ يقسموا بالولاء "للدولة اليهودية"! ولن نُدهش إذا ما جاء اليوم الذي يحل فيه "الهيكل المزعوم" مكان الأقصى (سلّمه الله).
إزاء هذا المشهد المُذل، تستوقفنا هذه الشخصية وكيف صيغت؟ وتلك العقلية ومن الذي شكّلها؟ وعلى أيِّ قضية يُنَشَّأ هؤلاء؟
وهنا نستطيع القول:
إنّ التربية العنصرية التي تحمِّل "القضية الصهيونية" لكل فرد يهودي منذ صِغَره كفيلة بأن تُنتِج أشخاصاً مستعدّون لتخطّي كل القيم الإنسانية والأعراف الدولية من أجل نُصرتها، ولقد ساهمت المرأة اليهودية بتلقين هذه التربية للأجيال اليهودية المتعاقبة، فعلّمت أبناءها كيفية الاحتفاظ بالأرض المغتَصَبة. "وقد أدركت إسرائيل أهمية التربية، حيث اعتبرتها من مستلزمات الدفاع الوطني، بل اعتبرت أن دورها يفوق دور دبابات السنتوريون التي تؤلف عاملاً مهماً من عوامل الأمن والسلامة بالنسبة لمستقبل إسرائيل القريب، بينما تمثل التربية العامل الأكثر أهمية بالنسبة لمستقبل إسرائيل البعيد" ("العنف والسلام في إستراتيجية الصهيونية" لإبراهيم العابد، مركز الأبحاث والدراسات الفلسطينية - بيروت، 1967، ص121).
ولولا إدراك الأعداء لخطورة دور المرأة المسلمة عبر التاريخ في تربية الجيل الذي تحطّمت عنده أطماعهم ما حرصوا على زعزعة ثقتها بدينها وقطع صلتها به، وما عَمِلوا على تفريغ مفهوم "الأسرة" - في حسّها - من مضمونه، فأقنعوها بأن الإسلام ظلمها حين فرض عليها الحجاب وأمرها بالقرار في بيتها وعَهِد إليها بمهمة "صناعة الإنسان"، وبأن لها قضية خاصة يجب أن تحارب من أجلها: فلتنبذي – أيتها المرأة - تعاليم الإسلام لأنها باختصار لم تعد تصلح لهذا الزمان، ولأنها تحفة نادرة مكانها في المتاحف، وليس في حياة البشر!!!
وحصدت الأمة النتيجة... وقطفت الأجيال نِتاج ما تبنّته نساؤنا – إلا مَن رحمها الله – يساندها أشباه الرجال... فلنتلمّس معاً مواصفات هذا الجيل:
شبابنا بمعظمهم - فتياناً وفتيات - لا هَمَّ لهم إلا مواكبة آخر ما تتفتق عنه العقلية الغربية من تكنولوجيا، وأحدث ما تفصِّله دور الأزياء من موضة، قدوتهم: أهل الفن، والرياضة، والثراء... حبّ المظاهر تَملّك قلوبهم وعقولهم، والطمع في حياة مترفة بعضهم عاشها وبعضهم يلهث للحصول عليها... ووالله إنّ الأمة المترفة لا تصنع رجالاً ولا تبني مجداً.
وبما أنّ المرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها كما أخبر الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - فما ينبغي لها أن ترضى لنفسها حياةً هامشية لا أثر لها ولا فاعلية، فضلاً عن أن تتبنى خطة الأعداء في هدم مقوّمات نهوض الأمة بإساءة تربية هذا الجيل؛ والتربية الفاسدة تكون بتمييع شخصية الطفل وغرس حبّ الدنيا في قلبه وتنشئته على الخنوع والرضا بالذل خشيةً عليه من أن يصيبه مكروه!
فيا عزيزتي:
إنْ ربّيتِ ولدك تربية القادة العِظام فسيكون كذلك بإذن الله، وإن ربّيته تربية الإمّعة فسيكون كذلك أيضاً؛ واعلمي أنّ الشخصية التي ترسمينها لولدك سيكونها، فاغتنمي سِنِيْ البناء الأولى تكسبي:
1- اغرسي العقيدة الصحيحة في قلب ابنك وفِكره منذ يومه الأول بمختلف وسائل التعليم المتاحة. وأَشربيه حبّ الله ورسولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وإحسان الصلة بهما، واجعليه متشبِّعاً بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل تفاصيل حياته، وخاصة في علاقته بربِّه تعالى. وربِّيه على الاعتزاز بدينه، والافتخار بتعاليم الإسلام، وبأنه يتشرّف بتطبيقها.
2- انتبهي لما تُنْشِدين له، وما تخبرينه من قصص، ولا تظني أنه لا يفهم ما تقولين؛ بل إنه يفهم ويستوعب ويخزِّن المعلومات وترتكز في لاوَعْيِهِ وتشكِّل شخصيته.
3- حبّبي إليه الشخصيات الإسلامية البارزة التي فتح الله على يديها بلاد المسلمين.
4- علِّقي قلبه بالمساجد وبحِلَق العلم والذِّكر لا بمظاهر الدنيا ومادياتها وشهواتها؛ تقول غولدا مائير رئيسة وزراء اليهود (1969-1974م): "نحن لا نخاف من المسلمين إلا عندما يصلّون الفجر في المسجد كما يصلون الجمعة"؛ فأين أنتم يا شباب الإسلام؟ المساجد تشتاق إليكم، والعدوّ من ذلك يرهبكم، السلاح بأيديكم ولكنكم لم تتعلّموا بعد كيف تستخدمونه!!!
5- سلِّحيه بالحُجج (بما يتناسب مع فَهمه)، وعلِّميه كيف يدافع عن قناعاته، وكيف يستعلي بإيمانه. وشجِّعيه على قول الحق فلا يخشى فيه لومة لائم، وعلِّميه كذلك أدب المواجهة والمجادلة؛ وبذلك يشبّ ابنك بإذن الله قويّ القلب ثابته، لامع الفِكر، فصيح البيان.
6- اختاري له جماعة مستقيمة على منهج القرآن والسُّنة، وصحبة صالحة من عائلات صالحة أيضاً.
7- اعتمدي أساليب الترهيب التربوية التي تتناسب مع عمره، وإياك ثم إياك أن تُخيفيه بالبُعبُع وغيره، فهذا الأسلوب لا يبني رجالاً.
8- أَشبعي ولدك عاطفياً حتى لا يبحث عن البديل خارج حضنك؛ فينشأ مضطرب النفس منحرف الهوى غير متوازن الشخصية... وشابٌّ هذه صفاته أنّى له الثبات أمام عدوّه؟
9- لا تجعلي للفراغ في حياة ولدك مكاناً: اجعلي له برنامجاً متوازناً يجمع بين العبادة والثقافة والترفيه، وكل ذلك بما يطيق.
10- علِّميه كيف يُحبّ في الله ويُبغض فيه حتى يستقيم عنده الميزان في الحكم على الأشخاص وتالياً في اتباعهم، وأَشربي قلبه محبة المسلمين الصادقين جميعاً على اختلاف طبقاتهم وجنسياتهم وأماكنهم، واحفظي معه قول الشاعر:
ولستُ أدري سوى الإسلام لي وطناً الشامُ فيه ووادي النيل سيّانِ وكلّما ذُكر اسمُ الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءَه من لُبِّ أوطانِ |
11- عيشي مع ابنك قضايا المسلمين في كل مكان، وعلِّميه الإنفاق في سبيل الله نُصرة لهم، وعرّفيه بكل قضية وأعطيها بُعدها الإسلامي، وأَفهميه حقيقة صراعنا مع اليهود وسائر الأعداء.
12- أَظهري إعجابك بأطفال فلسطين الذين يشاركون في الجهاد ضد اليهود، وادعي لهم وللمجاهدين، واجعلي حب الجهاد في سبيل الله يملك عليه قلبه، فلا يضطرب في المستقبل عند لقاء العدوّ، ولا ينصهر هذا القلب ويتماهى مع ما يخطِّط الأعداء.
13- وبالجُملة: علِّميه كيف يحيا الحياة كلها لله وفي سبيل الله وعلى منهج رسول الله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وقبل كل ذلك وأثناءه كوني لأبنائك القدوة الحسنة التي تُعينُهم وتشملهم بالرعاية والحب والحنان وحُسن التأديب، ولتتمثّلي بلسان حالك ومقالك ما قالته امرأة عمران مخاطِبة ربّها: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
وبعد:
فإن كان نِتاج تربيتك: شخصية قيادية جهادية متوازنة، تكونين قد قدّمتِ لجيش المسلمين القادم أول قائد ترتعد فرائص الأعداء منه. وتذكّري دائماً أن الكثيرين من عظماء المسلمين عبر التاريخ من قادة وفاتحين تخرّجوا من مدارس أمهاتهم، فاسعَيْ جاهدة لأن تكوني منهن، عسى أن يكون أولادك من الذين سيُعيدون للإسلام مجده ويُقيمون له دولته؛ وما ذلك على الله بعزيز.