علاج مشكلة الإلحاح عند الأطفال .
كثيرا ما يتعرض الوالدان للحرج وهو برفقة أبناءهم، فيصر الطفل على أن يشتري له والداه ما يرغب فيه، وحتى لو أخبراه بأنهما لا يملكان ثمن ما يريد اقتناءه، فهو أحيانا يصر على تلبية رغبته دون تماطل ولا اعتذارات، مما تختلف معه ردود فعل الأب أو الأم، فهناك من تأخذ ابنها جانبا وتحاول إقناعه بشتى الطرق على أن يكف عن إلحاحه، وهناك الأب الذي قد يلجأ إلى العنف وصفع ابنه حتى لا يكرر ما فعله، وهناك أيضا من يكلف أو تكلف نفسها حتى ترضي ولدها وتشتري له ما اشتهت نفسه كيفما كانت الأحوال.
يحلل هذا السلوك وتعامل الطفل مع والديه وتعامل هذين الأخيرين مع طفلهما في مثل هذه الحالات التي تتكرر وتحدث داخل كل أسرة، مؤكدا أنه غالبا ما تجد الأسر (خصوصا ذات الدخل الضعيف أو المتوسط) نفسها أمام هذه المشكلة، وأمام صعوبة إقناع أطفالها بالتنازل عن رغباتهم ومطالبهم المتكررة والملحة، والتي لا تقدر الأسرة على تلبيتها، نظرا لغلاء المطلوب أو عدم توفر النقود لذلك.
فإن مسألة إقناع الأطفال بالتنازل عن رغباتهم ليس بالأمر الهين، وذلك لعدة معطيات يجب تفهمها علميا قبل بناء أي خطة للإقناع، وخصوصا لدى الأطفال الذين يوجدون في المرحلة ما قبل المراهقة:
كون الطفل سيكولوجيا ونمائيا غالبا ما يوجد في مرحلة أو حالة "التمركز على الأنا" حسب تعبير المفكر والتربوي الفرنسي"جون بياجي"، مما يجعل الطفل يتمركز حول رغباته وهواجسه و"أفكاره"الذاتية، ولا يعير كثيرا الآخر ومتطلبات وشروط الواقع والعالم الخارجي أي اهتمام كبير(مما يفسر العناد الكبير لجل الأطفال).
و من الناحية الفكرية/المعرفية: الطفل هنا، غالبا، لم يطور بعد قدرات التفكير العقلاني والمنطقي الذي يوازن بين مبدأ اللذة (الذاتية) ومبدأ الواقع (ضغوطات وشروط الواقع الموضوعي)؛ مما يجعل أمر إقناعه عقلانيا وموضوعيا أمرا صعبا.
كما أن الطفل يعرف في هذه المرحلة بحبه للتملك، OAS_AD('Middle'); وفضول التملك للاكتشاف، والغيرة ومنافسة الآخرين لإبراز الذات (امتداد التمركز على الأنا)؛ مما يجعل الطفل يلح في امتلاك الأشياء (المطالبة بشرائها)، إما كنزوة وضرورة نفسية، أو من أجل إبراز الذات ومنافسة الآخرين "فلان/ة عنده كذا، ولما لا أنا"، "أريد كذا أحسن كذا فلان/ة"..
ـ الوسط السوسيو ثقافي للطفل المعاصر يمتاز بعدة متغيرات تشجع على التملك، وعلى إثارة الغرائز وتهييجها، وعلى خلق حاجيات استهلاكية جديدة ومتجددة ومغرية؛ سواء عبر وسائل الاتصال السمعية البصرية (تلفاز...إشهار...)، أو عبر إغراق السوق الاستهلاكية بالبضائع الموجهة للأطفال...مما يجعل الطفل/ة عرضة سهلة ليكون الزبون المستهلك رقم واحد في السوق الاقتصادية.
إجراءات عملية للإقناع:
أمام كل هذه المعطيات الذاتية والموضوعية للطفل، كيف يمكن للوالدين إقناع طفلهما عند إلحاحه على شراء شيء ما بأنهما لا يستطيعان؟
للإجابة على هذا التساؤل التربوي والسلوكي العريض، وهناك بعض الاقتراحات والإجراءات الضرورية:
- نواة المشكلة تبدأ من طريقة تربية الأطفال: فمثلا "الدلال"الكثير وغير المعقلن، والخضوع لـ"سلطة"رغبات الطفل دائما، دون تربيته وتعويده أنه لا يمكننا دائما تلبية رغباته، وبالتالي تربته وتنشئته على بعض الضوابط والمعايير الموضوعية، وأولها احترام السلطة المعنوية للوالدين (أن يسمع كلام والديه).
- يمكن إقناع الطفل بأننا نرفض شراء كذا لأنه يفعل كذا أو لم يفعل كذا (بعض الأفعال غير المرغب فيها تربويا).
- تبيين بعض العواقب السلبية، والمفهومة من طرف الطفل، لذلك الشيء الذي يريده، وذلك بطريقة مقبولة منطقيا وواقعيا، وممكن تحويل اتجاه طلبه إلى شيء في المتناول.
- يمكن أن نقول له إن أردت أن نشتري لك كذا عليك أولا أن تفعل كذا...(استغلال ذلك تربويا).
- وكإجراء أخير، علينا أن نخضعه لأمر الواقع، ونفسر له بطرق مناسبة سبب عدم تمكننا من شراء كذا، وبالتالي نكون نربيه حسب منطق الواقع، مما سيكون لذلك من نتائج إيجابية على إنضاج شخصيته..ويخلص الصدوقي للقول بأن مسألة إقناع الطفل مرتبطة بشكل كبير بذكاء و"دهاء" الوالدين، شرط أن يكون ذلك بوعي ووفق ضوابط تربوية.
تسعى كل أسرة إلى توفير الأفضل لأطفالها، وغمرهم بالحب والحنان ورسم البسمة على وجوههم.. ولكن في بعض الأحيان قد يفهم الأبناء هذا الهدف النبيل بصورةٍ مختلفة فيخالونه "محاولة إرضاء"..
ولا يتورّعون عن زيادة حجم طلباتهم والإلحاح عليها بصورةٍ قد تتحول في أحيان كثيرة إلى "عنادٍ وبكاء" و"زنٍ" لا يطاق.. (فإما أن تلبى طلباتهم، أو يبقى الحال على ما هو عليه) ويكون "الصراخ المتواصل" وسيلة ضغطٍ "فعّالة" يمارسونها على الوالدين.. حتى تتم الموافقة.
"أطفالنا" لهذا العدد تناقش معك عزيزي القارئ "سلوكاً سلبياً" أحياناً نعززه كـ "آباء" بحسن نية، وهو الرضوخ لإلحاح الطفل على طلباته بطريقةٍ مزعجة.. مرفقةً مع ذلك طريقةً تساعدك كأب/ كأم في الموازنة بين "طلبات" طفلك واحتياجاته الفعلية، وتلبية الضروري منها – من دون دلالٍ أو جفاء- على حدٍّ سواء.
لن تموت إن لم تحلّه
"ماما متى سنذهب إلى بيت جدي؟".. هذا السؤال كرره أحد الأطفال (7 سنوات) على مسامع أمه 6 مرات في الدقيقة الواحدة، ترد الأم :"بعد أن نتناول طعام الغذاء"، يعود محمد فيكرر السؤال مرةً أخرى، فتصرخ أمه في وجهه.. "وبعدين"!!
الأسباب التي تدفع الطفل إلى الإلحاح ترجع إلى سرعة نمو الطفل العقلي، وهذا دليل على نشاطه ونموّه المعرفي، وقد يكون السبب نفسياً حيث تعبر كثرة أسئلته وطلباته عن نوعٍ من الحرمان العاطفي أو المادي، وقد يكون نتيجة الدلائل الزائد
د.الشاعر
بعد لحظات يفاجئها بسؤالٍ آخر "متى سنحلّ واجب المدرسة؟" تجيبه "بعد أن أنتهي من تحضير الطعام".. يكرره ، فتسكت وتقول لنفسها –لن أجيبه-، ثم يكرره –فتسكت-.. فيكرره، فتصرخ في وجهه ثانيةً بعصبيةٍ شديدة "لعيت قلبي.. قلتلك بعد الغدا، إنت ما بتفهم؟"..
يقول لها وقد اغرورقت عيناه بشبه دمعه "لو ما حلّيت الواجب راح يضربني الأستاذ.. يعني يضربني.. يعني أموت.. بدي أحله الآن".. ويستمر هكذا حتى تترك أمه ما في يدها "إرضاءً له" فقلبها لا يتحمّل رؤية دموع حبيبها.. وتذهب معه إلى غرفته لتساعده في حلّ الواجب (مع العلم أن يومها كان الخميس).
يريد ما في يد غيره
ولا يختلف أحد الأطفال (5 سنوات) في طرحه للأسئلة، وطلب الطلبات، عن سابقه كثيراً.. وهذا ما أكدته والدته قائلةً :"إصراره على الشيء يقتلني، فأضطر لتنفيذه (...) الأدهى أن كل ما تقع عليه عيناه في يد الآخرين يطلب مني مثله، وإن لم أعده بجلبه له في يومٍ محدد يبكي ويثور ويبدأ بركل الأرض بكلتا رجليه ثم يجري خلفي أينما تحرّكت، وهذا يزعجني كثيراً فأضطر للاستجابة رغماً عني حتى أسكته وأتخلص من طريقة الابتزاز العاطفي التي يتقنها".
وأكدت أنه سرعان ما يعاود الإلحاح بطلباته التي لا تنتهي في ظل أسلوب ممل، متممة: "أكثر ما أخافه هو أن يستفحل الأمر فيه عند كبر سنه وأن يقلده إخوته الآخرون".
"لن أنصاع"
صادفنى بعض الحالات وهنا إذا لم تلب أم الطفل (6سنوات) طلباته في التوّ واللحظة، فلتتلقى إذن نصيبها من الركل والضرب.. وبالإضافة إلى ذلك يستمر تكرار الطلب على مسامعها، والبكاء المتواصل حتى تنفذه، "وياما" استثار بهذه الطريقة أعصابها فتسبب في نقل عصبيتها هذه على بقية إخوته,, ورغم كونها ترد على هذه اللكمات والضربات بإرشادات وتوجيهات مفادها "أن هذا تصرف غير لائق" إلا أنه لا يتورع عن الاستمرار في ذلك حتى يفقدها صوابها..
كما أن أخاه الذي يصغره سناً لا يكف عن تقليده في الإلحاح على أمه في أي طلب يريده، الأمر الذي يجعل من الأم رافضة لتلبية رغبات أي منهما.
نشأت مدللة..
أحدى الأطفال لا تطلب طلبا يصاحبه الإلحاح إلا ويلبى لها نظرا لأنها تصاحب طلبها هذا بالبكاء والصراخ المتواصل دون تعبٍ أو ملل، قالت والدتها :"في البداية كنت أجد نفسي ضعيفة أمام دمعة ابنتي، الأمر الذي أوقعني في مشكلة تربوية كبيرة، حيث نشأت ريما على هذا الدلال المفرط فكل ما تطلبه وتلح عليه هو الحلوى والسكاكر التي كلما حاولت أن امنع دخولها المنزل تبدأ في بكائها حتى ترتفع معه درجة حرارتها أحياناً"، مبينة أنها لا تسكت إلا إذا ذهبت هي واشترت كل ما ترغب به من شوكولاتة وحلويات، وأكثر ما يحزنها أنها تعاني من تسوس وسقوط أسنانها الأمامية وهي مازالت في عمر الست سنوات.
الأسباب التي تدفع الطفل للإلحاح في طلباته هو التدليل الزائد من قبل الأم تحديداً، أو شعور أحد الوالدين بطول فترة غيابه في العمل عن أطفاله، فيعمل لا شعوريًّا على تلبية رغباتهم كنوع من التعويض"، مبينا أن الوالدين بحبهما لطفلهما لا يدركان أنهما يضرانه بتدليله الزائد وتلبية رغباته أيا كانت
و لكي لا يتأثر إخوتها الأصغر منها بصراخها المتواصل، أقف عاجزة أمام طلباتها فأحاول إقناعها ولكن هي طفلة لحوحة وتصر على رأيها، خاصة في لبسها فلا يعجبها ما أختاره لها من ملابس"، لافتة إلى أن الأمر يكون أصعب إذا كانت البنت مدللة أكثر من الولد، لاسيما أن الأطفال أذكياء يعرفون متى وكيف يلجؤون لمسلسل الإلحاح الشديد بصورته المعهودة.
لأسباب عديدة
أن الأسباب التي تدفع الطفل إلى الإلحاح على طلباته بصورةٍ مزعجة في بعض الأحيان ترجع إلى سرعة نمو الطفل العقلي، وما كثر إلحاحه "وشقاوته هذه" إلا دليل على نشاطه ونموّه المعرفي، وهذا جانب.
وقد يكون السبب نفسياً، حيث تعبر كثرة أسئلته وطلباته عن نوعٍ من الحرمان العاطفي أو المادي الذي يشعر به من قبل الأسرة، أو قد يرجع ذلك إلى رغبته في جذب انتباه أبويه على وجه الخصوص إلى وجوده.
لا يوجد طفل مشكلة وإنما يوجد أب وأم مشكلة، لا بد من وجود نوعٍ من الوعي والفهم لطبيعة الطفل وشخصيته لدى الأبوين
إن أهم الأسباب التي تدفع الطفل للإلحاح في طلباته هو التدليل الزائد من قبل الأم تحديداً، أو شعور أحد الوالدين بطول فترة غيابه في العمل عن أطفاله، فيعمل لا شعوريًّا على تلبية رغباتهم كنوع من التعويض"، مبينا أن الوالدين بحبهما لطفلهما لا يدركان أنهما يضرانه بتدليله الزائد وتلبية رغباته أيا كانت.
الآثار الناتجة
وتحدث عن الآثار التي يمكن أن يخلفها رفض الأبوين لتلبية هذه الرغبات، وتابع :"الأسلوب الذي يمكن أن تتبعه الأم في –تطنيشها- لابنها أو ابنتها عندما يسألانها أسلوب فاشل، والأصل استيعابها للطفل وإجابة أسئلته بصورةٍ لائقة.
ونوه إلى أنها في حال قابلت مشاعره الخفيّة الممثّلة بالسؤال بشيء من السخرية أو العنف أو الاستخفاف،"فإن ذلك سوف يلحق به ضرراً كبيراً، ويخلق منه شخصيةً انسحابية وعاجزة وبعيدة عن مجريات الحياة.
وشرح الآثار التي يمكن أن تلحق به في حالة تلبية رغباته وطلباته "المطعّمة بنوعٍ من الإلحاح"، بقوله :"إن تساهل الوالدين مع طفلهما واستسلما لضغوطه، ولم يميّزا احتياجاته الضرورية ورغباته، قد يؤدي إلى إفساده، وغرس حب الذات والأنانية والرغبة في الامتلاك في نفسه"، متمماً :"فيصبح الطلب بالنسبة له –أمراً- لا بد من تنفيذه، فيسلب ذلك منه أي إحساسٍ بالمسؤولية أو حبٍّ للمشاركة ، بل يفقده كيفية الاعتماد على نفسه، حيث إن دلاله يدفعه للاتكال على غيره".
العلاج المناسب
أما علاج هذه الظاهرة - فتتمثل في تقديم النصائح للوالدين "لأنه لا يوجد طفل مشكلة وإنما يوجد أب وأم مشكلة"، قائلاً :"لا بد من وجود نوعٍ من الوعي والفهم لطبيعة الطفل وشخصيته لدى الأبوين، ومن هنا على الأسرة أن تتعرف على حاجات الطفل النفسية ودوافعه للإلحاح ثم محاولة علاجها".
وبين أن العلاج يتطلب نوعاً من التوافق الأسري ووضع حد للطلبات مهما زاد الإلحاح عليها، مع توفير الأمن النفسي للطفل وتعويده على المسؤولية وحب الآخرين والبعد عن الأثرة والأنانية، مكملاً حديثه بالقول: "التنويع بين أساليب الثواب والعقاب ضروري، فمن ينجز عمله ويطع والديه ويجتهد في دراسته يكافأ ومن يلح أو يبك ليحصل على أي طلب يحرم منه"، مؤكدا على أن الضرب والتهديد يزيدان من حجم المشكلة.