على المجتمع ترسيخ المبادىء الصحيحة والعقيدة الصافية والشعور بالمسئولية في نفوس أبنائه فالمسئولية الفردية لا تتعارض مع المسؤولية  الجماعية إنما تتناسق وتتكامل حتى تكون كل مسئولية منها أوضح وأقوى فشرع الله هو المصدر الذي حدد المسؤولية وهو الذي وازن بينهما.

 

وقد وضع الإسلام شروطا لابد من توافرها لتحقق المسؤولية ومنها:-

 

1- الأهلية وتتحقق بالعقل والبلوغ والفهم والإدراك ففاقد العقل لا مسؤولية عليه قال صلى الله عليه وسلم( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ, وعن الصغير حتى يكبر , وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق ) روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها , أخرجه ابن ماجه .

 

2- القدرة والاستطاعة أما بالفعل أو الترك فلا مسؤولية مع العجز عنهما فالتكليف متناسب مع القدرة والاستطاعة قال تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة 286.

 

3- النية والقصد وهي عزيمة القلب قال تعالى ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم ) البقرة 225 وقال صلى الله عليه وسلم (أنما الإعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) صحيح البخاري .

 

 لذا فان النصوص الشرعية تؤكد على إن الإنسان محاسب على نيته أما بالثواب إن كانت خيرا أو بالعقاب إن كانت شرا , والنية الجازمة وحدها هي مناط المسؤولية

4- العلم بالعمل فالمسؤولية تتحقق إذا علم الإنسان بحقيقة ما يعمل وما يؤدي إليه من نتائج خيره كانت أم سيئة وعلم بحكم العمل الشرعي والأخلاقي وفهم حقيقته وعرف أمره فهو يتحمل مسؤولية ذلك كاملة في مجال العقيدة والعبادة والأخلاق والعلاقات والمعاملات .

 

 كل هذه تجعل الإنسان مسئولا مسؤولية شامله عن جوارحه وبدنه وروحه وعقله وعمله وعلمه ووقته وعمره وماله لا تنفك عنه لحظة واحدة فهو مسئول عن نفسه مسئولية كاملة لا يشاركه في حملها احد غيره قال الله تعالى ( وكل إنسان ألزمناه طائرة في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا* اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا* من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل  عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) الإسراء 13-15

 

وقال صلى الله عليه وسلم " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن علمه فيما فعل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه " , رواه برزة الاسلمي ( جامع صحيح ) لذا نجد انه إلى جانب مسؤولية العبادات والمعاملات فهناك مسؤولية التربية على القيم الإيمانية فلا شك أن التعليم مهنة سامية لأنها تتطلب من المعلمة عملا متواصلا ومهارات خاصة وخلقا قويما ينبثق عن الشعور العميق بالمسؤولية نحو المتعلمة وأهداف المجتمع والتعليم ولا عجب فإنها مهمة الأنبياء والمرسلين فقد قال الله سبحانه وتعالى( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانو من قبل لفي ضلال مبين ) الجمعة 2

فعلى المعلمة مسؤولية عظيمة في تحقيق التربية الإيمانية التي تعلق القلب بالله وتخلصه من عوالق الدنيا وزخرفها , وتجعل قوتها وحولها بالله , وهي التي تطهر القلب وتزكيه فلا يكون التعلق بالمال والجاه والمكانة والشهرة , كما إنها تربي كبح النفس عن جماح شهواتها ولذاتها وتعنى بإصلاح القلب ليلازمه صلاح السلوك قال صلى الله عليه وسلم ( ألا وان في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) والقيام بالمسؤولية بصورتها الصحيحة , يقتضي وجود  التزام داخلي , يكون بمثابة القاعدة الأساسية للتوجه الأخلاقي السليم , وقد اهتمت التعاليم الإسلامية بتربية هذا الجانب وهو ما يسمى بالضمير.

 

فهذا الضمير الذي هو أساس الإحساس بالمسؤولية أصله مغروس في الفطرة الإنسانية لكنه يحتاج إلى التربية والرعاية حتى يسمو بصاحبه ويرتقي به عن سفاسف الأمور , واستحضاره الدائم لمراقبة الله له تتحول إلى طابع ذاتي غير متكلف يدفع به إلى القيام بالتكاليف الشرعية والدنيوية بهدوء وسكينه من منطلق انه يتعامل مع ربه قال تعالى ( وهو معكم أينما كنتم والله بما تعلمون بصير) الحديد 4

 

كما تتمثل مسؤولية المعلمة في تعليم تلميذاتها إخلاص النية في طلب العلم وان تكون أنموذجا في خلقها وان تسعى جاهدة في تطهير النفس عن المساوىء والحرص على الجد والاجتهاد والمواظبة والذي هومن  جوهر المهام التربوية, ونستحضر المسؤولية في متابعة الطالبات لأنها مهمة تربوية.

 

لذا عليك أختي المربية مراقبة أحوال طالباتك في آدابهن وأخلاقهن فمن صدر منها مالا يليق من ارتكاب محرم أو مكروه أو ما يؤدي إلى فساد حال وإساءة أدب فيلزمك تقويم ذلك وتهذيبه بما تعلمته من أساليب تربوية صححه وقد قال الإمام الشافعي ليس العلم ماحفظ فالعلم ما نفع . ومما كتب مالك للرشيد رحمهما الله ( إذا كنت علمت علما فلير عليك علمه وسكينته وسمته وقاره وحلمه لقوله صلى الله عليه وسلم ( العلماء ورثة الأنبياء) .

 

ولا بد للمعلم أن يدخل عالم التربية بحيث يربط العملية التعليمية بالتربية التي تعمل على تكوين الشخصية السوية , وتعينه على التعامل  مع الواقع , والسعي لارتقاء ارفع درجات المثل العليا فالمسؤوليات كثيرة والمسلمون مكلفون بتطبيق شرع الله في جميع شؤون حياتهم وغياب المسؤولية يفتح المجال لظهور الانحرافات مثل الفتن والدعوات المتناقضة هذا كله في الحياة الدنيا آما الآخرة فالمصيبة أدهى وأمر عند غياب المسؤولية حيث يقف كل إ نسان وحده بين يدي الله حين يتخلى عنه الأعوان قال الله تعالى: ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم إنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) الانعام94

 

إن المسؤولية كلها في ميزان الإسلام ممتدة بين الدنيا والآخرة لا ينفصل بعضها عن بعض سواء في ذلك مسؤولية الفرد أو الجماعة , لذا لابد من محاسبة النفس ومراقبتها وان يقوم العمل عليها فإذا عرف المسلم حدوده وأمانته وجب عليه التزامها والوفاء بها وعدم التعدي على حقوق غيره ومسؤولياتها ووجب معرفة حدود من يتعامل معهم لينزلهم منازلهم , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه ) رواه الترمذي باسناد صحيح وأخيرا على كل فرد من أفراد المجتمع القيام بمسؤولياته الشخصية المناطة به . وعلى الجميع تحمل المسؤوليات والقيام بمتطلبات الشرع وصيانة العقيدة من شوائب الشرك والضلال مع الحرص على حماية الأخلاق من أسباب التحلل والفساد والفوضى والوقوف في وجه أصحاب الهوى والشبهات.

 

 

إن الناظر في شرائع الإسلام وتعاليمه يجد إنها جميعها إنما جاءت لمصلحة البشر وسعادتهم و تكوين مجتمع يسوده النظام والمحبة والتاّلف والإحساس بالمسئولية وهذه مهمة كبرى حث عليها ديننا الحنيف .

 

و اهتم القران الكريم والسنة النبوية المطهرة بتأصيل مفهوم المسئولية والتأكيد عليها لذا قال تعالى في كتابه ( وقفوهم إنهم مسئولون) الصافات :24

2) فالمسئولية هي التي يكون الإنسان مطالبا وفقها بأمور أو أفعال يؤديها ومن الناحية الأخلاقية هي التزام الشخص بما يصدر عنه قولا أو عملاً.

 

والمعنى العام للمسئولية/ فهو التزام الفرد بما تعهد القيام به أو الامتناع عنه حتى إذا اخل بتعهده تعرض للمساءلة عنه فيلزم منه تحمل نتائج ذلك الإخلال ولذلك فان الإنسان المكلف يسأل عن الأشياء التي جعل الله له سلطانا عليها او قدرة على التصرف فيها بأي وجه من الوجوه.

 

وتنحصر مسئولية الإنسان في حدود قدرته واستطاعته , قال تعالى :( ولتسئلن عما كنتم تعملون) ( النحل 93) وقال تعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) الإسراء 36  وفي الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول صلى الله عليه وسلم  " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وهذه المسئولية التي قررها الإسلام في نصوص كثبره في القران الكريم والسنة تدل كلها على وجوب التعاون على الخير وتنهى عن التعاون على الشر قال تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )( المائدة 2) وهذه تبين مسئولية الإنسان تجاه إخوانه فإحساس الفرد انه مسئول عما يجري في محيط مجتمعه من الخير والشر يجعله حريصا للعمل على توسيع دائرة الخير فا الشعور بالمسئولية يحقق للمجتمع ألوانا من الخير ويحس كل فرد في المجتمع أن هناك من يهتم به ويحل مشكلاته ويربط بين أفراد الامه برباط وثيق يمنعهم من التفرق وينشر بينهم التواد والتعاطف والتراحم قال الرسول صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " حديث صحيح .

 

إن جوهر المسئولية ومحورها الأساسي امتثال الأمانة التي حملها الإنسان فجميع حقوقه وواجباته تنطلق من قوله تعالى ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا * ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما ) الأحزاب /72/73 .

 

إن أول مسئوليات عباد الله هي حماية الفطرة التي فطر الله الناس عليها بالسير وفق المنهج الرباني بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه , وبإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة واتو الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) الحج 41

كما إن الالتزام بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وإتباعه من طاعة الله , ومسئولية الأفراد والمجتمعات إتباع سنته والابتعاد عن الهوى والابتداع , فهذه من المسئوليات التي يحاسب عليها الإنسان لذا اهتم الإسلام بالحرص على الفرد والمجتمع عن طريق تنمية الإحساس بالمسئولية لينشأ الأفراد بصورة سليمة عقديا وفكريا وجسديا فإذا كانت الأسرة هي المحضن الأول فان المجتمع هو الأرض التي تحتضن الفرد وتغذية بما يحتاجه من النمو والتكيف مع محيطه لتجعل منه كيانا متكاملا وفردا نافعا و إلا نشأ ناقص الكيان مهزوز الوجدان قلق الفكر متوتر النفس حائر التوجه لانفع فيه لنفسه ولا لأهله ولا لمجتمعه ولا لامته لأنه يحيا بين براثن التناقض العميق بين ما يتلقاه من قواعد دينه وأسس إيمانه وما يراه ويعيشه من أفكار ضالة انحرفت كثيرا أو قليلا عن تلك الأسس والمبادىء .

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 180/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
59 تصويتات / 2830 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,866,827

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters