الأربعاء 7 مارس 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة الشروق / بقلم : فهمي هويدي الخبر أن ثمة مبادرة مصرية لحل الأزمة السورية. صحيح أنه لم ينشر إلا فى جريدة «الأهرام» أمس (الثلاثاء 6 مارس)، ولم تشر إليه الصحف الأخرى. ولا أستبعد أن يكون السبب فى ذلك أن الصحف المصرية الأخرى أهملته واعتبرته شائعة غير قابلة للتصديق. وربما كانت معذورة فى ذلك لأننا كدنا ننسى أن مصر يمكن أن تطلق مبادرات. وفى بعض الأحيان فإنها تركت غيرها يقوم بهذه المهمة، أو آثرت أن تنتظر مبادرات الآخرين وخاصة المملكة العربية السعودية. وهذا ليس تخمينا أو افتراضا، لأن ذلك ما حدث بخصوص الشأن السورى تحديدا. إذ إن معلوماتى أن وزارة الخارجية وجهت رسالة إلى المجلس العسكرى بهذا الخصوص قبل عدة أشهر، ولكن المجلس لم يرد، إلى أن جاء وزير الخارجية السعودى إلى القاهرة مشاركا فى اجتماع مجلس الجامعة العربية، وكان التوجيه الذى أبلغ به وزير الخارجية المصرى قبل أن يتوجه إلى قاعة الاجتماع أن وجهة نظر البلدين واحدة فى الموضوع.
صحيح أن الانكفاء المصرى والانسحاب من المحيط العربى له تاريخ يمتد إلى المرحلة الساداتية، التى أعلن فيها صاحبنا أن 99٪ من الأوراق فى أيدى أمريكا، وقام بزيارة القدس وعقد معاهدة السلام مع إسرائيل، التى أخرجت مصر من الصف العربى وقزمتها حتى حولتها إلى مجرد متفرجة على المشهد العربى. وهو المنهج الذى سار عليه خلفه الذى حول مصر من دولة إلى «ولاية» ضمن ولايات ما سمى بالاعتدال العربى المشمولة بالرعاية الأمريكية.
منذ ذلك الحين لم نسمع عن مبادرات مصرية. سمعنا عن تنامى الدور السعودى فى إطار الجامعة العربية، وتعاظم الدور القطرى فى الساحة العربية من اليمن إلى السودان ولبنان وفلسطين. أما الدور التركى فرأيناه يشمل الشرق الأوسط كله من باكستان وأفغانستان إلى العراق وسوريا وليبيا. أعنى أننا لم نعد نسمع عن دور لمصر رغم أن محيطها حافل بالأحداث الساخنة، باستثناء الجهد الذى بذلته فى المصالحة الفلسطينية، والذى كانت مصر فيه تقليديا ضاغطة على الطرف الفلسطينى المقاوم لحساب الطرف المتصالح مع إسرائيل. وكانت ومازالت مخاصمة للأول ومحتضنة الثانى، لحسابات ليست بعيدة عن سياسة ولايات «الاعتدال» سابقة الذكر.
بعد ثورة 25 يناير لم يعد هناك محل لمصر المنكسرة، لكن مصر المنكفئة استمرت كما هى، حتى قلت ذات مرة إن الرئيس السابق حسنى مبارك لايزال يدير السياسة الخارجية المصرية. ذلك أننا لم نشهد تغيرا يذكر فى خطوط تلك السياسة إلا لفترة وجيزة للغاية لم تتجاوز شهرين. حين تولى الدكتور نبيل العربى منصب وزير الخارجية، وقال كلاما دعا فيه إلى فتح معبر رفح وإلزام إسرائىل بتعهداتها فى اتفاقية السلام وتحدث عن تطبيع العلاقات مع إيران. لكنه بدا مغردا خارج السرب ومعبرا عن رأيه الخاص وليس عن سياسة حكومة المجلس العسكرى، فأبعد الرجل عن الخارجية وعين فى منصب أمين الجامعة العربية، ثم عادت «ريمة» إلى عادتها القديمة.
ما فهمته ــ وأرجو أن أكون مخطئا ــ أن المجلس العسكرى الذى يتلقى ضغوطا قوية يومية من الخارج (لا تسألنى من أين؟) آثر السلامة واختار أن يجمد علاقات مصر الخارجية حتى ينتخب رئيس جديد للبلاد وتسلم السلطة للمدنيين، بحيث تتحمل السلطة الجديدة هذه المسئولية. وفى حدود علمى فإن المجلس العسكرى وزع أنشطة السلطة التنفيذية على أعضائه، وأن وزير الخارجية الذى أتذكر اسمه بصعوبة، يتحرك فى ضوء التوجيه الذى يصدر إليه من عضو المجلس العسكرى المسئول، رغم ما قيل من تفويض رئيس الوزراء فى سلطات رئيس الجمهورية.
ربما لاحظت أننى لم أذكر شيئا عن مضمون المبادرة المصرية، أغلب الظن لأننى اعتبرت أن عودة المصطلح إلى لغة الخطاب السياسى فى مصر تعد خبرا بحد ذاته، بعدما نسينا أن مصر دولة يمكن أن تطلق مبادرات. ولذلك اعتبرت أن مجرد إدخال الكلمة فى جملة مفيدة واستخدامها فى الإعلام المصرى يعد حدثا مهما، بصرف النظر عن تفاصيله. حتى إذا ورد فى تصريح صحفى أو بيان سياسى يلقى فى أى مناسبة، أو حتى فى خطبة جمعة! ويخطر على بالى أنه ربما كان مناسبا أن نخفف من وطأة المفاجأة على القارئ. بحيث لا نخبره بوجود مبادرة ثم بمضمون المبادرة فى وقت واحد. الأمر الذى قد يستعصى عليه هضمه واستيعابه! ــ لكنى قلت إنه بعد هذا التمهيد ربما صار بعض القراء فى حالة نفسية مواتية تسمح لى بأن أشير إلى مضمون المبادرة التى أهم ما فيها ما يلى: الوقف الفورى للعنف والدعوة إلى تجنيب سوريا خطر التقسيم أو التدخل الخارجى، وفتح حوار مع الدول الداعمة للنظام السورى (روسيا وإيران) لإيجاد حل سياسى للأزمة.
حين قرأت الخبر المنشور مرة ثانية اكتشفت مفاجأة أخرى أصابتنى ببعض الإحباط، لأننى وجدت المبادرة برلمانية وليست حكومية، وأن الذى أعلنها كان الدكتور سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب فى كلمته أمام جلسة الاتحاد البرلمانى العربى فى الكويت. حينذاك قلت: حتى وان كانت برلمانية ولا تعبر عن رأى الحكومة المصرية فلا بأس، إذ المهم فى الوقت الراهن أن تعود الحياة إلى المصطلح ويتذكر الناس أن لدى مصر مبادرة.
ساحة النقاش