تركت مقتلة بورسعيد التى سقط فيها 75 شابا من أبناء مصر، ندوبا غائرة فى قلوب المصريين. ضاعف من آلامها أنها وقعت فى مناسبة رياضية أثناء إجازة نصف السنة، كان المفروض أن تكون مدعاة للبهجة والمتعة التى ينتظرها الشباب للترويح والتعويض عن مشاعر الكآبة التى تخيم على النفوس.. وربما ضاعف من ثقل المأساة أن أعدادا كبيرة منهم كانت من مشجعى الأهلى أو ما يسمى بالألتراس.. سافروا خصيصا إلى بورسعيد لتشجيع فريقهم. فلم يترك لهم مشجعو النادى المصرى البورسعيدى الفرصة لينقضوا عليهم بوحشية بالغة. 
فى تقرير تقصى الحقائق وصفت لجنة مجلس الشعب هذه المأساة بأن الاعتداء على الجماهير تم بالشوم والأسلحة البيضاء والشماريخ والجنازير والصواريخ التى تم تهريبها إلى الاستاد فى صناديق قبل المباراة، لم يهتم رجال الأمن بالتفتيش عليها وضبطها ومصادرتها.
 
حين وقعت المذبحة كنت من بين الذين وجهوا اللوم إلى النادى المصرى وشعب بورسعيد نفسه وأجهزة الأمن المتواطئة ورؤساء الأندية. وكان مثيرا للدهشة أن انبرت أقلام وصحف تدافع عن بورسعيد وشعبها الذى صمد فى مقاومة الاحتلال. ولم تكن هذه هى القضية. فلا أحد ينكر دور شعب بورسعيد وجسارته. ولكن لابد من التسليم بأن شعب بورسعيد لعب دائما دورا سلبيا فى مأساة الكرة، ولم يستطع كبح جموح شباب ناديه ورغبتهم فى الانتقام من الأهلى بأى شكل.. ردا على مباراة الأهلى والمصرى فى أبريل من العام الماضى أو مباريات سابقة!
 
وهنا تأتى خطورة التحريض والشحن الإعلامى الذى يميز كل المباريات الرياضية فى مصر وليس فى بورسعيد وحدها. مما خلق أجواء من التعصب المقيت والرغبة فى الثأر. تشعلها برامج تليفزيونية ركيكة، ورياضيون يفتقدون روح الرياضة، ونواد فقدت وازعها الأخلاقى، وتبنت نوعا من المكابرة الرياضية التى تعتبر الهزيمة فى الملعب طعنا فى الرجولة لا يمكن السكوت عليه ولابد من الثأر له. وإذا تابعنا برامج الرياضة فسوف نجدها محشوة بألفاظ خارجة ومصطلحات شاردة لحث المشجعين على الاحتشاد لنصرة فريق ضد فريق.
 
لقد ركز تقرير لجنة تقصى الحقائق فى توزيعه للاتهامات، على مسئولية الأمن بجميع مستوياته من الحكمدار إلى أصغر ضابط. ويليه النادى المصرى من ألتراس البورسعيديين «جرين إيجلز» فى تحمل المسئولية. بعد أن انضمت إليهم جحافل البلطجية والفلول الذين كان من بين أهدافهم إرغام مشجعى الأهلى من لابسى الفانلة الحمراء على خلع فانلاتهم، إمعانا فى الإذلال والهزيمة.
 
إلى هذه الدرجة من الرغبة فى الثأر، ومن تواطؤ قوات الأمن ومسئولى الاستاد.. إضافة إلى تراخى اتحاد الكرة فى التدخل لوقف المباراة حين تدهور الموقف أو التأكد من تنفيذ تعليمات «الفيفا» بخصوص تأمين المباريات الملزمة للاتحادات الأهلية.
 
معظم الذين تابعوا مأساة بورسعيد وجهوا الاتهام إلى الجهات الأمنية والإدارية، وأغفلوا دور جماهير بورسعيد أنفسهم، وهم أصحاب المسئولية الحقيقية فى تحول المباراة إلى مذبحة شاركوا فيها جميعا بهمة يحسدون عليها. وسبق ذلك إشعال الطرفين لأجواء العداء والتحريض عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى التى شهدت حربا بين ألتراس الأهلى وألتراس بورسعيد، بما فى ذلك عبارات التهديد والوعيد بالقتل!
 
قد يدهش المرء كثيرا حين يرى بعض وسائل الإعلام وبعض الأقلام والصحف وهى تحرض الشباب على العصيان المدنى أو الإضراب العام أو القيام بمظاهرة هنا أو اعتصام هناك.. ولكن هذه الأبواق تنكفئ على نفسها حين يتعلق الأمر بمباراة كروية بين ناديين.. هنا يغيب الإحساس بالمسئولية تماما، ويصبح التحريض على الفوضى والانتقام من الخصم أمرا عاديا لا تثريب فيه.
 
الشعوب المتقدمة تملك دائما القدرة على الاستمتاع بالروح الرياضية وألعابها، دون الإغراق فى خصومة أو عداء يثير الأحقاد والضغائن، ويفرق بين أبناء الشعب الواحد، ويزرع التعصب المدمر للفرد والمجتمع. وللأسف فقد نقلنا عن شعوب أخرى تنظيمات الألتراس دون أخلاقياتها.. وهذه هى المشكلة!

 

 

المصدر: الشروق / بقلم : سلامة أحمد سلامة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 299 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

755,783

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته