ليس عندى أى دفاع عن النظام السورى، الذى علقت الجامعة العربية عضويته أمس الأول 12/11. ذلك انه خسر كل أصدقائه بعدما أحرجهم ولم يدع لهم فرصة للتعاطف أو التضامن معه. وقد أعطى مهلة ثمانية اشهر لكى يصالح الغاضبين الذين ضاقوا ذرعا بقمعه وشبيحته وأجهزته الأمنية التى لم تبق على حرمة إلا وانتهكتها. حتى الدول العربية التى ظلت تعارض اتخاذ اجراء ضد النظام السورى ــ الجزائر مثلا ــ لم تجد بدا من التصويت فى الاجتماع الأخير لصالح تعليق عضويته، حيث لم تجد بادرة تشير إلى جدوى التضامن معه.

 
ورغم اننى مع فكرة الضغط على دمشق حتى تكف عن سياسة سحق المعارضة التى لم تهزم رغم مضى ثمانية اشهر على انطلاق احتجاجاتها السلمية، إلا اننى لا اخفى شعورا بالخوف والحيرة ازاء القرار الذى اتخذ. سأشرح لك لماذا؟
 
ذلك اننى لست مطمئنا إلى تداعيات ذلك القرار الذى يمكن ان يفتح الباب للدخول الدولى. رغم ان الإشارة إلى اللجوء للمنظمات الحقوقية الدولية جاء لاحقا على دعوة المنظمات العربية المماثلة للقيام بما تستطيعه لحماية السوريين من البطش والقمع، إلى جانب تحرى حقائق المشهد خصوصا ما تعلق منها بادعاء النظام بأن ثمة منظمات إرهابية مسلحة مدعومة من الخارج أصبحت تعمل فى سوريا. وهى الحجة التى رددتها أبواق النظام وبررت بها عدم انسحاب الجيش وآلياته من الموت. حيث ذكرت تلك الأبواق ان انسحاب الجيش معناه إخلاء الساحة لعناصر تلك المنظمات الإرهابية. ومعناه أيضا تطوع النظام بتسليم الشارع لها وهو ما يستحيل القبول به.
 
من ناحية ثانية، فإن قرار التعليق تشتم منه رائحة التمهيد للتدخل الدولى. الأمر الذى يدفع بالمشهد إلى حافة الهاوية، التى يعلم الله وحده مآلاتها وتداعياتها. يعزز الخوف ويؤكده ان النظام السورى دأب على العناد من بداية الأزمة، واستمر فى اتباع سياسة القمع والسحق مراهنا على احتمالات تفجير المنطقة فى حال سقوطه، ومبديا استعدادا مدهشا لهدم المعبد على من فيه، مسترشدا فى ذلك بمقولة نيرون الشهيرة «على وعلى أعدائى».
 
أما ما يحير فى الأمر فإن ظروف الاحتجاج الشعبى فى اليمن وإصرار النظام على تحدى الجماهير الغاضبة وإقدامه على قتل المعارضين، هذه الظروف تكاد تتطابق مع الحالة السورية، إذ القمع هو هو وسياسة الهراوة الأمنية هى هى. وإصرار رئيس الدولة على البقاء فى السلطة وعدم الرحيل هو ذاته الحاصل فى سوريا. كما ان سيطرة الأسرة على مفاتيح النظام وثروة البلد. يكاد يكون واحدا فى البلدين. وكما ان النظام السورى قبل بمبادرة الجامعة العربية ثم راوغ فيها ولم ينفذ منها شيئا، فإن الرئيس عبدالله صالح فعل نفس الشىء واكثر. اذ تسلم المبادرة الخليجية ووعد بالتوقيع علها، وقال أكثر من مجرد انه سيترك السلطة، لكنه لم يف بشىء مما عليه أو تعهد به، وظل معتصما بشعار الصمود والتصدى الذى ادعاه يوما ما. لكنه كان صمودا فى التمسك بالسلطة والكرسى. وتصديا لا يعرف حدودا للجماهير الغاضبة والمطالبة برحيله.
 
فى ضوء هذه الخلفية فإن السؤال الذى يرد على الخاطر مباشرة هو: إذا تساوت ظروف القمع الوحشى ورفض مبادرات الحلول السلمية والالتفاف حولها، وإذا طال الأمل بكل ذلك وأصبحت الدماء تزداد غزارة بمضى الوقت، فلماذا اتخذت الجامعة العربية موقفا حازما، حتى اذا كان نسبيا وجاء متأخرا، فى حين تم تجاهل الحاصل فى اليمن؟. إذا قيل ان مجلس التعاون الخليجى يقوم بالمهمة فالرد على ذلك ان المجلس فرع فى حين ان الجامعة العربية هى الأمل ثم إن مبادرة المجلس لم تحقق شيئا حتى الآن، ولا يزال الرئيس اليمنى يراوغ فيها ويناور، ويستخدمها لكسب الوقت ومحاولة تغيير الولاءات القبلية لصالحه.
 
ليس لدى رد على السؤال الذى طرحته، ولكنى ألاحظ فى صدده أمرين: الأول ان السفراء الغربيين يقومون بدور فى الموضوع، الأمر الذى يعنى ان الدول الغربية أصبحت طرفا فى التعامل مع الملف، ربما لخشيتها مما يشاع عن نفوذ لتنظيم القاعدة فى اليمن. الثانى ان المملكة العربية السعودية يبدو انها تعتبر الملف اليمنى شأنا خاصا لها لا تريد لأحد ان يتدخل فيه، بما فى ذلك الجامعة العربية. علما بأن اعادتها للرئيس اليمنى بعد علاجه من محاولة اغتياله كانت إشارة ضمنية إلى انها إذا لم تكن راغبة فى بقائه فى السلطة، فإنها على الأقل لا تريد له ان يغادر منصبه استجابة لثورة شعبية رفضته.
 
الأمر الآخر المحير فى قرار الجامعة العربية انه بدا وكأنه ليس احتجاجا على قمع الشعب السورى وانما هو غضب لإعلان ذلك القمع وممارسته فى الشوارع والسماح بتصويره وبثه فى كل مكان. إذ لست وحدى الذى يعرف ان بعض الدول التى تحمست وأيدت بشدة تعليق عضوية سوريا تمارس القمع والسحق بصور أخرى غير مرئية ولا معلنة. لذلك تمنيت ان توجه الجامعة العربية، بمناسبة تعليقها عضوية سوريا، نداء إلى الدول الأعضاء تناشدها فيه إطلاق سجناء الرأى لديها وتشدد على أهمية احترامها للحريات العامة وحقوق الإنسان، لكنى أخشى ان تكون الدول التى تحمست لتعليق عضوية سوريا هى أول من سيعترض على هذه التوصية.

 

المصدر: الشروق / بقلم : فهمي هويدي
  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 304 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

761,584

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته