في الفترة الأخيرة وقعت حادثتا تحرش بعاملات نظافة الأولي في فندق بمنهاتن, والأخري في نيويورك, والغريب أن بطلا هاتين الحادثتين تخطيا سن السبعين وهناك كثيرون مثلهم يقومون بأفعال غريبة تفقدهم احترام المحيطين نتيجة للسلوكيات الخاطئة التي قد تصدر منهما
فهل هي مرحلة مراهقة متأخرة, وما الأسباب التي تجعل رجلا مسنا يقوم بتصرفات مثل التحرش الجنسي بفتيات صغيرات في سن أولاده وأحفاده, وما الذي يجعل أيضا رجلا في مركز رئيس صندوق النقد الدولي يقدم علي فعل مثل هذه التصرفات, فلذلك نتساءل في هذا التحقيق عن الأسباب النفسية والعضوية التي من الممكن أن تكون السبب الرئيسي للقيام بمثل هذه الأفعال.
يري الدكتور يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسي كلية طب جامعة القاهرة أن التصرفات المشينة مرتبطة بطبيعة الشخصية أكثر من ارتباطها بالنشاط الجنسي والرغبة الجنسية, الرجل الذي طبيعة شخصيته تعتبر الجنس جزءا لا يتجزأ من إثبات شخصيته وكيانه وإثبات ذاته وأنه موجود وفي حالة من الصبا والنشاط مرتبطة بالقدرة الجنسية لديه ولذلك يلجأ إلي التحرش الجنسي كي يثبت لذاته أنه مازال شابا وأنه قادر علي أن يتبادل الجنس مع الجنس الآخر.
وفي أحيان كثيرة مثل هذه التصرفات يكون سببها راجعا إلي أسباب مرضية لها جانب عضوي وآخر نفسي, الجانب العضوي مثل بدايات التدهور في خلايا المخ والخلايا العصبية وهي بدايات الخرف أو العته, فتقل وتضعف قدرته علي التمييز وتقدير الأمور والمواقف واحترام الذات مما يجعله يتصرف تصرفات غير معتادة منه مثل أن يتحرش جنسيا بالفتيات ورغم أن هناك فجوة بين الرغبة والقدرة علي الأداء, الرغبة تدفعه إلي أن يسلك سلوكا جنسيا وهذا السلوك الجنسي بعيد عن أدائه الفعلي وهو ما يطلق عليه التحرش الذي ليس به ضرر أي أنه يلمس أو يمسك امرأة ولكنه لن يفعل شيئا لأنه لا يستطيع إكمال أي علاقة جنسية.
ويضيف الدكتور يسري أن الرجل من الممكن أن يلجأ إلي مثل هذه التصرفات كعملية تعويضية وهي نتيجة الإحباط الجنسي في علاقته بزوجته سواء بسبب السن أو لرفض الزوجة له بحجة التقدم في السن وأن مثل هذه الأمور من العيب فعلها وهو ما يسبب نوعا من الإحباط عند بعض الرجال, ولكي يقوم بعملية تعويضية بسبب الإحباط الذي وقع فيه فيحاول أن يجرب نفسه مع امرأة أخري لكي يثبت أنه يستطيع أن يقيم علاقة ونجد من يقوم بمثل هذه التصرفات علنا ليعرف زوجته كي يثبت لها أنه قادر وهناك من يفعلها بينه وبين نفسه في السر.
ويؤكد الدكتور يسري أن الزوجة إذا كانت علي قيد الحياة فهي لها دور أكيد فيما وصل إليه زوجها لالأن العلاقة الجنسية علاقة تبادلية فيها تواؤم وتآلف بين طرفين ليس بالضرورة أن تكون القدرات 100% بل هي انسجام علاقة وتبادل علاقة حميمة بين طرفين وليس بالضرورة أنها تكون لها الشكل الكامل مثل العلاقة الجنسية بين الأزواج الشباب, فالزوج والزوجة في السن الكبيرة يرضيهما الملاطفة والمداعبة والكلام الرقيق مما يجعل الرجل والمرأة يصلان إلي قمة الرضا والوصول إلي درجة النشوة لأن هناك موائمة بين احتياج ورغبات الاثنين فهما وصلا إلي مرحلة الإشباع علي قدر مقدرتهما علي الأداء الفعلي للجنس.
ففي علم الجنس أنه لا ينتهي إلا بالموت, وهو الجنس بمفهومه الشامل وليس بمعني الأداء الجنسي الذي نعرفه, بل هو تبادل عواطف وحب ومجاملات والجنس يبدأ من مجرد الكلمة والمداعبة إلي العلاقة الجنسية الكاملة, وفي السن المتقدمة 80 أو 90% لا يصلون إلي العلاقة النهائية مثل الشباب إنما يجب أن يكون هناك إشباع نسبي ولو فقط بالقبلات والكلام المعسول واللمسات الحانية والإشباع الجنسي عند الكبار لا يأخذ شكل الإشباع عند الشباب من نشوة.
وتقول الدكتورة مني رضا أستاذ الأمراض النفسية بكلية طب جامعة عين شمس: بعض الرجال بعد السبعين المعروف عنهم طوال حياتهم الوقار والالتزام تظهر منهم بعض التصرفات التي تخدش الحياء وتميل إلي بعض الانحراف الجنسي سواء كان في التعبير بالكلام أو بإلقاء النكات الخادشة للحياء أو أن يتحرش بالنساء جسديا أو الإقدام علي مشاهدة أفلام بها محتوي جنسي أو كلامه يكون كله بإيحاءات بهذا النوع, فأول شيء لابد أن نفكر فيه أنه يعاني من مشكلة عضوية بمعني أنه معروف أن المخ بعد سن الستين يبدأ في الضمور وأن هناك جزءا من المخ وهو الفص لأمامي الجبهي وهو المسئول عن الحكمة في التصرفات وهو الذي يكون الشخصية ويجعل الشخص يعي الصح من الخطأ وبعد سن الستين يبدأ حدوث ضمور في بعض خلايا المخ فمن الممكن أن يكون الضمور أخذ مركز التحكم الاجتماعي معني هذا أن الضمور أدي إلي فقدان الحكمة الاجتماعية فيظهر منه تصرفات معيبة مثل التحرش فدائما وأبدا أي شيء يظهر بعد سن الستين لا نضع له أسبابا نفسية أو اجتماعية فلابد أن نستبعد أولا الأسباب العضوية وبالطبع هذه التصرفات لا تكون هي العرض الوحيد فالطبيب يستطيع أن يجد أعراضا أخري تجعله يشخص الحالة علي أنها ضمور في بعض خلايا المخ خصوصا إذا كان الشخص يعاني من ارتفاع في ضغط الدم منذ فترة طويلة من عمره ووجود نسبة سكر في البول مما يساهم في حدوث ضمور بنسبة أكبر, وإذا انتفت كل الأسباب العضوية نبدأ في التفكير في الأسباب النفسية, فأحيانا كثيرة فإن بعض الرجال الحكمة والوقار والتحكم في تصرفاتهم بحكم مناصبهم ومسئوليتهم تجعلهم مثل الذي يرتدي بدلة أصغر من مقاسه طوال العمر وعندما يتحرر يأخذ الشعر الأبيض والسن ستارا لأفعاله لأنه رجل كبير ولا يستطيع أحد أن يعيبه أو يشك فيه, فالكبر في السن والهرم يعطي له العذر أنه لا أحد يغضب منه فليس من المعقول أن يعاكس من هن في عمر أولاده وأحفاده مما يعطي له حرية, وفي البعض الآخر يكون الحرمان الذي يعاني منه في حياته الخاصة مع الزوجة سواء كانت الزوجة علي قيد الحياة أو لا فهذا الحرمان الطويل يجعله يعبر عنه بالكلام خصوصا أنه يعي تماما أن أداءه الفعلي للجنس قد تأثر بسبب السن فعندما نجد شخصا يتكلم كثيرا نعرف أنه فعله قليل.
وأيضا هناك سبب مهم وهو لفت الانتباه فبعض الشخصيات التي كان الانتباه لها بحكم منصبها ومكانتها الاجتماعية ويجدون أن هذا الانتباه قل أو زال فيلجأون إلي أن يقوموا بأفعال يلفتون بها النظر إليهم بأن يعاكسوا أو يمزحوا بشكل مبالغ أو يتطاولوا بالحديث بمحتوي جنسي.
وتري د. مني أن من الممكن أن يكون للرجال المسنين أزمة نهاية العمر مثلما للشباب أزمة منتصف العمر وتقول: قد يلجأ الرجل إلي الزواج مرة أخري بحجة البحث عن رفيقة له في مرحلة نهاية العمر يرتاح معها, فبعض الرجال رفيقة كفاحه وهي زوجته رأته وهو مازال صغيرا يكافح ومستواه المادي بسيط وعندما يكبر ومستواه المادي والاجتماعي يكبر يريد أن ينظر إليه إلي أعلي فهو يريد امرأة تعرفه بعد أن كمل النمو الاقتصادي والاجتماعي فتنبهر بما لديه ولذلك نجد أن أغلب اختياراتهم تكون من مستوي اجتماعي ومادي أقل منهم بكثير بحيث توفر عنصر الإبهار لديهم.
وهناك زيجات كثيرة داخل البيوت هي زيجات فاشلة تماما ولكنها تستمر بسبب وجود الأولاد وعندما يؤدي رسالته ناحية أولاده من تربية وتعليم وعندما يتزوجون يكتشف أنه داخل العش الفارغ لأن الأولاد هم محور وسبب استمرار العلاقة بينه وبين زوجته فيبدأ في التفكير في نفسه ويبدأ في البحث عن زوجة أصغر منه كي يعوض ما فاته.
فالرجل يرغب في المرأة التي تعطيه الشعور بالرجولة وبعض السيدات تفقد القدرة علي العطاء مع تراكم سنين الزواج فيصبح الزوج فريسة سهلة لأي امرأة تعطي له هذا الشعور خارج إطار الزواج حتي لو كان فوق السبعين .
وتقول د. هبة قطب استشاري العلاقات الجنسية والأسرية: الهرمونات الجنسية لها دورة مثل هرمونات النمو وهما متطابقان في التطور فعند سن الثلاثين تقل هذه الهرمونات من 10 إلي 15% ومن سن الأربعين تقل من 25 إلي 40 % وعند سن الستين تقل 60% ومن سن السبعين إلي الثمانين تقل 80% وبالتالي نقص هذه الهرمونات يستشعره الإنسان أي يشعر بأن كفاءته وأداءه قلا والمشكلة عندما يمس هذا الشعور الرجولة يجعل الرجل يشعر بتوتر شديد جدا فيبدأ في تعويض هذا الشعور بتصرفات تثبت لنفسه أنه قوي ولديه القدرة علي إقامة علاقة مع بنت صغيرة وهي مشكلة كبيرة لأنه يفاجأ بأنه مستنفر جدا والناس غير راضين عنه.
وتري د. هبة أن الرجل في المراحل العمرية المتقدمة عندما يتصرف تصرفات مراهقة يبررها لنفسه بأن زوجته تقدمت في العمر ولا توافق علي العلاقة الحميمة مما يسبب له الشعور بالضعف الجنسي وكل هذا هروب من الحقيقة بأنه أصبح غير قادر علي الممارسة الجنسية فيبدأ البحث عن امرأة لا تعرفه يحاول أن يثبت معها أنه قادر جنسيا فيتحرش بالنساء لأنه غير قادر علي إكمال العلاقة وهو يعلم تماما أنه ضعيف ولكن داخله يعزز فكرة أن الذي يتحرش بالتأكيد يقدر علي العلاقة وهو ما يريد أن يثبته للآخرين, فنظرة الخوف الذي يراها في عيون من يتحرش بهن يفسرها بأنها نظرة خوف من فحولته ونجد مثل هؤلاء الرجال يتحرشون بمن هي أضعف وأصغر والأقل مقاما حتي إذا نظر لها يشعر بتفوقه بكل المقاييس.
|
ساحة النقاش