أوباما و(صديقه) فى اليمن
نخدع أنفسنا إذا صدقنا أن الرئيس أوباما مهتم «شخصيا» بصحة الرئيس اليمنى على عبدالله صالح أو أن ثمة «تعاونا مشتركا» بين الولايات المتحدة واليمن فى أى شىء بما فى ذلك مكافحة الإرهاب، بل أزعم أن الرئيس الأمريكى يحتاج إلى مساعدة «صديق» لكى يذكره باسم الرئيس اليمنى وربما احتاج إلى «فريق» لينطق الاسم. كما أنه يبذل جهدا للتعرف على موقع اليمن فى الخرائط التى تقدم له. وذلك على عكس الأخبار التى تروجها وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، التى تكاد توحى لنا بأن السيد أوباما أصبح لا يرى النوم قلقا على «صديقه» و«نظيره» اليمنى، وأنه لم يرفع عينيه عن خريطة اليمن فهو يتابع الحاصل فى صنعاء وتعز وعدن وأبين، وأنه عاتب على الشيخ عبدالمجيد الزندانى لأنه أيد تنحى الرئيس اليمنى عن الحكم. و«زعلان جدا» من الشيخ صادق الأحمر وشقيقه حميد لأن العائلة أشهرت السلاح فى وجه «صديقه» وسعت إلى قتله من خلال التفجير الذى تم فى مسجده.
مثل هذه الإيحاءات تذكرنى بواقعة حدثت قبل عدة سنوات أشرت إليها ذات مرة. إذ كنت فى إحدى الدول الخليجية مشاركا فى مؤتمر كان من أبرز ضيوفه الشيخ محمد الغزالى رحمه الله. وذات صباح رأيته غارقا فى الضحك وإحدى الصحف بين يديه. وبعد أن دعانى للجلوس معه على طاولة الإفطار أشار إلى خبر أبرزته الصحيفة تحدث عن لقاء وزير خارجية الدولة الخليجية مع «نظيره» الأمريكى، ثم قال والكلمات تتعثر على لسانه من شدة الضحك، على أى أساس اعتبروا الأمريكى نظيرا له وما الدليل على ذلك. مضيفا أنهم قد لا يملكون شجاعة وصفه بأنه رئيسه الأمريكى، لكن وصف الرجل بأنه «نظير له» «واسعة» أكثر من اللازم. وحينذاك طمأنته إلى أن ذلك لا يعدو أن يكون كلام «جرايد»، فى حين أن كل واحد يعرف حجمه الحقيقى كما يعرف حدوده ودوره. وقرأت فى وقت لاحق أن الدبلوماسين الأمريكيين الذين يجيئون إلى بلادنا لنقل التعليمات وتوجيه الإملاءات ينصحون بأن يحاولوا أثناء لقاءاتهم كيل المديح للقادة العرب بالنفخ فيهم وإيهامهم بأنهم يسترشدون بآرائهم ويستنيرون بتوجيهاتهم. وهو ما تأكد لدى حين أثار انتباهى تصريح الرئيس أوباما عندما وصل إلى إحدى العواصم العربية، وقال فى المطار إنه جاء لكى يستمع إلى نصائح جلالة الملك العربى، وينهل من بحر حكمته.
لا أحد ينكر أن الولايات المتحدة مهتمة باليمن. ولكن ذلك الاهتمام لا علاقة له بالرئيس على عبدالله صالح أو قبيلتى حاشد وبكيل أو الشعب اليمنى بأسره.
ولكنها تعتبر أن نشاط جماعة القاعدة هناك يشكل تهديدا لمصالحها وأمنها الوطنى. ولأن لها «مصالح» فى اليمن كان الرئيس من حراسها حين فتح البلد على مصراعيه بأرضه وسمائه لأنشطة الولايات المتحدة التى تذرعت بمكافحة الإرهاب، فإنها كانت حريصة على تهدئة الأوضاع فيه، ليس حرصا على نظامه ولكن لكى تتفرغ لملاحقة من تتهمهم بأنهم من عناصر القاعدة. ولهذا السبب فإن السفير الأمريكى فى صنعاء كان يلعب دورا جوهريا فى إدارة الحوار حول نقل السلطة وحل الإشكال هناك، ولذات السبب فإن مساعد وزيرة الخارجية السيد جيفرى فيلتمان زار العاصمة اليمنية فى الأسبوع الماضى وأجرى اتصالاته مع مختلف الأطراف لدفع مساعى الحل. إزاء ذلك فلعلى لا أبالغ إذا قلت إن الجهد الأمريكى ومعه الأوروبى الذى يبذل لإخراج اليمن من مأزقه يتجاوز بكثير الجهد العربى عامة والخليجى بوجه أخص، ولعلك لاحظت الغياب المدهش للجامعة العربية وأمينها العام عن الساحة اليمنية، بما يعطى الانطباع بأن ما يجرى هناك هو شأن أمريكى وغربى بأكثر منه شأن عربى!
إن الحقيقة المرة التى يتعين الاعتراف بها فى هذا الصدد أنه منذ انكسرت مصر وبلغ ذلك الانكسار ذروته حين وقعت مع إسرائيل اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، فإن ذلك كان حدا فاصلا فى انتقال مصر ــ التى جرت وراءها أغلب الأقطار العربية للأسف ــ من الاستقلال إلى التبعية بصورة تدريجية، وكان انهيار الاتحاد السوفيتى لاحقا وتفرد الولايات المتحدة بصدارة المشهد الدولى عنصرا مساعدا على ذلك.
منذ ذلك الحين لم يلتحق العالم العربى ببيت الطاعة الأمريكى فحسب، وإنما انعشت الأجواء السلبية أحلام قوى الاستعمار القديم ــ فرنسا وإنجلترا بالأخص ــ فعادت إلى محاولة استعادة نفوذها فى عدة أقطار عربية، مغربية ومشرقية.
إن شئت فقل إن العالم العربى بعد انكسار مصر وانكفائها استعاد فكرة الانتداب الغربى على رسم سياساته وإدارة شئونه، على نحو بدا قريبا من الانتداب الذى خضعت له فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى. وهو ما دعانى إلى القول ذات مرة حين سألتنى مراسلة مجلة «تايم» عن الخلافة الإسلامية، أن الرئيس الأمريكى صار خليفة المسلمين الآن. فهو يعين بعض «الولاة» أو يعزلهم ويرضى عن البعض ويسخط على الآخرين. كما أنه يرتب أمر حراسة «الولايات» التى تدفع له الخراج والجزية بشكل منتظم. ومن باب العطف على ولاته وحسن رعايتهم، فإنه يربت على أكتافهم بين الحين والآخر ويخاطبهم بحسبانهم أندادا له وأصدقاء.
ساحة النقاش