المبدأ السادس
الخلْقُ المرْحَلِي
".. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ.. {12}" فصلت41
قدرة الله كما قلنا من قبل مطلقة، حيث كان بإمكانه أن يخلقَ الكونَ دفعةً واحدة، ولكن الله اختار مبدأ الخلق المرحلي أي خطوة تليها خطوة، ".. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ.." 12 فصلت41
والآيات 9-10 فصلت41 تُذَكِّر أن خلقَ الأرض في يومين وتقدير الأقوات فيها في أربعة أيام، وكلمة يوم في لسان القرآن تعني مرحلة زمنية ليس لها حد ثابت، فمن الممكن أن تكون ألف سنة أو خمسين ألف سنة[1] أو أصغر من ذلك أو أكبر. وهي مراحل خلق التصميم.
ومن الآية 30 الأنبياء21 نستنتج مرحلتين رئيسيتين "..أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ ..".
مراحل نشأة الكون الحالي
1- فالمرحلة الأولى هي الرتق، أو الالتحام.
الرتقُ هو اللصق أو الدمج، وهو للدخان الذي هو عادم المواد المتخلفة عن كل كون من الأكوان السبعة المتداخلة معا في الحلقة الزمانية المكانية الواحدة، وبدلا من أن تكون هذه المخلفات منفصلة بعضها عن البعض في الشعور، يتمُّ رتْقُها لِتُصبح وسطاً واحداً متجانسًا في {الحيز العام}[2].
2- والمرحلة الثانية هي الفتق.
وفيها يتمُّ إنتاجُ سبعةِ صور من المادة، كلُّ صورة من هذه المادة -إن جاز تعبير مادة أو قُلْ وسطا- لطيفة[3] بالنسبة لغيرها من الصور الأخرى، وهذا الإنتاج ما هو إلا عملية فتق للمواد التي سبق رتقُها في المرحلة السابقة أي مرحلة الرتق. والآيات التي تذكر مراحل تنفيذية هي:-
"إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ..{54}" الأعراف7
"أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا{27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا{28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا{29} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا{30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا{31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا{32} مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ{33}" النازعات79
مراحل نشأة الكون
<!--
رسم توضيحي يبين مراحل الخلق التنفيذي للسماوات السبع اللطيفة المتداخلة وسلسلة التدوير طبقا لما ورد في الآيات 30 الأنبياء21، 27-33 النازعات79، 54 الأعراف7، 12 فصلت41
ونلاحظ قبل عد المراحل أن الكلام هنا عن السماء الواحدة وليس عن السماوات السبع، إذ كانت المرحلتان السابقتان هما لإخراج سبع سماوات من دخان مرتوق، وبعد أن انفصلت كل صورة من صور المادة عن التشكيل الموحد لتصبح لطيفة بالنسبة للصور الست الأخرى، جاء الترتيب كما في الآيات السابقة كالآتي:-
1- بناء السماء، ومن كلمة بناء أي رص لبنات، نفهم أنه تم إيجاد لبنات أولية وهي أول تشكيل جسيمي يحمل أبعاد الكون الحالي (السماء الدنيا) فقط، ومنها الذرات التي تبدأ في التو في التراص وأخْذِ مواقعها في البناء.
2- رفع السَّمْك[4]، وذلك بظهور الأبعاد المحدِّدة لحيز تشكيلات الذرات، والتي بدأت تحدد الحيز الذي تشغله في السماء (الكون).
3- التسوية، وذلك بظهور المعالم الرئيسية للسماء(الكون)، من تشكيلات السُّدُم[5] الغازية.
4- ظهور الليل الكوني، حيث أن ليلَ الكون أصبح مظلماً عندما برَدَت الموادُ المكونة للسُّدُم بتفرُّقِها إلى حدِّ الإظلام بعد أن كانت شديدةَ الوهج لحظة التمدد المتفجر الأول[6].
5- ظهور النجوم، حيث السُّدُم الغازية التي تراكمت موادُّها وكُتَلُها، إلى الحدِّ الذي أدى إلى حدوث التفاعلات النووية فيما بين ذرات الأيدروجين والهيليوم وبعضها، وظهورِ النجومِ الفتية، والتي عبرت الآية عن ضيائِها بالضحى[7] (وأخرج ضحاها-أي السماء أو الكون- وضحى الكون يوحي بأنه أخذ جزءًا من زمن الحلقة الكونية كما يأخذ الضحى من زمن اليوم).
6- تشكيل الأراضي، وهي تاليةٌ لظهورِ النجوم، حيث أن عناصر وموادَ الأراضي (العناصر الذرية) تنشأ من التفاعلات النووية الاندماجية في داخل النجوم، وكلمة الأرض تعني جميع الأراضي التي يمكنُ أنْ يعيشَ عليها أحياءٌ في جميع الأكوان، وبينت الآية مقومات هذا التشكيل الحيوي، وهي إخراج الماء من الأرض، والمرعى، وإرساء الجبال، وهذا هو المتاعُ اللازمُ للبشر وأنعامهم.
وهكذا قدَّرَ الله أن يكون الخلقُ مرحليًّا، سواء في خلق التصميم كما بينت في المبدأ الأول وكان في ستة مراحل هي مرحلتان لتصميم الأرض ككوكب وأربعة مراحل لتصميم وتقدير الأقوات فيها للسائلين جميعا أي للمخلوقات كلها، أو في خلق التنفيذ كما بينت في هذا المبدأ -مرحلية التنفيذ- وكان في مرحلتين رئيسيتين هما الرتق ثم الفتق، وستة مراحل لكل سماء على حدة وهي البناء ورفع السَّمْك والتسوية وإغطاش الليل الكوني وإظهار الضحى الكوني وتشكيل الأرض وما عليها في فصل المبدأ الثاني.
[1] ".. ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ{47}" الحج22، "تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ{4}" المعارج70.
[2] هو ما أسماه الله -سبحانه وتعالى- [الكرسي] وهو يشمل كل الأكوان.
[3] لطيف بمعنى غير محسوس بوسائل الحس التقليدية كحواس الإنسان من سمع وبصر ولمس وتذوق وشم أو بالوسائل التكميلية كالتليسكوبات بأنواعها والميكروسكوبات بأنواعها. وأجهزة التنصت الحساسة بأنواعها.
والله -سبحانه وتعالى- يقول بأنه اللطيف بمعنى أنه يستحيل إدراكه بالحواس. والزجاج لطيف بالنسبة لأحد أطياف الموجات الكهرومغناطيسة التي منها الضوء وكذلك الهواء. وفي هذا كان "آينشتاين" قد وضع نظرية تفيد بأنه يمكن وجود عالمين معا في حيز واحد ولا يمكن لأحدهما أن يشعر بالآخر معظم الوقت. يفهم هذا من كتابه حول النسبية الخاصة والعامة، وهذا لطف نسبي بين المخلوقات وليس مطلقا كلطف الله.
[4] السَّمْك بتشديد السين وتسكين الميم هو الرفع وهنا يعني أوجد لها الأبعاد المناسبة التي تحدد حيزها.
[5] السديم هو تجمع غاز الهيدروجين والهيليوم في مرحلة تسبق تكوين النجوم ليتحول السديم إلى مجرة عندما تبدأ النجوم بالتكون.
[6] هو ما كان يطلق عليه الانفجار الأعظم.
[7] ظهور ضياء الشمس وارتفاعها في السماء.