أبحاث وفكر

أبحاث منطقية في القرآن الكريم، وموقف القرآن من قضايا العادات الموروثة

المبدأ الخامس

الخلقُ الـمُتعدِّد التدَاخُلِي

"فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ.." 12 فصلت41

قد بينت في مبدأ سابق أن الكون ممتد منذ الأزل وإلى الأبد في حلقات، كل حلقة لها بداية ولها نهاية، وبداية كل حلقة هي نهاية الحلقة التي تسبقها، ونهاية الحلقة هي بداية لحلقة لاحقة، وسوف نرى أن اللهَ الخلاقَ القدير، قد خلقَ كلَّ حلقة عبارة عن سبعة أكوان متداخلة في بعضها البعض، وكل كون منها لا يشعر بالأكوان الأخرى[1]، والجميع في حيز واحد يشغلونه، وفي نفس الوقت يشغله بالكامل كل واحد من الأكوان على انفراد وكأنما يخيل لساكنيه أنه لا يوجد في الكون من يزاحمهم، ويرَوْن فيه من السَّعَة ما يُعجز التصور[2].

 

"فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ.."، وهذا التعبير يؤكد تعدد الأكوان في الحلقة الزمنية الواحدة، حيث نشأت الأكوان السبعة في لحظة واحدة، بعد أن كانت هي والأرض شيئا واحدا:-

 

"أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ{30}" الأنبياء21

 

أما وجود الأكوان السبعة بالنسبة لبعضهم البعض، فقد اتفق المفسرون جميعا على أنها طبقات، تعلو الواحدة الأخرى، وأقربها إلينا هي السماء الدنيا، وأبعدها عنا هي السماء السابعة، ولكن الله في آيات محددة قد بَيَّنَ غَيْرَ هذا التصوُّرِ تماما، وإليك هذه الآيات لندرسها معا:-

----------------------------------------------

"وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ{133}" آل عمران3

----------------------------------------------

"سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{21}" الحديد57

----------------------------------------------

فنجد أن الجنة التي هي موضوع التسارع والسباق واحدة في الآيتين، وعرضها هنا بمعنى حيزها أو حجمها أو مساحتها.

 

ونجد أيضا أن الله -سبحانه وتعالى- عندما وصف عرضها بدون تشبيه قال (عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)، ولما وصف عرضها مُشَبَّهًا قال (عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).

 

ففي الوصف بدون تشبيه كان عرض الجنة هو السماوات والأرض جميعا، وفي الوصف المشبه كان عرضها يشبه عرض السماء الواحدة.

 

ومن هذا التقديم في الوصفين نعلم أن عرض السماء الواحدة يشبه عرض السماوات جميعا، ولا يمكن لنا تصور ذلك إلا أن كلَّ سماءٍ تَشغلُ الحيزَ الكاملَ لكل السماوات، ولا يحدث ذلك إلا بالتداخل، وخاصة أننا نعلم أن الأرض كروية الشكل وليس لها فوق أو تحت إلا نسبيا، فما هو فوقنا في أفريقيا وآسيا وأوروبا، هو نفسه تحت الأمريكتين واستراليا، وما فوق القطب الشمالي هو بعينه تحت القطب الجنوبي، وعلى هذا لو اعتبرنا أن السماوات طبقات فوقنا لوجب أن تكون طبقات أغلفة، كل منها تغلف ما تحتها، وكانت تشبه هي والأرض البصلة، تعتبر الأرض في المركز والسماوات تحيط بها كأغلفة البصلة، وهذا التصور مخالف لكثير من الآيات، حيث أن كلمة الأرض ليس معناها أرضنا وحدها، ولكن تعني جميع الكواكب التي يمكن أن يطأها[3] مخلوق (انظر معنى تعبيرات الأرض والسماء في بحث التعريفات الاشتراطية لتعبيرات القرآن الكريم)

 

وعلى هذا فإن السماوات أو الأكوان السبعة خُلقت متداخلة، والكون الذي نحن فيه ونُحِسُّه بكافة وسائل الحس الطبيعية أو المُصَنَّعة هو السَّمَاء الدُّنيا، وبقية الأكوان الأخرى مُنطَبِقَة فوقه في نفس {الحيز العام}[4]، ولكن دون أن يحس مخلوقات كلٍّ منهم بمخلوقات الآخرين، وتعبير طباقا يعني التكافؤ أي أن السماوات السبع تحتوي كل منها مثل الأخريات تماما من مادة ومخلوقات، وجميعهن متداخلات.

 

والذي يتضح الآن أن هنا، في نفس {الحيز العام} الذي نشغله بكوننا، أكوانا أخرى معنا تزخر بالحياة، ولكن لا نشعر بها، ولا يشعر كل منها بالآخرين إلا في ظروف خاصة ونادرة وليس لكل الأكوان.

 

وعندما قلت {الحيز العام} قصدت التفريق بين مكان كل كون وبين الكينونة الكاملة لكل الأكوان، ولا توجد مسافات بين الأكوان بالنظر إليها من خارجها، ليبدو أن كل كون يشغل {الحيز العام} كله بمفرده، راجع النسبية العامة <لآينشتاين> لتقريب الفكرة، فإن افترضنا أنك تنظر إلى كوننا من خارجه من أي موقع على كون آخر فإنك لا ترى إلا نقطة رياضياتية ليس لها أي أبعاد مكانية ولا موقع محدد، وكذلك فالأكوان الأخرى قد أزلفت كنقاط رياضياتية ليست لها أبعاد هندسية ولا مكان محدد من منظورنا ونحن على كوننا (سمائنا الدنيا).

 

".. ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ{255}" البقرة2


 [1] مجلة العلوم الأمريكية ترجمة الكويت مجلد 13 عدد 12 ديسمبر 1997م ص 52 _ ترى أن التجارب العلمية حصلت بطريق الصدفة على جسيمات تختفي عن النظر عند التعامل معها بطريقة معينة ويصعب تحديد أين هي. وهناك تفسير من بعض العلميين الذين يعتمدون جميع الاحتمالات الممكنة وليست العملية فقط، حيث يؤمنون بفكرة العوالم المتعددة، ويقول التفسير بأن جميع الإمكانات التي تأذن بها الدالة الموجية لجسيم ما تحدث بالفعل، ولكن تتحقق في عوالم متوازية.
[2] راجع النسبية العامة <لآينشتاين>.
[3] يمشي عليها.

[4] الحيز العام هو حيز وسط ما يشمل أماكن كل السماوات المتداخلة، دون أن تشعر كل سماء بالأخريات، ودون اصطدام لأنهن لطيفات.

 

SaidAM

عدم تعريف الألفاظ يربك القارئ

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 140 مشاهدة
نشرت فى 10 مارس 2017 بواسطة SaidAM

سعيدعبدالمعطي حسين عبدالمعطي

SaidAM
مواطن مصري يحب بلده، ويحب العالم كله، له فكر مستقل حر، درس القرآن منذ عام 1967م وحتى الآن، له العديد من المؤلفات والاختراعات الهندسية الالكترونية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

51,236

تعريفات التعبيرات

عندما يكتب معبرٌ ما نصًا؛ ولا يُعَرِّفُ معاني تعبيراتِه يُصبحُ النصُّ كلُّه غامضًا.