الخلقُ الحَتْمِي
".. فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا.. {11}" فصلت41
عندما يقرر الإنسان عمل شيء بعد دراسته، وقبل شروعه في التنفيذ، يتحكم فيه عوامل خارجة عن إرادته، من شأنها أن تعطل قراره بعض الوقت أو إلى الأبد، فمكوك الفضاء الأمريكي "شالينجر" الذي انفجر بعد 73 ثانية من إطلاقه في 28 يناير 1986م، وكذلك مكوك الفضاء كولومبيا الذي انفجر في 1 فبراير 2003م أثناء عودته من الفضاء، وما لحق المشروع من خسائر في الأنفس والماديات، لهو دليل على أن قرار الإنسان ليس مؤكدا حتما أن ينفذ.
وجميع القرارات البشرية هكذا معرضة للفشل لعوامل خارج إرادة الإنسان الواعية، أما عن الله -سبحانه وتعالى- فليس الأمر كذلك، بل إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، وعلى ذلك فإن للأوامر الإلهية صفةً يستحيل أن تتصف بها الأوامر البشرية، وهي صفة الحتمية، ومن هنا كان فرضا على المؤمن ألا يُقْدم على فعلٍ ما إلا أن يقول:- "إن شاء الله سأفعل كذا.."، لكي يظل متذكرا أن هناك احتمالا قائما أن يَفْسَدَ قرارُه، مهما كانت درجة الدقة التي لجأ إليها، ولا يأمن أن يُخسف به الأرض فجأة.
أما من الجانب العلمي فقد أورد بعض العلماء في الكون أن الكون أثناء التمدد الانفجاري الكبير كان من الممكن ألا يكون هكذا، وأن هذا الحال إنما وجد على سبيل الصدفة، ولكن علماء أحدث منهم قد أكدوا دون أدنى شك أن الكون على حالته كان حتما محتوما، وهناك أكوان أمثاله (مجلة العلوم الأمريكية ترجمة الكويت مجلد 19 عدد 11/12 صفحة 4- بعنوان "أكوان متكافئة") كثيرة. (الدالة الموجية تدور في فضاء مجرد لانهائي الأبعاد يدعى فضاء هيلبرت Hilbert Space، ومع أن الميكانيك الكمومي كثيرا ما يوصف بأنه؛ بطبيعته؛ عشوائي وغير محدد بدقة، فإن الدالة الموجية تتطور بطريقة حتمية مقررة ليس فيها ما هو عشوائي أو غير محدد بدقة).
"ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا..{11}" فصلت41
عند تدقيق النظر في هذه الآية، نجد الأمر (ائْتِيَا) يعني أن الله قد أوجب الخلق، وسوف يتم حتما، بالطوع أو بالكَره، وليس هناك أي احتمال أو استثناء لوقف الأمر عن التنفيذ.
ولأن قدرة الله مطلقة كما أوضحنا من قبل، ولا تُحَدُّ إرادتُه إلا بصفاته، ولأن الأمر السابق (ائْتِيَا) هو أمر من الله، إذن فلابد من تنفيذ الأمر، فهو حتمي.
وفي القرآن الكثير من الآيات التي تؤكد أن الله -سبحانه وتعالى- إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.
والحوار هنا هو مجرد وصف حال أو إقرار حقيقة في صيغة تمثيل أو ترميز لتقريب الفكرة لنفس القارئ أو المستمع، والقرآن مليء بمثل هذا الحوار والتمثيل والترميز والتشبيه، فهذا يمثل الحالة بوضوح تام ولا يعني المجادلة بالحديث.
"هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{68}" غافر40
"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{82}" يس36
"إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{40}" النحل16
"إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{59}" آل عمران3.
===
والحتمية أيضا في الكتاب المقدس في العهد القديم سفر التكوين الإصحاح الأول:-
مثال الآيات من 9 : 13 "(9) وقَالَ اللهُ لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ..
فعبارة وقال الله.. المتكررة تبين مبدأ الحتمية.