أبحاث وفكر

أبحاث منطقية في القرآن الكريم، وموقف القرآن من قضايا العادات الموروثة

الخَلْقُ الدَّوْرِي

" ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ.. {11}" فصلت41

في التعبير الآتي نرى تعبير (دُخَانٌ) وهو يعني نواتج تحول شيء قبله، أي غبار وتكتل بلا جدوى أو فائدة مباشرة للمخلوقات، وكذلك نجد تعبير (السَّمَاءِ)<!-- وهو يعني الكون، بما في ذلك كل الأراضي والأقمار والشموس، ومعنى ذلك أن الله القدير استوى إلى الكونِ وهذا الكونُ الدخانُ عادمٌ ومتحولٌ من شيء قبله وقبل أن يصبح فيه شموس وأراضي.

ووقفتُنا هنا عند هذا العادم المتحول من شيء سابقٍ له، إن هذا الشيءَ هو كونٌ سابقٌ بلا شك، نضبت منه مواردُه وتكتلت طاقاته وموادُّه بما لا يدع للمخلوقات فرصة للاستفادة منها، ومثال ذلك الثقوب السوداء<!-- التي هي إن زادت كتلة أكلت كل ما حولها وصهرتها إن جاز هذا التعبير، لأن الصهر شيء قليل بجانب ما يحدث في الواقع داخل هذه الثقوب السوداء.

----------------------------

<!--

شكل1

رسم توضيحي لسلسلة حلقات الأكوان السبعة المتداخلة، حيث أن كل حلقة من المبينة بالشكل عبارة عن سبع حلقات معا ومتداخلة

ويبين الشكل انتقال بيانات الأعمال إلى أكوان الحساب الآخرة الدائمة إلى الأبد وينشأ عليها المُحَاسَبون ويخلدون في درجات من النعيم أو العذاب حسب أعمالهم المصنفة

--------------------------

 

وربما بظهور المزيد من الثقوب السوداء يصبح الكونُ عادما أو أنقاضا أو ربما شيء آخر يسبب تفكك الروابط الذرية، ولا يصلحُ لحياةٍ، فتكون الساعة، أي نهايةُ الكونِ، وكما نشأ كونُنا من أنقاضِ كونٍ سابقٍ، ينشأُ كونٌ لاحقٌ على أنقاضِه، ويتكررُ الخلقُ، ويبدُرُ السؤالُ عن مصيرِ الكائناتِ التي قُضِي عليها بالموتِ، فمصيرُها قد بينه اللهُ عز وجل بأنها سوفَ تنشأُ نشأةً جديدةً في أكوانٍ غير هذه الأكوانِ وعلى أراضٍ غير هذه الأراضي.

"يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ{48}" إبراهيم14

أما هذه الأكوانُ فهي أكوانٌ يبدو من الآيات التالية أنها سلسلةُ حلقاتٍ، منذُ الأزلِ<!--، وكلُّ حلقةٍ منها لها بدايةٌ ولها نهاية، ويبدو أنها تستمرُّ إلى الأبد.

"يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ{105} فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ{106} خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ{107} وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ{108}" هود11

ولأن هذه الأكوان التي استشهد بدوامها اللهُ على خلود الخالدين في النار وفي الجنة، كلٍّ بما عمل، ليست دائمةً في أجزائِها، وتتبدلُ أجزاؤُها من [أراضٍ] و[أقمارٍ] و[نجومٍ]، وحلقاتُها، من بدايةِ خلقِ الكونِ إلى يومِ القيامةِ أو نهايةِ الحلقةِ الكونيةِ الحالية، ثم تتبدل الحلقات أيضا، في حين أن الكيان العام للكون دائم، لذلك أحْكَمَ اللهُ قولَه بذكرِ الاستثناءِ من الدوام في الحالتين للشقي وللسعيد بقوله "..إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ، .." أي إلا ما شاءَ ربك من الكلِّ الدائمِ، لهذه الأجزاءِ المتبدلة، فهي غيرُ دائمة.

وعلى ذلك فهناك نوعانِ من الأكوانِ، أكوانٌ للحسابِ وهي غيرُ هذه الأكوانِ تماما، هي السماوات العُلَى ولها مبادئ أخرى لخلقها، وأكوانٌ متبدلةُ الأجزاءِ والحلقاتِ، هي السماوات السبع، وهي للخلق الأولِ للاختبار، وهي التي لها هذه المبادئ التسعة، التي هي موضع البحث.

وفي النهايةِ فالكونُ الذي نحن فيه، هو حلقةٌ زمانيةٌ ومكانيةٌ واحدةٌ لها بدايةٌ ولها نهاية هي التي عبر عنها الله -سبحانه وتعالى- بالنفخ في الصور، ويسبقُها حلقاتٌ منذُ الأزلِ، ويلحقُها حلقاتٌ إلى الأبد.

بدايةُ الحلقةِ الواحدةِ كانت [دخانا] ونهايتُها كانت دخانا أيضا، كما تبين هذه الآيات:-

"فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ{10}" الدخان44

ويتضح من الآيات التالية لهذه الآية أن هذا الدخانُ ليس نهاية الكونِ ولكن يغشى الناس أي يَعُمُّهُم ويشملهم ويعلمون أن النهاية قد ابتدأت علاماتها فيصيبهم القلق والخوف ويطلبون كشف العذاب، ولكنهم لا يحافظون على كلمتهم بأنهم مؤمنون، وينبئهم الله بذلك:-

"إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا ۚ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ{15}" الدخان44

أي عائدون إلينا في الآخرة للحساب.

ويحذرهم من هذه النهاية القادمة التي لا مفر منها، وهي الساعة:-

"يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنْتَقِمُونَ{16}" الدخان44

معنى ذلك أنه بظهور الثقوب السوداء تكون علاماتُ النهاية الأكيدة قد بدت واضحة، وأن نهاية الحلقة الكونية أصبحت شيئا ملموسا.

ثم تأكيدا للترقب أعاد الله وكرر ذلك في آخرِ آيةٍ من نفس السورة حيث قال:-

"فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ{59}" الدخان44

وفي بعض التفاسير قِيلَ ما يقرُب مما قلت، بأن هذا الدخان سيأتي يوم القيامة، (كما جاء في تفسير <ابن كثير> و<الفخر الرازي>).

"وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{27}" الروم30

فالآية تؤكد على الدورية حيث يقول الله -سبحانه وتعالى- بأن له في هذه الدورية المثل الأعلى في خلق السماوات والأرض ثم إعادة خلقهما.

إذن فكونُنا دائمٌ بدوامِ توالي حلقاتِه، حيث يصنع الله كونًا لاحقًا من غبار ونفايات الكون السابق، إنه مبدأ المبدعين بحق.. مبدأ التدوير.

وهذا مثال نموذجي على ذلك:-

تبدو دورية الخلق في كل شيء تقريبا فالماء له دورة حيث يتبخر من البحار والمحيطات ويصير سحابا ليمطر على المرتفعات ويهبط منها في أنهار ثم يعود إلى البحار والمحيطات من جديد، والأكسيجين وثاني أكسيد الكربون لهما دورة حيث يتنفس كل كائن حي تقريبا بأخذ الأكسيجين وطرد ثاني أكسيد الكربون ثم يأتي النبات ويأخذ ثاني أكسيد الكربون ويخرج الأكسيجين في دورة متوازنة، ودورة الموت والحياة، ودورات حياة الكائنات، كالفراشات مثلا حيث تبيض الفراشات ويفقس البيض يرقات وتصبح اليرقات عذارى وتخرج الفراشات من العذارى، وهكذا كل شيء له دورة.

<!--[if !supportFootnotes]-->

 


<!--[endif]-->

<!-- الكون- اقرأ "التعريفات الاشتراطية لتعبيرات القرآن الكريم"

<!-- الثقب الأسود هو في الأصل أحد الشموس العملاقة، التي تزيد كتلتها عن حد حرج يبلغ حوالي 3 كتلة شمسية، فتنهار منضغطة بشدة، ليصل الحجم إلى أقل بكثير جدا عن حجمها العادي، يقول بعض العلماء بأنها نقطة رياضياتية ، وفى نفس الوقت تظل قوة الجاذبية كما هي عالية جدا حتى أنها تجذب مزيدا من الشموس بكواكبها وكذلك الضوء المار بحيز أفق الثقب الأسود، ولا تسمح هذه الكتلة بخروج أي ضوء منها، ولذلك فإن الثقوب السوداء لا يمكن رؤيتها، ولكن يستدل على وجودها من أثر إشعاع الضوء والأشعة السينية التي تصدر عنها بسبب تصادم الجسيمات بعنف وبطريقة مميزة أثناء سقوط المواد به، ومن هنا جاءت التسمية، إذ لا يمكن رؤية ضوء خاص بها أبدا، ويوجد بوسط مجرتنا درب التبانة أحد هذه الثقوب السوداء، فربما تكون المادة التي أصبحت غير قابلة لأن يستفاد بها من قبل الكائنات هي [الدخان] الذي ذُكر في القرآن الكريم.

<!-- وقد نادى بأزلية الكون الإمام "أبو الوليد محمد بن أحمد" الشهير بـ "ابن رشد" اقرأ في مجلة العربي العدد 421 ديسمبر 1993م موضوع "الحضارة الإسلامية ونظريات الكون" للدكتور "نضال قسوم" ص91.

SaidAM

عدم تعريف الألفاظ يربك القارئ

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 206 مشاهدة
نشرت فى 9 مارس 2017 بواسطة SaidAM

سعيدعبدالمعطي حسين عبدالمعطي

SaidAM
مواطن مصري يحب بلده، ويحب العالم كله، له فكر مستقل حر، درس القرآن منذ عام 1967م وحتى الآن، له العديد من المؤلفات والاختراعات الهندسية الالكترونية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

51,123

تعريفات التعبيرات

عندما يكتب معبرٌ ما نصًا؛ ولا يُعَرِّفُ معاني تعبيراتِه يُصبحُ النصُّ كلُّه غامضًا.