د. محمد ناصر الخوالده
حقوق الأطفال الفلسطينيين تحت الاحتلال
في ضوء أحكام القانون الدولي
مقدمة :
يوصف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – طبقا لقرار الجمعية العامة بالموافقة عليه – بأنه ” المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم ، حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع ، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم ، إلى توطد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية ، واتخاذ إجراءات مطردة قومية وعالمية لضمان الإعتراف بها ، ومراعاتها عالميا وبصورة فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها ” .
ويعد الإعلان العالمي فاتحة سلسلة متصلة من المواثيق العالمية صدرت في نطاق منظمة الأمم المتحدة وتعكس مسعى أعضاء هذه المنظمة لتكريس حقوق الإنسان والشعوب ، وتوفير الضمانات الدولية لحمايتها .
ومن هذه المواثيق الصادرة في مجال حقوق الإنسان ، المواد التي تخص حقوق الأطفال، ووضع اللاجئين ، وحماية النساء والاطفال .
والتي تتمثل في :
- سنة 1959م – 20/11 إعلان حقوق الطفل .
- سنة 1966 م – 16/12 البروتوكول الخاص بوضع اللاجئين .
- سنة 1974 م – 14/12 إعلان بشأن محلية النساء والاطفال في حالات الطوارىء والمنازعات المسلحة .
وهنا علينا التذكير بالمادة (24) من الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية من وثائق الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان .
جاء في المادة 24 :
1- لكل طفل الحق في إجراءات الحماية التي يستوجبها مركزه كقاصر على أسرته وعلى كل من المجتمع والدولة وذلك دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو الولادة .
2- يسجل كل طفل فور ولادته ويكون له إسم .
3- لكل طفل الحق في أن تكون له جنسية .
أما بالنسبة لقانون الإحتلال وحقوق المواطن تحت الإحتلال فقد تمثل بالتالي :
1. عالج قانون الإحتلال الحربي حقوق المواطنين تحت الإحتلال كما عالج حقوق وواجبات في إدارة الأراضي المحتلة والمعروف وفقاً لأحكام القانون الدولي الثابتة أن وجود الدولة المحتلة في الأراضي التي تحتلها وجود فعلي مؤقت ليست له صفة الدوام والإستمرار، ولذا فإن المبدأ الأساسي الثابت الذي أقره قانون الإحتلال الحربي أن الدولة المحتلة لا تمارس كامل السلطات التي تمارسها دولة الأصل السيادة على أراضيها.
وهناك عدة مبادئ تحكم وضع قوات الإحتلال وسلطاته، وهذه المبادئ هي التي تحدد حقوق وواجبات دولة الإحتلال التي لا يجوز لها أن تتجاوزها ولعل أبرز المبادئ هذه:-
أ. أن حيازة قوات الإحتلال للأراضي غير قوات الإحتلال للأراضي التي تحتلها هي حيازة مؤقتة .
ب. الإحتلال أصلاً عمل غير مشروع ولا سند قانوني له، إلا إذا كان ناشئاً عن تكليف من أنظمة الدولة أو حالة الدفاع عن الذات.
ج. السيادة على الأراضي المحتلة تبقى ثابتة لدولة الأصل ولاتنقل إلى الدولة المحتلة التي تمارس سلطة فعلية فحسب.
د. أن الاختصاص الذي تمارسه سلطات الإحتلال على الإقليم المحتل وسكانه لا يرقى إلى مستوى الاختصاص الكامل الذي تمارسه دولة الأصل صاحبة السيادة وتبقى محتفظة به على الرغم توقفها المؤقت عن ممارسته .
ه. أن ما يصدر عن سلطات الإحتلال من إجراءات وممارسات وأعمال وتصرفات لا يعتد بها أو يعترف بصحبتها ونفاذها إلا إذا كانت صادرة وفقاً لأحكام القانون الدولي ومنسجمة مع الأغراض الدولية ولا تتعداها، كما أن تصرفات سلطات الإحتلال قابلة للمراجعة بعد انتهاء الاحتلال وعودة السلطة صاحبة السيادة إلى إقليمها.
2. إدارة الإقليم المحتل : هنالك أسلوبان تاريخيان لإدارة الأقاليم الواقعة تحت الإحتلال، يتمثلان في مدى تقيد الدولة المحتلة بأحكام القانون الدولي أو أخلالها بهذه القواعد، فهي أما أن تترك الحكومة القائمة في الإقليم المحتل والتي كانت تتولى إدارة مستمرة في عملها لحظة بداية الإحتلال مع إشرافها على هذه الحكومة في الإقليم المحتل والتي كانت تتولى إدارة مستمرة في عملها لحظة بداية الإحتلال مع أشرافها على هذه الحكومة لغايات حفظ أمنها وأمن قواتها المسلحة أن تستبدل هذه الحكومة بحكومة عسكرية جديدة أو مدنية تعينها دولة الإحتلال بموافقتها لضمان ولائها .
وهناك مثالان تاريخيان في هذا الصدد :-
يتمثل الأول في التزام دولة الإحتلال بقواعد قانون الإحتلال الحربي في أدراتها للأراضي التي تحتلها والإبقاء على جميع السلطات الوطنية القائمة في هذه الأراضي قبل دخولها مع تركها تباشر اختصاتها دون تدخل منها إلا في الحدود التي تقتضيها القرارات الحربية ، وقد حدث ذلك عندما دخلت القوات الإنجليزية بقيادة الجنرال مونتجمري لليبيا في شهر نوفمبر ( تشرين الثاني ) عام 1942 بعد طرد القوات الإيطالية منها وقد أعلن الجنرال المذكور في بيان أصدره احترامه للسلطات الوطنية القائمة في ليبيا وأنه سوف لا يتعرض إلا للذين يهددون أمن جيشه ، كما أعلن الجنرال مونتجمري أنه سيطبق جميع قواعد القانون الدولي الخاصة بالأراضي المحتلة إذا لم تكن تتعارض مع القرارات الحربية.
والمثال الثاني على النقيض من المثال الأول ، فهو يتمثل في انتهاك دولة الإحتلال لقواعد قانون الإحتلال الحربي في إرادتها للأراضي التي احتلتها وإلغائها لجميع السلطات الوطنية القائمة وإنشاء سلطات عميلة تعمل لصالحها وذلك على النحو الذي وقع في الحرب العالمية الثانية عندما احتلت ألمانيا أراضي ( بولنده ، دانزج، الدنمارك، النرويج، بلجيكا، لوكسبرج، الأكزاس واللورين، يوغسلافيا، اليونان، النمسا، فرنسا…) فقد أقامت ألمانيا في الأراضي المحتلة إدارة عسكرية في كل دولة احتلتها. وقد ترتب على الاحتلال الألماني لأراضي أوربية وإقامتها حكومات جديدة ألمانية في الأراضي المحتلة، انتقال الحكومات الوطنية خارج بلادها وعرفت باسم ( حكومات المنفي ) (1)
احترام الفرد والعائلة في ظل قواعد الإحتلال الحربي :
3. أرست اتفاقية حماية المدنيين تحت الإحتلال وهي اتفاقية دولية، قواعد المعاملة الحسنة للأشخاص المدنيين في الأراضي المحتلة، فقد قررتن المادة 27 منها أن (( الأشخاص المحميين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية ….)).
والمعروف أن اتفاقية جنيف الرابعة سنة 1949 الخاصة بحماية الأشخاص المدنين وقت الحرب هي من الإتفاقيات الدولية التي انظم إليها معظم دول العالم ولذلك فإن لها صفة عالمية وهذا يعني تمتع هذه الإتفاقيات وغيرها من إتفاقيات جنيف بصفة الإلزام لمعظم الدول، وهذا ما أشار إليه الأستاذ ميلود المدير السابق بلجنة الصليب الأحمر الدولي. (2)
ولابد من الإشارة أن إسرائيل طرف في اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 النشار إليها، ولم تبد تحفظات جوهرية على هذه الإتفاقية تحول دون تطبيقها في الأراضي العربية المحتلة والتقيد بها، والتحفظ الوحيد الذي أبداه مندوبها عند التوقيع على هذه الإتفاقية هو تحفظ شكلي يتعلق باستعمال ( إسرائيل) لنجمة داوود الحمراء كإشارة وعلامة مميزة .
وحق الاحترام للشخص المشار إليه في هذه الإتفاقية إنما أسس على نص سابق في مادة مشابهه جاءت بها اتفاقية جنيف لسنة 1929 الخاصة بأسرى الحرب والتي قضت باحترام شخص أسير الحرب، كما أن هذا الحق قررته المادة ( 46) من لوائح لاهاي.
ومفهوم هذا الحق أنه يتناول جميع الحقوق اللاصقة لشخص الإنسان والتي تنبع من إنسانيته وتشمل وجوده وإمكاناته العقلية والصحية واحترام تفكيره ومعنوياته وأسراره الشخصية ومظاهر حياته الخاصة بحيث جلا تكون محلاً للتشهير أو التداول العلني، ويشمل هذا الحق كذلك حق التحرك بحرية تامة والتصرف بمحض إرادته وهذا يعني عدم فرض قيود عليه زمن الحرب أو تحت الإحتلال.
وتضمنت المادة 27 موضوع البحث نصاً يوجب احترام الحقوق العائلية للأشخاص المدنيين المشمولين بالحماية بموجب هذه الإتفاقية وذلك بهدف المحافظة على روابط الزواج المقدسة وحمايتها وحماية الآباء والأولاد الذين تتكون منهم الأسرة الواحدة التي تعتبر النواة الطبيعية للمجتمع . (3)
ويترتب على هذا الحق احترام تكوين الأسرة وعدم تشتيتها والتفرقة بين أفرادها، واحترام السكن الذي تقيم فيه بحيث لا يكون محلاً لأي اعتداء، أو بتعرض لأي انتهاك لحرمته، وتشمل الحقوق العائلية حماية النساء بحيث لا يتعدى على شرفهن وكرامتهن. (4)
وقد أوجبت المادة 82 من الإتفاقية الرابعة موضوع البحث عدم تشتيت الأسرة، فاحتراماً للحقوق العائلية للمواطنين تحت الاحتلال أشارت هذه المادة إلى أنه في حالة الاعتقال الذي قد تتعرض له الأسرة الواحدة ، فإنه يجب أن يقيم أفراد العائلة الواحدة معاً في معتقل واحد وبصورة خاصة الوالدان والأطفال طيلة فترة الاعتقال وأنه أمكن ذلك يجب أن يقيم أفراد العائلة الواحدة في مبنى واحد ويخصص لهم مكان أقامه منفصل عن باقي المعتقلين مع التسهيلات اللازمة للمعيشة في حياة أسرية، وأشارت هذه المادة كذلك إلى أنه لأحد المعتقلين أطفال دون أن تتوفر لهم الرعاية الأسرية فإنه يجوز له أن يطالب بإحضار أطفاله غير المعتقلين ليعيشوا معه في المعتقل .
أن احترام الحقوق العائلية يشمل ما هو أبعد من ذلك فهو ذلك لا يقتصر على المحافظة على روابط الأسرة وتماسكها وعدم تشتتها وإنما يتطلب العمل على إعادة جمع الأسر التي تعرضت للشتات والانفصال نتيجة لأحداث الحرب وهذا ما نصت عليه المادة 25 من الإتفاقية الرابعة من حيث السماح للأشخاص المقيمين في الأراضي المحتلة بإعطاء الأبناء ذات الطابع الشخصي إلى أفراد أسرهم أينما كانوا وتلقي الأخبار عنهم وأن على سلطات الإحتلال تسهيل المراسلات بين أفراد الأسرة الواحدة، كما أوجبت المادة 26 من الإتفاقية موضوع البحث بين النزاع تسهيل أجراء التحريات التي تقوم بها العائلات المشتتة لمعرفة أفرادها بسبب ظروف الحرب بهدف تجديد الإتصال واجتماع أفراد هذه الأسر أن أمكن ، وكذلك العمل على تشجيع المؤسسات التي تعمل من أجل ضم الأسر ألمشتته وجمعهم .
4. لقد سبق هذه الإتفاقية الإعلان لحقوق الإنسان الذي قرر احترام الأشخاص والأسرة وحمايتها والحقوق الأسرية إذ قرر في المادة الأولى منه بأن الناس يولدون أحراراً متساويين في الكرامة والحقوق، والمعروف أن هذه القاعدة الذهبية في حقوق الإنسان عرفها الإسلام قبل أربعة عشر قرناً حين قال الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب في رده على شكوى المواطن المصري ضد ابن والي مصر عمرو بن العاص (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهم أحراراً ) ) وجاء في المادة السادسة عشر من إعلان حقوق الإنسان (( أن الأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة)).
ولابد أن نذكر أيضاً أن الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان قد قررت في المادة الثامنة منها أن لكل شخص في احترام حياته الخاصة والعائلية وسكنه ومرسلاته )). (5)
وغني عن القول أن ما ورد ف إعلان حقوق الإنسان يعتبر قانوناً أساسياً ليني البشر يجب مراعاة زمن السلم وزمن الحرب، ولا يجوز التذرع بأي سبب بهدف إنتهاك هذه الحقوق ونقص هذا الإعلان أو تأويل نص من نصوصه بحيث يبيح لجماعة أو دولة حق القيام بنشاط أو عمل يهدف إلى هدم هذه الحقوق والحريات الواردة فيه على النحو الذي أشارت إليه المادة (30) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ومن الإتفاقيات الدولية الأخرى التي اهتمت بالحقوق الأسرية وحماية العائلة الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية التي ورد في القسم الثالث منها أن الدول الأطراف الموقعة على هذه الإتفاقية تقرر وجوب منح الأسرة أوسع حماية ومساعدة ممكنة باعتبارها الوحدة الاجتماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، كما نصت على ضرورة اتخاذ الإجراءات الخاصة بحماية جميع الأطفال والأشخاص الصغار دون تمييز لأي سبب كان.
ونصت الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية في القسم الثالث منها المادة (23) على (( أن العائلة هي الوحدة الاجتماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع ولها الحق في التمتع بحماية المجتمع والدولة )).
وقررت الإتفاقية ذاتها في المادة (24) منها (( أن لكل طفل الحق في إجراءات الحماية التي يستوجبها مركزه كقاصر على أسرته وعلى كل من المجتمع والدولة وذلك ودون تمييز لسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانه أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو الولادة )).
وفي هذا الإطار اعتبرت محكمة نورمبرغ أن الإعتداء على شرف الأفراد في الأراضي المحتلة والمساس بحقوقهم الشخصية والعائلية وتشتيت الأسر والتعرض للنساء وفرض القيود على حرية الأشخاص المدنية المقيمين تحت الإحتلال اعتبرت مثل هذه الأفعال والتصرفات جرائم ضد الإنسانية بالإضافة لكونها من الأفعال التي يتمثل فيها سوء المعاملة للمدنيين في الأراضي المحتلة . (6)
وأدانت محاكم وطنية أخرى تصرفات سلطات الاحتلال وحكامهم تجاه المواطنين المدنيين المقيمين تحت الاحتلال ، كما أدان فقهاء القانون الدولي وشراحه في كتابهم ومؤلفاتهم سلطات الاحتلال خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وغيرها من الحروب ما ارتكبته هذه السلطات من أفعال ضد المدنيين مخالفة لقانون الإحتلال الحربي.
حق الأطفال في الرعاية والتعليم في الإتفاقيات الدولية :
5. نصت الفقرة الأولى من المادة ( 50) من الإتفاقية بحماية المدنيين تحت الإحتلال على مايلي :-
(( تسهل دولة الإحتلال بمعاونة السلطات الوطنية والمحلية الإدارة الجديدة لجميع المنشآت المخصصة للعناية بالأطفال وتعليمهم )).
وقد جاء النص بعد أن تعرض الأطفال أثناء الحرب العالمية الثانية للتشرد والقتل والإهمال نتيجة لانتهاك حقوق الإنسان فمن أطفال من فقدوا والديهم أثناء الحرب وعدداً من أفراد أسرهم فأصبح قسم كبير منهم بلا عائل أو مأوى أو راعي يرعاهم ويحرص على تأمين مستقبلهم الأمر الذي دفع الجمعية للأمم المتحدة إلى إنشاء هيئة اليونيسيف في عام 1946 للعناية بالأطفال الذين شردوا بسبب الحرب العالمية الثانية وتقديم العون لهم .
كما تولت جمعية الصليب الأحمر الدولية إنشاء منازل لإيوائهم وإذاعات خاصة في المناطق التي نشب فيها النزاع فقيها رحى الحرب لتقويم بتوجيه النداءات إلى الآباء والأمهات للتعرف على أطفالهم من بين ما تم جميعهم من أطفال بمعرفة جمعية الصليب الأحمر المشار إليها. (7)
6. وقد حاولت جمعية الصليب الأحمر الدولية وضع مشروع اتفاقية لتقرير حق رعاية الأطفال وحق تعليمهم ومن الحرب وفي الأراضي المحتلة أثناء الحروب وكان ذلك في عام 1939 إلا أن هذا المشروع لم يظهر إلى حيز الوجود إلى أن تم وضع اتفاقية حماية المدنيين تحت الإحتلال وقد استعان واضعوها بما جاء في مشروع جمعية الصليب الأحمر غير أن هذه الإتفاقية الأخيرة وفي ضوء ما ورد في المادة الخمسين منها قررت حماية أكثر فعالية للأطفال من المشروع السابق.
ولم تحدد المادة (50)من الاتفاقية موضوع البحث سن الأطفال الواجب حمايتهم وبالتالي فإن الإجتهادات ذهبت إلى أن السن المعقول الذي يمكن اعتباره معياراً لتقرير حماية الكفالة ورعايتهم هو السن الذي يبدأ منذ الصغر وحتى الخامسة عشر .
وبطبيعة الحال فإن المنشآت التي أوجبت هذه المادة إيجادها للعناية بالأطفال إنما تشمل إضافة إلى بيوت الأطفال المستشفيات ومراكز الرعاية الإجتماعية وغيرها وأنه يترتب على سلطتن الإحتلال بالتعاون مع السلطات الوطنية والمحلية توفير الإدارة الجيدة لهذه المنشآت، وإذا لم تتمكن السلطات الوطنية أو المحلية من القيام بهذه الالتزامات أصبح لزاماً على السلطات المحتلة أن تتولى ذلك بنفسها.
ونصت الفقرة الثانية من المادة (50) التي سبقت الإشارة إليها على أن (( تتخذ دولة الإحتلال جميع الخطوات اللازمة لتسهيل تمييز شخصية الأطفال وتسجيل نسبهم ولا يجوز بحال ما أن تغير حالتهم الشخصية أو تدمجهم في تشكيلات أو منظمات تابعة لها )).
والهدف من وضع هذا النص في الاتفاقية هو حث سلطات الإحتلال ووضع التزامات عليها من أجل حماية الأطفال وتمييز شخصياتهم وتسجيل نسبهم حماية للمجتمع الإنساني من اختلاط الأنساب ومن ضياع الأطفال، ويهدف أيضاً إلى الحظر على سلطات الإحتلال من دمج الأطفال في منظماتها العسكرية أو أي منظمات تابعة لها أو إجبارهم على التطوع في هذه المؤسسات العسكرية أو شابهها.
وإذا استعرضنا الفقرات 3، 4، 5 الأخرى من المادة ( 50) من الإتفاقية الرابعة لحماية المدنين تحت الإحتلال نجد أنها ترتب في الفقرة الثالثة على سلطات الإحتلال اتخاذ الإجراءات اللازمة لرعاية الأطفال وتعليمهم في حالة افتراقهم عن والديهم بسبب الحرب ونجاحه إذا كانت الترتيبات والمنشآت التي إقامتها السلطات المحلية غير كافية ولا تفي بالغرض.
كما تناولت الفقرة الرابعة موضوع التميز بين شخصية الأطفال المشكوك في شخصياتهم يسبب ويلات الحرب وضرورة وضع سجل يتضمن تفصيلات خاصة بوالديهم أو أقاربهم، في حين أشارت الفقرة الخامسة إلى أن لدولة الإحتلال أن تطبق أي اجرءات أكثر ملائمة لمصلحة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سبع سنوات مما كانت مطبقة قبل الإحتلال فيما يتعلق بتغذيتهم وحمايتهم والعناية الطبية بهم.
وهكذا نرى أن المادة (50) من الاتفاقية الرابعة بجميع بنودها تقرر حق الأطفال الذين يقيمون تحت الإحتلال في الرعاية والتعليم، والمحافظة على أنسابهم وانتقائهم الأسري وأن سلطات الإحتلال ملتزمة بالتقيد بأحكام هذه المادة من الإتفاقية الرابعة التي تعتبر جزءاً هاماً من قانون الإحتلال الحربي.
ونظراً لاهتمام المجتمع الدولي بالأطفال وحقوقهم فقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1959 على الإعلان الخاص بحقوق الطفل وقد تضمن هذا الإعلان عشرة مبادئ نصت على حماية الطفل وضمان نشأته ونموه جسدياً وعقلياً وأخلاقياً وروحياً واجتماعياً في إطار من الكرامة والحرية دون تمييز لأي سبب كان وضرورة الاحتفاظ للطفل باسم وجنسية.(8) وفي الاتفاقية الدولية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/12/1996 المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية ورد في القسم الثالث منها نص يتعلق بالأطفال وحمايتهم دون تمييز بينهم بسبب اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومية، كما ورد آخر على ضرورة تسجيل طفل فور ولادته وأن يكون له أسم وجنسيه .
نستنتج من ذلك كله أن حقوق الطفل في الإتفاقيات الدولية وإعلانات حقوق الإنسان مصونة زمن الحرب وزمن السلم وقد رتبت هذه الحقوق التزامات على دولة الإحتلال زمن الحرب أشرنا إليها في حينه.
وقائع الجرائم الإسرائيلية كسلطة محتلة ضد الأشخاص المدنيين
7. ارتكب العديد من الجرائم ضد المدنيين في الأراضي المحتلة من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلية منها جرائم قتل وجرائم تعذيب وسوء معاملة المدنيين، وجرائم هتك العرض واعتقال الانتقام وجرائم انتهاك الحقوق القضائية، وجرائم الترحيل الإجباري وتشنين شمل العائلات، وإذا كان بعض هذه الجرائم قد ارتكبت ضد أطفال لم يتجاوزوا الخامسة عشر وضد الشباب فإن إسرائيل كسلطة محتلة تكون قد انتهكت اتفاقية جنيف الرابعة والإعلان العالمي لحقوق الطفل والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقد صدرت عدة إدانات من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل كسلطة محتلة في أعقاب احتلالها لفلسطين والأراضي العربية الأخرى عام 1967ومن هذه القرارات :
(1) القرار رقم (237) تاريخ 14/6/1967 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي طالب فيه بالالتزام بتطبيق اتفاقيات جنيف لسنة 1949 والخاصة بمعاملة المدنيين زمن الحرب، وطالب المجلس ( إسرائيل) بضمان أمن وسلامة ورفاهية السكان المدنيين في المناطق التي جرت فيها العمليات الحربية.(9)
(2) القرار رقم ( 2252) تاريخ 4/7/1967 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أيد قرار مجلس الأمن الدولي رقم ( 237) والذي أكد على ضرورة احترام حقوق الإنسان وضرورة تطبيق اتفاقيات جنيف لسنة 1949 بشأن السكان المدنيين.
(3) القرار رقم ( 1) الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان بتاريخ 12/5/19868 المعقد في طهران والذي أعرب فيه عن قلقه العميق لانتهاك حقوق الإنسان في المناطق العربية المحتلة نتيجة لحرب 1967ولفت نظر ( إسرائيل) إلى الآثار الخطيرة المترتبة على عدم مراعاة الحريات الأساسية وحقوق الإنسان في الأقاليم المحتلة، كما دعا المؤتمر المذكور إلى(( تعيين لجنة خاصة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الأقاليم التي تحتلها إسرائيل وتقديم تقرير عنها )). (10)
8. ولكننا في هذه الدراسة سنقتصر على تحديد الوقائع المتعلقة بانتهاكات إسرائيل لاتفاقية جنيف الرابعة حول معاملتها لأطفال وتشتيت شمل العائلات.
الوقائع :
تعليمات أصدرتها السلطات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية تتعلق بالأطفال المسجلين في هويات أمهاتهم وأبرز ما هذه التعليمات ما يلي :-
1. لا يسمح لأي امرأة من سكان الضفة الغربية وموجودة حالياً في الخارج بالعودة إلى الضفة هي وأولادها إذ كان زوجها لا يحمل هوية ( إسرائيلية ) ( رقم وطني ) .
2. يحق للأم الدخول هي وأولادها بعد شطب الأولاد من هوية الأم والحصول على تصاريح زيارة عادية لهم شريطة أن يكون لكل ولد منهم جواز سفر أردني خاص به.
ويترتب على هذا القرار ما يلي :-
1. إلغاء إقامة الأطفال المسجلين في هويات أمهات متزوجات من أشخاص غير مقيمين في الوطن المحتل .
2. أن هذا القرار يحوم آلاف الأطفال من حق الإلتحاق بأمهاتهم وأسرهم.
3. يحرم هذا القرار الأمهات من الإلتحاق بعائلتهم وأسرهم في الضفة الغربية .
وإذا استعرضنا تفصيلات هذه التعليمات التي أصدرتها سلطات الإحتلال الإسرائيلية يتبين لنا مايلي :
1. إذا كان الأب والأم يحملان الهوية الإسرائيلية والابن ولد خارج الضفة الغربية وعمره أكبر من أربع سنوات فلا يقبل تسجيله وبالتالي يبقى خارج الضفة بعيداً عن أبويه.
2. إذا كان عُمر الولد أقل من أربع سنوات مع توفر الشروط المنصوص عليها في الفقرة (1) فيمكن تسجيله.
3. إذا ولد طفل خارج الضفة الغربية وكانت أمه تحمل الهوية الإسرائيلية فهذا يعني وفقاً للقرار أن الطفل مرافق ولا يعامل كمواطن وعند سن السادسة عشر يشطب من السجل ولا يسمح له بالدخول إلا كزائر.
9. الطبيعة القانونية لهذه التعليمات : إن التعليمات الصادرة عن الحاكم العسكري للضفة الغربية أو السلطات العسكرية التي تتولى الإدارة يفترض أن لا تتعارض مع قانون الإحتلال الحربي، ومع الإتفاقيات الدولية التي تعتبر ( إسرائيل) طرفاً فيها باعتبارها إحدى (( الدول )) الموقعة عليها، هذا من ناحية أخرى لا يجوز لسلطات الاحتلال أن تغير التشريعات المطبقة في المناطق المحتلة بل أن من الالتزامات المفروضة على سلطات الإحتلال أن تحترم القوانين القائمة في الأراضي المحتلة، فالقاعدة المعروفة أنه ليس لسلطات الإحتلال أن تمارس تصرفاً لا يملك حق ممارسة سوى السلطة الشرعية صاحبة السيادة القانونية على الإقليم المحتل ( الحكومة الوطنية ) فقد نصت المادة (43) من لوائح لاهاي على ما يلي :
” تلتزم دولة الاحتلال .. أن تحترم القوانين المعمول بها في الإقليم المحتل ما لم تقض الضرورة بغير ذلك ”
وكذلك نصت المادة (64) فقر أ من اتفاقية حماية المدنيين تحت الإحتلال على ضرورة عدم المساس بالتشريعات السائدة قبل بدء الإحتلال، وإذا كانت المادة ( 43) من لوائح لاهاي قد أضافت نصاً إلى المادة يقول ” ما لم تقض الضرورة بغير ذلك ” فإن هذا الإستئناء يجب أن لا يؤخذ بالمفهوم الواسع وأن الضرورة يجب أن تقدر بقدرها وحجمها الحقيقي، وقد فسر ففقهاء القانون الدولي هذه العبارة بشرح معنى ” الضرورة ” وأبعادها بأنها الظروف التي تضطر فيها سلطات الإحتلال إلى تعديل هذه القوانين أو إلغاءها أو سن قوانين ولوائح جديدة من أحل القيام بواجباتها المكلفة بها وهي المحافظة على النظام العام والحياة العامة في المناطق المحتلة، وكذلك حماية آمنها، فإذا وجدت سلطات الإحتلال أن هذه التشريعات المعمول بها في الأراضي المحتلة غير كافية لتنفيذ هذه الواجبات والقيام بهذه المسؤوليات من أجل صالح سكان الأرض المحتلة غير كافية لتنفيذ هذه الواجبات والقيام بهذه المسؤوليات من أجل الحفاظ على الأمن والنظام في هذه القوانين أو تعطيلها في حدود ما تقتضي به الظروف .
والسؤال المطروح في هذا الإطار هل إقامة الأطفال الفلسطينيين في وطنهم والمسجلين في هويات أمهاتهم المتزوجات من أشخاص غير مقيمين في الوطن المحتل يشكل ضرورة أمنية تستدعي إلغاء التشريعات الأردنية النافذة باعتبارها تشريعات دولة الأمل؟ هل منم شأن عدم تسجيلهم وحرمانهم من الإلتحاق بأمهاتهم وأسرهم يعتبر ضرورة أمنية تستدعي تعديل التشريعات من قبل السلطة المحتلة؟
شم إذا كان من حق سلطات الإحتلال أن تعدل التشريعات القائمة بتشريعات أخرى وأوامر إدارية وعسكرية ليس لها صفة تشريعية صادرة عن سلطة مختصة بالتشريع ألا يجب أن تراعي هذه الأوامر قانون الاحتلال الحربي؟ والاتفاقية الرابعة لحماية المدنيين تحت الإحتلال التي تعتبر ( إسرائيل ) طرفاً دون تحفظ من قبلها؟
إن الأجوبة على هذه التساؤلات تحدد بوضوح الطبيعة القانونية لهذه ” الأوامر ” والتعليمات، أن هذه التعليمات تعتبر غير قانونية لإلغائها تشريعات نافذة لدولة الأثل دون وجود أي مسوغ قانوني أو عامل من عوامل الضرورة لإلغاء التشريع النافذ، كما أن هذه التعليمات تعتبر منعدمة لتعارضها الحاد والواضح مع الإتفاقيات الدولية وبخاصة الإتفاقية الرابعة لحماية المدنيين تحت الإحتلال والإعلان العالمي لحقوق الطفل.
وإذا أخذنا بالاعتبار أن من شأن تطبيق هذه التعليمات الإدارية تشتيت شمل العائلات الأمر الذي يشكل مخالفة لأحكام المادة ( 27) من اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين تحت الإحتلال، المادة (82) منها، بل أن هذه الاتفاقية التي نصت على احترام الحقوق العائلية وروابط الأسرة إنما تهدف أيضاً إلى جميع شمل الأسر التي تعرضت للشتات، فهل يساعد هذا القرار الإداري على تحقيق هذه الغاية؟
10. إن تطبيق قرار سلطات الإحتلال سيزيد الأسر الفلسطينية تشتتاً وسيحرم الأطفال من رعاية والديهم، كما أنه يحرم الأمهات من التحاق بأسرهن في الضفة الغربية، ثم أن تحديد عمر الأربع سنوات كمعيار للسماح بتسجيل الطفل وإقامته مع والديه هو معيار تعسفي لا سند له في اتفاقيات جنيف ولوائح لاهاي ولا في تشريعات دولة الأصل، وإذا كان من المعروف أن التشريعات الوطنية النافذة لا تحرم الأطفال في أي ظرف من الظروف من الإقامة في بلدهم والإلتحاق بوالديهم ولو ولدوا في أقصى المعمورة وفي أي دولة في العالم وعاشوا فيها حتى بلغوا سن الشباب أو حتى ألكهوله، أن وضعا كهذا لا يحول بينهم وبين العودة لوطنهم، فكيف يكون الحال وهو ما زالوا أطفالاً في حاجة إلى الرعاية والعناية.
إن هذا التصرف من قبل السلطة المحتلة فضلاً عن تعارضه مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الطفل فإنه يشكل خرقاً لقانون الإحتلال الحربي الذي لا يجعل من السلطة الفعلية التي تمارسها سلطات الإحتلال سيادة قانونية على الإقليم بل أن وجودها وجود مؤقت لا بد أن ينتهي بانسحاب القوات العسكرية التابعة للسلطة المحتلة وإن اختصاصها الذي تمارسه هو اختصاص محدود، وغني عن القول أن الهدف الرئيسي غير المعلن من تعليمات سلطات الإحتلال الإسرائيلية بشأن الأطفال والأمهات هو تفريغ الأرض المحتلة من سكانها ومواجهة الأبعاد الديموغرافية للمشكلة الفلسطينية التي تتمثل في ازدياد نسبة السكان بين المواطنين العرب بمعدل مرتفع .
إن قواعد قانون الإحتلال الحربي سواء ما جاء منها في لوائح لاهاي أو اتفاقية جنيف لحماية اللامدنيين لها صفة آمره ملزمة لجميع الدول حتى بالنسبة للتي لم توقع عليها باعتبار أن ما ورد في لوائح لاهاي ( 1899- 1907) ما هو إلا تقرير لما كان سائداً من قواعد عرفية بين الدول المتمدينة خلال القرن التاسع عشر، وقد أشار ” كنيز” في هذا الصدد قائلاً ” إن اتفاقيات لاهاي ولوائح الحرب الملحقة بها ما زالت هي القانون الساري الملزم وأن الدليل على ذلك هو احتواء قانون الحرب البرية الأميركية الصادرة سنة 1956 لنصوص هذه اللوائح.(11) وقد اعتبرت محكمة نورمبرج لوائح لاهاي ذات صلة آمرة ملزمة لكل الدول بوصفها كاشفة لعرف كان مستقراً قبل وضع هذه اللوائح وليست منشئة لقواعد جديدة، لذلك فهي تطبق على جميع الدول سواء أكانت طرفاً فيها أم لم تكن. (12)
ولابد من الإشارة كذلك إلى أن اتفاقية جنيف لحماية المدنيين هي من المعاهدات الجماعية العالمية ذات الصفة الآمرة ولا تسري على هذه الإتفاقية القاعدتان المعروفتان في القضاء الدولي وفي العرف الدولي تقرر الأولى أن المعاهدات لا تنشئ الحقوق وترتب الإلتزامات إلا بين أطرفها. وتقرر الثانية أن المعاهدات لا تكون مصدر أو التزام للغير، فالقاعدتان المشار إليهما لا تسريان على اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين لما تتمتع به من صفة العالمية، وهي بذلك تماثل الأمم المتحدة الملزم لجميع دول العالم بما فيها الدول غير الأطراف في هذا الميثاق. ( 13)
وقد سبقت الإشارة أن ” إسرائيل ” هي طرف في اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب، ولما كانت هذه الإتفاقية هي اتفاقية ذات قواعد آمره وملزمة فإن مخالفتها تثير المسؤولية الدولية، وتعرض منتهكها من الدول للجزاء الذي يجب ألان يوقعه المجتمع الدولي والذي يشمل فيما يشمل المادة الوضع إلى ما كان عليه وجمع شمل العائلات المشتتة وإلغاء الأوامر الإدارية التي تحول بين الأطفال والعودة إلى أمهاتهم في الأراضي المحتلة أو بين الأمهات والإلتحاق بأسرهن في هذه المناطق التي تحتلها القوات الإسرائيلية .
توصيات :
1. لابد ونحن ندرس البعد القانوني لتصرفات سلطات الإحتلال الإسرائيلية إزاء الأطفال وحرمانهم من الإلتحاق بأسرهم لرعايتهم وتعليمهم وإزاء الأمهات وحرمانهن من الإلتحاق بأسرهن في الأراضي العربية المحتلة في فلسطين في ضوء القرار الذي أصدرته السلطات العسكرية الإسرائيلية مؤخراً، لابد لنا من أن نؤكد على خطورة هذه الإجراءات وان استمرارها سيخلق نوعاً من المشكلات من خلال تشتيت الأسر وعدم جمع شملها، وأن تجربة الإحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 تدل على عدم اكتراث سلطات الإحتلال الإسرائيلية المدنيين تحت الإحتلال بصورة تقيهم من الإجراءات التعسفية التي تشكل خرقاً لقانون على تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب، وهنالك شروط يجب توفرها لتعيين الدول الحامية نذكرها فيمال يلي :
v أن تكون الدولة الحامية ” The Protecting Power ” هي دولة محايدة.
v أن تتولى الدولة التي احتلت أراضيها اختيارها لحماية مصالحها.
v موافقة أطراف ثلاثة ليتم تعيين الدولة الحامية وهذه الأطراف هي :-
الطرف الأول : الدولة المحايد نفسها التي يجب أن تقبل القيام بهذا الدور.
الطرف الثاني : الدولة التي احتلت أراضيها والتي ترغب في اختيار الدولة الحامية لحماية رعاياها الموجودين تحت الإحتلال .
الطرف الثالث : دولة الإحتلال التي يجب أن توافق على قيام الدولة الحامية بمهامها وأنشطتها داخل الأراضي التي تحتلها .
ولقد ورد النص على دور الدولة الحامية في الإشراف على تطبيق أحكام اتفاقية جنيف لحماية المدنيين في المادة التاسعة من الإتفاقية ذاتها، ويستنتج من نصّ المادة المشار إليها أن هنالك دوراً إلزامياً للدولة الحامية وأن جميع أطراف الإتفاقية ملتزمون بقبول الدول الذي تقوم به الدولة وتضمنت أيضاً التسهيلات التي تمنح للدولة الحامية والقيود التي يجب على الدولة الحامية أن تتقيد بها. وأجازت الإتفاقية موضوع البحث للدول الأطراف فيها اختيار منظمة دولية بواجبات الدولة الحامية لتطبيق أحكام هذه الاتفاقية وتنفيذها.
وفي حالة غياب الدولة الحامية أو المنظمة الدولية التي تطبيق هذه الإتفاقية من أجل حماية المدنيين تحت الإحتلال فقد نصت الفقرة الثانية من المادة (11) من اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين على ما يلي :
” إذا لم ينتفع الأشخاص المحميون أو تنقطع استفادتهم لأي سبب كان من جهود الدولة الحامية أو المنظمة الدولية المشار إليها فعلى دولة الإحتلال أن تطلب إلى دولة محايدة أو إلى ممثلي المنظمة أن تتكفل بالواجبات المفروضة بمقتضى هذه الاتفاقية على الدولة الحامية المعنية بواسطة أطراف النزاع “.
وهكذا نرى أن الإتفاقية أعطت دولة الإحتلال الحق في أن تطلب تعيين دولة أخرى كبديل للقيام بواجبات الدولة الحامية في حالة غياب هذه الدولة لأي سبب من الأسباب، إلا أن دولة الإحتلال لا تتمتع بكامل حريتها في اختيار الدولة البديلة بل يجب أن تتصف هذه الدولة بالحاّد، وشرط الحياد أمر ضروري لا مجال لتجاوزه فلا يجوز مثلاً أن تكون الدولة التي تختارها دولة الإحتلال حليفة لأحد أطراف النزاع.
وهناك فرضية أخرى أنه إذا لم يتم تعيين دولة حامية من قبل دول الأصل وإذا لم يتم تعيين منظمة دولية لهذا الغرض، وإذا فشلت دولة الإحتلال كذلك في اختيار دولة محايدة بديلة للدولة الحامية استناداً على الحق المعطى لها بموجب الفقرة الثانية من المادة ( 11) من اتفاقية جنيف لحماية المدنيين تحت الإحتلال على ما يلي:
” إذا لم تتوفر الحماية بهذه الكيفية، فعلى دولة الإحتلال أن تطلب أو أن تقبل مع مراعاة أحكام هذه المادة خدمات منظمة إنسانية كاللجنة الدولية للصليب الأحمر للقيام بالواجبات الإنسانية التي تؤديها الدول الحامية بمقتضى هذه الإتفاقية.
والمقصود ” بالواجبات الإنسانية ” في النص السابق أن مهمة المنظمة الإنسانية لا تصل إلى مستوى وظيفة الدولة الحامية لأنها في الحقيقة ليست بديلاً عنها وإنما تقوم بحماية الشؤون ذات الطابع الإنساني بما يتناسب وطبيعة هذه المنظمة، وفي يقين أن جنع شمل العائلات، وحماية الأطفال من الأذى الذي يلحق بهم إذا لم يلتحقوا بأمهاتهم وتمكين الأمهات من الإلتحاق بأسرهن هي من المواضيع التي تدخل في نطاق المهام الإنسانية الموكلة إلى المنظمة الدولية.
والمعروف أن دولة الأصل لم تطلب تعيين دولة حماية في الضفة الغربية والمناطق المحتلة الأخرى في فلسطين، في أعقاب حرب 1967واحتلال ” إسرائيل ” لهذه المناطق، وأنها لم تطلب تعيين منظمة تعيين دولية لهذا الغرض، كما أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية لم تعين دولة محايدة بديلة للدولة الحامية، وفي ضوء ما يجري حالياً من انتفاضة شعبية في هذه المناطق تشكل في إطارها العام ثورة شعبية منظمة، ومما يرافق ذلك من إجراءات تعسفية كالإبعاد والتهجير، إضافة إلى القرار الإداري موضوع هذه الدراسة حول القيود المفروضة على دخول الأطفال وتسجيلهم في إقامة أمهاتهم فإن على السلطات الإسرائيلية أن تقبل بقيام منظمة إنسانية ” كاللجنة الدولية للصليب الأحمر ” أو ما شابهها من المنظمات الإنسانية بتقديم خدمتها في هذا المجال، وعلى الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بالسلطة الفلسطينية والتي بحسب اتفاقيات أوسلو تقوم بإدارة بعض المناطق الفلسطينية أن تطالب بتكاليف إحدى المنظمات الإنسانية للقيام بهذا الدور .
ولا مجال في أي حال أن ترفض السلطات الإسرائيلية ذلك لأنه نصت الفقرة الثالثة من المادة (11) من الإتفاقية لحماية المدنيين تحت الإحتلال ورد في صيغة الوجوب والإلزام.” فعلى دولة الإحتلال أن تطلب أو تقبل ….. خدمات منظمة إنسانية ” .
بقي أن نقول أن الحل القانوني الجذري لمعالجة الأوضاع القائمة في الأراضي المحتلة هو انسحاب القوات الإسرائيلية الغازية منها وإنهاء الإحتلال ذي الطبيعة المؤقتة والذي مضى عليه وقت طويل يزيد عن ( 38 عاماً ) قضاها الشعب العربي الفلسطيني وهو يقاوم الظلم والقهر والعدوان .
ساحة النقاش