ملخص أطروحة دكتوراه

إذاعة المقاومة الفلسطينية (1968-1982 )
ودورها الدعاوي التوضيحي لحل القضية الفلسطينية العادلة للشعب الفلسطيني


******* 
إعداد : د. محمد ناصر الخوالده 

نوقشت بتاريخ ( 18-3-1992)

******** 
الفهرس :
الفصل الأول : - القضية الفلسطينية ، نشأتها وتطورها .

1- فلسطين عبر التاريخ .
2- الاعتراف بحق تقرير المصير للفلسطينيين .
3- حركة المقاومة الفلسطينية.

الفصل الثاني :- لمحة عن تاريخ الصحافة الفلسطينية .

1- المراحل الأساسية في تطور الصحافة الفلسطينية .
2- صحافة حركة المقاومة الفلسطينية.
3- مشاكل المقاومة من خلال صحافتها .

الفصل الثالث :- إذاعة المقاومة الفلسطينية . 
1- الإذاعة ومكانتها ودورها وأهميتها في ظل حركة التحرر .
2- نشوء الإذاعة الفلسطينية وصفاتها المميزة .
3- مضمون ومهمات البث الإذاعي تطور الإذاعة .

الفصل الرابع : - إذاعة المقاومة الفلسطينية في قمة أزمة الشرق الأوسط (1968-1982) .

1- علاقات الوصل بين الآراء إزاء الوحدة الوطنية ، نقاشات وتبادل الآراء والحوارات وتعزيز المهمة الجماهيرية لتوحيد القوى .
2- دورها في صد الدعاية المضادة ، وتعبئة الجماهير الفلسطينية المناضلة .
3- البرامج العامة والمتخصصة والقيادة الجماعية والقيادة المحددة للإذاعة الفلسطينية لدى المقاومة . 
4- التطور والمد واجزر في إذاعة المقاومة الفلسطينية ونموها التصاعدي ووضوح نقطة الانطلاق في التحرك .
5- المسائل الغير محلوله .

الخاتمة : _ الهدف من الدراسة وتحديد الاستنتاجات الخاصة بها .
1- هذه أول محاولة لدراسة نشاط إذاعة المقاومة .
2- تحليل الظروف التي ظهرت فيها إذاعة المقاومة الفلسطينية ، وتبيان الظروف بينها وبين الإذاعة الفلسطينية قبل العام 1948 والبرامج التي كانت تبث باسمها حتى عام 1968 . 
3- توضيح المسألة بشأن محاولة إذاعة المقاومة الفلسطينية في مختلف الأماكن التي عددت فيها صفات هذه الإذاعة . 
4- تمت الإشارة إلى الأسباب السياسية والفكرية التي أدت إلى تنقل أماكن الإذاعة الفلسطينية . 
تمت متابعة وتحليل ظاهرة إذاعة المقاومة الفلسطينية ومكانتها وعلاقتها مع وسائل الإعلام الأخرى في المقاومة الفلسطينية.

إذاعة المقاومة الفلسطينية ( 1968 –1982) ودورها في إيضاح القضية العادلة للشعب الفلسطيني وحلها
إن الكتابة عن إذاعة المقاومة الفلسطينية أمر مثمر وصعب بقدر واحد, أنه مثمر لأنه موضوع لم تتم دراسته إلى الحد الكافي بعد ويمثل مادة شيقة وغنية للبحث فيها من مختلف الجوانب , وهي ضرورية كونها تجربة تاريخية بالإضافة إلى أنها ملحة من حيث تحليل هذه التجربة ومفيدة بالاستنتاجات والاستخلاصات التي تؤدي إليها. كما أن هذه الكتابة مثمرة بحكم أن الإذاعة عبارة عن ظاهرة متميزة في منظومة وسائل الإعلام الجماهيري الفلسطينية المسخرة نفسها في خدمة نضال شعبها في سبيل بقائه وحقه في وطنه وفي الحياة الحرة على أرضه والدفاع عن حقوقه الإنسانية وتطوره الديمقراطي . ومن الناحية الثانية يصعب على الباحث استيعاب ودراسة هذه المسألة وذلك بسبب شح الوثائق . فالإذاعة الفلسطينية كثيراً ما توجد في كل مكان ولا توجد في أي مكان. أنها قائمة في الظروف السرية وتغير قواعد أجهزتها للبث في نفس سياق العمل. 
وينبثق هذا كله من الواقع أن أكثر من 60% من الفلسطينيين مشردون من أرضهم وكثيراً ما ينبغي تغيير خطوط المجابهة وظروف النضال. كما أن بعض الصعوبات الموضوعية في سير الأعداد ودراسة الموضوع قد نتجت عن الفترة العصيبة في نضالنا بعد معركة لبنان 1982, أي بالضبط لما أقبلت على دراستي عملياً بشكل مباشر. 
وما شجعني لاختيار موضوع الأطروحة كانت دراستي المتخصصة في مجال الصحافة الإذاعية بكلية الصحافة. ولي رغبة في تجسيد الأعداد الذي حصلت عليه في الكلية, في هذه المحاولة للعرض المنظم لمرحلة هامة من تاريخ الإذاعة الفلسطينية وتقديم المساعدة على ملء بعض الفراغات بخصوص نشاطها في إطار نظام الإعلام الجماهيري في فلسطين. 
ومما ساعدني في ظل الصعوبات المذكورة التي كانت تظهر موضوعياً في سياق عملي على هذه الدراسة كانت انطباعاتي المباشرة عن البرامج الإذاعية, والإعداد النظري الذي حصلت عليه في الكلية, ودراسة مختلف المصادر والمواد التي تم الاحتفاظ بها أو العثور عليها في مختلف أماكن شتات المثقفين الفلسطينيين, ونصوص بعض الأغاني والأناشيد المعروفة التي بحثت عنها, وتحليل الصحافة السرية والعلنية التي استخدمت كأساس لبعض البرامج الإذاعية, بالإضافة إلى المقابلات التي أجريناها لهذا الغرض خصوصاً بعض القادة والصحافيين من محطاتنا الإذاعية, وبطبيعة الحال فقد تمت الاستفادة القصوى من بعض المصادر المتواضعة جداً من حيث الحجم والمضمون, والتي وجدناها في مختلف المنشورات والوثائق المحفوظة في مراكزنا الإعلامية. 
لا شك أن الإيضاح التام والمتعمق لظاهرة الإذاعة الفلسطينية مستحيل ألا في معرض الأحداث والظروف التاريخية التي نشأت وتطورت في ظلها. فقد تجسد هذا المبدأ في بنية الأطروحة ’ حيث أن محتواها يتضمن مقدمة وأربعة فصول وخاتمة موجزة. 
ويعود مركز الصدارة في المقدمة إلى مسألة بلورة وتبرير أهداف الأطروحة وأسلوب تحقيق البحث. فالهدف الأساسي لهذا العمل هو: 
1. توضيح الطابع المتميز لإذاعة المقاومة الفلسطينية ومكانتها ودورها في المرحلة الراهنة, وتحليل الممهدات التي أدت إلى إنشائها, ومراحل تطورها واستقرارها. 
2. إلقاء الضوء على مرحلة هامة من مراحل تاريخا (1968 –1982) والتي ما تزال خارج اهتمام الباحثين. 
3. دراسة وتحليل الخبرة المهنية في مجال البنية والفنون والأشكال والتحقيق للبرامج الإذاعية من منطلق فعالية تأثيرها على المستمعين وإسهامها في إنجاز أهداف المقاومة الفلسطينية . 
4. دراسة وتصنيف المراحل الرئيسية في تاريخ الإذاعة في فلسطين ونظام وسائل الإعلام الجماهير الفلسطينية. 
لهذا فإن الفصل الأول مكرس لفلسطين من المنظور التاريخي وخاصة نشوء ودور ما تسمى بالقضية الفلسطينية. والفصل عبارة عن عرض موجز للتقلبات المتلاحقة في التاريخ الفلسطيني. 
للقضية الفلسطينية المعاصرة جذورها في السياسة التي اتبعتها عصبة الأمم, سالفة هيئة الأمم المتحدة, خلال فترة توليها المسؤولية عن إدارة فلسطين. فقد صدر تقرير لجنة دولية تشكلت بموافقة عصبة الأمم عام 1930, وتضمن تحليلاً يمكن تعريفة بالاقتراب الأقصى من الموضوعية فيما يخص تاريخ فلسطين القديمة. 
أما الواقعة التي تنعكس في كل تعليق على القضية الفلسطينية, فهي نكبة الشتات الجغرافي وأسباب النهب الاجتماعي والثقافي. تتصف المواقف العربية بعد كارثة 1948 عامة بالمقاومة المستمرة للاحتلال الإسرائيلي. وكانت هذه أيضاً مواقف الشعب الفلسطيني من الكارثة التي طرأت عليه ي العام نفسه. ولم تتجسد نتائج حربي 1948 و 1967 في فقدان الأرض فحسب, بل كانت لها أبعاد قومية واجتماعية كذلك. 
وفي مطلع الخمسينات في ظل نهوض حركة التحرير الوطني للشعوب العربية ظهرت حركة القوميين العرب التي أسس فروعها في معظم الأقطار العربية, ثم التحق عدد من أعضائها في نضال حركة التحرير الوطني الفلسطينية بشكل فعال عدة سنوات بعد ذلك, حيث أسسوا ثلاث من أكبر الفصائل الفلسطينية التي ما زالت تنشط حتى الآن, أو وهي : الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة. 
وقد بدأت المقاومة الفلسطينية تكتسب طابعاً منظماً منذ أواسط الستينات, ومن الناحية الثانية ابتدأت في نفس الفترة عملية الاعتراف الرسمي بالحركة الفلسطينية, وذلك عام 1963, لما اعترفت جامعة الدول العربية بمبادرة من جمال عبد الناصر بوجود الفلسطينيين "شعبا ذا تقرير مصيره وجزءا لا يتجزأ عن الأمة العربية" . وقد تكلفت جميع الدول الأعضاء في الجامعة بتقديم الدعم الشامل إلى الفلسطينيين في النضال من أجل استعادة حقوقهم الوطنية المنهوبة. 
وفي كانون الثاني/ يناير 1964 أقرت القمة العربية في القاهرة إقامة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل رسمي للشعب الفلسطيني وذات العضوية الكاملة في الجامعة العربية, كما أن القرار نص على تمويل المنظمة وإقامة جيش التحرير الفلسطيني في إطارها. 
وقد انعقد المؤتمر الفلسطيني الأول في آذار 1964, والذي تحول إلى الدورة الأولى للمجلس الوطني الفلسطيني ( برمان المهجر) . وقام المؤتمر بانتخاب اللجنة التنفيذية لـ م. ت. ف. 
وبعد المؤتمر بشهر نشر النظام الداخلي للمنظمة التي ترأسها أحمد الشقيري. وقامت قوات العاصفة, وهي التشكيلية العسكرية لفصيلة "فتح" بأول عملية عسكرية في الأراضي المحتلة في منظمة بحيرة طبرية في عشية رأس سنة 1965, وتعتبر هذه بداية المقاومة الفلسطينية المعاصرة.
وقد أسس مجموعة من فلسطيني الأراضي المحتلة حركة تحرير فلسطين (فتح) عام 1965 في غزة, وكانت (فتح ) فصيلا عسكرياً سرياً في البداية, على غرار جبهة التحرير الوطنية الجزائرية التي استعارت منها عدداً من أساليب وأشكال نضالها الفدائي. ثم أن الوحدات القتالية الفلسطينية المتصفة بضعف التنظيم والتفتت وسوء التسلح, قد تحولت تدريجياً إلى قوة قيادية في حركة المقاومة الفلسطينية. 
وأثر حرب حزيران 1976 احتلت إسرائيل عموم أراضي فلسطين العربية الواقعة تحت الانتداب البريطاني سابقاً. كما أن الحرب قد أسفرت عن الموجة الكبيرة الثانية من المهاجرين الفلسطينيين الذين ساروا في دروب التشريد, وقد تحول مليون ونصف مليون مهاجر إلى اللاجئين , الذين عرفوا بـ"اللاجئين الجدد" للتمييز بينهم وبين " اللاجئين القدامى " من الحرب الأولى بين العرب وإسرائيل عام 1948. 
وتم إيقاف حرب حزيران بتدخل مجلس الأمن الدولي, الذي دعا إسرائيل لتسهيل عودة اللاجئين والالتزام بمعاهدة (جنيف) الرابعة من عام 1949. ونص قرار 242 لمجلس الأمن الدولي الصادر بتاريخ 22/11/1967 على عد شرعية استلام الأراضي عن طريق الحرب. 
وقد ضعف نفوذ القيادة التقليدية لـ م. ت. ف. وأحمد الشقيري بعد العدوان الإسرائيلي عام 1967 فوقف ياسر عرفات على رأس المنظمة. 
لم تؤد هزيمة البلدان العربية إلى حرف الشعب الفلسطيني عن ونواياه, بل بالعكس تماماً, فقد أعطت دافعاً جديداً لحركة التحرير الوطني, التي فرضت نفسها بحزم كونها عاملاً سياسياً وعسكرياً مستقلاً على ساحة الشرف الأوسط. وأصبحت القوات المسلحة التابعة لـ( فتح) تمثل القوى الكبرى للمقاومة الفلسطينية. وعملت الفصائل الفلسطينية على تنشيط فعالياتها السياسية وسط جماهير الشعب من أجل رفع وعيها القومي واستعدادها القتالي. وفي سياق نمو المقاومة ظهر توجه الفصائل الفلسطينية المختلفة نحو التحالف , إلا أن عقبة هامة كانت تعرقل تحالفها , وهي تكمن في البنية الاجتماعية والبرامج السياسية المتباينة للفصائل المختلفة, وصيغها المتمايزة لحل القضية الفلسطينية والنزاع في الشرق الأوسط. 
وقر أقر الميثاق الوطني الفلسطيني سنة 1968, والذي حدد الحقوق التي يناضل الشعب الفلسطيني في سبيلها , ألا وهي : تقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة على فلسطين والعودة واستعادة الممتلكات في فلسطين , هذا بالإضافة إلى حق استخدام أساليب الكفاح المسلح من أجل إحراز هذه الأهداف. 
وجاءت خطوة هامة أخرى نحو تعزيز الحركة الفلسطينية وتوسيع قاعدتها الاجتماعية, متجسدة في القرار الذي تم اتخاذه يوم 12 يناير/ كانون الثاني 1973 ونص على تأسيس الجبهة الوطنية الفلسطينية في الأراضي المحتلة. 
وقد أثبتت الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة المندلعة في أكتوبر/ تشرين الأول 1973, أثبتت إثباتاً قاطعاً بأنه لا مجال لمواصلة الوضع القائم في الشرق الأوسط على ما هو عليه, بل بالعكس , الصراع في الشرق الوسط يمثل إلى حد كبير نتيجة للملاحقات التي يتعرض لها الفلسطينيين كشعب من اللاجئين في هذه المنطقة. وهكذا تبلورت الفكرة عن الأهمية المحورية التي تعود إلى حل القضية الفلسطينية في إطار التسوية الشاملة للنزاع في الشرق الأوسط. 
وقد نالت القضية الفلسطينية الاعتراف الدولي عن طريق قرار3070 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 من نوفمبر / تشرين الثاني 1973, والذي نص على أن التسوية الكاملة لحقوق الفلسطينيين "عبارة عن عنصر غير قابل للتصرف من عناصر إقرار السلام العادل والثابت في الشرق الوسط", وورد أن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف هي حقه في العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة. 
وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد سنة 1975 أكثر من مرة في مختلف قراراته على أن القضية الفلسطينية هي جوهر قضية الشرق الأوسط, قاصدة بذلك أنه من المستحيل حل هذه القضية بالطرق السلمية دون الحل العادل لقضية الشعب الفلسطيني.
كان النصف الثاني من السبعينات وعقد الثمانينات كله فترة المحن القاسية للشعب الفلسطيني ومنظمته السياسية وقواته المسلحة. فقد اندلعت الحرب الأهلية في لبنان والتي سرعان ما تم جر المقاومة الفلسطينية فيها. وظلت القوى اليمينية والفصائل المتصفة بالفاشية تلحق الضربات القاسية إلى مخيمات اللاجئين , فقد بلغت هذه الهجمات ذروتها أثناء حصار تل الزعتر, الذي طال عدة شهور وانتهى عند الإبادة الجماعية لسكان المخيم. لكن القوات المسلحة الفلسطينية ساعدت إلى حد كبير على سيادة الاستقرار في خطوط النار ومنع الهزيمة التامة للقوى الوطنية التقدمية في لبنان. كما ظل الجنوب اللبناني وسهل البقاع قاعدتي القوات الفلسطينية اللبنانية العسكرية الموحدة. 
وفي الوقت نفسه تصاعدت الحملات السياسية والدولة لـ م. ت. ف. والتي ظلت تحتفظ بالمستوى العالي لسمعة القضية الفلسطينية على الصعيدين الأوروبي والعالمي. وكانت م. ت. ف . قد حظيت باعتراف بها كأمر واقع من عدد من الدول يتجاوز عدد الدول التي تقيم العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل . كما أن صوت المقاومة بدأ يرتفع من جميع المحافل الدولية الكبيرة. وظلت إسرائيل تتابع كل ذلك بقلق متزايد, إذ أنها اقتنعت بعجزها عن قهر المقاتلين الفلسطينيين حتى عن طريق اغتيالات قادة المقاومة ودبلوماسييهم, وكانت المراكز السياسية وهيئات الأركان العسكرية الإسرائيلية قد بدأت بتخطيط عملية كبيرة من أجل القضاء على الوجود الفلسطيني في لبنان, وقد تم توجيه الضربة في أوائل حزيران 1982, وكانت هذه عملية عسكرية واسعة النطاق اشتملت على الجنوب اللبناني وصولاً إلى بيروت, حيث تم أكبر الاصطدامات العسكرية بين الفلسطينيين وإسرائيل . وكانت المرحلة الأولى في بداية الحرب كأنما تتنبأ بانتصار إسرائيلي تام. إلا أن محاولات الإسرائيليين لفتح بيروت بشكل الحرب الخاطفة قد واجهت مقاومة عنيفة ومنظمة تنظيماً ممتازاً, أسفرت عن حل وسطي عسكري سياسي, هو انسحاب القوة القتالية الفلسطينية من لبنان. فقد تقاسمت م. ت. ف و إسرائيل العواقب, حيث أن إسرائيل كانت مضطرة على الاعتراف بعجزها مرة أخرى عن دحر الفلسطينيين عسكرياً . أما م. ت. ف فكان عليها إدراك الواقع الخشن أنها يجب أن تخسر القاعدة اللبنانية لنشاطها. 
ورغم كل ذلك فإن إسرائيل ما زالت تحتل الضفة الغربية وقطاع غزة رافضة أي مناقشة لفكرة إقامة دولة فلسطينية في هذه الأراضي , وضاربة بعرض الحائط إجماع المجتمع الدولي. 
أما عدد الشعب الفلسطيني فيبلغ حوالي 5 مليون نسمة حالياً, حيث يعيش حوالي 700 ألف فلسطيني في إسرائيل و 1.2مليون في الأراضي المحتلة أي الضفة الغربية , أما البقية ففي شتات, وما زال جزء كبير منهم يعيش في مخيمات اللاجئين إلى يومنا هذا , بالإضافة إلى عدد من المشردين إلى الخارج, فما زال معظم المشردين يأملون بالعودة إلى دولتهم الخاصة. 
يضم الفصل الثاني نظرة تحليلية لتاريخ الصحافة الفلسطينية, إذا أن إقامة ونشاط الإذاعة الثورية الفلسطينية لا يمكن فصلها عن التطور العام لوسائل الإعلام الجماهيري التي سبقتها فقد اعتمدت الإذاعة دائماً على خبرة كوادر هذه الوسائل الإعلامية. ولذلك من الضروري تحديد المراحل الأساسية في نشوء هذه الوسائل وتطورها في ضوء ظروف الحياة السياسية داخل البلاد وخارجها, فبدون عزل وتحليل كهذا لن ندرك الأسس التي أقيمت عليها الدعاية والإعلام الإذاعيان الثوريان الفلسطينيان لاحقاً وحتى يومنا هذا . 
وتنبثق أهمية هذه العلاقة من أن الإذاعة التي نشأت في فترة متأخرة, لم تعتمد على خبرة الصحافة ولم تستمد كوادرها من صفوف الصحافيين في الجرائد فسحب, بل وتمتعت في سياق تطورها ونشاطها بدعم الصحافة وأنظمتها الإعلامية. 
وقد مرت الصحافة العربية في فلسطين بأربع مراحل تاريخية في نشوئها وتطورها, ابتدأت المرحلة الأولى منها بظهور الصحف باللغة العربية في القدس عام 1876, في عصر الحكم العثماني, وانتهت هذه المرحلة بإيقاف إصدار هذه الصحف في بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914, كانت الصحف الأولى باللغة العربية رسمية. فقد عملت الحكومة العثمانية على إصدار صحيفتين رسميتين, هما "القدس الشريف" باللغتين العربية والتركية وصحيفة الغزال باللغة العربية فقط, وكان الشيخ علي الريماوي يترأس تحرير الصحيفتين العربي. ولم ينتظم صدور أعدادهما . لقد تأخر نشوء الصحافة الوطنية الفلسطينية حتى أوائل القرن العشرين بسبب سياسة التمثيل التي انتهجتها الحكومة العثمانية. 
تعتبر سنة 1908 نقطة الانطلاق للصحافة الفلسطينية, حيث صدر الدستور العثماني الذي تضمن مادة تسمح بإصدار الصحف باللغة العربية, بالإضافة إلى بعض الحريات الأخرى. 
وقد بلغ عدد الصحف الصادرة حتى بداية الحرب العالمية الأولى 36 صحيفة سياسية وأدبية وفكاهية. 
أما المرحلة الثانية: في تطور الصحافة الفلسطينية فامتدت من 1919 إلى 1948 وشهدت مودتها إلى الوجود في ظل الانتداب البريطاني. فقد طرأ على الصحافة في هذه الفترة نهوض سريع رغم الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المزعزعة في البلاد. ومما ساعد على ذلك تطبيق اللغة العربية كونها إحدى اللغات الرسمية الثلاث في مدارس فلسطين. وكانت 241 جريدة ومجلة تصدر في تلك الفترة في فلسطين, منها 41 صحيفة باللغة العربية" ألا أن أصحابها كانوا أجانب, بينما كانت 5 صحف تصدر بلغت أجنبية وكان أصحابها عرب. وتنوعت الصحف بين السياسية والاقتصادية والأدبية والدينية بالإضافة إلى الصحف ذات المحتويات المختلطة , وهذه ظاهرة تمتاز بها فلسطين عن باقي البلدان العربية المجاورة. وقد شهدت الصحافة السياسية النمو الأكبر. 
أما المرحلة الثالثة: في تطور الصحافة الفلسطينية, فقد اشتملت الفترة ما بين 1949 و 1967 .
و المرحلة الرابعة: بعد حرب 1967 وهي مرحلة ما بعد النكبة وقيام الكيان الصهيوني . 
وهي فترة صحافة المقاومة. فقد تغيرت الصحافة نوعياً واكتسبت وظيفة جديدة خاصة بها, ألا و هي التأثير على وعي الناس وتعبئتهم للنضال ورفع المعنويات وتعميم خبرة المقاومة, فالصحافة بذلك أشعلت نيران نضال الشعب كله في سبيل التحرير الوطني والعودة إلى الوطن وإقامة فلسطين المستقلة والديمقراطية. فقد أدت الصحافة الفلسطينية دورها هذا بشكل ناجح رغم كل الآراء الانتقادية القائمة, حيث أن الصحف الرئيسية نشرات فرعية تابعة لها , وتطورها بصورة واسعة ومخططة الصحافة التي تصدر يومياً وأسبوعياً وكل أسبوعين, بالإضافة إلى المجلات الشهرية والمجلات التي تصدر في فترات أطول, أمثال " فلسطيننا" و"نداء الحياة" , و" العاصفة" , و" المحرر" , و" أخبار فلسطينية" , بالإضافة إلى مجموعة متكاملة من النشرات الإخبارية المطبوعة ألخ. وفي خضم هذا النشاط الضخم قد نشأ وتدرب عشرات من الصحافيين والكتاب الموهوبين , حتى أن البعض منهم أحرزوا شهرة على صعيد دولي. 
ومن المميزات الأساسية للنضال الفلسطيني تعدد الفصائل السياسية والعسكرية الناتج عن مختلف الظروف التاريخية والسياسية, فقد شكلت هذه الفصائل منظمة التحرير الفلسطينية لاحقاً, حيث التفت حول فكرة الوحدة. ولكل من الفصائل الأساسية الثماني ضمن م. ت. ف. له جرائده ومجلاته ومراكزه للنشر التي تعمل على إصدار وتوزيع الأدبيات السياسية العملية أمثال المنشورات وغيرها من مواد الدعاية والتحريض. وكل من فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والصاعقة وجبهة التحرير الفلسطينية تعمل على إصدار مطبوعاتها المركزية, والصحف اليومية أو الأسبوعية والمجلات ومختلف التقارير السنوية والمجموعات الدورية التي تضم الوثائق, والتحليل والدراسات. وإلى جانب هذا الاتجاه الذي يظل فاعلاً حتى اليوم, فمع تصاعد النضال وتطور وتنامي الحاجة الواعية إلى الوحدة السياسية والعسكرية والتنظيمية للصفوف الفلسطينية, فقد نشأت الأعمال الوحدوية لوسائل الإعلام الجماهيري التابعة لـ م. ت. ف. في مجال الصحافة والإذاعة والسينما, مما يمكننا من الحديث عن منظومة وسائل الإعلام الجماهيري التابعة لقوى المقاومة الموحدة كما يلي : 
- صحيفة "فلسطين الثورة" اليومية, التي كانت تصدر في بيروت عام 1982, أما حالياً فتصدر في نيقوسيا بقبرص, وهي منبر وحدة الشعب وتطوير وتحقيق برنامج التوحيد ووحدة أعمال مختلف فصائل الثورة, فالصحيفة تنتشر بشكل واسع وسط الجماهير وتمتلك كل مواصفات الجريدة الشعبية المقاتلة مثل عزل المسائل الملحة والحدة السياسية ولهجة المناقشة والروح الأممية والإطلاع الواسع. 
- إلى جانب الصحيفة اليومية تصدر" الثورة الفلسطينية" كمجلة شهرية تعرض قضايا النضال من الناحية النظرية, بالإضافة إلى تعميم الخبرة وإلقاء الضوء على القضايا الإيديولوجية والسياسية والتمسك بإستراتيجية وتاكتيك الوحدة الشعبية. وهي أكثر المجلات الفلسطينية انتشاراً, مختبر الفكر والممارسة الجبهوية. 
ففي إطار منظومة وسائل الإعلام الجماهيري التابعة للثورة بشكل عام والصادرة عن م. ت. ف تصدر أيضاً مجلة " فلسطين " بثلاثة لغات أجنبية ( الإنجليزية, والفرنسية, والإسبانية) وذلك مرتين في الشهر, فقد تمكنت من اكتساب دائرة جادة من القراء على الصعيد الدولي حيث تتمتع بسمعة كونها نشرة إعلامية سياسية اجتماعية حول قضايا قاعدة الوحدة والأعمال الموحدة لـ م. ت. ف . 
أما وكالة الأنباء الفلسطينية ( وافا) فهي الناطق الرسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية كما أنها تستلم وتوزع المعلومات على حلقات الدعاية والإعلام الموحد في إطار المقاومة, والتي ليست لها وحدات موازية في أي من الفصائل الثماني ضن م. ت. ف. 
وفي ختام هذا العرض نذكر مركز الأبحاث الفلسطينية الذي كان عرضة الضربات المتعددة التي وجهها الصهاينة والآلة الحربية الصهيونية, مما أدى إلى توقفه عن الوجود. 
تقوم صحافة المقاومة الفلسطينية بنشاطها خارج الأراضي الفلسطينية, وذلك بحثاً عن المزيد من الأمن بالإضافة إلى حماية والحفاظ على الكوادر الصحافية والفنية. 
إن حركة المقاومة الفلسطينية وبالتالي صحافتها تلتزم بخط سياسي وإيديولوجي واضح لا يسير النضال من أجل الاستقلال الوطني فحسب بل يتضمن الأفكار المحددة تماما حول القضايا الاجتماعية. 
يعتمد الجهاز الإعلامي للمقاومة الفلسطينية على الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه إليها الحكومات العربية وعدد من الدول الأخرى, حيث أن الصحافة الفلسطينية تستلم منها آلات الطباعة والورق والمنح الدراسية لإعداد الكوادر. 
بينما كانت المصاعب في وجه الصحافة الوطنية في مرحلة النضال السلمي تنحصر على الملاحقات والمصادرات وإلقاء الصحافيين في السجن, فقد ازداد وضع الصحافيين ووسائل الإعلام في المقاومة الفلسطينية المسلحة صعوبة وبشكل ملحوظ. حيث أنهم تعرضوا للمطاردات , بل للتصفية الجسدية, وأصبحت الصحف مهددة بالإغلاق . ومثال على ذلك اغتيال غسان كنعان, الكاتب والروائي والرسام, الذي وضعوا قنبلة في سيارته, شأنه شأن ماجد أبو شرار, الذي انفجرت قنبلة في سريره, وكان من مسئولي وسائل الإعلام الجماهيري الفلسطينية . وفي روما اغتيل وائل زعيتر, كما اغتيل عبد الوهاب ألكيالي , الكاتب و المؤرخ, إلى جانب عدد من الآخرين. 
تحولت الصحف الفلسطينية إلى العمل السري بعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين سنة 1948 ونضيف إلى ذلك عمل الصحافيين الفلسطينيين في صحافة البلدان العربية الأخرى. 
فالقضية الأكثر إلحاحاً التي ناقشتها الصحافة خلال الخمسينات, كانت قضية الوحدة العربية وتحرير فلسطين, وجاءت قضية التطور والعدالة الاجتماعية في المرتبة الثانية. 
بإمكاننا إيجاز الاتجاهات السائدة في دور الصحافة خلال مرحلة النضال من أجل التحرير الوطني في ثلاثة اتجاهات رئيسية: 
رأى الاتجاه الأول ضرورة تكريس وسائل الإعلام الفلسطينية لإنجاز الهدف الرئيسي والمتكامل للمقاومة الفلسطينية, والمتمثل في تحرير البلاد من الاحتلال الإسرائيلي . كما أن هذا الاتجاه رأى المهمة الرئيسية لوسائل الإعلام الجماهيري الفلسطينية في إقامة وحدة سياسية وفكرية متكاملة في فلسطين وتشجيع المبادرات الهادفة إلى توحيد الفصائل الفلسطينية وتعبئة الشعوب العربية في خدمة هذا الهدف. 
أما الاتجاه الثاني: فقد قدر أن المسألة الأساسية التي تواجه وسائل الإعلام في مرحلة النضال التحريري تكمن في إسهامها في تحقيق العدالة الاجتماعية, وفي اعتقاد المنتمين إلى هذا الاتجاه أن وسائل الإعلام الجماهيري جزء لا يتجزأ عن وسائل النضال الفلسطينية وتتحمل المسؤولية المزدوجة أمام شعبها الذي تكثر وتتعقد مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. 
وفي اعتقاد الاتجاه الثالث أن المهمة الأولية لوسائل الإعلام الفلسطينية في مرحلة النضال من أجل التحرير الوطني ترتبط بتعميق الممارسة الديمقراطية, وذلك عن طريق المزيد من حرية التعبير والانتقاد. ويطرح أنصار هذا الاتجاه عدداً من الشروط لضمان الجو الديمقراطي الذي من شأنه أن يتيح لوسائل الإعلام الجماهيري الفلسطينية أن تمارس دورها التاريخي في تشكيل اتجاهات الرأي العام الفلسطيني والتعبير عنها تعبيراً صادقاً وحراً. وهذا ما من شأنه تأمين وضمان مساهمة الأغلبية من الجماهير الشعبية الفلسطينية في صنع القرارات السياسية وتغيير وجه الواقع الاجتماعي والثقافي الفلسطيني بشكل يتفق مع تراثها العريق ومصالحها المعاصرة. ففي المكان الأول بين هذه الشروط تبرز ضرورة وجود صحافة فلسطينية موحدة, تعبر عن مصالح وأفكار القوى الاجتماعية المختلفة التي تكون المجتمع الفلسطيني. 
قمنا بهذا العرض الموجز لصحافة المقاومة الفلسطينية , لكي نؤكد على أن نشوئها وتجربتها بغض النظر عن خصائصها قد مهدت الظروف لنشوء إذاعة المقامة الفلسطينية أيضاً, كما أن الصحافة مهدتها عن طريق إعدادها لكوادر لها ورفع مستوى كفاءة هذه الكوادر. 
وعلى هذا الأساس يمكن دراسة وتحليل مقدمات إذاعة المقاومة الفلسطينية وتاريخها وحالتها المعاصرة. فمن الحقائق التي لا شك فيها , أن الصحافة التي أظهرت طبيعتها الاجتماعية العميقة منذ أن نشأت, بدأت تلعب دوراً بالغ الأهمية في تطور العمليات الاجتماعية اليوم, بعد إغنائها بمنجزات الثورة العلمية التقنية التي شهدها القرن الحالي. وتدل الدراسات على أن كل وسيلة من وسائل الإعلام والدعاية الجماهيرية إنما عبارة عن مؤسسة اجتماعية هامة وتساهم في بلورة القواعد والقيم الفكرية للمجتمع وتساعد على توارثها جيلاً عن جيل وتعمل على توجيه أفراد المجتمع وسط الواقع المحيط بهم.
وفي ضوء ذلك فقد تم إيلاء اهتمام خاص للإذاعة في الفصل الثالث من الأطروحة, كون أنها ظاهرة من الظواهر المميزة لقرننا الحالي ووسيلة جديدة يف أسرة المواصلات الجماهيرية , وخصوصاً إذاعة المقاومة الفلسطينية ومكانتها ودورها في الحركة التحريرية. 
من المعروف أن الإذاعة استقرت باعتبارها وسيلة من أقوى الإعلام والتي تؤثر على الجماهير بصورة أقوى . وقد بدأت الإذاعة تتطور منذ عشرينات القرن العشرين في البلدان الصناعية المتطورة , وذلك لا جاء تحسن أجهزة الاتصال ليمكن من نقل الصوت البشري عبر الأثير. ومنذ أواسط الثلاثينات تحولت الإذاعة إلى وسيلة اتصال أساسية في معظم الدول الغربية, حيث تستعمل في مجال الإعلام والتعليم والترفيه والدعاية التجارية. 
ففي البلدان النامية, بما فيها البلدان العربية شأنها شان باقي أجزاء العالم ظهرت في الفترة نفسها برامج إذاعية قائمة على هيمنة الحكومة في هذه البلدان. حيث كانت الإذاعة أساساً تخدم تعزيز السلطة الاستعمارية للحكومة العملية المتعاقبة. وفي الثلاثينات ابتدأ الاستعمال الواسع النطاق للإذاعة لأغراض الدعاية السياسية. 
مما لا شك فيه أن الإذاعة قادرة على التواصل إلى كل بقعة من بقاع الأرض وإلى مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية, الكبار منها والصغار, والمثقفين وذوي التحصيل العلمي الأدنى, بينما هذه الفوارق قد تسبب الصعوبات بالنسبة لبقية وسائل الإعلام. أما الإذاعة فلا تتطلب بذلك أي جهود من المستمعين , وهكذا لعدد من الناس تعتبر الإذاعة الوسيلة الوحيدة في متناولهم والتي توفر لهم المعلومات عما يجري حولهم. كما أن الإذاعة قادرة على إشراك الناس في الأحداث, إذ أنها تقترب من الاتصال المباشر للفرد بالفرد, ثم أن تأثير الإذاعة أكبر بكثير مما هو عليه في آلة عرض المطبوعات على ناس أقل ثقافة وتعليماً. أي أن الإذاعة من أسهل وسائل الإعلام وأكثرها ملائمة. 
أنها وسيلة ذات التأثير النفسي الاجتماعي الخاص, وذلك يعود إلى قدرتها على التأثير النفسي عن طريق الكلمة والموسيقى والشعارات. 
وإلى جانب هذا كله فإن الإذاعة تعتبر اليوم , وبحق من الأدوات الأساسية لسلطة الدولة. حيث لا توجد حكومة لا تتمتع بمحطة إذاعية واحدة أو أكثر, واليت تمكنها من الحديث السريع إلى الجماهير. والعكس صحيح, فجميع المحاولات لاستلام السلطة كانت تستهدف بشكل رئيسي السيطرة على محطات الإذاعة التي بواسطتها يتم الإعلان الأنظمة الجديدة. حتى أنه يجوز القول أن كل سلطة جديدة وكل قضية مقاتلة لا تكتسب هويتها العلنية إلا بعد الإعلان عن حضورها في الأثير. 
فالإذاعة تقيم العلاقة بالجماهير عامة على اختلاف مذاقها ودرجات استماعها إلى البرامج الإذاعية. فالقوة الجاذبية الواسعة التي تمتلكها الإذاعة, يمكنا التوصل إلى جميع الفئات الاجتماعية, رغم أن ذلك يتم عن طريق البرامج المختلفة. ويجوز القول أن الاستماع إلى الإذاعة يتم بما يسمى بـ" الأذن الثالثة", وفي ذلك تأكيد على أن الناس ينظرون للإذاعة بكونها صديقاً شخصياً لهم, مما يجعل من الإذاعة منظومة جديدة للتعامل والاتصال فيما بين الناس, ووسيط جديد في العالم , وهو الذي يقول عنه ( وايتمان) أن الأولوية فيه تعود إلى اللغة والصورة والنماذج والرغبات الجاهزة. فالإذاعة هي التي تحيط أكثر شي بالفرد بمحاولات الربط بين حياته الشخصية ووقائع العالم الخارجي الأكبر المحيط به. 
تكمن وظيفة الإذاعة في البلدان الديمقراطية في تثقيف الناس وتعليمهم ما يجب أن يعلموه لكي يحسنوا الإجابة على ما تطرحه الأنظمة الديمقراطية من أسئلة. كما أن وظيفتها تتمثل في توفير كافة المعلومات التي يحتاج إليها المستمعون للإطلاع على القضايا التي يواجهونها. أما وظيفتها الثالثة فهي بلورة ثقافة سياسية محددة فيهم تمكنهم من تقييم جوهر وأبعاد هذه القضايا وعرض حلول موضوعية وغير منحازة لها. 
يزداد عدد المحطات الإذاعية يوماً بعد يوم وفي البلدان النامية خصوصاً. وفي معظم هذه البلدان محطات إذاعية حديثة مجهزة بالمعدات النموذجية, بينما معظم الصحف فيها في حالة أسوأ من حيث اليد العاملة أيضاً. 
تدل نتائج الاستفتاء الذي أجرى في البلدان العربية حول وسائل الإعلام, على أن 76% منهم يفضلوا الإذاعة على باقي وسائل الإعلام, فالإذاعة تتحول إلى وسيلة من أهم وسائل الإعلام , كما أنها الوحيدة القادرة على تجاوز ثلاثة حواجز هامة, ألا وهي الأمية والمسافات والنقص في وسائل النقل. 
فما زالت الإذاعة في المرحلة الراهنة تحتفظ بمكانتها الرائدة وتأثيرها على المستمعين. سنذكر هنا بعض فضائلها. 
تعتبر الإذاعة أفضل وسائل الإعلام بالنسبة للمجتمعات التقليدية أو الضعيفة التطور, وذلك بسبب الانتشار الواسع للأمية فيها بالإضافة إلى المستوى المتدني للنقل والمواصلات وعدم التمويل الكافي لعمليات تحسين هذا المجال الحيوي للمجتمع( النقل والمواصلات والتعليم, والطرق, والإعلام). 
أما المجتمعات المتقدمة المعاصرة, فتوفر الإذاعة لمواطنيها المزيد من فرص الاختيار وحرية الإعلام الأوسع بالمقارنة مع باقي وسائل الإعلام مثل الصحافة مثلاً, إذ أن المستمع يستطيع بمجرد حركة بسيطة أن يدير إبرة الراديو فيستمع إلى مختلف محطات الإذاعة في آن واحد تقريباً والتي تعطيه المعلومات والآراء والأفكار والقناعات المختلفة, مما يوفر آخر المطاف الصورة المتكاملة عن القضية التي تناقشها الإذاعات المختلفة وعن تقبلها من الرأي العام في البلدان المتقدمة والنامية. 
هذا وقد خصصنا فقرة في إطار الباب الثالث للبحث تعرض السمات المميزة للإذاعة الفلسطينية منذ نشوئها في الثلاثينات بالإضافة إلى المراحل الرئيسية في تطورها. 
تعتبر فلسطين من البلدان العربية الأولى التي تبنت الإذاعة قوة ثقافية ووسيلة للتأثير على الجماهير. من المعروف أن فلسطين ظلت تحت الانتداب البريطاني منذ الحرب العالمية الأولى. إلا أن تلك الفترة تميزت إيضاً بالنهوض الثوري الكبير الذي اكتسب قوة خاصة في فلسطين والوطن العربي. فبعد أن دخلت القوات البريطانية فلسطين في عام 1914, أصبح الرأي العام يحس بالتخلف مقارنة مع الشعوب الأخرى, وزادت مطالبة برفع الحظر عن استخدام وسائل الإعلام الجماهيري, هذا بالإضافة إلى تعبير أوساط الأعمال المحلية عن نفس المطلب. وتحت هذا الضغط وجدت السلطات البريطانية نفسها مضطرة لتسريح استخدام وسائل الإعلام, وذلك في الفترة ما بين 1929 و 1936. وقد افتتحت محطة الإذاعة الفلسطينية ذات قدرة 20 واط وكانت تسمى بـ" هنا القدس" , وتم بث أول برنامج إذاعي باللغة العربية في شهر نيسان 1939. وتم تعيين الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان مديراً للبرنامج العربي.
أعطت النشرات باللغة العربية دفعاً جديداً لجرة هواة الإذاعة من أجل رفع المستوى الثقافي والوطني للسكان الفلسطينيين. وعن طريق الإذاعة يتم نشر العديد من القيم الثقافية أمثال الشعر والفلكلور, كما أقيم مسرح إذاعي الخ. 
كانت برامج إذاعة "هنا القدس" في أوائل 1937 قابلة للالتقاط في القدس وضواحيها, هذا بالإضافة إلى أن أجهزة الراديو القوية كانت قادرة على التقاطها في مدينة رام الله وغيرها من المدن الفلسطينية وصولاً حتى إلى بيروت ( بواسطة جهاز بث قوي تبلغ قدرته20 ها, 1, 449م, ما يساوي 668كها) . فالإذاعة الفلسطينية رغم الوسائل الفنية البدائية التي تمت بها والظروف غير الملائمة إطلاقاً التي عملت في ظلها, كانت رائدة في مجال وضع البرنامج الفلسطيني. 
كان البث في الفترة ما بين 1939 و 1948 يستغرق 10 ساعات ونصف ساعة يومياً, منها أربع ساعات ونصف ساعة باللغة العربية وثلاث ساعات ونصف ساعة باللغة العبرية وساعتين و نصف ساعة باللغة الإنجليزية وهو برنامج متكون من الإعلانات التجارية والأخبار من نشرات إذاعة بي بي سي , والحوارات والموسيقى الشعبية والترفيهية وللرقص, والمسرحيات الإذاعية. كان عدد أجهزة الإذاعة في فلسطين في تلك الفترة 21 ألف جهاز . أما بعد إقامة ما سمت بدولة إسرائيل بتاريخ 15 أيار 1948, وتقسيم مدينة القدس إلى قسمين عربي وإسرائيلي بالإضافة إلى تقاسم بقية الأراضي الفلسطينية فيما بين البلدان العربية, فقد ظلت إذاعة "هنا القدس" تحت إشراف المملكة الأردنية فأصبحت تسمى بـ "الإذاعة الأردنية" من القدس ورام الله , وذلك حتى سنة 1967.
وبذلك انتهت المرحلة الأولى في تاريخ الإذاعة الفلسطينية , لما كانت خاضعة لمصالح النظام التسلطي وتحولت أكثر فأكثر إلى ركيزة الأوساط والدوائر الحاكمة الموالية للانتداب البريطاني. 
ابتدأ بث برامج المحطات الإذاعية العربية, خاصة إذاعة " صوت العرب" المصرية في الفترة ما بين 1948و 1964, وكانت إذاعة صوت العرب تبث ثلاث أو أربع مرات كل يوم كبرنامج فلسطيني. وفي 1964 ظهرت في الأثير إذاعة صوت فلسطين باسم م. ت. ف, والتي تعود إليها بدايات إذاعة المقاومة الفلسطينية المعاصرة وهي التي تحتفظ المقاومة بتقاليدها حتى يومنا هذا وتواصل تطويرها . 
ويعود دور بارز في إنشاء بنيتها إلى نيقولا الدار الذي وضع الأسس الفكرية والأخلاقية التي اعتمد عليها نشاط الإذاعة. 
فقد استأجرت المنظمة وقتاً من إذاعة الشرق الأوسط التي تبث من القاهرة بموجات 388.1م. بدت إذاعة صوت فلسطين في تلك الفترة ببث برنامجها في إطار 3 ساعات: 
نشرة مسائية وساعة نشرة صباحية وعند العصر. 
وقد جاء راجي الصهيوني, أحد مؤسسي إذاعة صوت فلسطين, من بيروت بكمية كبيرة من الأشرطة الإذاعية المسجلة والأغاني ومختلف المواد للبرامج التي أعدها المكتب الفني. كما أنه جاء بالجداول المسبق لبنية الإذاعة التي كان قد أعدها بمساعدة زملائه من المذيعين والأدباء والصحافيين والفنانين الفلسطينيين واللبنانيين. 
وانتقى راجي الصهيوني عدداً من الناس ليساعدوه في إدارة وتحقيق البرامج الإذاعية في القاهرة, وكان بينهم الشاعر الفلسطيني البارز هشام راشد والمحامي الفلسطيني إبراهيم إسحاق وغيرهما من الفلسطينيين . وانضم إليهم بعض الشباب القادمين من البلدان العربية, الذين ساعدوا على تأليف وتحرير المواد وتحقيق البرامج الإذاعية. 
واستمر العمل بنجاح, إلا أن البرامج ظلت تقليدية إلى حد كبير من حيث توزيع النشرات والمواد والجداول إلى جانب القوالب والأساليب القديمة في الطراز التي لا مفر منها, ونقاط التركيز المعروفة ألخ. فقد كان من المفروض أن تتخذ الإذاعة نهجاً شبيهاً بما اتبعته بقيمة الإذاعات في تلك الفترة, أي نحو تطوير برامجها في اتجاهات متخصصة, إلا أن عدداً من الصعوبات الموضوعية جعلتها غير قادرة على منافسة بعض البرامج الإذاعية الأخرى, خاصة تلك التي تبث من القاهرة , من حيث الجانب المهني والفني.
بذل راجي الصهيوني وزملاءه جهوداً بالغة لإعطاء هذه الإذاعة هويتها الفلسطينية ولقطع تذكره لها للانتقال من الأثير إلى عقل المستمع العربي. لكن أحداث 1967 انقضت على الإذاعة فجأة فوقع على عاتق إذاعة صوت فلسطين عبء لم تكن الإذاعة مؤهلة لتحملها ولم تتمتع بالقدرة الكافية لمواجهة الأحداث المفاجئة , وخاصة الهزيمة الساحقة التي عقبت معارك حزيران من نفس العام والتي كادت تدمر الصمود العربي. 
فقد حدثت تحولات عديدة على الصعيدين العربي والفلسطيني بعد هزيمة 1967, كما طرأ تحولات على منظمة التحرير الفلسطينية , بما فيها أجهزتها ومؤسساتها ومنها إذاعة صوت فلسطين – صوت م. ت. ف. وقد نشأت مؤسسة الإدارة الموحدة الوسائل الإعلام الفلسطيني برئاسة كمال ناصر, وهي التي بادرت في الجمع بين الإذاعتين صوت فلسطين – صوت م. ت. ف. وصوت العاصفة –صوت فتح , في محطة إذاعة واحدة تسمى بـ " صوت فلسطين –صوت الثورة الفلسطينية". 
وبذلك استطاعت إذاعة المقاومة الفلسطينية بكل خبراتها ومهاراتها وكفاءة العاملين فيها أن تكتسب إمكانيات جديدة للانتشار الأوسع والتأثير الأقوى على الآلاف من أبناء شعبنا بطريقة فعالة ومقنعة" إذ أنهم يطمحون إلى هذا الصوت الفلسطيني المستقل والحر الذي يلمسهم كل صباح ومساء بالإشارة المعروفة والمحبوبة سواء في الأراضي المحتلة أم في الشتات بعيداً عن الوطن. 
والباب الرابع يستعرض نشاط إذاعة المقاومة في فترة التفاقم الأكثر حدة لأزمة الشرق الأوسط فيما بين 1968 و 1982 , وهي فترة معقدة للغاية شهدت الضغط القوي على لبنان من الخارج – من طرف إسرائيل , ومن الداخل – من القوة اليمينية, فقد تعرضت المقاومة الفلسطينية للضربات المتلاحقة والتي أجبرتها على التنقل المتكرر لأجهزة البث التابعة للإذاعة, وهي عملية تصاحبها المصاعب البالغة. وقد أدى التغير الظروف إلى تغيير جدول البرامج الإذاعية , كانت هذه فترة تعاقب المراحل السلمية نسبياً بمراحل يغلب فيها الجمع بين العمليات العسكرية والنشاط السياسي, وبين الدبلوماسية والخطوات الدعائية ومراحل الكفاح المسلح الطويلة. 
وقد برزت في تلك الفترة أفضل مميزات الدعاية الإذاعية الفلسطينية , ألا وهي القدرة على الاقتصاد في الوقت الإذاعي , وإنجاز الكثافة في البرامج الإذاعية وقوة الوسائل التعبيرية . هذا بالإضافة إلى أن العمل كان يجري في ظروف المخاطر والمجازفات المستمرة وفي كثير من الأحوال كان البث يتم من خطوط النار نفسها, إذ أن مراسلي الإذاعة الفلسطينية كانوا يدخلون المعركة مباشرة ويخاطرون بحياتهم. فقد استشهد العديد منهم ألا أن البرامج الإذاعية استمرت. كانت هذه فترة المحن البالغة للمقاومة وفترة المنعطفات الخطيرة, وفترة السلام والاشتباكات, فترة المعارك الكبيرة والمناورات السياسية المعقدة. 
فكان على الإذاعة الفلسطينية أن تجد مكانتها من كل هذه التطورات وتحدد خط سلوكها الصائب. فكيف تظهر لنا اليوم , بعد ابتعادنا عن ذلك الزمان؟
في يوم 11/أيار 1968 في الساعة السابعة والنصف مساء دوى لأول مرة صوت إذاعة جديدة وسط الأثير الملء بالأصوات والإشارات , وعرفت نفسها بإذاعة ( صوت العاصفة) , أما العاصفة فهي الجناح العسكري التابع لحركة فتح. 
وكانت أول فعالية من هذه الإذاعة نداء قصير إلى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وجميع الأصدقاء والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية. ورغم أن البث لم يستغرق طويلاً ولم يتم أي إعلان مسبق عنه, فقد استمع إليه عدد من الناس من مختلف الفصائل, أصدقاء , وأعداء, فقد لقي صدى واسعاً , وكما أشارت بعض الصحف العربية حينذاك, امتلك بث هذا النداء قوة إطلاق النار الدقيق على الهدف. وكانت الفكرة المحورية في برامج الإذاعة تحقيق الإرادة الفلسطينية للاستقلال والوطن الخاص والحرية والعدالة. ويمكن القول أن هذه الإذاعة كانت خط حركة فتح بشكل منطقي . 
ودلت الأبحاث التي قمنا بها ارتباطاً بأعداد هذه المادة على أن صحافيي هذه الإذاعة استرشدوا بالمبادئ الأساسية التالية: 
1. اكتشاف واستخدام أصوات جديدة تماماً. لم يسبق أن دوت بأي من المحطات الإذاعية العربية , حتى يبان أنها محطة جديدة للإذاعة الفلسطينية. 
2. عمل الإذاعة بحماس وسرعة من أجل النقل الفوري للأخبار والتعليق الموجز والدقيق عليها. 
3. إذاعة مواد ذات طابع متماسك ونضالي وهجومي, من شأنها أن تقول أهم ما هو في اللحظة. 
4. بعث الإذاعة للثقة لدى الناس بقوة الجماهير وبالنصر النهائي, بالإضافة إلى مكافحة كل ما من شأنه أن يبعث اليأس واللامبالاة. كان هذا هو الاصطدام الرئيسي للنضال. حيث أن المناضلين الشباب لم يواجهوا المحتلين فحسب بل واجهوا اليأس المنتشر في بعض الأوساط والقصور الذاتي الناتج عن معاناة طالت عقوداً كاملة. 
5. إيجاز المواد واستجابتها لمستوى الجميع وقابليتها للفهم من أوسع فئات المستمعين,أي أن تكون المواد موجهة إلى الجميع وليس إلى كوادر الثورة. 
وكانت تفعل قوانين فولاذية: عدم تجاوز المراسلة أو التعليق الأطول لمدة 5 دقائق وعدم تجاوز أطول أغنية لمدة 3 دقائق , وتشكيل نشرات الأخبار بأسلوب البرقيات. 
بذلك أعلنت المقاومة الفلسطينية عن وجودها في الأثير أيضاً منذ 11/5/1968. وكانت هذه هي البداية, ومهما حدث لاحقاً, أن صوت فلسطين لم يسكت حتى ليوم واحد. 
وكانت المهام كبيرة ومعقدة, ألا وهي: التمسك باستقلالية الحركة التحريرية الفلسطينية في مواجهة مختلف المطامع الخارجية, وتوضيح إستراتيجية النضال وتكتيكه وخط المقاومة المسلحة, المقصودة للمعلومات وأعمال التخريب الإذاعي. 
فتحليل البرامج الإذاعية من تلك الفترة ومحتوياتها وأساليب تحقيقها في الأثير في ظل الظروف البالغة الصعوبة لإعدادها وتحقيقها, إنما يؤدي إلى استنتاجات واستخلاصات :
فمنذ بداية عملها تميزت الإذاعة عن ب�

المصدر: د . محمد ناصر الخوالدة . ملخص رسالتي لدرجة الدكتوراة . مقدمة إلى أكاديمية العلوم البلغارية .
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 274 مشاهدة
نشرت فى 15 إبريل 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

359,613