الأديب اللبناني ميخائيل نعيمة يعتبر من رواد جيل النهضة الثقافية التجديدية ، فإلى جانب نظرته الأدبية الفذة فهو شاعر مرهف الإحساس ، عذب الشعور ، يخاطب بكلماته أعماق النفس الإنسانية ، فيغوص بك إلى أعماق من السحر اللغوي الجميل الفاتن ، ومجموعته الشعرية تشهد بهذا الذوق الفني الكبير للشاعر ميخائيل نعيمة ، حيث نلمس ذلك جليا في كتاباته وقصائده ، كما هو الحال في قصيدة النهر المتجمد ، والتي يخاطبه كإنسان ويرثيه بأسمى العواطف ، وسيبطل عجبنا فور أن نكتشف بأن ميخائيل نعيمة ما هو إلا أحد مؤسسي الرابطة القلمية لأدباء المهجر ، وصديق مقرب للأديب الثائر جبران خليل جبران .
ونترككم الآن مع اقتباسات متنوعة لهذا الأديب الرائع :
- لكل كلمة أذن ، ولعل أذنك ليست لكلماتي فلا تتهمني بالغموض .
- عندما تصبح المكتبة ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ؛ عندئذ يمكن القول بأننا أصبحنا قومًا متحضرين .
- متى اتسع نطاق محبتك، اتسع نطاق الجمال في حياتك. لأنك لا تستطيع أن ترى قباحة في ما تحب، ولا جمالاً في ما تكره .
- سمعت مرةً الحوار الآتي ما بين زنجيّ صغير و أمه :
الصغير: لماذا نحن سود يا أمي؟
الأم: لأننا في حداد يا بنيّ.
الصغير: و على من نحن في حداد يا أماه؟
الأم: علاى إخوانك البيض يا بنيّ.
الصغير: و متى ننزع الحداد يا أماه؟
الأم: يوم تسود وجوههم و خجلاً منا و تبيض وجوهنا عطفاً عليهم .
- يقولون إن الحب أعمى, و ذاك خطأ. بل الحب مبصر، و لكنه يرى بعين الجمال فيرى كل شيء جميلاً. لذاك كان الحب خلاصة الحياة. فمتى أحب الناسُ الناسَ تقلصت عنهم كل ظلال الشناعة فرأوا كل ما فيهم جميلاً. و متى رأى الناس كل ما فيهم جميلاً عرفوا الحب. و متى عرفوا الحب عرفوا الحياة.
إذا مشيت في شوارع المدينة أزعجتني مناظر كثيرة، وبعضها كان كالخناجر تطعنني في الصميم، فهذا الضابط الكبير في الجيش ـ لماذا يتبختر في مشيته كأن له ديناً في ذمة الكون؟ ألعله يعتز بالسيف على جنبته أم برنّة مهمازيه؟ وأي خدمة تراه يسديها إلى العالم؟ إنه يتعلم ويعلم فنّ تقتيل الناس وتدمير العامر من مساكنهم ومزارعهم. إنه لا ينتج أي خير. فبأي حق يتجبر ويتكبر؟ وتلك السيدة الملتفة بالأطالس، المتوجة ببرنيطة مثقلة بريش النعام، والجالسة بمنتهى الأبهة والاعتزاز في مركبة تجرها ثلاثة جياد مطهمة ـ من أين أطالسها وريش النعام في برنيطتها؟ ومن أين جيادها؟ وكيف لا تخجل من أن تعرضها على أولئك الذين أبدانهم في الأسمال، وجوههم لا تعرف الصابون؟ وهذه المخازن الفخمة تشع في واجهاتها المجوهرات ـ أي نفع منها للجياع والعطاش والمهانين والمقهورين وجميع الذين لا قدرة لهم على التمتع بشيء من محتوياتها؟ إن عقداً واحداً فيها، أو سواراً، أو قرطاً، أو خاتماً قد يطعم ألف جائع، أو يكسو ألف عريان، أو يبتاع الدواء لألف مريض.
فكم لعنق سيدة واحدة، أو لمعصمها، أو لشحمة أذنها، أو لخنصرها أن تستأثر بمثل تلك الثروة، وأن يكون لها من الشأن ما ليس لآلاف الآدميين ؟