دور الاتصال اللفظي و غير اللفظي في فاعلية نقل المعاني للاطفال
،،،
هناك مواقف مؤثرة في حياة كل إنسان ، يزداد هذا الأثر في مراحل عمره الأولى ، أتذكر حين عادت ابنتي من الحضانة التي التحقت بها و هي في الثالثة من عمرها ،، بوجه شاحب ، و غضب كبير جدا ، لكنها لم تتحدث عن شيء أزعجها او عن أحد ضايقها بل رفضت الكلام ، و استمر الحال ساعات ، اتصلت بالمسئولة في الحضانة فأكدت ان اليوم كان طبيعيا و مر بسلام تام ، لم يهدأ لي بال و ظللت اتحدث مع ابنتي حتى عرفت منها ان معلمة الفصل طلبت من الأطفال عدم الكلام ، و ذيلت ذلك الطلب بجملة ( و لا نفس ) ، فنفذت ابنتي الامر حرفياً و حبست أنفاسها كأنها في تمرين غطس في السباحة و لن ينتهي ، فاذا انشغلت المعلمة التقطت ابنتي انفاسها خلسة حتى شعرت بإجهاد شديد ، و توتر و خوف ، كل ذلك دون ان تشعر المعلمة أن شيئا ما قد حدث في اتجاه خاطيء ، بل استمتعت بفصل هاديء دون مشاكل و من وجهة نظرها مر اليوم بسلام ، و أي سلام !!
في اليوم التالي ذهبت للمديرة للتعرف على كيفية تأهيل معلمات الاطفال بمهارات اتصال اساسية تناسب المراحل العمرية التي يتعاملون معها ، وجدت ان المهاراتالاساسية التي يتم التركيز عليها هي مجموعة صفات على رأسها ، ان تتمتع معلمة الاطفال بالهدوء و الصبر و حسن المظهر و بعض الصفات الاخرى دون تأكيد على قواعد الاتصال و مهاراته لتنمية الطفل و التعامل معه بكفاءة و فاعلية ،
،،
يقوم الاتصال بوظائف شديدة الاهمية في حياة الناس ، منها نقل التجارب ، التواصل بين الناس ،التعليم ، تقديم الارشاد و النصيحة ، المعلومة ، الخبر ، التحذير ، التنبيه ، التهديد ، نقل الافكار و حفظ التراث ، و دمج الافكار و تطويرها ، و غيرها ،
و الاتصال له عدة انواع ، فنجد الاتصال اللفظي و الاتصال غير اللفظي ، اما الاتصال اللفظي فعلى رأسه تأتي اللغة ، و نظم العلامات البنائية ، القوالب الرياضية ، المعادلات ، الاشكال الهندسية ،
و الاتصال غير اللفظي ينقل الرسائل و المعاني و الافكار بوسائل غير الالفاظ المنطوقة او المكتوبة ، و يشمل لغة الجسد ، اتجاهاته و حركاته ، و نبرة الصوت و درجة شدته ، و المؤثرات الصوتية نغمة الصوت ، طبقة الصوت ، و تعبيرات الوجه خاصة تعبيرات العينين و الفم ،
ان المسافة ، و الشم و اللمس و التّذوق ، كلها قنوات لهذا الاتصال غير اللفظي ، و تكمن صعوبة الاتصال غير اللفظي في تعدد اشكاله و قنواته ، و يرى علماء الاتصال انه من الصعوبة حسم الجدل في مظاهر الاتصال غير اللفظي ، و يرى باحثو اثنوجرافيا الاتصال ان الاتصال غير اللفظي يشمل أعضاء الجسم و يتخطى ذلك الى مظاهر اخرى تؤثر في الاتصال بين الناس مثل استعمال العطور و اختيار الثياب و تنسيق الزهور و فنون الطهي و السيرك ، فكلها قرارات و مظاهر للاتصال ، و قد ذهب بعضهم الى قول ان الاتصال غير اللفظي يطابق مجال الثقافة بصفة عامة ،
و العلامات غير اللفظية سواء كانت مرتبطة بالكلام او مستقلة عنه ، هي علامات اصطناعية ترتبط برموز العالم التي اتفق عليها الناس في زمان معين و مكان محدد ، و يشير الى الرموز و التنظيمات و نظم التفكير ، فهو عالم من صنع الانسان ، و يميز الحضارات عن بعضها ، هذا العالم لا يتم توارثه بيولوجيا بل تتناقله الأجيال و تطوره باستمرار التواصل
،،،
يبدأ الطفل في الاتصال منذ ولادته ، ينصت بطريقته حين تتحدث أمه او حين يحادثه أحد ، و خلال أشهره الأولى يتعلم أن يرسل إشارات جسدية يشارك بها في النقاش ، يحرك فمه و وجهه كأنه يستعد لعملية الكلام التي ستبدأ ، و يجهز نفسه لها عضليا ووظيفيا ، و تسمى مرحلة ما قبل الكلام ، و طوال هذه المرحلة لا يملك الطفل الا مهارات الاتصال غير اللفظي ، التي يعبر من خلالها عن مشاعره و رغباته و احتياجاته ، كلها ادوات يتواصل بها دون لغة منطوقة و لا مكتوبة و لا مرسومة ، مجرد حركات و إشارات ، لغة جسد ، و تعبيرات الوجه و حركة اليدين و القدمين ، و البكاء و الابتسامات ، الاقتراب الجسدي من المحبين و المقربين ، و البعد عن الغرباء ، او البعد عن من يغضبه ، ، بعدها تبدأ اولى محاولات الاتصال اللفظي المتمثل في اللغة و نطق الحروف ، حين يبدأ في نطق كلمات واضحة المخارج ، مفهومة المعنى ، ، ثم يبدأ في استخدام اداة اخرى و مهارة من مهارات الاتصال اللفظي حين يحاول الامساك بقلم لرسم افكاره و التعبير عنها ،
يحتاج القائم بالتواصل مع الأطفال إلى معرفة قدراتهم و مهاراتهم واحتياجاتهم وفقا للمرحلة العمرية التي يعيشها الطفل كي نتمكن من الدخول في مواقف ناجحة تنمي الطفل و مدرجاته و افكاره و سلوكياته ، حيث يستقبل الطفل كل انواع الاتصال اللفظي و غير اللفظي ، لكن بدلالات مباشرة وفقاً لخبراته المحدودة ، و اذا لم ينتبه الكبار حين يتعاملون مع الصغار مهارات الاتصال بأنواعها فإننا نتعرض لمشاكل تتراكم عبر مراحله العمرية المختلفة ، و تترسب خبرات و تتكون الشخصية ،
فكيف يمكن التواصل بفاعلية و أثر إيجابي مع الأطفال ؟
دراسات عديدة حاولت ان تقدم دليلا استرشادياً للتواصل الناجح مع الاطفال ، أوصت جميعها بدعم مشاعر المحبة و الثقة و الكرامة و ترك الفرص لهم لاتخاذ بعض القرارات و التشجيع حين يقومون بفعل ناجح او عرض فكرة او انتقاد بعض المواقف و الاوضاع ، كذلك اهمية البعد عن التخويف لانه يؤدي في الغالب لنتائج غير مرغوبة ، و دمج تلبية الاحتياجات العاطفية و الاجتماعية و العقلية سواء في الرسائل الاتصالية المباشرة او غير المباشرة ، فذلك يجعله مندمجاً في مجتمعه و فعالا بصورة اكبر .
اننا نعد الاطفال لحياة مستقبلية سوف تؤتي ثمارا طيبة اذا كانت قنوات الاتصال مفتوحة و مفهومة و ذات دلالات مشتركة بيننا و بينهم ، تعتمد على احساس الطفل بالامان و الثقة و الاحترام له و لافكاره ، ان اخطر ما نطلب من الاطفال هو التزام الهدوء التام قبل ان نستمع لهم فهم قادرون ان يمنحوننا هدوءا وهميا بينما يصارعون افكارا و مشاعر ، لن ندرك الا اثارها السلبية الخطيرة مستقبلا ،