تأصيل فكرة التعايش بين الأديان
تقع على الفلسفة الإسلامية مسئولية التأصيل لفكرة التعايش بين الأديان، وبيان مفهومها لأتباعهم، الذين عادوا في الآونة الأخيرة أشد عداء وكراهية لبعضهم البعض منهم خلال عصور التاريخ القديم، ومن المعروف أن الأصل في كل دين هو إقامة علاقة حميمة بين الإنسان وربه، ثم بينه وبين سائر البشر من حوله والواقع أنه لم يدع دين من الأديان إلى معاداة البشر، فضلاً عن التعصب الأعمى لمعتقداته الخاصة، بل إنه كان يدعو الناس إليه بالحسنى، ويترك مسألة اعتقادهم به لكل منهم، وتبعًا لهداية الله تعالى له أما قصة الحروب الدامية التي وقعت أحيانًا بين أتباع الديانات فإنها ترجع في المقام الأول إلى توسعات استعمارية، كانت – وما زالت – تفرضها ظروف العصور المختلفة، وتستغل فيها ضمن ما يستغل المشاعر الدينية التي توجج حماسة الجماهير.
وأوضح مثال على ذلك ما تمخضت عنه الدراسات التاريخية المتعمقة للحروب الصليبية التي شهدتها أوربا على المشرق العربى، واستمرت قرابة مائتى عام، فقد كانت الدوافع السياسية والاقتصادية هى المحرك الرئيسى لها، بينما استغل الدين ليكون شعارًا أو بالأحرى قناعًا لتغطية تلك الدوافع الحقيقية ولكى نكون منصفين أيضًا لابد من إعادة النظر في الدوافع الحقيقية أيضًا لفتح الأندلس، وإنشاء تلك الدولة الإسلامية التي استمرت ثمانية قرون، ثم ما لبثت أن زالت أركانها، وتبعثرت ريحها، ولم يبق منها سوى بعض المعالم المعمارية الجميلة !!
إن أهمية التعايش بين الأديان في الفترة الراهنة، وكذلك المستقبلية، ترجع إلى أن المسلمين في شتى أنحاء العالم يتعرضون لحملة عداء شاملة يقودها معسكر غالب، يهدف إلى السيطرة عليهم، والتحكم في مواردهم ومصادرهم، وفي سبيل ذلك ، يستخدم كل وسائل الكيد والتشويه، ويكاد يقلب الحقائق، بل إنه يقلبها بالفعل، فيزعم أن الإسلام هو دين الإرهاب، وأن المسلم المتمسك بدينه لا يصلح للاندماج في الحضارة الحديثة، بل إنه يكاد يقول: إن العالم سيكون مكانًا أفضل لو استبعد منه المسلمون ! ولا شك أن الواقع من ناحية، والحقائق من ناحية أخرى تكذب تمامًا هذه المزاعم، فالإسلام هو دين السلام والإخاء والتعاون بين جميع البشر، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، والمسلم الحقيقي هو الذي لا يؤذى أحدًا بلسانه ولا بيده، بل إنه الإنسان الذي يبعد الأذى من الطريق لكي لا يتضرر به أحد !
من هنا يصبح على الفلسفة الإسلامية مهمة أن تستخرج تلك الحقائق الناصعة، ليس من الدين الإسلامي فقط ، بل من سائر الأديان السماوية الأخرى، التي يتعادى أتباعها لمجرد شائعات مغرضة، أو بسبب جهل فاضح ، ثم تنشرها على الناس في صورة مقارنات محددة ومن ذلك على سبيل المثال :
- ما موقف الأديان السماوية الثلاثة من الدعوة للدخول في كل منها ؟
- ما موقفها من التعامل مع غير المنتمى إلى دين منها ؟
- ما موقفها من ممارسة الشعائر الدينية في العلن ؟
- ما موقفها من معاملة المرأة ؟
- ما موقفها من عقاب الخارجين على النظام العام ؟
- ما موقفها من الأنظمة السياسية والاقتصادية ؟
- ما موقفها من عادات المجتمع وتقاليده ؟
وإذا كانت هذه مسائل مطروحة للدراسة المقارنة ، فإنها لا تعنى أن تحاول الفلسفة إثبات تفوق دين على غيره، وإنما يظل الهدف هو توعية الناس على اختلاف معتقداتهم بحقيقة الأديان السماوية وإمكانية التعايش بين أتباعها، بدلاً من التعصب الذي يؤدى إلى الصدام والدمار!!
ساحة النقاش