الفلسفة الإسلامية و حوار الثقافات :

لا يوجد في العالم كله، في العصر الواحد، سوى حضارة واحدة أما الثقافة فإنها تتعدد بتعدد المجتمعات، بل إنها تتنوع بالاختلافات بين المجموعات العرفية والجغرافية والدينية داخل المجتمع الواحد، بل إن الثقافة تكاد تتنوع بتنوع الأفراد أنفسهم، أما الحضارة فهي عبارة عن مجموع وسائل التقدم المادى، وأنماط الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعم العالم كله؛ لذلك فإنني لا أتردد في أن أعلن هنا خطأ المصطلح الذي راح يشيع مؤخرًا وهو "حوار الحضارات" على أساس أنه لا توجد في وقت واحد حضارتان يمكن التحاور بينهما، وإنما الصحيح أن يقال إن الحضارات تتداخل، لكن الغلبة تكون عادة لحضارة واحدة، هى التي تشيع على مستوى العالم ، أو على الأقل، بين أكبر عدد من شعوبه المتمدنة وهكذا يصبح من واجب الفلسفة الإسلامية أن تبين هذا المفهوم، وأن تعلنه بكل وضوح لأولئك الذين يضيعون جهودهم وأوقاتهم في إقامة بنيان لا أساس له، أما محاولة الموازنة أو المقارنة بين الحضارات فمكانه الدراسات التاريخية المقارنة، ولا يدخل في ذلك الجدل الدائر حاليًا بين الغرب والمسلمين، والذي حاول كل من هينتجتون، وفوكوياما أن يرسخه من خلال تلك الآلة الإعلامية الأمريكية الهائلة، وفي تصوري أن هذه المحاولة شريرة الدوافع؛ لأنها تريد أن تقول للأسد الأمريكى: إن هناك أسدًا إسلاميًا آخر، يريد أن ينقض عليك، مع أن الحضارة الإسلامية قد ضعفت منذ مئات السنين، وجاءت بعدها الحضارة الغربية الحديثة التي يعيشها العالم حاليًا، بل ويعيش المسلمون أنفسهم في إطارها وتكاد هذه المسألة تكون طبق الأصل من الحكاية التي درسناها في المدرسة الابتدائية عندما حاول الأرنب الذكي التخلص من الأسد، فأوهمه أن هناك أسدًا آخر ينافسه يعيش في بركة مجاورة، وعندما اصطحب الأسد إلى هناك، نظر في الماء فوجد خياله انقض عليه، ظانًا منه أن هذا هو منافسه العنيد !!

لا يوجد إذن ما يسمى حوار حضارات كما لا يوجد حوار أديان، وإنما الممكن وجوده بالفعل هو حوار الثقافات، الذي يتطلب أولاً : محاولة فهم ثقافة كل مجتمع أو جماعة، ولا شك أن الفهم الجيد يستلزم المعايشة الطويلة والتعاطف إلى حد ما مع أصحاب تلك الثقافة. ثانيًا:عدم الاستهزاء بعناصر أي ثقافة أخرى والاستعلاء عليها؛ لأن كل ثقافة ترتبط عضويًا بمكونات اجتماعية وجغرافية وتاريخية إلى جانب معتقدات راسخة. ثالثًا: القيام موضوعيًا بعرض تلك الثقافة في كل جوانبها، دون إصدار الأحكام عليها، وأن يترك ذلك لأصحابها الذين من حقهم وحدهم أن يعدلوا منها أو يهذبوا عندما يطلعون على ثقافات الشعوب الأخرى، وهكذا يمكن أن يصبح لدينا متحف لثقافات العالم المعاصر، يمكن وضع كل منها في لوحة، تمامًا كما نضع اللوحات الفنية في متحف لكي يزوره الناس من كل أنحاء العالم. إن مثل هذا العمل الذي هو من صميم مهمة الفلسفة الإسلامية جدير بأن يزيد من "حالة التعارف" بين المجتمعات التي فرقت بينها أنماط الحضارة الحديثة، وجعلت كلاً منها لا يكاد يرى في المرآة سوى ذاته.

 

Dr-mostafafahmy

د/ مصطفى فهمي ...[ 01023455752] [email protected]

  • Currently 24/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 262 مشاهدة

ساحة النقاش

مصطفى فهمي

Dr-mostafafahmy
فلسفة الموقع مهتمة بتحديد طريقة الحياة المثالية وليست محاولة لفهم الحياة فقط. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

500,004