وسطية للثقـافــة والحـوار

اشراف: صالح أبو العباس

 

لست أدري من أين أبدأ الحديث عن أبي رحمه الله .. هل أتحدث عن إرهاصات مولده أم عن عبادته.. أم زهده أم عن سلامة صدره.. أم عن ذكره لله .

رأي جدي في منامه رؤيا أنه سينجب ولدين هما الحمزة والعباس.. فتوفي عمي العباس بعد موته بقليل.. فأنجب جدي ولدا ً آخر.. فكان والدي الحاج أبو العباس ـ رحمه الله ـ.

ولكن لم يهنئ الطفل بحضن أبيه وحنانه ودفئه.. حيث توفي جدي وكان أبي في الثانية من عمره .. وتوفيت أمه وهو في السادسة من عمره.. فربته شقيته الكبري ـ رحمها الله ـ فانتقل أبي من محافظة سوهاج في سن صغير.. حيث استقر به الأمر في عروس البحر الأبيض المتوسط ومنارة الثقافة محافظة الإسكندرية بعد أن طاف علي كثير من بلدان مصر المعمورة .. عاملا في مهن كثيرة ومتعددة.

لست أدري هل أتحدث عن مولد أم عن جهده وجهاده وكفاحه .. لست أدري أتحدث عن كفاحه أم عن زهده وعباده أم عن ذكره لله.. أم عن سعيه في الإصلاح بين المتخاصمين أم سلامة صدره أم عن طيب شمائله.

لقد كان أبي من عوام الناس البسطاء كما كنا نسميهم نحن أبناء "الحركة الإسلامية".. ولكنه كان سنيا ً يملك قلب صوفي.

كان أبي رحمه الله مثالا حيا ً يتمثل فيه قول الإمام الروزبارى في تعريفه للمتصوف الحقيقي حيث قال :

"الصوفي من لبس الصوف علي الصفا.. وأطعم نفسه طعام الجفا.. وسلك طريق المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ"

فكان أبي رحمه الله علي كثرة ملابسه الجديدة ؛ لا يلبس إلا الخشن و لا يأكل إلا ما يتقوي به علي العبادة، وحينما كنت أحاول أن أثنيه عن ارتداء هذه الملابس ،وأكل هذا الطعام الخشن .. يرد علي قائلا : "رضينا بالمرقع وأكل الجراية ، بكرة تقوم القيامة ويبان من له العناية" .

أما عن قلبه فقد صفي من جميع الأحقاد والبغضاء والحسد.. فكان رحمه الله لا يحمل حقدا لأحد ولم يعرف قلبه طريقا للحسد ..
فكان يعلمني عمليا ً خلق الصحابي الجليل الذي كان يبيت لا يحمل حقدا لأحد.. فأخبر عنه النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ أنه من أهل الجنة .

أما عن ذكره لله .. فكان لأبي رحمه الله ورد لذكر الله ـ عز وجل ـ لا يقل عن عشرة آلاف مرة .. أشهد الله أنني ما رأيته في صباحه ولا في مساءه ولا في فراش نومه إلا وجدت المسبحة في يده يسبح ربه ويعظمه ويقدسه .. فكان من كرامات ذكره لله أنه حينما أصيب بارتفاع في ضغط الدم قبل موته بعامين توقف لسانه عن الكلام تماما ً إلا عن قول "لا إله إلا الله "والحمد لله ".

رحم الله أبي رحمة واسعة.. فقد كان زاهدا ً عابدا ً صوفيا ً تقيا ً نقيا ً.. لا يعرف قلبه طريقا للحقد والحسد.. وللحديث بقيه إن شاء الله

wasatya

وسطية للثقافة والحوار

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 70 مشاهدة
نشرت فى 24 مايو 2014 بواسطة wasatya

وسطية للثقافة والحوار

wasatya
نافذة للرأى الحر الوسطى المعتدل من كل طوائف الشعب المصرى والعربى والاسلامى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,362