وداعا أبو العباس
بقلم/ عصام السباعي
توقف لسانه عن الكلام تماما إلا عن قول "لا اله إلا الله" و "الحمد لله" .. ولكن ذاكرته ما زالت تعمل بكامل قوتها .
مر شريط ذكرياته أمام عينيه منذ لحظة ولادته لأب يتوفى بعد ولادته بعام.. وأم تتوفى بعد ولادته بستة أعوام.. شعر باليتم منذ هذه اللحظات وبدأ يتحمل المسئولية وهو فى سن صغير ..
بدأ يكافح ويعمل وينتقل فى مهن شتى وفى بلدان شتى .. ولكن ذلك لم يكن ليبعده أبدا قيد أنملة عن زهده وعبادته وتقربه لله عز وجل.. بل كان عاملا عابدا ًراضيا ً بما قسمه الله خاليا من الأحقاد على عباد الله لا يحمل حقدا ولا بغضا ً ولا حسدا ً لعبد من عباد الله.
يستمر شريط الذكريات فى استعراض ما مر به من أحداث وما ألم به من ملمات وما عايشه من ابتلاءات.
يتداعى أمام ناظريه مشهد تعرض أحب الناس اليه لتقييد الحرية فى ظلم واضح بين لا لشىء الا لأنهم يبتغون وجه الله يتداعى في المقابل أمام عينيه فضل الله عليه من رضا بالقضاء ومن حب متبادل لكل من حوله من زوجة وفية وأبناء بارين بوالديهم ورفقاء المسكن ورفقاء المسجد.
الكل بلا استثناء يحبهم ويحبونه.. يستمر شريط الذكريات فى سرد ذكرياته.
تتداعى أمام عينيه مشاهد زواج بناته الأربع .. ها هى الكبرى تتزوج من الطبيب المشهور صاحب مبادرة نبذ العنف .. وها هي الثانية تتزوج من رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية.. والثالثة تتزوج من محاسب كبير .. وأخيرا ً الرابعة المهندسة التى تتزوج من مهندس مثلها ..يحمد الله كان الأزواج جميعا من الصالحين.
الآن يشعر أنه أكمل رسالته.. البنات تزوجن .. الأبناء كل منهم شق طريقه ، يقول فى نفسه: "الحمد لله"
يروح في إغماءة يستيقظ منها وهو يردد: "الحمد لله الحمد لله.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا ً رسول الله".
يخيم الصمت على المكان.. تصعد الروح الى بارئها.