د ناجح إبراهيم يكتب : يوم 25 يناير.. عيد .. أم و عيد؟
أغرب ما يحدث فى مصر الآن أن كل شىء شبه متوقف فى الحياة العامة انتظاراً لمرور ذكرى 25 يناير.. فالمريض الذى يحتاج لعملية جراحية فى القاهرة أجلها حتى يمر 25 يناير.. وأصحاب المطالب الفئوية قاموا بتأجيلها إلى ما بعد 25 يناير حتى لا يدخلوا فى معمعة الصراع.. وإذا طالب مصرى آخر بسداد دينه قال له: بعد 25 يناير «أنت مش شايف الدنيا خربانة».. وإذا أراد بعض الشباب افتتاح مشروع أجلوه إلى ما بعد مرور الذكرى بسلام.. وإذا أرادت نقابة أو هيئة علمية أو مؤسسة دراسية أو جامعة عمل مؤتمر علمى أو بحثى أجلته إلى ما بعد 25 يناير حتى ترى ماذا سيحدث وحتى لا يقع أى مكروه للمؤتمر والحاضرين.. وإذا أرادت شركة سياحية استقدام فوج سياحى أخرته حتى يمر هذا اليوم بسلام.. وكل أب يحذر أبناءه من الخروج بسياراتهم فى يوم 25 يناير.. أو يسافرون إلى القاهرة فى الأيام السابقة واللاحقة ليوم 25 يناير مهما كانت الأسباب.
أما الأغرب منه أنه كلما اقترب هذا اليوم.. كلما ازدادت نبرة التهديد والوعيد من الإخوان وحلفائهم ضد الجيش والشرطة والحكومة.. تهديد بالويل والثبور والحرق واحتلال الميادين وأنهم سيرون يوما أسود من شعر رأسهم.. وأنهم الثورة الحقيقية وأن الشعب المصرى كله خلفهم.
أما الشرطة والجيش فيردون التهديد بما هو أقوى منه وأن زمن اقتحام السجون والأقسام قد ولى ولن يعود.. وأنها تهدد كل من يقترب منها بالهلاك لا محالة.. ومن أراد أن يجرب فليقترب.. وأن الشعب كله خلفهم.. وأن ثورة يناير وأصحابها معهم.
والخلاصة أن كل شىء فى مصر قد تعطل وتوقف أو تأجل حتى مرور هذه الذكرى.. وأصبح كل مصرى يضع يده على قلبه فى كل عام فى ذكراها.. وقبلها ومعها تصاب الأمهات بالذعر وتلهج الألسنة بالدعاء أن يسلم الله المصريين جميعا ً فى هذا اليوم وأن يحقن دماءهم جميعا ويحفظ أموالهم وبلادهم وأولادهم وجيشهم ومنشآت الدولة والأفراد من الحرق.
لم أكن أتصور أن هذه الذكرى ستتحول إلى يوم ترقب وخوف وحذر من ملايين المصريين البسطاء فى كل عام.. ولم أكن أتصور أن تتحول أيام الثورة وذكرياتها الجميلة إلى كابوس سنوى يستعد فيه كل فصيل لدحر الآخر وتدويخه وجعله لا ينام الليل.. وأن يحاول الفصيلان المتحاربان الآن الدولة ومؤسساتها والإخوان وحلفاؤهم أن يسبق كل منهما الآخر إلى الميادين ويحتلها قبل الآخر.. ليعلن ثورة جديدة.. أو يحتكر الثورة وحده دون الآخر.
كان المسيحى والمسلم والإخوانى فى أيام الثورة سويا فى كل الميادين وعلى رأسها ميدان التحرير فهل يستطيعان الآن أن يكونوا سويا ليوم واحد وليس لمدة 18 يوما.
كان السلفى والإخوانى فى حالة حب وود متآلفين فى ميدان التحرير لمدة 18 يوما ً.. فهل يستطيع أحدهما أن يطيق الآخر ساعة واحدة بعد أن خون وبدع وشتم وجرح وأهان بعضهم بعضا.
كان الجيش والشعب بفصائله «أيد واحدة» فى أيام الثورة.. فهل يطمأن الإخوان وحلفاؤهم للجيش ويركبون مدرعاته ويلتقطون الصور مع أولادهم عليها كما كان يحدث فى الأيام الأولى للثورة.. ويعانقون الجنود.. أم أن كل فريق نفر من الآخر وارتاب فيه وشك فى كل حركاته وسكناته بعد أن فجر بعض الإسلاميين مدرعات الجيش وبعد أن فض الأخير اعتصام رابعة بالقوة.. وبعد أن ملأ الإخوان جدران مصر كلها بسب وشتم الجيش وقادته.. وبعد أن حرم الجيش الإخوان من أول وأهم فرصة للحكم جاءتهم فى حياتهم نتيجة لرغبة الإخوان فى قيادة الدولة بعقلية الجماعة.. وأعادهم إلى المربع صفر ونقلهم من سعة القصور إلى ضيق السجون.. إننى أفكر طويلا ً متى سيلتئم هذا الجرح العميق بينهما.. وأعتقد أن هذا الجرح سيحتاج لسنوات طويلة حتى يلتئم.
استرجع أحيانا مظاهر 25 يناير حيث كانت المنتقبة تشارك المتبرجة.. والاشتراكى واليسارى والليبرالى يقف إلى جوار الإخوانى والسلفى فى محبة ومودة.. فهل يستطيع هؤلاء أن يقفوا ساعة واحدة فى أى ميدان دون تخوين وصراع ودماء الآن.. ودون أن يرفع البعض شعار «رابعة» والآخر شعارات «علامة النصر».. أو يغنى البعض «تسلم الأيادى» ليرد البعض «تتشل الأيادى» بنفس اللحن.. مع أنغام الكراهية والمقت المتبادل التى غزت القلوب والنفوس.
هل يستطيع اليوم أحد أن يجلس إلى أحد.. أو يتحاور مع منافسيه السياسيين.. أو حتى يطمئن إلى الآخر.. لقد غزا الرصاص والمولوتوف والمتفجرات المشهد.. فهذا يضرب بالغاز وبالرصاص.. والآخر يضرب بالمتفجرات ويحرق بالمولوتوف.
استرجع المشاهد من ثورة 25 يناير.. المشهد تلو الآخر لأنظر كيف فعل الزمان بنا وبها.. وكيف دمرنا كل شىء جميل فيها وفينا.
أتخيل مشهد الشباب الجامعى الراقى والميسور وقد نزل إلى الشوارع فى القاهرة والإسكندرية وغيرهما لينظفها والميادين ليحميها والأرصفة ليطليها.
وأعيش اليوم مع شباب يصارع بعضه بعضا.. ويحطم كل منهما ما حوله.. ليقذف كل منهما الآخر أو يحاصره حتى لو كان أستاذه الجامعى أو زميله الذى يؤدى الامتحان من أجل مناصب زهد فيها الذين ماتوا أيام الثورة فى صمت والذين كانوا سببا ً فى نجاحها وضحوا من أجلها فى صمت ودون ضجيج.. والذين تعففوا عن الأجر فضلا ً عن المال السياسى الحرام.
واليوم يتخندق كل فصيل حول نفسه.. ويضع حول نفسه الأسوار العالية خوفا من الآخر وبطشه.. الإخوان يتخندقون.. الأحزاب الليبرالية واليسارية تتخندق.. المسيحيون يتخندقون.. الجيش يتخندق.. الإعلاميون يتخندقون.. كل يخشى الآخر على نفسه ولا يخاف مكره ولا يأمن شره.. وليصدق فيهن قول النبى صلى الله عليه وسلم «من لا يأمن جاره بوائقه» أى شروره.
والآن.. هل أصبحت ذكرى الثورة فى 25 يناير مبعث قلق للمواطن البسيط الغير مؤدلج والذى لا دخل له بالصراع السياسى، وفزعا للأمهات والآباء والحكماء والعقلاء؟!.
وهل أصبحت الذكرى بابا ً للصراع السياسى والدموى؟
أم أنها أضحت نذيرا لمزيد من الدماء والقتلى والجرحى والسجناء والتفجيرات فى بلد كان آمنا وأصبح يعج بالدماء؟!!.
أم أنها ستظل عيدا للمصريين ومبعث سعادة وفرحة لهم؟!
وكيف تأتى السعادة وكل طرف يجهز لذبح الآخر فيه ومغافلته فى الميادين؟!
ترى من الذى تسبب فى تحويل هذا اليوم من الفرحة للغم.. ومن العيد للوعيد.. ومن النعمة للنقمة.. ومن اليسر للعسر.. ومن الرخاء للشدة.. ومن الأمل لليأس.. من المسؤول منا؟.. أعتقد إننا مسؤولون جميعا ً عن ذلك وأن الصراع على السلطة هو السر الأعظم وراء ذلك.. وأن عشق الكراسى هو من أبطل الفرحة وآتى بالغمة!!!
نقلا من موقع اليوم السابع
نشرت فى 23 يناير 2014
بواسطة wasatya
وسطية للثقافة والحوار
نافذة للرأى الحر الوسطى المعتدل من كل طوائف الشعب المصرى والعربى والاسلامى »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
23,971