لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك لبيك
وقف الحجيج يرددونها جميعا ً وتهتف بها قلوبهم ومشاعرهم وضمائرهم.. لا فرق هناك بين مصري ومصري لا فرق بين ضابط جيش أو شرطة أو إخواني أو سلفي أو ليبرالي أو اشتراكي.. ولا أسود ولا أبيض ولا أصفر.
لا فرق بين مسلم عربي أو أمريكي أو أوربي أو أسيوي أو أفريقي أو هندي أو باكستاني .
فكلهم مسلمون.. وكلهم يعبد إلها ً واحدا ً.. ويتوجه إلي بيت واحد .. وقبلة واحدة.. ويلبسون ملابس واحدة .. ويؤدون مناسك واحدة.. كلهم يرفعون راية واحدة هي راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.
يقفون سويا ً بعرفات في وقت واحد.. ويغادرونها في وقت واحد.. ويحلقون في يوم واحد.. ويرمون الجمرات بطريقة واحدة.
لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لا لك لبيك .. لبيك طاعة وعبادة.. ودورانا ً مع شرعك وأوامرك وإن خالفت هوى نفوسنا ورغبات ذواتنا .
ينبغي علينا أن نخلع انتماءاتنا السياسية والحزبية وننسى صراعاتنا السياسية أو الفكرية أو المذهبية قبل أن ننوي السفر إلي الحج ..
في الحج كل الناس سواء ..وإذا كانوا قد خلعوا ملابسهم فمن باب أولى أن يخلعوا عصبياتهم لأقوامهم وأفكارهم وجماعاتهم ودولهم .. وأن يخلعوا كل ولاءاتهم الدنيوية ليوجهوا الولاء كله لله الواحد.
فلا يكتفوا بخلع ملابسهم العادية ولبس ملابس الإحرام لكي يتوحد مظهرهم بل عليهم أن تتوحد قلوبهم ومشاعرهم لتتوجه إلى الله وحده.. ترجو رحمته وتخاف عذابه.. تتوسل إليه دون سواه.. توالى فيه سبحانه وتعادي.
ليس في الحج رايات ولا شعارات سوى هتاف "لا إله إلا الله .. ولبيك اللهم لبيك" .. لا هتاف هناك إلا للواحد القهار .
فلا مكان هناك أن تهتف لحزب أو جماعة أو نظام أو ملك أو رئيس أو دولة مهما علا شأن هؤلاء .. فالله سبحانه أعلى شأناً وأعظم قدراً.
إنها أيام الإخلاص والتجرد لله .. لا فضل هناك لأحد على أحد .. تزول الرتب والدرجات.
هناك عند عرفات وفي منى وعند الكعبة وفي البيت الحرام وفي المسجد النبوي .. هناك فقط تغسل الضمائر من أدران السياسة .. وتنقي القلوب وتتطهر من صراعاتها القذرة وأكاذيبها وغدرها .. هناك تزول الإحن والأحقاد التي ولدها الصراع علي السلطة والكراسي الزائلة .
هناك يوقن الجميع أن هذا الكراسي لا قيمة له ولا قدر .. فلا هتاف لرئيس ولا زعيم ولا جماعة ولا حزب ولا دولة .. ولكن الشعار الوحيد الذي ينطلق من قلوب الملايين في كل عام " لبيك اللهم لبيك " لبيك في الفقر والغنى .. وفي الشدة والرخاء .. وفي العسر واليسر .. لبيك شاكرين .. لبيك صابرين .. لبيك في شبابنا وشيخوختنا.
لبيك يارب .. فأنت أبقى من أحزابنا وزعمائنا وأبقى من كراسي السلطة مهما علت ..
فمتى نعيش في هذه المعاني.. فندور حول الشريعة ولا ندور حول ذواتنا وأحزابنا وآرائنا وأفكارنا وأصنام كراسينا .
فمتى ندور مع الإسلام حيث دار .. وندندن حوله حيث كان .. فالإسلام باق وكل ما سواه زائل .. فمتى نقدم الإسلام والأوطان علي ما سواهما
إنه درس الحج العظيم الذي ننساه سريعا ً لنعود لنتلبس بالدنيا وتتلبس بنا .. ومعها كل شياطين المال والجاه والفساد .. ومعهم مكر هؤلاء الشياطين بالليل والنهار