وسطية للثقـافــة والحـوار

اشراف: صالح أبو العباس

 أوَدُ أن أهنئ جميع حُجاج بيت الله الحرام بأداء هذه الفريضة العظيمة ، وهذا الركن الخامس من أركان الإسلام.. فتقبل الله منا ومنكم .. وحمداً لله على سلامتكم .. وحجاً مبروراً وذنباً مغفوراًوسعياً مشكوراً .

نقف اليوم وقفة تأمل وتدبر وتفهم وتطلع للفائدة المرجوة والنفع المأمول من وراء هذه الفريضة الجامعة ومقاصدها الشاملة للعديد من الجوانب. فهل لنا أن نطيل النظر ، ونمعن الفكر ، في كيفية استثمار هذا الموسم الإيماني والتجمع السنوي الهائل لرموز الفكر والرأي وأهل الخبرة في كل المجالات ليعود الحجاج بالمنفعة العامة على سائر الأمة المسلمة ؟!!!

فالناظر في قوله تعالى: " وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ........." . يجد أن كلمة "منافع" هنا جاءت نكرة تفيد العموم والشمول.. ومطلقة غير مقيدة بنوع معين من جوانب المنفعة.. وكأن الله سبحانه وتعالى الحكيم يُريد منا أن لا نقصر الحج وموسمه ومناسكه على المنفعة التي تعود فقط على الفرد روحيا ً وإيمانيا ً دون التي تعود على وطنه وبلده وأمته ودينه وجموع المسلمين وقضاياهم الهامة ومَآسيهم التي تشيب لها الولدان .. بل وعلى نهضتهم وصحوتهم ورقيهم وقوتهم ووحدتهم .

فأين منفعة الجماعة والأوطان والبلدان قضايانا العامة والكلية لأمة في وقت نحن أحوج إلى مثل هذا التجمع الإيماني والبشري من كل عام في ذات الزمان والمكان والكثافة ؟ فما أحْوجنا اليوم إلى أن يستثمر جموع الحجاج من الحكام والقادة والدعاة والعلماء والمفكرين وأهل السياسة والمتخصصين في شتى مناحي الحياة هذا الموسم والتجمع السنوي الهائل فيما ينفع الإسلام والمسلمين والأوطان في كل بقاع الدنيا :

دعوياً : في نشر وتنشيط وتنسيق وتطوير الدعوة الإسلامية .

وتربويا ً: في معالجة أمراض الأمة وانتشالها من كبوتها وتهذيب أخلاقهم .

وثقافيا ً: في نشر المفاهيم الصحيحة عن الإسلام ومحاربة الغزو الثقافي والفكري لعقول المسلمين وأبنائهم . وسياسياً : في إذكاء روح الوحدة بين الشعوب الإسلامية والتشاور فيما ينفعهم ويعلي شأنهم.

واقتصاديا ً: في بحث سبل دعم وتدعيم وتعاون البلاد الإسلامية والاستفادة من خبراتهم الاقتصادية للنهوض اقتصادياً ومالياً ببلاد المسلمين. واجتماعيا ً: بالاهتمام بقضاياهم ومشاكلهم واحتياجاتهم ورعايتهم ليكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر البلدان بالتكافل والتكامل والتعاون

ولقد استثمر رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) هذا الموسم العظيم في المنفعة العامة حينما قطع العلاقة وأنهى المعاهدة مع العابثين بالمعاهدات معه وأصدر لجميع الحجاج تعليماته بذلك .. وأيضا في حجة الوداع المعروفة.. وأرْسى مبادئ وقواعدَ حاكمة للأمة المسلمة وسائر جوانب الحياة.. واستثمره الخلفاء بعده في لقاء الولاة والأمراء والقضاة والفقهاء والعمال والجند للتباحث في شئون الدولة والأمة الإسلامية . ولقد تأملت في قوله تعالى : " الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ "

فقلت في نفسي : أليس من تقوى الله وعبادته في موسم الحج الاهتمام بشئون المسلمين في العالم !! و حل مشاكلهم ورفع الظلم عنهم وحقن دمائهم وتبصيرهم بما ينفعهم ؟!!! ..فإذا كانت في مناسك الحج منفعة .. فالنظر في قضايا الأمة منفعة أيضا .

وأخيرا ً: يا ليت إخواننا الحجاج وأصحاب الفكر والرأي يجعلون في ذهنهم مع تلبيتهم: "لبيك اللهم لبيك .. لبيك نفعا ً لإخواننا في مصر و بورما وسوريا وفلسطين وغيرها ولأوطاننا وبلادنا وأمتنا ولقضايانا ولمآسينا وهمومنا ومصالحنا ونهضتنا اجتماعيا واقتصادياً وسياسياً وثقافياً .. لنشهد فعلا كما أراد الله لنا في فريضة الحج ومناسكه منافع.. تحقيقاً لقوله " لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ " منافع تعود على الفرد كما تعود بالنفع على الجماعة والأمة وسائر أوطان المسلمين ...

نسأل الله لنا ولكم حج بيته مرارا ً وتكرارا ً .. وأن يعود جميع الحجاج لبيوتهم سالمين غانمين آمنين .. وأن يعود النفع لهم ولأمتهم .. وسائر بلام المسلمين ..

wasatya

وسطية للثقافة والحوار

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 64 مشاهدة
نشرت فى 18 أكتوبر 2013 بواسطة wasatya

وسطية للثقافة والحوار

wasatya
نافذة للرأى الحر الوسطى المعتدل من كل طوائف الشعب المصرى والعربى والاسلامى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,974